المياه اللبنانيّة في العقيدة الصهيونيّة و"تكتيك" إسرائيل القانونيّ (بعض المُلاحظات الأوليَّة)

المياه اللبنانيّة في العقيدة الصهيونيّة و"تكتيك" إسرائيل القانونيّ (بعض المُلاحظات الأوليَّة)
إعداد: د.طارق المجذوب
خبير في شؤون المياه الدوليّة

هناك ثلاثة هواجس أو أهداف أرّقت جفون الروّاد الأوائل للحركة الصهيونية وما زالت تؤرّق جفون زعمائها الحاليين: إنتزاع الإعتراف العربي بالدولة العبرية، وامتلاك أقوى سلاح في الشرق الأوسط، والسيطرة على المياه في المنطقة العربية([1]). وقد استطاعت الحركة الصهيونية، بالمناورة أو المؤامرة، تحقيق الهدفين الأوّلين، وهي تسعى اليوم لتحقيق الهدف الثالث([2]). فالمياه تحتلّ في الفكر الصهيوني مركزًا مرموقًا يكاد يبلغ مرتبة العقيدة. وللحرص على امتلاك المياه هدفان أساسيّان: الأوّل تأمين الحاجات المُتزايدة إلى المياه في قطاعات الزراعة والصناعة والإستخدام المنـزلي. والثاني إيجاد مصالح أو مشاريع مائيّة مشتركة مع العرب، أي ربط المصالح العربيّة بالمصالح الإسرائيليّة بحيث يُصبح من الصعب على الطرف العربي إهمالها أو الإخلال بها أو التنصّل منها. ولهذا صرّح شمعون بيرس، عندما كان وزيرًا لخارجيّة إسرائيل في 15/3/1995، وفي معرض تعليقه على استعداد الإتحاد الأوروبي لتمويل مشاريع سدود أردنيّة-إسرائيليّة مُشتركة على نهر اليرموك، بأنّ بلاده في الحرب تحتاج إلى أسلحة، أمّا في السلم فهي في أشدّ الحاجة إلى المياه([3]).

وللرغبة في وضع اليد على المياه العربيّة فإنّ إسرائيل حرصت على إقامة توازن وتلازم بين خريطة أمنها وخريطة مياهها، أو بين استمرار وجودها وإمكان توفير المياه لسكانها. ولهذا كانت حدودها، في الحلم أو الواقع أو القوّة، حدودًا مائيّة. فالحديث عن "إسرائيل الصغرى" يعني وجود كيان تحدّه أنهار الجنوب اللبناني وبحيرة طبريا والبحر الميت. والحديث عن "إسرائيل الوسطى" يعني قيام كيان يقع بين نهر الأردن وقناة السويس والبحر الأحمر. والحديث عن "إسرائيل الكبرى" يعني امتداد (أو تمدّد) الدولة العبريّة من الفرات إلى النيل.

ولو بحثنا عن جذور هذا التصميم أو الإصرار على امتلاك الأرض والمياه بأي ثمن، لوجدنا أنها تعود إلى "عقيدة الأرض والماء" التي تبلورت مع انتشار الحركة الصهيونية حتى أصبحت أساسها وجوهرها.

 

أوّلاً: الأرض والمياه جوهر العقيدة الصهيونيّة

إن الفضل في تعميم "عقيدة الأرض والماء" يعود إلى مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هيرتسل Theodor Herzl (1860-1904)، الذي جدّد بقوّة، في المؤتمر الصهيوني الثاني العام 1898، إيمانه بإمكان قيام دولة يهوديّة في أرض الميعاد، وأعلن أن اليهود سيحوّلون الصحارى في أرضها إلى مساحات يكسوها الإخضرار. وكان يعتقد أن اليهود سيتمكّنون، بفضل استقرارهم فوق "أرضهم"، من الإندماج في الأسرة الدولية، وأن أرض الميعاد بلد قادر على إنتاج كل شيء بوفرة، وأن التصدّي لظروف العمل القاسية في أرضها وبذل الجهود لإعادة الإخضرار إلى الصحارى سيُفْضِيان إلى ربط مصير الصهيوني بمصير الأرض([4]).

ويبدو أن هيرتسل قد طرح نظريّته قبل نظرية "التحدّي والإستجابة" للمؤرّخ الكبير أرنولد توينبي Arnold Toynbee (1889-1975)، الذي اعتبر أن مُنشِّط الحضارة يتضاعف بتضاعف عداء الطبيعة. فإذا نقلنا هذا المفهوم إلى نظرية هيرتسل، أمكننا القول إنّ وجود عقبات زراعية وتحدّيات مائية يجب التغلب عليها، يُشجِّع الصهيوني على الإرتباط بالأرض التي لم يملكها ولم يزرعها من قبل، عندما كان في الشّتات.

وبعد تعميم هذه النظرية سارعت المنظمة الصهيونية العالمية إلى تنظيم أجهزتها بهدف استعمار أرض الميعاد واستيطانها. ولتحقيق هذا الغرض عمدت، على مراحل، إلى إنشاء هيئات وجمعيات وصناديق يهوديّة، كان آخرها، الوكالة اليهوديّة.

وعندما حاول قسم الإستعمار في الوكالة اليهوديّة إنشاء مستعمرات إستيطانيّة في أرض الميعاد، وجّه عناية فائقة إلى نظام المياه.

وهذان العنصران المتلازمان (الأرض والمياه) كانا ضروريين لاستمرار المستعمرات مع مرتكز إقتصادي تكون الهيمنة فيه لقطاع الزراعة. وبذلك نشأ تلازم أو تكامل بين العنصرين حثّ الصهاينة على البحث عن الكميات الكافية من الموارد المائيّة لتشييد المستعمرات وتشجيع الهجرة اليهوديّة إليها. ولا نُبالغ إن قلنا إنّ المياه شكّلت، منذ البداية، تحدّيًا كيَّف وحدَّد نطاق الإستراتيجيّة الصهيونيّة في شقّيها النظري والتطبيقي، والتحم بالصراع العربي - الصهيوني المُتعلِّق بحيازة الأرض.

ومشكلة المياه هي التي دفعت الروّاد الصهاينة الأوائل إلى التوجّه إلى شمال أرض الميعاد (فلسطين) التي تختزن نحو 70 في المئة من مصادرها المائيّة بغية الحصول على القاعدة الضروريّة لتطوير الزراعة في المستعمرات. وهكذا، وفي صورة أعمّ، فإنّ إحدى وظائف مستعمرات الشمال كانت الإحتفاظ بسفوح جبل الشيخ (جبل حرمون) وثرواته المائيّة المُتنوعّة. وحتّى لو فُسِّرت تنمية هذه المستعمرات باعتبارات أخرى، إستراتيجيّة ذات طابع عسكري، فإنّ تكاثر المستعمرات وتعدُّدها وتمدُّدها والتصاق سكّانها بالأرض المزروعة يخدم في النهاية تصميم إسرائيل على الإحتفاظ بالمياه وعدم التخلي عن مصادرها.

لقد بقيت إسرائيل حتى العام 1967 تُعاني الحرمان من المصادر المائيّة اللازمة لتحقيق مشاريعها الإقتصاديّة والإستعماريّّة، فجاء احتلال الأراضي العربيّة بعد هذه الحرب يُمهِّد لها سبيل الإستيلاء على مصادر مائيّة جديدة. وهذه المصادر مهمَّة عندما نعلم أنّ 67 في المئة من المياه التي تستهلكها إسرائيل تأتي من خارج حدودها للعام 1948([5]).

ومن أهمّ الأسباب التي تُحرِّض إسرائيل على الإحتفاظ بهذه الأراضي (كالضفّة الغربيّة ومُرتفعات الجولان وتلال كفرشوبا ومزارع شبعا) الرغبة في الإشراف الدائم على مصادر المياه المجاورة، سواء أكانت أنهارًا أم ينابيع أم آبارًا جوفيّة([6]).

فمن المعلوم أن إسرائيل تُعاني نقصًا حادًا في مصادرها المائية. وقد ازدادت حدّة هذا الوضع بعد موجات الهجرة اليهودية المكثّفة من الإتحاد السوفياتي السابق([7]). ويصل حجم الموارد المائية المتجدّدة سنويًا في إسرائيل إلى نحو 1832 مليون م3 (منها 900 مليون م3 من مياه نهر الأردن وبحيرة طبريا). وقُدِّرت حاجة إسرائيل إلى المياه العام 2008 بأكثر من ملياري م3. وتُحاول إسرائيل سدّ العجز المائي فيها (نحو 410 مليون م3 بنهاية العام 2008) من خلال تحلية المياه (138 مليون م3 العام 2008)([8])، ومن مياه الضفّة الغربيّة ومياه مُرتفعات الجولان ومياه جنوب لبنان.

