من التاريخ

النساء المحاربات
إعداد: العميد انطوان نجيم

جهد وتصميم وأحيانًا مكر وخداع

 

اضطلعت النساء عبر التاريخ بدور عسكري أقل رجولية، وأقل تبجّحًا وإدعاء للشجاعة، وغالبًا أكثر مكرًا ودهاءً، ودائمًا أكثر تواضعًا لأنهن لا يحملن بطولاتهن رايات وبيارق كما الأوسمة معلقة دائمًا على الصدور وتُعرض في كل لحظة ومناسبة.
بعضهن بطلات سفكن دماءهن في القتال كما جان دارك التي غدت قديسة، وجان هاشيت رمز مقاومة العدو الزاحف من خارج البلاد، وغيرهما.
وثمة نساء محاربات ومناضلات كالأمازونيات، تلك المحاربات المرعبات المرهوبات الجانب اللواتي أغرين الأبطال اليونانيين، وكنساء بهنزين (behanzin) اللواتي تكوكبن ألوية مسلَّحة بالبنادق والشفرات وأقواس النشاب والأسهم المسمومة وتقودهنَّ امرأة وكن مخيفات في القتال بفضل تحلِّيهن بروح التضحية، أنهن كونواشي (kunoichis)، النسخة النسائية من النينجا.
وأخيرًا، هناك النساء اللواتي لهنَّ الحرب سبب حياة. هنَّ يعرفن، كما الرجال، استعمال السلاح، وبث الرعب. وكذلك، تمتلكهن ومثلهم أحيانًا، شهوة الدم والانحلال الخلقي: أنهن النساء القراصنة مثيلات الملكتين فردغونر وبرونوهو اللتين تركت جرائمهما أثرًا حزينًا في تاريخ فرنسا.
من ناحية ثانية، يجدر بالذكر أن النساء مع كل ذلك دفعن ضريبة حرب عالية: فقبل أن تكنّ صانعات النزاعات كن الضحايا الرئيسة: اضطهدن، اغتصبن، تلقّين الإهانات. ولم تكن ثورتهن وشجاعتهن في القتال غير لافتة للنظر.
إن النساء المحاربات، إن تحت شكل قدرهن الشخصي كما بوديكا وجان دارك وماري مارمان، أو تحت شكل فرق عسكرية كوّنتها، كما الأمازونيات والكونواشيات هنّ انعكاس للمكانة التي احتلّتها النساء في التاريخ. ودائمًا على الهامش، أُكْرِهن على تسلم السلطة، أو التورُّط في عمل، مظهرات جهدًا أكثر من الرجال، وتصميمًا أكبر، وقوة شخصية مثالية، أو اللجوء إلى المكر والخداع. لقد دخلن التاريخ ومع ذلك هن في الغالب منسيّات.

 

