في كل بيت

النجاح عماد المجتمعات الراقية مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة
إعداد: ناديا متى فخري

النجاح... هدف إنساني سامٍ يتطلّع اليه كل إنسان يتوق الى حياة كريمة ومكانة إجتماعية مرموقة. والنجاح الكبير يحتاج الى جهود عظيمة لكي يتحقّق، وهو في صوره المختلفة ودرجاته المتعددة يحتاج الى عناصر أساسية تكوّن قاعدة هرميته على أرضية ثابتة.
باختصار... النجاح هو العمود الفقري لحياة إجتماعية مشرقة وواعدة، لا سيما عندما يكون مبنياً على أسس واقعية عقلانية، فهو نجاح للفرد والأسرة والمجتمع معاً... نجاح في الحياة، وللحياة.

 

ماهية النجاح
النجاح في الحياة خطوة رائعة، والأروع إحرازه بعد الكفاح والمواجهة، بعد الجهد والمثابرة وحتى بعد خيبات متكررة.
وآفة النجاح، الإتكالية والغرور والتكبّر واللامبالاة والتفكير الهامشي، والإنسان الراغب في النجاح عن صدق وإيمان وعزم معقود، يرقى السلم بالتدريج، ويعمل في أثناء ذلك على دعم معارفه ومعلوماته ليضمن نجاحه.
المعروف أن لكل بناء أعمدة يستند اليها ويرتفع بها، وكل بناء لا يُبنى على أعمدة متينة سيسقط ويهوي ولن يدوم طويلاً، ولبناء النجاح نحتاج الى أعمدة ثابتة قوية الأركان ومن هذه الأعمدة: الإيمان والالتزام والثقة والتفاؤل والإرادة والإحساس بالمسؤولية...
إن كل نجاح في الحياة، في الدراسة أو العمل، وفي أي عمل مهما كان صغيراً ينبثق عن إيمان الشخص بقيمة وفائدة وضرورة ذلك العمل، فذلك يجعله متحمساً، لا يحجم أمام صعوبة، ولا يرتدّ أمام خطورة ولا يجبن أمام أزمة، بل يصمد ويثابر ويصبر ويتجاوز كل أشكال اليأس ليقطف ثمرات النجاح، يقوّيه إيمانه وثقته بنفسه وتقديره الصحيح العاقل للأمور. وأما الذي لا يختلف عليه إثنان، فهو قدرة الإنسان على زيادة النجاح والإضافة اليه، إذا هو ركّز على عمله فأتقنه، ففي التركيز اليقظ طاقة تذلّل الصعاب وتسهّل العسير.
ومن المهم أن نذكّر أن النجاح نسبي، كما هو الفشل ايضاً، إذ ليس هناك نجاح مطلق، نجاح تام لم تحصل فيه هفوات أو أخطاء أو بعض جوانب الفشل، كما أنه ليس هناك فشل تام لم يُحقق فيه أي نجاح، تلك حقيقة واقعية، تعيشها الإنسانية في كل حالاتها وتفاعلاتها، فربما يولد النجاح من فشل، وربما يولد نجاح من نجاح سبقه؛ كما أن التراجع عن عمل فاشل يمكن بالعزيمة والإنتباه أن يؤدي الى نجاح ممتاز في العمل التالي، وهكذا... ونسبية النجاح والفشل لا يستفاد منها إلا في حالة الإصرار على النجاح.

 