كما أدّت قلّة الأمطار في السنوات الأخيرة في إسرائيل إلى نقص حاد في المياه، إلى درجة أنّ كثيرين من الخبراء صاروا يحذّرون من "كارثة" ما لم تُتَّخذ تدابير طارئة مثل خفض الإستهلاك ([9]).

إلاّ أنّ أزمة المياه في إسرائيل ليست تقنيّة فحسب، فالصعوبات الحالية ناجمة عن الصراع الداخلي بين الوزارات المختلفة وعن النفوذ الكبير الذي يتمتّع به لوبي Lobby المستعمرات التعاونيّة الزراعيّة([10]) والجماعيّة الزراعيّة([11]) في الكنيست الإسرائيلي.

ويُذكر أنّ الزراعة في إسرائيل، التي لا تُشكِّل أكثر من 2 في المئة من الناتج القومي الإسرائيلي ولا تستخدم أكثر من 4 في المئة من القوى العاملة، تستخدم 60 في المئة من كمية المياه كلّ سنة.

وقد خلصت لجنة التحقيق البرلمانيّة المُشكَّلة بعد أزمة إسرائيل المائيّة العام 2001 إلى: "أنّ للزراعة قيمة صهيونيَّة-إستراتيجيَّة-سياسيَّة أبعد من مُساهمتها الإقتصاديّة"([12]).

وهكذا فإنّ حرص إسرائيل على حدودها المائيّة التي لا تختلف عن أمنها المائي لا يُمكن إلاّ أن يدفعها إلى الإبقاء على إشرافها الدائم على المنطقة الواقعة غربي خط قسمة المياه (Watershed) في الضفة الغربيّة، وإشرافها كذلك على مصادر المياه في مرتفعات الجولان وأجزاء من أراضي لبنان([13]).

 

ثانيًا: أطماع إسرائيل في أرض ومياه جنوب لبنان

قال غير بيدرسون Geir Pederson ، المُمثِّل الشخصي للأمين العام للأمم المُتّحدة في لبنان، العام 2006: "لقد سبق أن أَمْضيت عدة أعوام في إسرائيل وأستطيع أن أقول لكم إنّهم يحسدونكم على ما تتمتَّعون به من مياه (...)" ([14]).

وهذه الأطماع لا تحتاج إلى شرح وإثبات. لقد تحدّث عنها روّاد الصهيونيّة قبل الحرب العالميّة الأولى. وبالعودة إلى بعض الدراسات التاريخيّة نجد أنّ هذه المطامع تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، أي إلى ما قبل قيام الكيان الإسرائيلي بعشرات السنين، عندما تمّ شراء أراضٍ واسعة 1892 قرب منابع المياه وفي المناطق الحدوديّة المتداخلة بين لبنان وفلسطين، وخصوصًا في سهل الخيام والمطلة والمنارة([15]).

وقد كتب هيرتسل، العام 1903، إلى السلطان العثماني عبد الحميد، عارضًا عليه تقديم مبلغ مليون ليرة تركيّة مُقابل موافقة السلطات العثمانيّة على إقامة اليهود في منطقة الجليل، أي على مقربة من مياه لبنان الجنوبي، باعتبار أنّ نهر الليطاني يُشكِّل مركزًا مهمًا لإنجاز المُخطّطات اليهوديّة في المنطقة.

وكانت الحركة الصهيونيّة، في المذكرة التي رفعتها إلى مؤتمر السلام الذي عُقد في فرساي (باريس) العام 1919، قد أعربت بوضوح عن رغبتها في الإستيلاء على جنوب لبنان وجبل الشيخ، فقد ورد فيها "أنّ جبل الشيخ (حرمون) هو "أبو المياه" الحقيقي لفلسطين، ولا يُمكن فصله عنها من دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الإقتصاديّة بالذات. وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل أيضًا إلى أعمال أخرى قبل أن يُصبح مُؤهلاً ليكون خزّان مياه البلاد. لذلك يجب أن يخضع كليًا لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة ويملكون القدرة الكافية لاستغلال إمكاناته حتى أقصى حدود. كما يجب التوصّل إلى اتفاق دولي تُحمى بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوب نهر الليطاني [والمقصود اليهود في إسرائيل الكبرى حين إنشائها] حماية تامّة، إذ أنّ منابع المياه هذه، في ما لوحظيت بالعناية اللازمة، تستطيع أن تخدم تنمية لبنان مثلما تخدم تنمية فلسطين"([16]).

ولم يكتف زعماء الحركة الصهيونيّة بالمذكرات والتصريحات، بل عمدوا إلى إقناع بعض الزعماء الروحيين في لبنان بصحّة مطالبهم([17]). ففي أثناء انعقاد مؤتمر السلام في فرساي إتّصل داڤيد بن-چوريون David Ben-Gurion (1886-1973) وحاييم وايزمان Chaim Weizman (1874-1952) بالبطريرك الماروني وحاولا إقناعه بالتخلي عن جنوب لبنان الذي تسكنه أكثريّة إسلاميّة لقاء وعدٍ بتقديم مساعدات فنيّة وماليّة إلى الدولة اللبنانيّة الناشئة. ولكن البطريرك رفض هذا العرض.

وبعد أن فشلت الصهيونيّة في الحصول على مُوافقة الحلفاء والزعماء الروحيين اللبنانيين على التنازل عن جنوب لبنان لإلحاقه بفلسطين، لجأت إلى شراء بعض الأراضي المحيطة بمنابع المياه، وعملت على إقامة المستعمرات الصهيونيّة في المناطق الجنوبيّة المُتاخمة للحدود اللبنانيّة والسوريّة.

وتحت ستار إتفاقيّة الحدود الفرنسيّة-البريطانيّة في 23/12/1920، واتفاق بُوليه-نيوكومْب Paulet - New Comb في 7/3/1923، ومعاهدة حسن الجوار في 2/2/1926، عمدت سلطات الإنتداب إلى إحداث تغيير في الحدود بين لبنان وفلسطين لصالح توسيع الأراضي الفلسطينيّة من أجل السيطرة على مصادر المياه.

لقد كرّست هذه الصكوك القانونيّة منطقة الحولة ذات السهول الخصبة والمياه الغزيرة (المعروفة بـ"جورة الذهب") منطقة تابعة لفلسطين. وبموجب هذه الصكوك سُلخت عن دولة لبنان الكبير القرى السبع: هونين، وآبِل القمح/إبل القمح، والنبي يوشع، وقَدَس، والمالكية، وصَلْحة، وتربيخا([18]).

وهذه القرى مشهورة بينابيعها الوفيرة وآبارها الغنيّة بالمياه. ولهذا سارعت إسرائيل إلى استغلال ثروتها المائيّة وإقامة مستعمرات على أنقاضها، أو على أطرافها، وتغيير أسمائها، فآبِل القمح أصبحت "كفار يوڤال"، وهونين "مرچليوت/مسچاڤ عام"، وقَدَس "رموت نفتلي/يفتاح"، والمالكية "مالكيا"، وصلحة "يرؤون/أڤيڤيم"، والنبي يوشع "رموت نفتلي"، وتربيخا "شوميرا/إيڤن/مناحم/شتولا/زرْعيت/نِطوعا".

وفي تعديل آخر للحدود، تنازلت سلطة الإنتداب الفرنسي عن معظم المنطقة اللبنانيّة من الحولة لصالح الإنتداب البريطاني على فلسطين، مُقابل منح شركة فرنسيّة إمتياز تجفيف المستنقعات في سهلها.

وبعد نجاح الحركة الصهيونيّة في تعديل الحدود وسلخ مساحات شاسعة من الأراضي الجنوبيّة في لبنان، قامت بسلسلة من الهجمات والإعتداءات على سكان هذه القرى أدَّت إلى طردهم أو فرارهم من أرضهم، وهدم منازلهم، وبناء المستعمرات على أنقاضها.

وخلال الإجتماعات التمهيديّة لاتفاقيّة الهدنة بين لبنان وإسرائيل، في 23/3/1949، ضمّت إسرائيل عدّة مزارع.

