قضايا بيئية

النار تواصل التهام غاباتنا فهل كثير أن نأمل بعرقلة سيرها على الأقل؟
إعداد: جان دارك أبي ياغي

حكاية كل صيف تدق الأبواب من جديد

 

حكاية الحرائق لا تنتهي فصولاً في أحراج لبنان، والحرارة المرتفعة التي ترافق الصيف، تقضي بأيام على ما تمّ تحريجه خلال سنوات طويلة. ففي نيسان 2008، كانت «الفاجعة» التي محت ثلاثة آلاف هكتار من مساحة لبنان الخضراء، لتتوالى بعد ذلك «الفواجع» التي توسع كل عام المساحات المحروقة. وآخرها كان ما حصل الشهر الماضي، في بعبدا وبطشاي ووادي شحرور.


ثروة الى اندثار!
تفيد دراسة أعدتها «جمعية الثروة الحرجية والتنمية» أن الحرائق التي اندلعت في تشرين الأول من العام 2007 قضت على نحو 0.25% من إجمالي مساحة لبنان التي تبلغ 10452 كيلومترًا مربعًا وما يعادل خمسة أضعاف المساحة الإجمالية التي تمت إعادة تشجيرها خلال السنوات الـ23 الماضية بكلفة عشرة ملايين دولار.
وتؤكد هذه الدراسة أن نتائج حرائق الغابات «كارثية على البيئة والنظام الايكولوجي (...) وهي تساهم في إفقار أهالي المناطق المنكوبة وتدني نوعية حياتهم».
وربما كان من أقرب الأمثلة للدلالة على هذا الواقع، تدني إنتاج الصنوبر بنسبة 50% في لبنان، بسبب احتراق مساحات شاسعة في أحراجه.
وقد تفاقم تراجع الغابات في الأعوام الأخيرة وفق الدراسة التي تشير إلى أن «خسارة أكثر من 30% منها بين العامين 1990 و1995 يعود إما إلى قطع الأشجار وإما إلى عدم الاهتمام بها وإما إلى الحرائق».
ويحذّر مصدر في وزارة البيئة من تضاؤل الثروة الحرجية «التي باتت على طريق الاندثار إذا لم تنفذ خطة سريعة لانقاذها وإعادة تحريج الأماكن المحروقة.
فتناقص الغطاء الاخضر له نتائج خطيرة أبرزها القضاء على التنوع البيولوجي وانجراف التربة وتناقص المياه الجوفية والتصحر».
وتقدّر المساحة الحرجية في لبنان بـ23% من مساحته الاجمالية بينها «13% غابات و10% أحراج». وتوضح المهندسة زينة تميم من مديرية التنمية الريفية والثروات الطبيعية في وزارة الزراعة، أن هذه الأرقام التي تعود إلى العام 2005، هي نتيجة أول دراسة أعدتها وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة (الفاو).
وتقول إن الدراسة التي بدأت العام 2003 وانتهت العام 2005، جرت وفق المعايير التي تعتمدها الفاو «في الدول ذات الغطاء الحرجي المنخفض».
وفق الدراسة نفسها، «تحدث غالبية الحرائق في جبل لبنان (40 إلى 51%) يليها الشمال ( 24 إلى 37%) فالجنوب (2إلى 19%) فالبقاع (6 إلى 10%)» وذلك بالاستناد إلى معطيات عن الحرائق خلال الفترة الممتدة بين 1983و2003.

 

من حزيران إلى تشرين
تندلع الحرائق بين حزيران وتشرين الثاني ويكون أكبر عدد منها في شهري آب وأيلول (25 إلى 27%) لكن أكثر الحرائق خطورة تحدث في تشرين الاول.
وتشير خريطة المناطق المهددة بالحرائق في كل لبنان إلى أن 5.5% من المساحة الإجمالية معرّضة لمخاطر عالية جدًا، 28% لمخاطر متوسطة قد تتوسع إذا لم تجر إعادة نظر في طريقة إدارة الموارد الطبيعية، أما تلك المعرضة لمخاطر منخفضة وتشمل خصوصًا المناطق الزراعية فتصل نسبتها إلى 31%.

 

تنسيق الجهود
على الرغم من الكثير من الكلام والمبادرات والإجراءت على صعيدي المؤسسات الحكومية المعنية والمجتمع المدني بجمعياته وهيئاته المختلفة، تتابع النار التهام غاباتنا وأحراجنا.
قد لا يكون من الواقعي أن نأمل في منع حصول الحرائق، لكن ليس كثيرًا أن نأمل في الحدّ من حصولها، وفي تطويق أي حريق بالسرعة التي تمنع انتشاره وامتداده.
وعلى هذا الأساس فإن مقولة «كل مواطن خفير» لا بد أن يتم تبنّيها في موازاة تنسيق جهود جميع المعنيين وتفعيلها، وإلا فالصحراء لن تترك في بلدنا الكثير من الواحات.