قضايا معاصرة

المواد الإباحية مباحة ما هي التداعيات والنتائج؟
إعداد: ريما سليم ضومط

«كنت في الخامسة عشرة من عمري عندما بدأت أشاهد الأفلام الإباحية بعد أن اشترى لي والدي جهاز كمبيوتر محمول. ظننت حينها أنني أقوم بما يفعله أي مراهق. لكن الأمر لم يتوقف هنا...».


يتابع الشاب دانيال سيمسون روايته: في البداية كنت أشاهد بعض الصور، وأتصفّح المواقع، وبسرعةٍ كبيرة انتقلت إلى مشاهدة الأفلام بمعدل ساعتين في اليوم. مع مرور الوقت، تحوّل السلوك الذي كنت أعتبره غير مؤذٍ إلى إدمان خطير. لم تعد المشاهد العادية تثيرني، فصرت أبحث عن أفلام ذات محتوى شاذٍّ ومنحرف، وكنت كلما تعمّقت فيها ازداد طلبي لها.
بقيت على هذا المنوال لمدة ستة أعوام، قضيتها في حالة إنكارٍ تام لمشكلة إدمان الإباحية. خلال هذه السنوات تراجعت علاماتي في الدراسة، كما تراجعت أيضًا حياتي الاجتماعية ولم أعد قادرًا على التركيز على الأنشطة اليومية العادية. أما أسوأ ما أصابني، فهو أنّني لم أعد أنجذب إلى النساء لكثرة ما شاهدت من الصور الإباحية. شعرت بالفزع. لم أعد أعرف الصح من الخطأ، وقرّرت حينئذٍ أن ألجأ إلى حلٍّ من اثنين، إما أن أنتحر أو أن أتعالج، فاخترت الحل الثاني. خضعت لفترة علاج من الإدمان على المحتوى الإباحي عانيت خلالها أعراضًا شبيهة بأعراض العلاج من المخدرات: «الكثير من التقلبات المزاجية، ليالٍ بلا نوم، تعرّق بارد، وأحيانًا، كان جسمي كله يهتز من دون أن أعرف السبب».
في النهاية تمكن دانيال سيمسون من التغلب على إدمانه، بحسب ما أشارت الصحف الإلكترونية التي نشرت قصته. لكن المجتمعات بأسرها ما زالت تعج بالآلاف من أمثال سيمسون ممّن انجرفوا في سن المراهقة أو الطفولة في تيار «البورنوغرافي» بعد أن دفعهم إليه فضول بريء، عملت على تغذيته صناعة عالمية بعيدة في نواياها كل البعد عن البراءة.
المحتوى الإباحي خطرٌ يومي يهدّد بغزو بيوتنا والسيطرة على أولادنا، فكيف نحميهم؟

 

صناعة وتجارة
البورنوغرافيا أو المواد الإباحية صناعة قائمة بحدّ ذاتها يتمّ التسويق لها على مستوى عالٍ، إذ تبلغ نسبة أرباح أفلامها المنشورة على الإنترنت 3 آلاف دولار في الثانية.
من ضمن أهداف هذه الصناعة الوصول إلى الأطفال والمراهقين الذين يشكلون شريحة مهمة من الزبائن قد تستمر مدى الحياة. وهي في استهدافها الفئات العمرية الصغيرة، تعتمد أكثر الوسائل المتاحة بين أيدي الصغار أي شبكة الإنترنت، كما تستخدم أسماء بعض شخصيات الكرتون المفضّلة لدى الأولاد في مواقع إباحية كي توقع بالأطفال وتجرهم إليها بمجرد أن يُدخلوا اسم شخصيتهم المفضّلة في خانة البحث.
في هذا الإطار، يوضح الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي الدكتور نبيل خوري أنّ المحتوى الإباحي بات متاحًا بسهولةٍ أمام الأولاد حتى وإن لم يقوموا بالبحث عنه شخصيًا، فهو يمكن أن يصل إليهم عن طريق الصدفة عبر الإعلانات popups التي تقفز أمامهم على الشاشة، والتي بمجرد النقر عليها، تفتح نافذة لصورٍ غريبة في محتواها وقد تكون إمّا مثيرة أو صادمة للطفل أو للمراهق، لكنّها في الحالتين تدفعه لطلب المزيد منها بغية إشباع فضوله في ما خصّ العلاقات الجنسية. وهو عبر مشاهدة هذا المحتوى يشعر بشيءٍ من المتعة واللذّة، ما يدفعه إلى معاودة التجربة، فيعزّز بالتالي مشاعر اللذّة، وشيئًا فشيئًا تزداد الرغبة في تكرار المشهدية الممتعة، إلى أن تتحوّل إلى الإدمان، حيث تصبح مشاهدة الأفلام الإباحية شغله الشاغل وتلهيه لا عن دراسته فحسب، بل أيضًا عن مختلف نشاطاته الأخرى لا سيما الاجتماعية منها.