والعام 1953، رفضت إسرائيل مشروع ماين Main الذي قضى بتقاسم مياه نهر الأردن بين العرب والإسرائيليين، واقترحت مشروعًا آخر عُرف باسم مشروع كوتون Cotton قضى بتحويل كميّة 400 مليون م3 في السنة من مياه الليطاني إلى نهر الحاصباني بُغية ضخّ هذه المياه إلى بحيرة طبريا لتخفيف نسبة الملوحة فيها وجرّ مياهها بعد ذلك إلى النقب.

وبرَّرت إسرائيل هذا المشروع بزعمها أنّ لبنان لا يستفيد من مياه الليطاني التي تذهب هدرًا إلى البحر([19]). ومارست وأعوانها ضغوطًا على البنك الدولي لرفض الطلب اللبناني المُتعلّق بتمويل مشاريع الري التي يوفّرها نهر الليطاني. ولعلّ الغرض الرئيس من ذلك هو عرقلة استثمار مياه الليطاني من جانب لبنان حتى يسهل على إسرائيل الإستيلاء عليها والإستفادة منها في الوقت الذي تراه مناسبًا.

ففي أواخر أيلول/سبتمبر 1965، أغارت الطائرات الإسرائيلية على المواقع اللبنانية عند منابع الحاصباني والوزّاني بهدف تعطيل المشروع الذي أقّره مجلس جامعة الدول العربية العام 1964، وهو مشروع تحويل مجاري الأنهار التي تصبّ في بحيرة طبريا (الحاصباني والوزاني اللبنانيّين، وبانياس السوري)([20]).

وعلى الرغم من عدم اشتراك لبنان في حرب حزيران/يونيو 1967 فقد أقدمت إسرائيل، بعد الحرب، على اقتطاع مساحات ساشعة من مزارع شبعا.

أ - مزارع شبعا

تقع بلدة شبعا على السفوح الغربية لجبل الشيخ قرب الحدود اللبنانية-السورية على علو 1400 متر عن سطح البحر. وهي إحدى البلدات الكبرى في قضاء حاصبيا. وتعود أهميتها الإستراتيجية إلى أربعة عوامل رئيسية :

- اتساع مساحتها العقارية. فهي تمتدّ من الجسر الروماني (علو 450 متراً) على نهر الحاصباني حتى جبل الشيخ (علو 2600 متر).

- موقعها المشرف على المنطقة العربية. وقد بنى الإسرائيليون على مرتفعاتها محطتهم الشهيرة للإنذار المبكر. ومنها يُمكن مراقبة المنطقة الممتدّة من تخوم العراق حتى تخوم مصر.

- كونها منطقة سياحية من الدرجة الأولى تتمتّع بمناخ جميل في الصيف، وتمتلك أفضل الأمكنة للتزلج شتاءً.

- ثروتها الزراعية وبشكل خاص ثروتها المائيّة. فبالإضافة إلى وجود نبعين كبيرين في شبعا (نبع المغارة ونبع الجوز) يغذّيان المنطقة حتى جديدة مرجعيون، فإن شبعا تقع على خط المياه الجوفية الرئيسية لجبل الشيخ حيث يوجد ثاني أكبر خزّان مائي في شرقي حوض المتوسط، بعد خزّان صنّين-الأرز. ومنه تتفجّر ينابيع بانياس واللدّان والوزاّني التي تشكّل المصدر الرئيسي لمياه نهر الأردن ([21]).

ولقد عمل أهل شبعا على استغلال مواسم الصيف والشتاء معاً، فكانوا ينقلون مواشيهم في فصل الشتاء إلى مزارع شبعا المُمتدَّة من مُغر شبعا وصولاً إلى مزرعة مراح الملوك. وعدد هذه المزارع 14 مزرعة. وقد سعت إسرائيل منذ عام 1985 لتوطين يهود الفلاشا في بعض أجزائها ([22]).

وبعد الإندحار الإسرائيلي من جنوب لبنان في 24 أيّار/مايو 2000 طُرحت موضوعات عدّة، منها موضوع مزارع شبعا، فقد أكّد لبنان أن هذه المزارع ينطبق عليها القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن عام 1978 وطالب إسرائيل بالإنسحاب منها. غير أن إسرائيل، مدعومة من الأمين العام للأمم المتحدة ([23])، اعتبرت أن هذه المزارع التي احتلّتها العام 1967 كانت ضمن نطاق الأراضي السورية، وتخضع بالتالي للقرار 242 للعام 1967.

وبعد العام 2000، أثارت إسرائيل "أزمة الوزّاني" (ادِّعاء إسرائيل بتحويل مياه الحاصباني/الوزّاني) مع لبنان. وهدفت إسرائيل من خلال ذلك إلى "إلزام" لبنان بضخّ كميّة محدودة من مياه الوزّاني باعتبار أنّ هذه الكميّة لا تُؤثِّر في موارد إسرائيل المائيّة فقط، بل في ما هو أخطر من ذلك: تُؤثِّر في أمنها القوميّ.

فما هو ادِّعاء إسرائيل بتحويل مياه الحاصباني/الوزّاني؟

 

ب - الإدِّعاء الإسرائيلي المُتكرِّر بتحويل مياه الحاصباني/الوزّاني (2001 و2002 ...)

إدَّعت إسرائيل في 13/3/2001 ([24]) أنّ لبنان يقوم بتحويل مياه الوزّاني. ورغم أنّ هدف المشروع هو إيصال المياه لبعض القرى اللبنانيّة، فإنّ إسرائيل ادَّعت أنّه يُؤثِّر في أمنها القوميّ.

وزعمت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي في 13/4/2001 أن قيادة الجبهة الشمالية الإسرائيليّة عرضت على بنيامين بن إليعيزر Binyamin Ben-Eliezer ، وزير الحربيّة الإسرائيلي، قضيّة المياه وعزم لبنان على إقامة محطة ضخّ للمياه على نهر الحاصباني، "الأمر الذي قد يُلحق الضرر بكميّات المياه التي تتدفّق إلى أودية الجليل ثمّ إلى بحيرة طبريا. وإذا حدث ذلك فإنّ إسرائيل ستُواجه مشكلة أخرى، عليها مُجابهتها".

ونقلت الصحف الإسرائيلية في 14/3/2001 عن اللواء في الإحتياط أُوري ساغي Uri Sagui ، المدير العام لشركة المياه القطريّة الإسرائيليّة )مكوروت (Mekorot ، تحذيره لبنان من تغيير نمط توزيع المياه في المنطقة. فقد قال: "لا وجود لمياه فائضة في الشرق الأوسط. وفي حال عدم التفاهم على الموضوع، فإنّ الوضع قد يؤدّي إلى حرب". وذكر ميخائيل كلاينر Michael Kleiner ، عضو الكنيست الإسرائيلي من حزب "الوحدة القوميّة" لصحيفة يديعوت أحرونوت أن مسائل تحويل مصادر المياه طالما شكّلت سبباً للحرب. فعام 1964 وبسبب تحويل مصادر نهر الأردن ردّ الجيش الإسرائيلي بما يُشبه الحرب. وأضاف "يجب أن ندرك أن الموضوع يُشكّل خطراً حياتياً. وهذه خطوة من طرف واحد قد تُشكّل سبباً للحرب وليس للمفاوضات التي يجب ألاّ تبدأ قبل أن يُوقف اللبنانيّون أعمال الحفر".

وفي التاريخ ذاته قال تيمور غوكسيل Timor Goksel ، المتحدّث باسم القوّات الدولية العاملة في جنوب لبنان، إنّه لا يُمكن الحديث عن إقدام لبنان على تحويل مياه نهر الوزّاني، لأنّ ما يجري يقتصر على مدّ أنبوب قطره 10 سنتيمترات (أربعة إنش) لجرّ المياه إلى قرية فقيرة تحتاج إلى الماء. وأضاف : "عندما بدأت الأعمال في 20 شباط أبلغنا الجيش الإسرائيلي أنّ الأمم المتّحدة ستتولّى تأمين حماية العمّال وكان الإسرائيليّون يعرفون تماماً طبيعة هذه الأعمال". وذكر أنّ المشروع سينتهي في 20 نيسان ([25]).

فما هي قضيّة مياه الوزّاني ؟

إنّ معدّل تصريف الوزّاني السنويّ هو 61,5 مليون م3، أي ما يُعادل تقريباً 40 بالمئة من مُجمل مياه نهر الحاصباني. وطاقة كلّ مضخّة من المضخّتين في محطّة الوزّاني هي في حدود 4 ملايين م3. وتشغيل الإثنتين بكامل طاقتهما يرفع كميّة الضخّ إلى ثمانية ملايين م3. ولا يستخدم لبنان إلاّ مضخّة واحدة لا تعمل على مدار اليوم، وهي في حدود عشرة آلاف م3 يومياً أي 3,6 ملايين م3 ([26]).