غائبات عن ميادين القتال وحاضرات في الحروب الأهلية
إرتبط دور النساء في الصراعات المسلّحة إرتباطاً وثيقًا بوضعهنَّ السياسي والإجتماعي. ففي عصر بريكلس (pericles)، لم تكن الديمقراطية الأثينية تمنح النساء حقوقًا اكثر من الغرباء والعبيد، وأن تكون مواطنًا يونانيًا، كان يعني أولاً أن تشارك في الدفاع عن المدينة. وفي فرنسا القرون الوسطى استثنى القانون الفرنسي القديم (loi salique) النساء من تملّك الأرض بالميراث وارتقاء العرش الملكي، وبالتالي من حقِّ شَهْرِ السيف، فغِبنَ عن ساحات القتال ليكُنَّ مع ذلك كليّات الوجود في الحروب الأهلية، وكانت الثورات ميدانها المفضّل.
مع ذلك، دفعت النساء ضريبة الحرب غاليًا جدًا، والتي إن لم تكن مساوية لضريبة الرجال فليست أقل منها بكثير. وقبل أن تكنَّ فاعلات في الصراعات كنّ ضحاياها الأساسيّات حيث اعتبرن خطأً أو صوابًا كسبايا حرب ليتعرَّضْنَ بمنهجية لإهانات قوات العدو. واستمر إذلال المرأة عبر العصور من حرب البلوبونير(431 ق.م-404 ق.م) إلى الحرب العالمية الثانية (1939-1945) مرورًا بحرب الثلاثين عامًا (1618-1648). وخير دليل على ذلك الإغتصاب المنهجي للألمانيات من قبل الجيش الأحمر عقب الحرب العالمية الثانية.
وأسهمت التطوُّرات التكنولوجية بلا ريب، في إدخال النساء إلى الجيوش. ومع تحديث الأسلحة لم تعد القوة الجسديَّة الفضيلة القتالية الوحيدة. وبعبارات أخرى، ألغت الحرب الحديثة الحدود بين الجنسين (مع العلم أن النساء أظهرن بطولة حقيقية ونذكر منهن الفنلنديات (اللوتا) في صراعهن مع السوفيات). وفي عصر الآثار الصناعية والليزر باتت المعارك وحتى عمليات التلاحم قليلة جدًا. ولم يعد العصر عصر المهمات البطولية الخيالية، أو المعارك الجبهية الضخمة كما في الحروب الميدية.
لقد ابتكرت الحرب الحديثة مفهوم العدو غير المرئي. وسيطغى الإلكترونيك والذكاء الاستراتيجي، بعد الآن، على عدد الجنود والقوة البحتة. وبالتالي ففي القرن الحادي والعشرين، لن تعود الحرب حِكرًا على الرجال.
ومع نهاية القرن العشرين، ضمّ أول جيش في العالم، جيش الولايات المتحدة الأميركية، 14% من عديده نساء. وخلال حرب الخليج الثانية العام 1991، وطأت أقدام أكثر من 40 ألف أميركية بزيّ عسكري الأراضي السعودية.
وكذلك أسهم انفجار الحروب الأهلية في العالم الثالث في «تأنيث» القوى العسكرية. ففي صفوف التاميل هناك ما لا يقل عن 30% نساءً. وآخر المظاهر وليس أقلُّها: كرّس دخول النساء الجيوش انتصار غير المتوقَّع، فلقد سجّلن فعالية أكبر وتصميمًا أكثر من الرجال في حين أنّهن بُخِسْنَ حقَّهنّ من الشركاء كما من الأخصام. وفي هذا الإطار، غالبًا ما تستخدم النساء للتسلُّل خلف خطوط العدوّ ولعمليات الإستعلام.
ونستعرض في ما يأتي سير بعض النساء المحاربات.


الأمازونيات الأسطوريات
من المعلوم أن اليونانيين في العصر الكلاسيكي كانوا ينظرون إلى المرأة بازدراء: فهي، وحسب، للإنجاب وتربية الأولاد وإدارة المنزل، ولا حقوق سياسية لها ولا تشارك لا في اعمال الحقل، ولا في القتال. ولكن في العمق، ألَم يكن اليونانيون يخافون النساء؟ بكل فضول، كانت الأمازونيات تُصَوَّرْن كنساء جميلات، مغريات بكل صفاتهن (ولا سيما النهدين). وكانت هذه المحاربات مرهوبات الجانب، مرعبات بحيث أنَّهُنَّ كُنَّ يغرين جميع الأبطال اليونانيين، ولكن لماذا كان على هؤلاء مواجهة النساء الأسطوريات؟ لأن الأمر يتعلَّق بالحرب بين الجنسين، التي هي من دون شك في ذاكرة بعض المجتمعات الأمومية المنتشرة على الحدود الآسيوية، في آسيا الصغرى، في القوقاز، في السهل الأوكراني الرحيب حيث أقام اليونانيون ملاجئهم. ولكن لاحقيقة تاريخية في قصة «الأمازونيات».
الأمازونيات نساء محاربات قنّاصات، يُجِدْنَ استعمال القوس والنشاب والرمح، وركوب الخيل، وقد قطعن الثدي الأيسر ليستطعن الرمي بكل سهولة وفعالية (ومن هنا اسمهنّ أمازوس (A-MAZOS) أي المقطوعة الثدي، إلا إذا كان الأصل أكثر تفاهة A-MAZ  أي من دون شعير لأنهن كُنَّ لا يأكلن غير اللحم. رفضن رفقة الرجال إلا للتناسل الذي في سبيله مارسن الجنس ليس إلاّ ليلاً كي لا يظهرن أبداً عاريات. ومن جهة ثانية، هنّ كن يغتصبن الرجال. من بناتهن صنعن جنودًا، وقتلنَ أبناءهنّ إلا إذا حوّلنهم عبيدًا بعد تشويههم وتعطيل أحد أعضائهم فلا يستطيعون القتال. وهكذا نرى أن الأسطورة لم تستسلم لدقائق الأمر، فالراوي اليوناني كان يبحث عن بث الرعب. لذا حُكِمَ على المجتمع اليوناني الأبوي أن يواجه الأمازونيات.
فهيرودوت (المؤرخ اليوناني) يروي أن هيراكلس (هرقل) قاد اليونانيين إلى مواجهة الأمازونيات. سرق الحزام السحري لملكتهنّ هيبوليت (HYPPOLYTE) والذي هو عبارة عن نصب تذكاري كُرِّم في العصر الكلاسيكي وجذب الجموع إلى معبد هيرا في أرغوس. وبعض الأمازونيات اللواتي اقتدن إلى أثينا قتلن حراسهنّ وهربن بعيداً بعيدًا.
بدوره، تيسوس المرافق هيراكليس، أغراه جمال انتيوب فخطفها واقتادها إلى أثينا. وغاضبات من هذا الخطف، تبعته الأمازونيات، فبلغن أثينا حيث تواجهن مع اليونانيين. ولكن هل أنتيوب قادتهنَّ لأن تيسّوس أطلقها وتركها لفيدر؟ والأكيد أنها قتلت خلال المعارك التي انتصر فيها اليونانيون بكل صعوبة، بيد أنها استطاعت أن تمنح تيسوس طفلاً اسمه هيبوليت.
بنتزيلا، ابنة الإله أرس، أصيبت بذنبها في مقتل أنتيوب في المعارك على أقدام تلّة بنيكس. فقصدت في طروادة الملك العجوز فريام ليرفع عنها اللعنة. فلبّى طلبها واعدًا بمدِّ يد العون للطرواديين في حال هجوم يوناني. وهبّت بدورها لمساعدة الطرواديين، مع فرقتها، بعد وفاة هكتور. واجتاحت الأمازونيات الصفوف اليونانية، ووحده أخيل، نصف الإله، أمل في هزيمة بنتزيلا التي كان مغرمًا بها. مع ذلك قتلها في معركة وحيدة، ولكنه لم يستطع الإفتراق عن جثة حبيبته الهامدة. وعندما سخر ترسيت (THERSITE) من معاناته جعل أوليس يقتله.
مع الإلياذة خطا العالم اليوناني خطوة حاسمة لأن أخيل وبنتزيلا غدوا متساويين: الأول مات من ألمه ومعاناته الحب الضائع، والثانية خسرت حياتها.
وهذا يعني أن الرجال والنساء متساوون ولا حاجة إلى القتال. وانتفت حاجة اليونانيين إلى قتل الأمازونيات مع وقوعهم في غرامهن، وقبول الأمازونيات رفقة الرجال...
 