على دروب النجاح
الحياة ليست سهلة، في كل وقت تجابهنا بمتابعها وتؤرقنا بمشاكلها وتكون أحياناً بأخطارها ومفاجآتها كالبحر المحيط.... نغرق فيه.
نحن نطلب النجاح ونسعى اليه، غير أن الناجح هو مَن لا يعرف اليأس الذي يولّد الهزيمة، الناجح يطلب بإرادة وتفاؤل، فبالإرادة يتخطّى العقبات وكل ما يعرقل تقدّمه، وليس من نجاح يأتي على أهون سبيل، فالإخفاق محتمل في أي خطوة أسوة بالنجاح، ولا ينبغي أن يُخرج الإنسان من حسابه احتمال الإخفاق لأن النكسة حينذاك تبدّد مساعيه وتشتت أفكاره وتؤثر فيه تأثيراً سيئاً... فيتعثّر.
علينا دائماً أن نكون متفائلين، طموحين، مقبلين على الحياة بروح الجدّ والمثابرة... متوقّعين المؤثرات التي يمكن أن تعترضنا، من عقبات أو ظروف غير عادية، غير عابئين بالظروف المحيطة بنا، فهذه الظروف موجودة دوماً بشكل أو بآخر، قد تكون في بعض الأحيان عصيبة جداً، وقد تكون في أحيان أخرى أقلّ توتراً وحدّة، ولكنها موجودة في كل آن؛ لذلك علينا أن نعمل بجدّ وصمت وتفاؤل، واضعين نصب أعيننا إمكان النجاح بعد الفشل، وبالمقابل، يجب علينا أن ننظر في أسباب الإخفاق لنتجبنها مستقبلاً.

 

الشعور بالمسؤولية
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن النجاح في الدراسة هو أجمل أنواع النجاح، بل هو قمة النجاحات لأنه يحمل الينا الفرح بعد جهد كثير، وينعكس إيجاباً في حياتنا المهنية، وهو خطوة لنجاحات صارت ممكنة، بل هو المحطة التي لا تُنسى؛ فقد تعلمنا كيف ننجح وهذا سيدفعنا الى المثابرة لتحقيق طموحاتنا في الحياة سواء المهنية أو الثقافية أو الإجتماعية، ومتى سعى الطالب الى اجتياز مراحل الدراسة معتمداً على ذكائه وطاقته، وفكّر بخطواته وكان راعياً مهاراته وملتزماً واجباته تسنّى له متابعة دراسته بنجاح.
لكل طالب طريقته في الدراسة، وهي الطريقة التي تمكّنه من تحصيل أكبر قدر من المعلومات، وتعينه على فهم واستيعاب أكبر قدر من الدروس، وهذا أمر لا جدال فيه، فالطالب الذي يسعى نحو التفوّق، هو الذي يخترع الطريقة الأنسب له في الحفظ والفهم، وهو الذي يحدّد الوقت المناسب له للدراسة.
إن الشعور بمسؤولية الدراسة وأهميتها في بناء الحياة بكافة أبعادها هو الذي يدفع الى تحسين نوعية الدرس وتركيز المعلومات في الذاكرة، والمعالجة المنطقية في فهم المسائل والقضايا الدراسية... ومن الطبيعي أن نعترف أن الدراسة لا يمكن مواجهتها بعصبية وتوتر وانفعال.
كما أن الحياة الدراسية، لا تعني أن نكون مكرّسين وقتنا كله للدراسة وحدها، بل تعني أن لا ننسى أننا طلاب، وهذا يعني أن نعيش حياتنا بكل تفاصيلها وأبعادها الواقعية، في الصداقة واللعب، والهوايات والنشاطات الترفيهية المفيدة، وفي الإجتماعات التي تبعث على الروح الجماعية في الأمسيات الثقافية والأدبية، وفي الندوات العلمية... كل ذلك من دون أن ننسى أننا طلاب، وأن علينا أن نكمل طريق الدراسة الى نهاية الدرب؛ لتحقيق النجاح.

 

أسباب النجاح
إن وضوح الهدف يورث النجاح، ونستطيع أن نعزو أسباب النجاح في الدراسة والتحصيل العلمي الى خطوات عملية يمكن اتباعها تجعل النجاح الدراسي مؤكداً، ومن هذه الخطوات:
- أن نعي تماماً أهمية الدراسة في الحياة والهدف من التعلّم.
- اتباع أنجع الطرق في الدراسة والإستذكار، وتنظيم الوقت.
- التقليل من الإنشغال بمشكلات الحياة اليومية، وحصر الذهن في الدراسة والمذاكرة في مكان هادئ.
- السؤال عن الدروس أو المسائل والفقرات التي لم يتمكن الطالب من فهمها في المرة الأولى.
- وضع برنامج دراسي للمواد التي يفترض دراستها لدخول الإمتحانات.
- الإستعانة بمراجع موضّحة، والرجوع اليها دائماً، ومناقشة الأصدقاء من الطلاب أو الأساتذة في مضمونها.
- التوازن في دراسة مجمل المواد، والإبتعاد عن التركيز على بعضها وترك البعض الآخر منها، أو إعطاء جزء كبير من الوقت لمادة على حساب مواد أخرى.
- الإفادة من تجارب الناجحين والعمل على تطبيق نصائحهم التي جاءت وليدة تجربتهم الدراسية المتفوّقة.
ويجب على الوالدين تهيئة الظروف الملائمة والمساعدة لتحقيق النجاح الدراسي.