إنّ المياه السطحيّة للحاصباني والوزّاني وسريد تبلغ حوالى 145 مليون م3. والمياه المُنسابة جوفياً نحو الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة هي بحدود 195 مليون م3، مُوزّعة على الشكل التالي:

- إنسياب جوفي من حوض "الحاصباني-الوزّاني": 55,5 مليون م3

- إنسياب جوفي من سفوح جبل الشيخ والعرقوب والسريد: 58 مليون م3

- إنسياب من قطاع دير ميماس / فالق اليمونة / مرج الخيام: 12,2 مليون م3

- إنسياب من قطاع ميس الجبل/عيترون/عين إبل/رميش/الناقورة: 69,3 مليون م3

فيُصبح مجموع كميّة المياه المُنسابة خارج الحدود الجنوبيّة اللبنانيّة: 145 + 195 = 340 مليون م3

وبالإضافة إلى ذلك فهنالك ينابيع تستثمرها إسرائيل في مزارع شبعا. وتُفيد الإحصاءات شبه الرسميّة بوجود 23 نبعاً في المزارع وتلال كفرشوبا المُحتلّة. وهي تمتدّ من مقاصر الدود شرقاً، حتّى وادي العسل غرباً. وتمتاز بالمياه النقيّة. ومن بين هذه الينابيع ثمانية غزيرة تجري كجداول، وثلاثة مياهها معدنيّة.

وهكذا نرى أنّ التصريحات والوثائق الإسرائيلية، القديمة والحديثة، واضحة بشأن أهمية مياه الجنوب اللبناني لتنفيذ المخططات والمشاريع الصهيونية، فجاءت الإجراءات والممارسات الإسرائيلية تُثبت ذلك. وقد عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ مشاريعها للسيطرة على المياه اللبنانية من خلال تعطيل أيّ مشروع لبناني يرمي إلى الإستفادة من هذه المياه، أو من خلال الإستيلاء بالتقسيط عليها ([27]).

فإسرائيل ماضية قدماً في تنفيذ سياسة الخطوة خطوة للإستيلاء على قسم من مياه الليطاني، فسياسة الترهيب ستنحسر في القريب العاجل لتحلّ محلّها "سياسة الترغيب المُقَنَّنَة". وإذا كانت إسرائيل لم تُقدم على تحويل الليطاني على نطاق واسع حتى الآن فذلك لا يعني أنّها استبعدت كلياً هذه العمليّة من خططها المُستقبليّة، إذ سيكون هدفها في السنوات المُقبلة الترويج لنظريّة الإرتباط الجوفي بين الليطاني وروافد نهر الأردن لإكراه الدولة اللبنانيّة (إن استطاعت) على التوقيع على اتفاق يُقرّ لها "بحصّة مشروعة من مياه الليطاني".

 

ثالثاً: "تكتيك" إسرائيل القانوني حول مياه الليطاني

بعد حرب العام 1967 لم يعد الزعماء الإسرائيليون يجدون أي حرج في الكشف عن نيّاتهم تجاه مياه الليطاني. ففي شهر أيلول/سبتمبر من هذا العام إنتقد رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ليڤي إشكول Levi Eshkol (1895-1969) "ضياع نصف مليار مكعب من مياه الليطاني في البحر بدلاً من أن تستفيد منها شعوب المنطقة" ([28]).

وأثار داريل عيسى Darrell Issa ، عضو الكونغرس الأميركي، خلال مُحادثات رسميّة له في لبنان عام 2003 مسألة "حصّة إسرائيل في مياه الليطاني" ([29]). و"أفاد مصدر وزاري أنّ عيسى طرح موضوع ذهاب مياه الليطاني إلى البحر وأنّ في الإمكان الإستفادة منها للشرب بعد تكريرها" ([30]).

ويتلخّص "تكتيك" إسرائيل القانوني في طرح فكرتين أو الإدلاء بزعمين : وجود اتّصال جوفي بين الليطاني وروافد نهر الأردن، ووجود فائض مائي لدى لبنان يخوّل حكومة فلسطين، عملاً باتفاقية الحدود للعام 1920، الإستفادة منه. والغرض من الزعمين هو اقتسام مياه الليطاني أو الإستيلاء على قسم منها.

وتأكيداً لخطورة هذا الزعم وَرَد في صحيفة اللواء اللبنانيّة في 17/1/1993 خبر مفاده أنّ إسرائيل تطرح بالون اختبار جديداً أمام المفاوض اللبناني من خلال دراسة أميركيّة-إسرائيليّة تُنادي باتصال حوض الأردن بالليطاني للمُطالبة باقتسام مياه الليطاني.

 

أ- إتّصال جوفي مزعوم بين نهر الليطاني وروافد الأردن

يرى الخبير الأميركي جون كولارز John Kolars الذي أوفده مكتب الإعلام الأميركي لإلقاء محاضرة في غرفة التجارة والصناعة في المنامة (البحرين)، في 15/2/1992، حول "مشكلة المياه وتأثيراتها الإقتصادية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط"، أن "هناك تكهناً بأن مياه نهر الليطاني تستعمل من قبل الأردن وإسرائيل، أو أحدهما، إذ توجد إثباتات بأن القسم الأسفل من نهر الليطاني يُغذّي الحاصباني ونبع الدان في إسرائيل". ويؤكّد الخبير أن القياسات العائدة لهطول المطر وتصريف النهر تدلّ على أنّ هناك كميّة من المياه مقدارها مئة مليون م3 تختفي في القسم الأسفل منه. ويبدو أن هذه المياه تغذّي خزاناً جيولوجياً مُقعّراً يمكن أن يغذّي نبع الدان ونهر الحاصباني، وتالياً نهر الأردن" ([31]).

وإسرائيل حاولت مراراً البرهنة جيولوجياً، بالإعتماد على هذه الفرضيّات، على وجود اتصال جوفي بين الليطاني وروافد الأردن. والغرض من ذلك إضفاء الصفة الدولية على الليطاني، بحسب المادة الثانية من اتفاقيّة قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الصادرة في العام 1997 ([32])، والمطالبة بحصة مائية من الليطاني، بالإستناد إلى أحكام القانون الدولي والمبادىء العامّة المعمول بها في هذا المجال.

وهنا لا بدّ من التذكير بوضع الأنهار في القانون الدولي العام ([33]). فقد كان من المتعارف عليه أن النهر الدولي هو الذي يجري تباعاً بين إقليمي دولتين أو أكثر بحيث تكون ملكيّته لأكثر من دولة، بمعنى أن كل دولة "تملك" الجزء من النهر الذي يجري داخل إقليمها أو يقع ضمن حدودها. ويُسْتنتج من هذا التعريف أن صفة النهر الدولية مُرتبطة بمجراه، فإذا تعدّى إقليم دولتين أو أكثر أصبح دولياً.

ولأنّ هذا التعريف "التقليدي" يحرم إسرائيل من مياه الليطاني باعتبار أنّه نهر وطني ينبع من لبنان ويصبّ في لبنان، فقد تقدّم الباحثون الإسرائيليون بمقولة زعموا فيها أن الليطاني مرتبط جوفياً بروافد الأردن، خصوصاً أن المادة الثانية من إتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية للأغراض غير الملاحية عرّفت "دولة المجرى المائي" بالدولة التي يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي تقع أجزاء منه في دول عدّة، كما عرّفت مصطلح "المجرى المائي" بأنه نظام المياه السطحيّة والجوفيّة التي تكوّن، بحكم علاقتها الفيزيائيّة، مجموعة واحدة تنتهي إلى نقطة وصول مشتركة ([34]).

وكرّس الباب الثاني من الإتفاقية الدولية المشار إليها الذي يحمل عنوان "مبادىء عامة" مبدأ الإستعمال المنصف والعادل للمياه. وهذا المبدأ يقضي بأن يكون لكل دول المجرى المائي الدولي حقّ في تقاسم منصف للمكاسب التي يوفّرها هذا المجرى. وغاية التقاسم المنصف تأمين أقصى الفوائد وأقل الأضرار من استعمالات المياه لكلّ دولة من دول المجرى. وقد أثير أحياناً مفهوم "السيادة المحدودة أو المقيّدة" لتبرير حق دولة المجرى في الإستعمال المنصف للمياه ([35]).