بوديكا BOUDICCA:من قيصر إلى كلاوديوس
يوليوس قيصر هو من اجتاز بحر المانش العام 55 ق.م، ولم يمكث طويلاً عند الضفة المقابلة وانما اكتفى بفرض جزية على البريتونيين سكان ما يسمى يومذاك بريتانيا (بريطانيا العظمى الحالية). واعتبارًا من عهد أوغسطس، تكثّفت الاحتكاكات بين بريطانيا والإمبراطورية الرومانية. ورويدًا رويدًا فرضت قبيلة كاتوفلوني نفسها واحتلّت جنوب شرق البلاد متّخذة عاصمة لها كامولودونوم (كولشستر الحالية). وعلى عهد كلاوديوس احتلّت أربع فرق رومانية بريطانية ساحقة قبيلة كاتوفلوني. وعند وفاته العام 54 ق.م سيطر الجيش الروماني كذلك على الشمال والغرب، وبلغ بلاد الغال. واستمرت»الرَوْمَنَة» تزدهر حتى اندلاع ثورة بوديكا.
لقد استطاع برازوتاغوس، ملك الإيسنيين، أن يصبح تابعًا للإمبراطور كلاوديوس ويحافظ على لقبه الملكي تحت الحماية الرومانية. وقبل وفاته العام 61 م. عَيَّن الإمبراطور نيرون شريكًا في عرش مملكته مع (بوديكا) وولديه الإثنين. بيد أن نيرون رغب في إدارة الأراضي الإيسنية بمفرده مباشرة من دون السماح باستمرار أي سلطة محليّة مستقلة ذاتياً. ونفّذ الجند الأوامر بكل حماس فطردوا وصادروا وحتى اغتصبوا الأميرتين، ومن دون شك عمل نيرون كذلك على استعادة الأموال التي منحها كلاوديوس لبراوسوتاغوس مولاه.
أمام الواقع الجديد، ما كان أمام الإيسنيين، وقد فقدوا الأمل وأفلسهم الدائنون الرومانيون، وطردوا من ديارهم، إلا «الحقيبة أو القبر». ولكنهم آثروا الثورة والموت. وفيما كانت الفرق الرومانية منتشرة في أرجاء البلاد احتلّت بوديكا كامولودونوم، المدينة البريتونية الرئيسة. وأبادت مجموعة من ألفي مقاتل من الفرقة التاسعة بقيادة بتيليوس كارياليس عندما قرّر القيام بردّة فعل ومهاجمة المدينة المذكورة. وهكذا، وبطاقة اليأس الذي يتملّكها وببعد نظر فائق، انقضّت بوديكا على لوندونيوم (لندن الحالية) الموقع العسكري الروماني الأساسي في بريطانيا. فما كان من النائب الامبراطوري سواتونيوس بولينوس، وفي انتظار وصول التعزيزات إلا أن قرر إخلاء لندن حتى لا يستسلم.
ودمرّت بوديكا المدينة بكاملها، وطاردت الفرق الرومانية المندحرة، واحتلّت فوراميوم وأحرقتها، ثم تواجهت في معركة حاسمة مع بولينوس الذي انسحب بكل عناية مع عشرة آلاف من رجاله.
واستطاع يولينوس أن يفجّر الجبهة الايسنية، فراح البيرتونيون يختبئون خلف عرباتهم المزدحمة بالنساء والأولاد الذين قتلوا دون رحمة. وكي لا تقع أسيرة بين يدي قاهرها انتحرت الملكة.