 

أضرار التعرض للمحتوى الإباحي
تؤكّد الدراسات أنّ إدمان المحتوى الإباحي لا يقلّ خطرًا عن إدمان المخدّرات، وهو يخلّف آثارًا مدمّرة على المستويات النفسية والعاطفية والاجتماعية. فالأفلام الإباحية تقدّم محتوى غنيًا بالعنف الجسدي وبالعدائية ضد النساء، وتغرس في عقول المراهقين صورة خاطئة عن العلاقات الجنسية، كما تشجّع على العنف ضد المرأة. من جهته، يوضح الدكتور خوري أنّ الطفل أو المراهق الذي يشاهد صورًا أو أفلامًا إباحية، فإنما يفهم الحياة الجنسية انطلاقًا من قاعدة ملتوية، انحرافية، وشاذة عن الواقع، بعيدًا من مفهومها الحقيقي الذي نكتسبه من الأديان السماوية وهو أنّ العلاقة الجنسية وليدة علاقة عاطفية بين رجل محترم وامرأة محترمة ضمن أطر محددة، وليست مجرد رغبة جنسية خالية من المشاعر والعاطفة، ومصحوبة بعنفٍ جسدي. ويضيف أن هذه الصورة المشوّهة يمكن أن ترافق المراهق في مرحلة الشباب وتجعله عاجزًا عن إقامة علاقات صحية وصحيحة في الحياة الواقعية.
من جهة أخرى، يؤكد الدكتور خوري أنّ التعرض للمحتوى الإباحي يمكن أن يؤثر سلبًا على علاقة الطفل بوالديه لا سيما إن لم يكونا قد تناولا معه بعد موضوع العلاقات الجنسية. فهو يصاب بصدمةٍ حين يفكر أنّ والديه قد أقاما علاقة جسدية على غرار ما شاهده على الشاشة، ما يدفعه إلى النظر إليهما نظرة احتقار أو غضب.
ويضيف أنّه من تداعيات مشاهدة الأفلام الإباحية أيضًا، وقوع الطفل أو المراهق في حالةٍ من عدم التركيز، مشيرًا إلى دراسة أعدّتها إحدى جامعات لندن تؤكد أنّ الأشخاص المدمنين على الشاشة يصابون بضعفٍ في المادة الرمادية في الدماغ التي تساعد الإنسان على التركيز، وكذلك في المادة البيضاء التي تساعده على تخزين المعلومة. فلا عجب إذًا أن يزداد عدد الأطفال الذين يعانون نقصًا في التركيز. بالإضافة إلى ذلك، يعزّز الإدمان الليبيدو أو الرغبة الجنسية، فيغرق المراهق في الاستنماء والاستنوام (wet dreams) لأنّ لاوعيه يخزن كمًّا من المعلومات المحفّزة للنشاط الجنسي.

 

اضطراب ما بعد الصدمة
في دراسة قامت بها جامعة Middlesex university في لندن لمعرفة تأثير المواد الإباحية على الأطفال والمراهقين، تبين أنّ 27 في المئة من الأولاد الذين شملتهم الدراسة أُصيبوا بصدمةٍ حين شاهدوا محتوى إباحي، فيما أٌصيب 24 في المئة بحالةٍ من الاضطراب.
يشرح الدكتور خوري أنّ المشاعر التي اختبرها هؤلاء الأولاد تندرج في إطار ما يُعرف باضطراب ما بعد الصدمة، وهو في الحالات المشابهة للحالة المذكورة يشمل الأطفال ممّن هم في العاشرة وما دون من العمر بشكلٍ خاص، حيث لا يدرك هؤلاء ما الذي يحصل بين الرجل والمرأة في الفيلم البورنوغرافي، وهم يعتقدون من خلال ما شاهدوه وما سمعوه أنّ شخصًا يؤذي آخر ويسبّب له الألم. من تداعيات الاضطراب المذكور، انهيار الدعائم الشخصية والمناعة العصبية التي تمّ بناؤها منذ سنوات الطفولة الأولى، فيصبح الطفل ضعيف البنية النفسية. ويتجلّى اضطرابه في عدة مظاهر من بينها قضم الأظافر أو نتف الشعر أو التأتأة أو التبوّل اللاإرادي في الليل. كذلك يصبح الطفل عرضة للخوف من أي أمرٍ يواجهه، وقد يعاني قلقًا من إدارة المدرسة أو سلطة الأهل وغيرها. كما يمكن أن يقوم بتصرّفات غير منضبطة كأن يحاول ملامسة والدته أو أن ينقضّ عليها لتقبيلها على فمها، إلخ… وقد يستعمل تعابير غير لائقة في البيت والمدرسة.