وهكذا فإن أية دولة من دول المجرى لا تملك الأفضلية في استعمال المجرى عندما يكون هناك خلاف أو تباين بين حاجات دول المجرى. وعلى الدولة، في هذه الحال، تسوية الخلاف على أساس الإنصاف. ويهدف التوفيق بين حاجاتها إلى إقامة توازن معقول بين حاجات دول المجرى وخفض أضرار كل منها إلى الحد الأدنى.

وفي هذا السياق أتى إعلان مردخاي جوفيتش ، المتحدّث باسم شركة المياه القطرية الإسرائيلية (مكوروت) ليشير إلى أن عملية ضخّ المياه من الليطاني "تقتصر على الكمية المتفق عليها، وهي نسبة 20 إلى 25 مليون م3 سنوياً" ([36]). وهذا التصريح جعل البعض يتساءل: هل صحيح أن هذه النسبة متّفق عليها أصلاً؟ ومع من تمّ هذا الإتفاق؟ وهل يخضع نهر الليطاني لاتفاقيّات قديمة وُقِّعت في عهد الإنتداب؟

 

ب – إتفاقية الحدود للعام 1920 والفائض المائي المرغوب

تشتهر إسرائيل بالبراعة في ابتكار الحيل واختراع الأحابيل واختلاق الذرائع التي تخدم مصلحتها وتدعم مواقفها. وقد وجدت في إحدى الإتفاقيات القديمة حجّة قرّرت استغلالها والإستفادة منها والمساومة عليها.

وهذه الإتفاقية هي إتفاقية الحدود الموقّعة في 23/12/1920 بين دولتي الإنتداب: فرنسا وبريطانيا. وتُعرف رسمياً بـ"الإتفاقية الفرنسية–البريطانية بشأن نقاط مُحدَّدة تتعلَّق بالإنتدابات على سوريا ولبنان وفلسطين والعراق" ([37]). وقد نفضت إسرائيل الغبار عنها ونفخت فيها الروح واعتبرتها المرجع القانوني الرئيسي المتعلق بتوزيع المياه وتقاسمها بينها وبين لبنان.

لقد نصّت المادة الثامنة من هذه الإتفاقية على ما يلي:

"سيشترك فنِّيون تُعيِّنهم السلطات في كل من سوريا وفلسطين، خلال ستة أشهر بعد توقيع هذه الإتفاقية، بدراسة إمكانات استخدام مياه أعالي نهر الأردن، واليرموك، وروافدهما، لأغراض الريّ وتوليد الطاقة الكهرُمائيَّة، وذلك بعد سدّ حاجات المناطق الواقعة تحت الإنتداب الفرنسي.

وفي سبيل هذه الدراسة، ستُعطي الحكومة الفرنسية مندوبيها تعليمات مُتساهلة لاستخدام فائض هذه المياه لمصلحة فلسطين.

وفي حال لم تُفْض الدراسة إلى إتفاق، فسيُرفع الموضوع إلى الحكومتين الفرنسية والبريطانية للبتّ فيه.

وبقدر ما ستخدم الأشغال المُرتقبة مصلحة فلسطين، فإن السلطة فيها ستتحمَّل نفقات تشييد كل الأقنية وفتحات التصريف والسدود والأنفاق وشبكات الأنابيب والخزانات أو أيّ أعمال أخرى مُشابهة أو التي تهدف إلى تأجيم واسْتغلال الغابات (...)".

فهذه المادة تتضمّن إتفاقاً على تعاون "الإنتدابين" في حقل إنتاج الطاقة الكهرُمائية من نهر الأردن، أي من الحاصباني واليرموك وروافدهما (وكلّها كانت تقع في منطقة الإنتداب الفرنسي)، مقابل إستفادة حكومة فلسطين من المياه الفائضة.

وبالإستناد إلى هذه المادة ترى إسرائيل أنه أصبح لحكومة فلسطين حقاً مشروعاً في استغلال كل ما يمكن أن يدخل في نطاق المياه اللبنانية الفائضة. فلبنان، بعد استقلاله، ورث عن الإنتداب الفرنسي جميع الإتفاقيّات الدولية، ومنها اتفاقية الحدود للعام 1920. وما دام لبنان لم يُقدم على إلغاء هذه الإتفاقية أو تعديلها فبإمكان الجانب الآخر (أي إسرائيل التي تعتبر نفسها الوريث الشرعي والوحيد للإنتداب البريطاني) أن تُطالب بتطبيق المادة الثامنة، لا سيّما أن هذه المادة قد تكرّست مرّتين: مرّة عندما أقرّت عصبة الأمم، في العام 1934، إتفاقية الحدود، ومرّة عندما وقَّع لبنان مع إسرائيل، في 23/3/1949، إتفاقية الهدنة التي تعالج مسألة الحدود بين الطرفين وتؤكّد وجود التطابق بين الخط الفاصل للهدنة وخط الحدود الدولية. فقد ورد في الفقرة الأولى من المادة الخامسة أن خط الهدنة يتبع الحدود الدوليّة بين لبنان وفلسطين ([38]).

ومنذ العام 1920، أي منذ ترسيم الحدود اللبنانية-الفلسطينية، لم يُوقِّع لبنان ولم يشترك في اتفاقية، ثنائية أو جماعية، تُبيح لغيره حق استعمال مياه الليطاني.

غير أن هذا الوضع لا ينطبق، كما تدَّعي إسرائيل، على روافد الأردن، فالمادة الثامنة من إتفاقية الحدود تتحدّث عن هذه الروافد وتُقيم رابطة أو ارتباطاً بينها وبين "فائض هذه المياه" لمصلحة فلسطين. ولهذا فإن ما ستسعى إليه إسرائيل في المفاوضات المتعددة الطرف هو استغلال المادة الثامنة والترويج لنظرية الإتصال الجوفي بين الأردن والليطاني، وجعل الليطاني رافداً من روافد الأردن. وكل ذلك من أجل التوصل إلى إتفاقية جديدة مع لبنان تُتيح لإسرائيل تَقْنين (أو شَرْعَنة) أطماعها المائية.

وهذا الإتجاه (أو على الأصح: التوجيه) يتجلّى في الدراسة التي وضعها أحد المفكرين الصهيونيين ونشرتها جامعة تل أبيب بعنوان: "الحرب والمياه والمفاوضات في الشرق الأوسط" ([39]). ويتضح من الدراسة أن الجانب الصهيوني بذل جهوداً جبّارة لإقناع الدولة الفرنسية المنتدبة بالتنازل عن الليطاني، وعندما يَئِس من إقناعها وانتزاع التنازل منها عمد إلى ترويج فكرة استمرار العمل باتفاقية الحدود للعام 1920، والسعي لكسب "الحقوق المائية" بالإستناد إلى الفقرة التي تتحدّث عن فائض المياه لمصلحة فلسطين في المادة الثامنة.

وقد تلقّفت إسرائيل الدراسات المُغرضة التي زعمت أنّ هناك فائضاً مائيّاً واتِّصالاً جوفيّاً بين الليطاني وروافد الأردن، فعمدت الدوائر فيها إلى ترويج هذه الفكرة لتطبيق المادتين 2 و 6 من اتِّفاقيّة قانون استخدام المجاري المائيّة الدوليّة للأغراض غير الملاحيّة، الصادرة في العام 1997، والمُطالبة بالإنتفاع المُنصف والمعقول (المادة السادسة) من هذه المياه الفائضة طالما أنّه يُقصد بالمجرى المائي شبكة المياه السطحيَّة والجوفيَّة التي تُشكِّل، بحكم علاقتها الطبيعيَّة ببعضها البعض، كلاً واحداً وتتدفَّق عادةً صوب نقطة وصول مُشتركة ([40]).

وجنّدت إسرائيل، كعادتها، فئة من الباحثين راحت تعالج الناحية القانونية من إتفاقية العام 1920، وما لحقها من تعديل في العام 1922، وتزعم أنّ نيل لبنان الإستقلال، في العام 1943، لا يعفيه من الإلتزام بالإتفاقيات التي عقدتها فرنسا، باسمه أو لمصلحته خلال فترة الإنتداب.

