ثقافة وفنون

الموسوعي حسن الأمين يرحـل سيـداً وحسنـاً وأمينـاً

غاب عن عمر مثمر العلم اللبناني المتعدد المواهب السيد حسن الأمين, أحد آخر عمالقة الرأي والموقف والكلمة. الأمين كان الكاتب المبدع والمؤرخ المحقق والرحّالة الباحث والناقد المثقف والشاعر العذب والموسوعي أولاً وأخيراً, وكان قبل كل ذلك, الإنسان الخلوق والرسالي النقي, المترفع عن صخب الدنيا, ومن قلة قليلة لم تمسسهم شبهة, ولم يركبوا الى سلطان, ولا سخّروا القلم لغير وجه الحقيقة.

 

نموذج فريد

وُلد الراحل في بيـت علم ونـور لوالـده المرحــوم السـيـد محسن الأمـين, العـلاّمـة المرجع, وكانت ولادتـه في دمشق عــام 1908.
أمضى عمره مع الإنسان وقضاياه ومع الورق والقلم متقلباً بين المناصب والبلدان, ضارباً في مشارق الأرض ومغاربها, محبّراً بعناية وإتقان ألوف الصفحات (حوالى 50 مؤلفاً) في شتى مناحي البحث والكتابة, وكانت مواقفه الجريئة الواضحة, سواء أمام مغريات الحياة أم في مواجهة سيوف السلطان, أبلغ ما تركه من نصوص في كتاب سيرته الغنية. فقد عاش أحداث عصره بامتياز, فانفعل من جرائها وتفاعل معها وفعل فيها, لبنانياً صافياً وعروبياً صادقاً ومسلماً سموحـاً ومؤمناً شديـد التنـوّر والإنفتـاح, وظلّ شامـخ القامة مرفـوع الرأس حازم النبرة, على خطى والده المرحوم السيد محسن الأمـين, لا تأخذه في الحق لومة لائم, جديراً بنسبه العلوي الشريف. وقد جسّد في مسيرة حياته وفي تلازم قوله والفعل, نموذجاً فريداً من المفكرين الطليعيين, واستطاع بتواضعه الجمّ وصلابة دفاعه عن الحق ووفائه لقيم الإنسان, فرض شخصيته الفكرية على الأخصام كما على المريدين, من دون أن يتزحزح قيد أنملة عمّا يعتبره صدقاً وحقاً وعدلاً.

 

المستقبلي

تخرّج من الجامعة السورية (معهد الحقوق) عام 1934 وعيّن قاضياً في النبطية, حتى اذا لمس أن التزامه الوثيق بالعدل أقوى مما يمكن للقضاء تدبّره تحت سطوة أهل السياسة, استقال عن قوس المهنة ليلتزم قوس الضمير منصرفاً الى الرحلات والبحث والإستقصاء والكتابة. هكذا أعاد قراءة تاريخ أحداث لبنان والمنطـقة, مصوّباً الكثير من المسائل التي كان البعض يعتبرها من المسلّمات, فتصدى للشائعات مصوّباً ومعدّلاً ولاغياً ومضيفاً, متوخياً كما عهد على الـدوام, وجه الحقيقـة.
تقاسمت حياته أحزان العرب وأحداث القرن الذي عاشه الى ما في بطون الكتب من أحداث القرون الغابرة, فناضل على المنابر وفي البيانات والتظاهرات, كما ناضل باحثاً محقـقاً في المصادر والمراجع, وكان كمثل قلة نادرة من الكبار, مستقـبليّ الهموم طاعـناً في استـقراء ما مضى لبناء ما هو آت.
أفرد الجزيل من إهتمامه للكتابة والتأليف, فحقق تراث والده السيد محسن الأمين ونشره جاعلاً موسوعة “أعيان الشيعة” في متناول طلاّبها, ثم أتبعها بمستدركات تكملها, وأعد دائرة المعارف الإسلامية وأصدرها, واستقصى حقائق الأقوام وبطون الحضارات في مواقعها المتناثرة في أرجاء الكوكب, فكتب في أدب الرحلات وعلومها ما أغنى المكتبة العربية وأضاف إليها. وكان الى ذلك ناقداً راجح الرأي موسوعي المعالجة, وعاش يسابق الزمن بهمة لم تكلّ وعزيمة لم تثبطها لا قلة المال أحياناً, لزوم المطابع, ولا تراكم السنوات على الكاهل, وحافظ حتى آخر كلمة قالها وكتبها, على رجاحة عقل مذهلة وحضور فكر ثاقب مما لم تمسّه شائبة.

 

جبل عامل

بقدر ما كان السيد حسن الأمين دقيقاً في أبحاثه موسوعياً في إحاطته, كان عذب الشعر رقيق البيان, تنساب قصائده مباشرة من حيث يتآلف القلب والعقل, وتجري في الناس مثل سقسقة الجداول في ضلوع القرى. وفي كل ما كتبه عن بلدته شقرا وعن جنوب لبنان, كان يعتمد, جرياً على خطى والده, تسمية جبل عامل, مثنياً مقولة السيد محسن الأمين: “الجنوب اللبناني منطقة جغرافية, أما جبل عامل فهو قضية”.
رحـل السيد حسـن محسن الأمين منيراً كما الأوليـاء والقديسين, وكان من آخر الرموز اللبنانية العاملية العروبية الناصعة. عاش سيداً وحسناً وأميناً, ومضى راضياً مرضياً.

 

وسام الإستحقاق اللبناني الفضي

شيّع لبنان العلامة الموسوعي والمؤرخ السيد حسن الأمين, نجل العلامة المرحوم السيد محسن الأمين, عن عمر ناهز 95 عاماً. وجرى التشييع في بلدة المرحوم, شقرا, قضاء بنت جبيل.
أقيم للراحل مأتم حاشد تمثل فيه فخامة رئيس الجمهورية العماد أميل لحود, بالوزير أسعد دياب, كما مثّل كل من النائب علي بزي ومحافظ النبطية محمد المولى, رئيسي المجلس النيابي والحكومة.
سجّي نعش الراحل في حسينية البلدة حيث قلّده الوزير دياب باسم رئيس الجمهورية, وسام الإستحقاق اللبناني الفضي تقديراً لعطاءاته من أجل لبنان. وبعدها ووري الثرى في جبانة البلدة.