 

دور الأهل
يؤكد الخبراء أهمية الثقافة الجنسية للطفل، كونها تشكّل درعًا حصينًا في مواجهة مختلف التحديات التي يفرضها العالم الافتراضي، من تحرّش جنسي وتنمّر سيبيري وصولًا إلى المحتوى الإباحي بمختلف أشكاله. ويشدّد الدكتور خوري بدوره على ضرورة تثقيف الأولاد جنسيًا في سن مبكرة والإجابة عن أسئلتهم بوضوحٍ وصراحةٍ بحسب كل مرحلة عمرية، وإرضاء فضولهم العلمي ورغبتهم في توسيع آفاقهم، فلا يضطرون إلى اللجوء إلى الإنترنت أو الأصدقاء واكتساب معلومات خاطئة أو صادمة. وفي حال وجد الأهل صعوبة في الدخول مع أولادهم في موضوع العلاقات الجنسية، يمكنهم اللجوء إلى الكتب المخصّصة للأولاد التي تشرح الفوارق بين الصبيان والفتيات بشكلٍ مبسّط، والانطلاق منها إلى صلــب الموضوــع.

 

ضبط النفس  
على الرغم من وسائل الوقاية التي يعتمدها الأهل لحماية أولادهم من مخاطر الإنترنت، قد يحدث أحيانًا أن يشاهد الأولاد محتوىً إباحيًّا، فكيف يتصرف الأهل؟
غالبًا ما تكون ردّة فعل الأهل عنيفة، يقول الدكتور خوري، حيث يواجهون الطفل أو المراهق بالصراخ والتأنيب، مستعملين عبارات مؤلمة لتوبيخه: ألا تخجل من فعلتك هذه؟! «كيف سمحت لنفسك بالقيام بهذا العمل المشين؟…» وهو يؤكد أنّ هذا الأسلوب مرفوض تمامًا لأنّه يُحمّل الطفل عقدة ذنبٍ تجاه خطأ غير متعمّد. لذلك ينصح الأهل بمعالجة الأمر عبر عدّة خطوات، أوّلها ضبط النفس والعمل على تفهّم الولد واستيعابه واحتضانه، ومن ثم شرح الأمور بطريقةٍ علمية بحتة لإبراز مخاطر وسيئات مشاهدة الأفلام الإباحية من دون استخدام كلمة عيب ومثيلاتها. فالاحتضان يساعد الطفل على محاورة ذويه، كما يشجّعه التفهّم على استيضاح الأمور والسؤال عمّا يدور في ذهنه. أمّا التوبيخ، فيؤدي إلى نفوره، وبالتالي بُعده عن أهله، ومحاولة إيجاد الأجوبة عبر الأصدقاء أو الإنترنت، ما يعرّضه للحصول على نتائج مغايرة للمطلوب.

 

بدائل عن الشاشة
من جهة أخرى، يشير الدكتور خوري إلى أنّ الكتاب قد يكون البديل الأفضل من الناحية التربوية، لكن وللأسف، فإنّ معركة الأهل لترويج الثقافة العامة، والكتب هي معركة خاسرة. مع ذلك، فهناك بدائل أخرى ذات أهمية كبرى في حياة الأطفال والمراهقين، كالرياضة على أنواعها، والآلات الموسيقية بمختلف أشكالها، وهو يوصي بوجود الأهل مع الأطفال في أثناء ممارسة هذه النشاطات.

 

حظر المحتوى الإباحي
إنّ سهولة الوصول إلى المواد الإباحية على الإنترنت، تزيد فرص توافرها بين أيدي الأولاد والمراهقين. وإذ يعتقد البعض انّه ما في اليد حيلة تجاه هذا الموضوع نظرًا لوجود الأجهزة الذكية في متناول جميع الأعمار، فإنّ الخبراء في مجال الإنترنت يؤكدون أن اعتماد أساليب الحماية يمكن أن يخفّض احتمال التعرّض للمشاهد الجنسية بنسبةٍ تفوق الخمسين في المئة. وهم يشيرون إلى عددٍ من الطرق التي تساعد الأهل في حماية أولادهم من مخاطر ما يشاهدونه على الشبكة العالمية.

 

إحصاءات

في دراسة قامت بها جامعة ميدلسكس في لندن وشملت أطفالًا ومراهقين تراوح أعمارهم بين 11 و 16 سنة لاستكشاف مشاعرهم وتجاربهم في ما يتعلق بالمواد الإباحية على الإنترنت، ورد الآتي:
28 % من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 11 و 12 سنة شاهدوا مواد إباحية عبر الإنترنت، مقابل 65% من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 15 و 16 سنة.
• بعد مشاهدة المواد الإباحية لأول مرة، سواء عن قصد أم غير قصد، استمر 59% من الذكور في مشاهدتها على الإنترنت، مقارنة مع 40 % من الإناث.
• أبلغ المراهقون بعد المشاهدة الأولى عن مزيج من المشاعر، بما في ذلك الفضول (41%) والصدمة (27%) والارتباك (24%).
• اعتقد أكثر من نصف الصبيان (53%) الذين شاهدوا المواد الإباحية أنّها «واقعية» مقارنة بـ 39% من الفتيات.
• 21 % من الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين 11و12 سنة؛ قالوا إنّهم يريدون تجسيد المواد الإباحية التي رأوها عبر الممارسة، مقابل39 % من الأطفال في عمر 13 إلى 14 سنة ؛ و42 % ممّن أعمارهم بين 15 و 16 سنة.
• 44 % من الصبيان أبدوا إمكان تقليد النشاط الذي رأوه مقابل 29% من الفتيات.