والغرض من هذه "الحملة" القانونية، ومن حرص إسرائيل على التشبّث بالمادة الثامنة التي تنصّ على "استخدام فائض هذه المياه [من روافد الأردن] لمصلحة فلسطين"، هو ترسيخ فكرة الإرتباط الجوفي بين الليطاني وروافد الأردن، وإخضاع الليطاني للأحكام المطبقة على هذه الروافد، واعتبار الفائض المائي عنصراً مشتركاً يشمل الليطاني وتلك الروافد.

من كل ما تقدّم تظهر أهميّة موقع الجنوب اللبناني بالنسبة إلى الإستراتيجيّة المائيّة لإسرائيل التي تحرص على المُراوغة والمُماطلة لعدم الإنسحاب من بعض أراضيه إلاّ بعد ضمان مصالحها المائيّة.

 

رابعاً: عقيدة لبنانيّة هيدرو–زراعية تُطبقّ جنوباً وبقاعاً

إنّ تنفيذ مشروع استثمار مياه الليطاني يدحض الفكرة التي يُروِّج لها العدو الإسرائيلي والقائلة بأنّ لبنان يهدر المياه العذبة ويتركها تذهب سدى إلى البحر، "فالعديد من الإسرائيليين يقولون إنّ اللبنانيين يُضيعون كميات كبيرة من المياه. وفي هذا الجزء من العالم لا يحقّ لأحد أن يفعل ذلك" ([41]). فالأراضي الزراعيّة المنتشرة في الجنوب والبقاع الغربي تحتاج مُستقبلاً إلى كميّة من المياه تزيد عن كميّة المياه المُتوافرة في الليطاني.

وفي أواخر العام 1959 أكّد المهندس الكبير إبراهيم عبد العال أن الليطاني هو "نهر لبنان الأكبر والوحيد الذي اجتمعت له الخصائص الجغرافية للأنهار. ووادي الليطاني قابل للتجهيز على نطاق واسع. فإذا ضُبطت مياه النهر، واستُخدمت بانتظام فهي تنتج قوة كهربائية وفيرة ورخيصة الثمن لإمداد جميع المناطق اللبنانية وتساعد على أعمال الري وزيادة الإمكانات الزراعية وعلى تنشيط الأعمال الصناعية" ([42]).

فالمهندس عبد العال كان أوّل من نبّه إلى ضرورة قيام مشاريع على الليطاني للإستفادة منه ودعم المناطق الجنوبيّة والبقاعيّة وبثّ الحياة والنشاط فيها.

ومن المؤكد أنّ لبنان قد أضاع وقتاّ ثميناً في جدل عقيم حول تحديد مناطق استثمار مياه الليطاني: هل يتمّ الري على مستوى 600 متر أو 800 متر فوق مستوى سطح البحر؟ ومع أن بعض الدراسات والأبحاث يؤكد أن لبنان يتمتّع بوفرة نسبيّة من المياه تكفي سكانه وزراعته، فإنّه لا يملك فائضاً على المدى الطويل، فالمساحة المرويّة في لبنان، حسب دراسات وزارة الزراعة اللبنانية، لا تتعدى 105 ألف هكتار، في حين أنه يتعيّن على لبنان ري مساحة بحدود 360 ألف هكتار ([43]).

ومن الملاحظ أنّ الإنتاج الزراعي لا يُساهم بأكثر من 10 في المئة ([44]) من الدخل الوطني وهو لا يكفي لسد حاجات لبنان الذي يعتمد على استيراد المنتجات الزراعية من الخارج. ومن ناحية أخرى فإنّ مناطق واسعة من لبنان تُعاني الشح في المياه: مياه الشرب والري.

واستناداً إلى ما تقدم، واعتماداً على معطيات عديدة، فإنّ لبنان يحتاج إلى ثروته المائية بكاملها في المستقبل القريب والبعيد.

إن لبنان بدأ اليوم يشكو من نقص المياه، بسبب سوء الإدارة أو الهدر، فالقرى الجنوبية والبقاعية، مثلاً، تُواجه العطش، ولا تزال البرك الترابية القديمة والآبار الجوفية الوسيلة الوحيدة لمواجهة نقص المياه في هذه القرى، بل إنّ قلّة كميات الأمطار الهاطلة في هذه المناطق خلال السنوات المنصرمة، أدّت إلى جفاف الينابيع أو انخفاض مستوى المياه الجوفية، مِمّا أوجد قرى عديدة تشكو من العطش.

هذا نموذج للواقع الذي تعيشه القرى الجنوبية والبقاعية التي تتعرّض باستمرار لنقص المياه، بينما يقضي الجفاف في بعض السنوات على المحاصيل الزراعية بالإضافة لتدهور تربية الماشية حيث لا تتوافر المراعي بسبب نقص المياه. ومن يغامر هناك ويزرع أرضه يَعِش حالاً مستمرة من الحذر خوفاً من الألغام والقنابل العنقوديّة والمفاجآت الإسرائيلية.

إنّ قصف إسرائيل للجنوب والبقاع خلال حرب تموز/يوليو 2006 يدخل ضمن المخطط الإسرائيلي لتهجير أكبر عدد مُمكن من السكان للمطالبة بحصّة مُتعاظمة من المياه اللبنانيّة ([45]). وقد حرصت إسرائيل دوماً على تقليص فاعلية الجنوب والبقاع الغربي على الصعيد السكاني والزراعي ودفع الأهالي إلى الهجرة.

وهذا الحرص الإسرائيلي نابع من العقيدة الصهيونية التي تقوم على فكرة الإنماء الزراعي، لأنّ الموارد المائية أمر حيوي بالنسبة لإسرائيل.

لقد قامت العقيدة الصهيونية على مبدأ تحويل أبناء الغيتو Ghetto اليهود من المُرابين وأصحاب المهن الحرة إلى فلاّحين، أي الإنتقال "بشعب اللّه المُختار" من شعب بلا أرض إلى جماعة من الفلاّحين يحرثون ويزرعون الأرض. فكلّما جادت الأرض بخيراتها على زارعها، إزداد ارتباط الفلاّح بها. لذا ركّزت الصهيونية، في مراحل الإستيطان الأولى، على العمل الزراعي من خلال الكيبوتسيم (المُستعمرات الجماعيّة الزراعيّة)، لأنها أدركت مبكراً أنّ توفير الأرض لا بدّ من أن يسبقه توفير المياه اللازمة. لهذا طمعت الحركة الصهيونية في مصادر المياه المتوافرة لدى الدول العربية المجاورة، ومن بينها لبنان.

وما زال العديد من الخطط والمشاريع والأحابيل القانونيّة-المائية، التي يُمكن أن نتطرَّق إليها في بحث لاحق، في أدراج الحكومة الإسرائيلية.

 

*   *   *

 

والخلاصة أنّه لا بدّ للبنان، لمُواجهة العقيدة الصهيونيّة المُتعلّقة بالأرض والمياه (العقيدة الهيدرو-زراعية) من أن يُبلور عقيدة مُشابهة تحضّ المُواطن اللبناني، في الجنوب والبقاع خصوصاً، على التمسّك بالأرض والإستفادة إلى أقصى حدّ مُمكن من مياه الليطاني والحاصباني...فإسرائيل على شفا أزمة مياه حادَّة ([46]).

 

 

[1] راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع في مؤلّفاتنا الآتية:

- Les fleuves du Moyen-Orient Situation et prospective juridico-politiques, L’Harmattan Paris, 1994

- لا أحد يشرب: مشاريع المياه في استراتيجيّة إسرائيل، شركة رياض الريّس للكتب والنشر، بيروت، 1998

- المياه ومتطلبات الأمن المستقبلي في الدول العربيّة دراسة في دبلوماسيّة المياه، مركز الدراسات والبحوث، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 1420هـ-1999م

- أطماع إسرائيل في المياه اللبنانية ملاحظات حول روافد الأردن والقانون الدولي العام، الجمهورية اللبنانية-وزارة الإعلام، 2001

[2]من يُراجع المراسلات والمباحثات الرسميّة التي قام بها الزعماء الصهاينة ما بين العامين 1918-1920، يكتشف أنّ موضوع المياه الليطاني وروافد الأردن يحتلّ الصدارة في كلّ ما نُشر وما لم يُنشر من هذه الوثائق.