 

الكونواشي KENOICHIS: نساء نينجا مرعبات
هن نسخة أنثوية من النينجا وقد ظهرن، كنظرائهنّ الرجال في الصين قبل العصر الميلادي بسنوات. ذكرهم المفكّر العسكري صن تزو (SUN TSU) في كتابة «فن الحرب»، واختفين، كما النينجا، في القرن السادس.
عصر ذاك، في اليابان، تخصّصت القبائل المكوّنة من رهبان جنود قدماء، الياما بوشي  (YAMABUSHI)، في الأنظمة الهامشية كالتّجسس أو القتل. وقد قُدِّروا كثيرًا لصفاتهم هذه البعيدة كل البعد عن رمز الشرف الياباني، فاستخدمهم الأمير شوتوكو (574-622) كجواسيس.
بعد ذلك، عرفت قبائل النينجا إزدهارًا مديدًا خلال حكم كل من كاماكورا (KAMAKURA) وموروماشي (MURUMACHI).
وغدا النينجا أسياد التجسّس وتصفية الحساب والإغتيال، واستعملوا كذلك بمنهجبة من قبل قادة الحرب بالتوازي مع جيوشهم. وبدأ نفوذهم على السلطة اليابانية يتنامى رويدًا رويدًا حتى العام 1581 حينما طاردهم وأبادهم نوبوناغا (NOBUNAGA) بعد عشرة قرون من النشاط. وبالتأكيد بقي بعض النينجا يتابع عمله لمصلحة الملاَّكين الأغنياء، ولكن عصر النينجا تطوّر تمامًا.
أما الكونواشي فهي النسخة الأنثوية من النينجا، وكن يتحدَّرْن من قبائل مميَّزة ويُنَشَّأنَ على تقنيّات خاصة جدًا. استعملن عصر ذاك المجتمع الذكوري لمصلحتهن فعملن من دون أن يجذبن الإنتباه لأنّهن نجحن في التسلّل والتجسس وسرقة العدوّ أو معالجته - وكان عادة من الأسياد الكبار وقادة الحرب والشخصيات المرموقة بجذبه وكسب ثقته بفتنتهنّ وإغرائهنّ وتنكُّرهن، وبارتدائهن أزياء فاتنة مزيّنة بإضافات مثل الأحزمة التي كن يخفين فيها أسلحتهنّ كالدبابيس، بالإضافة إلى الخواتم المسمّمة، والشفرات... كما كُنَّ يحملن شمسيَّاتٍ – سيوفًا.
ولما كنّ قليلات القدرة على الدفاع عن أنفسهن رفضن كقاعدة عامة القتال الجبهي مفضلات الخداع. وعندما يَكُنَّ مُكرهات على اللجوء إلى سلاح ما يستعملن كوشيفاتانا الأخف وزنًا والأسرع من سلاح نينجا - تو التقليدي الذي يستعمله النينجا.
لقد كنّ نساء قتال حقيقيات لا يتراجعن أمام الموت.
 