 

وللراحة دور ايضاً...
يظنّ بعض الطلاب من مختلف المستويات، إن الدراسة الدائمة هي السبيل الأمثل للنجاح، ويعمدون الى استغلال الوقت كله للدراسة فقط، فيحاولون أن يلزموا أنفسهم ببرنامج غاية في القسوة على أنفسهم وعلى من معهم، فهم يربكون أنفسهم وأسرتهم، ولا ترى للدارس في هذه الطريقة أي صديق، لأنه - كما يزعم - ليس لديه أي وقت يمكن أن يهدره من دون فائدة، لا في صداقة ولا في نشاط ترفيهي أو هواية... وهذا غير مقبول، لأن في هذا الأسلوب قسوة كبيرة على النفس فمن غير الممكن أن يستمر الطالب في اتباع هذا السلوك الدراسي، وقد ينقلب على حبه للدراسة إذا سلك هذا المسلك فقط من دون الخلود الى الراحة.
وفي كل الأحوال، على الطالب أن يكون متوازناً، وينظم وقته فلا يستسلم استسلاماً مطلقاً للمذاكرة، وأن لا يسمح للعب أن يطغى على كامل وقته؛ ومن المفيد للطالب أن يخصّص بعض الوقت لحوار مفيد مع زملاء الفصل الدراسي، تُستذكر فيه المعلومات، وأن يوازن بين التعلّم والترفيه.
ومن الضروري أن تتاح لكل طالب المناخات الدراسية النقية التي تتيح له الفرص ليتقدّم وتعطيه الدعم الكافي ليتنفس رحيق النجاح.

 

النجاح في العمل
كثيرون هم الذين لا يراعون ميولهم وانسجامهم مع ما يختارون من مهن أو أعمال، يفكرون بالأهمية الظاهرة للعمل في المجتمع فحسب، وهذا يعتبر خطأ فادحاً، فالرغبة من غير تفكير أو تمحيص أو موازنة بين ما نقدر عليه وما لا نقدر، لا تحقّق شيئاً، بل ربما تجلب المتاعب وضياع الجهد والوقت معاً...
أما التفكير والموازنة والتقدير الصحيح للإمكانات فإنها تضعنا على طريق العمل الناجح في المستقبل.
إن الصبر على العمل الشاق لا يتولّد إلا من خلال الإمكانية المتوافرة عند من يرغب في هذا العمل... إن عملية «اتخاذ القرار» لها أهمية كبرى في حياتنا المستقبلية، فلنكن في حالة وعي تام متعقّل ونعرف ماذا نريد وما هي الإمكانات التي نملكها ونختار المهن المناسبة على أساسها. وبالتالي، إن أي اختصاص علمي ننجح فيه هو الأفضل لاختيار عمل نتفوّق فيه.
إن الثقة العاقلة تعزّز همتنا في اختيار العمل الصحيح من دون أن تواجهنا مفاجآت ومعترضات ليس علينا إلاّ أن نفكّر جدياً بإزالتها من طريقنا؛ وبخطوات محسوبة ومدروسة.
ويجب تحضير الوضع النفسي القابل للعمل الذي اخترناه والنظر الى مدى اعتمادنا على قدراتنا الذاتية لتحقيق النجاح في العمل، فالإتقان أهم وسيلة من وسائل النجاح   والإيمان بالعمل الذي اخترناه يمنحنا الثقة بأن نجاحنا سيكون ممتازاً خصوصاً، إذا ترافق العمل بسلوك سويّ وتفان واتزان. ففي ذلك مؤشر مهم من مؤشرات النجاح.