[3]راجع ما كتبه حول موضوع المياه:

Shimon Perès, Le temps de la paix, Ed. Odile Jacob, Paris, 1993, pp. 159-171

[4] كان هيرتسل من الصهاينة الأوائل الذين تنبّهوا لأهميّة المياه بالنسبة إلى أرض الدولة العبريّة التي حلم بها في روايته "الأرض الجديدة-الأرض القديمة"، فقد كتب يقول: "إنّ المؤسسين الحقيقيين للأرض الجديدة - القديمة هم مهندسو الماء..." راجع كتاب أسعد رزوق، إسرائيل الكبرى: دراسة في الفكر التوسعي الصهيوني، مركز الأبحاث الفلسطيني، بيروت، 1968، ص 581-582.

[5] صحيفة Le Monde الفرنسيّة، في 29/1/1992.

[6] راجع:

Alain Dieckhoff, Israel: L'atout des territories, in Politique Internationale, Hiver 1992, p.41.

يُراجع أيضاً كتاب:

Mark ZEITOUN, Power and water in the Middle East: The hidden politics of the Palestinian-Israeli water conflict, I.B. Tauris, 2008.

[7] إستقبلت إسرائيل في 7/5/2000 المهاجر الروسي المليون منذ بداية موجة الهجرة من الإتحاد السوفياتي السابق في أيلول/سبتمبر العام 1989 صحيفة الديار اللبنانية في 8/5/2000. وراجع ما كتبه نبيل محمود السهلي في السفير في 18/5/2000 حول "52 عامًا على إنشاء إسرائيل: دور الهجرة في نمو السكان اليهود".

[8] الأرقام مُستقاة من المجلاّت والصحف الإسرائيلّة الصادرة العام 2008.

[9] راجع الخبر الذي أورده موقع غلوببس Globes في 25/5/2009

 http://www.globes.co.il/serveen/globes/printWindows.asp?did=1000453088

[10] موشاف جمع موشافيم: مستعمرة تعاونيّة زراعيّة. تقوم على أساس العمل الذاتي والتعاون والمساعدة المتبادلة، والملكيّة الخاصة للحقل.

[11] كيبوتس جمع كيبوتسيم: مستعمرة جماعيّة زراعيّة. تقوم على أساس الملكيّة الجماعيّة لوسائل الإنتاج.

[12] تقرير داڤيد مغين، رئيس لجنة المياه البرلمانيّة ، المرفوع إلى الكنيست في حزيران/يونيو 2002.

[13] يُمكن صياغة مجموع المياه اللبنانيّة، السطحيّة والجوفيّة المُتوافرة، بالمعادلة المائيّة الآتية: 100% مُتساقطات 8600 مليون متر مكعب في سنة متوسطة = 50% تبخّر وتعرّق 4300 مليون م3 + % جريان سطحي + % تسرّب جوفي. وتبلغ المياه المُتاحة نظريًا نحو 4300 مليون م3 في السنة، وهي تتألّف من العناصر الأربعة الآتية : مياه الأنهار المشتركة مع سوريا المُقدّرة بـ 510 ملايين م3 410 مليون م3 من العاصي و95 مليون م3 من النهر الكبير والمياه الذاهبة باتجاه فلسطين المُحتلّة والمُقدّرة بـ 310 ملايين م3 160 مليون م3 من الحاصباني و150 مليون م3 من المياه الجوفيّة ونبع الدان أو اللدّان والمياه السطحيّة المُقدّرة بـ 2200 مليون م3 باستثناء أنهار العاصي والنهر الكبير والحاصباني والمياه التي تتسرّب إلى جوف الأرض والمُقدّرة بـ 1280 مليون م3 من دون أن تظهر مُجدّدًا بشكل ينابيع على اليابسة. هذه الأرقام مُستقاة من كتاب المهندس محمد فواز، نحو سياسة مائيّة في لبنان، معهد الهندسة العالي في بيروت- ESIB ، 2007، الصفحات 35-37.

[14] صحيفة النهار اللبنانيّة، في 9/03/2006.

[15] تؤكّد تقارير الخبراء أنّ نهراً جوفيًا هائلاً ينساب في باطن الأرض في قطاع سهل الخيام. والدليل على ذلك وجود آبار أرتوازيّة حُفرت في تلك المنطقة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي وتدفّقت منها مياه غزيرة.

[16] راجع كتاب أسعد رزوق، المرجع السابق، ص 401.

[17] للإطلاع على مواقف النخب المُتعدِّدة في لبنان بشأن الحدود، إثر الحرب العالميّة الكبرى، راجع كتاب د. عصام خليفة، الحدود الجنوبيّة للبنان: بين مواقف نخب الطوائف والصراع الدولي 1908-1936، دار الجيل، بيروت، 1985.

[18] والعام 1948 حلّت النكبة بهذه القرى عندما احتلّتها إسرائيل ودمَّرتها وهجَّرت أهلها.

[19] راجع ما ورد في مذكرة حكومة إسرائيل حول نهر الليطاني ومُطالبتها بالمشاركة في الإستفادة منه، في 29/4/1954.

[20] راجع التحقيق الذي أجراه مراسل السفير في 7/6/2000. وقد نشرت صحيفة اللواء اللبنانية في 7/3/2000 وثيقة سرية لمؤتمر القمة العربي الأول الذي عقد في القاهرة عام 1964 حول مسألة تحويل مياه الأردن وتشكيل الأطر الإجرائيّة والتنفيذيّة لاستغلال مياه النهر وروافده عربياً.

[21] يستمدّ نهر الأردن مياهه من أربعة روافد أساسيّة هي: الدان/اللدّان/تل القاضي 258 مليون م3 والحاصباني 145-157 مليون م3 وبانياس 157 مليون م3 واليرموك 420-530 مليون م3.

[22] راجع ما كتبه إبراهيم عبد الكريم، حدود فلسطين مع سورية ولبنان، المنارة، دمشق، 1999، الصفحات 88-95.

[23] وعلى الرغم من إعلان الأمين العام للأمم المتحدة إكمال إسرائيل انسحابها من الجنوب اللبناني، ومصادقة مجلس الأمن على ذلك، فإنّ لبنان بقي مُتمسكاً بأنّ مزارع شبعا التي لم تنسجب منها إسرائيل أرض لبنانيّة وليست سوريّة بحسب المزاعم الإسرائيليّة، وأنّ هذا يُعطيه الحقّ في مواصلة المقاومة ضدّ الإحتلال.

[24] الصحف الإسرائيليّة، في 14/3/2001.

[25] تكرَّرت أزمة الوزّاني في 31/8/2002.

[26] مجلّة الوسط الصادرة في بريطانيا، عدد 620، 15/12/2003، ص 7.

[27] راجع كتابنا : لا أحد يشرب، المرجع السابق، ص56-88.

[28] صحيفة Le Monde الفرنسيّة، في 8/9/1967.

[29] صحيفة اللواء اللبنانيّة، في 31/5/2003.

[30] صحيفة النهار اللبنانيّة، في 31/5/2003.

[31] راجع ما كتبه الهيدروجيولوجي فتحي شاتيلا في صحيفة السفير اللبنانيّة، في 26/5/1992.

[32] جاء اعتماد هذه الإتفاقيّة تتويجاً لجهود مُضنية بذلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال لجنة القانون الدولي التابعة لها. وقد تطلّب الأمر ما يزيد عن ربع قرن من الزمان 1970-1997 للإنتهاء من إعداد مشروع الإتفاقية ومُناقشتها من قبل اللجنة السادسة ثمّ إقرارها في الجمعية العامة بأغلبية 104 دولة قرار الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، الصادر في 21/05/1997.

[33] راجع كتاب د. محمد المجذوب، القانون الدولي العام، منشورات الحلبي الحقوقيّة، بيروت، 2007، ص 411-429.

[34] تنصّ المادة 2 إستخدام المصطلحات على التالي :

" لأغراض هذه الإتفاقية :

أ يُقصد بـ" المجرى المائي " شبكة المياه السطحية والجوفية التي تشكّل، بحكم علاقتها الطبيعيّة بعضها ببعض، كلاً واحداً وتتدفّق عادة صوب نقطة وصول مشتركة ؛

ب يُقصد بـ" المجرى المائي الدولي " أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة ؛

ج يقصد بـ" دولة المجرى المائي " دولة طرف في هذه الإتفاقية، يقع في إقليمها جزء من مجرى مائي دولي، أو طرف يكون منظمة إقليمية للتكامل الإقتصادي يقع في إقليم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء فيها جزء من مجرى مائي دولي ؛

د يقصد بـ" المنظمة الإقليمية للتكامل الإقتصادي " أي منظمة تشكّلها دول ذات سيادة في منطقة إقليمية معيّنة وتنقل إليها الدول الأعضاء فيها الإختصاص فيما يتعلّق بالمسائل التي تنظّمها الإتفاقية الحاليّة وتأذن لها حسب الأصول وفقاً لإجراءاتها الداخلية بأن توقّعها وتصدّق عليها وتقبلها وتوافق عليها وتنضمّ إليها.