جان دارك: هل كانت محاربة كبيرة؟
العام 1420، في تروا قَبِلَ الملك شارل السادس مدفوعًا من زوجته ايزابودي بافيار ودوق بورغونيه فيليب لوبون حرمان ابنه، ولي العهد شارل (الملك شارل السابع لاحقًا) وتزويج ابنته كاترين لملك انكلترا هنري الخامس الذي سوف يصبح ملك فرنسا بعد وفاة شارل السادس.
ولكن القدر القاسي سهر على استمرار المملكة. ففي السنة نفسها (العام 1422) توفي الملكان شارل السادس وهنري الخامس، ولم يكن للصغير هنري السادس أكثر من ستة أشهر من العمر فأمّن عمّه دوق بدفورد إدارة شؤون المملكة. ولكن كبار فرنسا دعموا ولي عهد فرنسا، شارل السابع مستقبلاً الذي انسحب إلى بورج وحاول المقاومة.
من ناحيته قرّر جان دي بدفورد حسم الأمر فضاعف حملاته ضد شارل، وانتصر عليه في كرافان العام 1423، ثم في فرنوي سور – أفر بمعجزة العام 1424. ولكن الخسائر سُجِّلت في صفوف مرتزقة شارل الأسكتلنديين وليس عند القوات الفرنسية. والعام 1428 كانت الحملة الحاسمة ضد مدينة أورليانز آخر معقل قبل بورج. هناك كان القدر يتربّص: دونوا، الكابتن الشهير قاوم صامدًا في وجه الهجمات الإنكليزية. وعلى الرغم من نصرهم في يوم الهارنغز المشهود، تخبّط الإنكليز وباتوا منهكين أكثر من أولئك المدافعين عن أورليانز.
ومن وسط ريفي ميسور، برزت راعية شابة متحضّرة تتبع وصايا أصواتٍ تتحكَّم بها. وكان هاجسها إنقاذ الملك والمملكة من الإنكليزي. وكانت قادرة على الإقناع بحيث أنها حصلت على مواكبة للإنتقال إلى شينون وملاقاة ولي العهد بناءً على موعد ضربه مرافقه الوفي روبير دي بوديكور.
في 6 آذار، وصلت جان دارك إلى شينون قاهرة جميع الصعاب لتتعرَّف بشارل السابع مستقبلا المتخفّي، وتخضع لاختبارات رجال كنيسة بواتييه، وأخيرًا لتثبت عذريّتها ليولاند داراغون حماة الملك.
وفي نيسان سمح الملك لجان دارك لبس الدرع وارتداء ثياب الجنود. واقنعته بقدرتها على مطاردة الإنكليزي وبضرورة تتويجه ملكًا.
في البدء، تقدّمت جان نحو جيش الإنقاذ الذي حاول شارل جمعه في بلوا. ثم قرّرت محاولة الدخول إلى أورليانز لترفع معنويات المحاصرين وانتشرت شائعة مفادها أن امرأة قدمت لتنقذ فرنسا التي خسرتها أخرى هي إيزابو دي بافيار. دخلت أورليانز عبر النهر وأقنعت دينوا بمحاولة استعادة إحدى القلاع من الإنكليز. وبينما كانت التعزيزات تقترب في 29 نيسان، اصيبت بجرح طفيف فيما كان الهجوم الفرنسي يحقق انتصارًا. وتتالت الإنتصارات من مدينة إلى أخرى والخسائر تنزل بالإنكليز الذين خسروا زهاء ألفي رجل، ووقع قائدهم تالبوت في الأسر. كل هذا ولم تمارس جان دارك أي قيادة وإنما شاهدت المعارك.
عقب تلك الانتصارات حثّت شارل على تتويج نفسه ملكًا في ريمس. فاقتنع وتوّج ملكًا في 17 تموز 1429، لتنفتح أمامه أبواب مدينتين  فرنسيتين وتتضاعف التحالفات في كامل فرنسا. ولما وقف شارل على حقيقة ضعف خصومه فكّر بأنّه قادر على فصل بورغونيه عن انكلترا. ولم يدعم أبدًا الهجوم الذي قادته جان دارك ضد باريس في أيلول، وهو الهجوم الوحيد الذي قادته شخصيًا، وأصيبت فيه بجرح بليغ وفشلت تمامًا.
عندئذ رأى الملك أن يردَّ الجميل لها فيرسمها نبيلة بين النبلاء، لكنها لم تستجب له وتابعت قتالها مع عديد ضئيل جدًا ضد الإنكليز وحلفائهم. وعرفت في كانون الأول سقوطًا عسكريًا ثانيًا لتدفع الثمن غاليًا هي غير الموهوبة في الفن العسكري وقائدة الرجال.
بعدما تركها الجميع، تشبّثت جان دارك بأفكارها وتابعت القتال. لكنها في 23 أيار وبعد دخولها مدينة كومبيان وجدت نفسها محاصرة وأسيرة بين يدي جان دي لوكسمبورغ الذي، بناء على تحريض لاهوتيي كليّة باريس، باعها للإنكليز بشخص جان دي لانكاستر.
وانتهت جان دارك محروقة على يد الإنكليز في روان فيما لم يحرّك شارل السابع ساكنًا لإنقاذها.