[35] تنصّ المادة 6 العوامل ذات الصلة بالإنتفاع المنصف والمعقول على ما يلي :

1- يتطلب الإنتفاع بمجرى مائي دولي بطريقة منصفة ومعقولة، بالمعنى المقصود في المادة 5، أخذ جميع العوامل والظروف ذات الصلة في الإعتبار، بما في ذلك :

أ العوامل الجغرافية والهيدروغرافية والهيدرولوجية والمناخية والإيكولوجية، والعوامل الأخرى التي لها صفة طبيعية ؛

ب الحاجات الإجتماعية والإقتصادية لدول المجرى المائي المعنية ؛

ج السكان الذين يعتمدون على المجرى المائي في كل دولة من دول المجرى المائي ؛

د آثار استخدام أو استخدامات المجرى المائي في إحدى دول المجرى المائي على غيرها من دول المجرى المائي ؛

هـ الإستخدامات القائمة والمحتملة للمجرى المائي ؛

و حفظ الموارد المائية للمجرى المائي وحمايتها وتنميتها والإقتصاد في استخدامها وتكاليف التدابير المتخذة في هذا الصدد ؛

ز مدى توافر بدائل، ذات قيمة مقارنة، لاستخدام معين مزمع أو قائم ؛

2- لدى تطبيق المادة 5 أو الفقرة 1 من هذه المادة، تدخل دول المجرى المائي المعنية، إذا ما دعت الحاجة، في مشاورات بروح من التعاون ؛

3- يُحدد الوزن الممنوح لكل عامل من العوامل وفقاً لأهميته بالمقارنة مع أهمية العوامل الأخرى ذات الصلة. وعند تحديد ماهية الإنتفاع المنصف والمعقول، يجب النظر في جميع العوامل ذات الصلة معاً والتوصل إلى استنتاج على أساسها ككل.

[36] راجع الصحف التالية: اللواء لبنان في 20/7/1990، والأهرام مصر في 23/7/1990، والسفير لبنان في 20/7/1990، والدستور الأردن في 20/7/1990.

[37] راجع نص الإتفاقية في: League of Nations, Treaty Series, vol. 22, p. 355

[38] راجع اتفاقيات الهدنة العربية-الإسرائيلية: شباط/فبراير-تموز/يوليو 1949، سلسلة الوثائق الأساسيّة، رقم 3، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1968، ص 4.

[39] راجع كتاب:

Adam Garfinkle, " War, water and negotiations in the Middle East : the case of the Palestine-Syria border, 1916-1923 ", Tel Aviv University, Moshe Dayan Center for Middle Eastern Studies, Jerusalem, 1994, p. 126.

[40] الفقرة أ من المادة الثانية.

[41] من حديث لتوماس ناف Thomas Naff ، نقله الراحل حسن السبع في صحيفة السفير اللبنانيّة، في 11/1/1992.

[42] من دراسة وضعها المرحوم المهندس ابراهيم عبد العال، وقدّمت إلى المؤتمر الهندس العربي الرابع الذي عقد في بيروت في شهر آب/أغسطس 1959.

[43] راجع ماكتبه المهندس زياد الحجار عن " حاجات لبنان من المياه : ري، شفة، صناعة "، في كتاب " وقائع ندوة المياه في لبنان ومشاريع السلام "، مركز الدراسات والتوثيق والنشر، بيروت، 1994، ص 73-76.

[44] راجع كتاب المهندس محمد فواز، المرجع السابق، ص 109.

[45] تسعى إسرائيل إلى "إلزام" لبنان بالبنود ب و ج و هـ و ز من الفقرة 1 من المادة السادسة من اتفاقيّة الأمم المتحدة لعام 1997.

[46] نقلت الصحف الإسرائيليّة في بداية شهر تشرين الأوّل/أكتوبر 2008 أنّ الأزمة المائيّة الحاليّة هي الأخطر في تاريخ الدولة العبريّة، فقد انخفض مستوى بحيرة طبريا خمسة أمتار منذ عام 2004، وانخفض منسوبها في نهاية العام الهيدرولوجي 2007-2008 30/9/2008 نحو مترين، وهي النسبة الأكبر التي تُسجّل في عام واحد. ولهذا شُكِّلت لجنة تحقيق لمعرفة مُسبِّبات هذه الأزمة الحادّة.

 

Lebanese Water resources in the eyes of the Zionist ideology and Israelis legal tactic.

Three objectives has for long worried the first pioneers of the Zionist movement and are still worrying its current leaders: acquiring the Arab recognition with regard to the existence of the Hebrew State, possessing the most powerful weapon in the Middle East and taking hold of the water resources in the Arabic region. In this framework, the Zionist movement has managed, through its maneuvers or conspiracies, to achieve the first two objectives and it is currently seeking to achieve the last objective in view of the fact that water occupies a high level of importance which is almost considered as a doctrine in Zionist ideology. In its desire to take over the water resources of the Arabic countries, Israel has adhered to set a balance and a correlation between its security map and the map of its water resources or between its existence in the future and the ability to ensure water to citizens. Therefore its border was in fact based on water resources whether in dream or reality or force.

If we search closely for the roots of this determination or insistence to acquire territories and water at all costs we shall find out that its appertaince to the doctrine of land and water which was clarified with the expansion of Zionism that becam later its essence and basic. Furthermore, Israel has been permanently trying to increase its water resources taking into consideration the demographic growth resulting mainly from the arrival of huge numbers of settlers from the ex-URSS republics. Among many measures, Israel adopted the legal tactic with regard to the Litani water in south Lebanon. This tactic can be summed up in introducing two thoughts or in expressing two allegations: the existence of an underground connection between the Litani and the effluents of the Jordan river.

Finally, we can clearly notice that Lebanon started suffering recently from the lack of water due to mismanagement or squandering. In a word, Lebanon must set up a doctrine, that is similar to the Zionist land and water doctrine (the Hydro agricultural doctrine doctrine), which should urge the citizens, especially in southern Lebanon and in the Beka valley, to hold fast to their land and to benefit to the highest degree from the water of Litani and Hasbani because Israel is on the brink of an acute water crisis.

Les eaux libanaises dans l’idéologie sioniste et la “tactique” juridique d’Israël.

Trois idées obsèdent les experts et les leaders du mouvement sioniste :

  • Extirper le consentement arabe pour l’établissement de l’Etat d’Israël.
  • Posséder les armes les plus puissantes au Moyen-Orient.
  • Dominer les ressources hydrauliques de la région arabe.

 

Le mouvement sioniste a pu réaliser les deux premiers buts, cherchant toujours les moyens adéquats pour le dernier.

Les eaux sont une priorité pour l’idéologie sioniste, et cet entêtement à dominer cet élément réside dans deux facteurs essentiels : En premier lieu, combler les besoins croissants dans les domaines de l’agriculture et de l’industrie ainsi que les besoins domestiques. Ensuite, trouver des intérêts ou des projets communs avec les arabes afin de relier leurs intérêts aux leurs.

 

Et si nous remontons aux prémices de l’entêtement sioniste à posséder la Terre et l’Eau à n’importe quel prix, nous découvrirons qu’ils reviennent à l’idéologie de la Terre et de l’Eau qui s’est développée avec le déploiement du mouvement sioniste jusqu'à ce que cette obsession devienne la base et l’essence.

Donc ceci explique, selon l’auteur, les ambitions israéliennes dans la Terre et l’Eau du Liban Sud puisque l’Etat hébreu souffre d’un manque croissant et crucial dans ses ressources notamment suite à l’émigration juive de l’ex URSS ; ainsi que la diminution des précipitations ces dernières années.

Ensuite, dans cette recherche, l’auteur étudie en profondeur les « tactiques » juridiques israéliennes relatives au Litani et qui peuvent être résumées en deux titres : l’existence de liaison souterraine entre le Litani et les affluents du Jourdain, ainsi que l’existence d’un surplus hydraulique au Liban.

Pour cela, l’adoption d’une idéologie libanaise hydro agricole s’appliquant au Sud et dans la Bekaa devient une nécessité et une solution au problème existant surtout que le Liban commence sérieusement à manquer d’eau, à cause d’une mauvaise gestion et de gaspillage hydraulique.