محطات

النساء والسياسة:مسيرة تعثّرت طويلًا قبل أن تنطلق
إعداد: ريما ضوميط

شهدت الحكومة الثانية في عهد الرئيس ميشال عون ظاهرة مميّزة تمثلت بتعيين أربع سيدات في مناصب وزارية، وهي المرّة الأولى التي تشارك فيها النساء بهذا العدد في المجلس الوزاري، إذ اقتصرت المشاركة في المرّات السابقة على وزيرتين على الأكثر. البارز على هذا الصعيد، هو تعيين سيدة (ريا الحسن) في منصب وزيرة الداخلية، لتكون بذلك أول وزيرة داخلية في العالم العربي، الأمر الذي لقي إجماعًا على اعتباره خطوة إيجابية في إطار تفعيل دور المرأة في الحياة السياسية في لبنان. وتشغل الوزيرات الثلاث الأخريات حقائب الطاقة، والتنمية الإدارية، والتمكين الاقتصادي للمرأة والشباب.


أولى الوزيرات في لبنان
تعاقبت على لبنان منذ استقلاله وحتى العام 2004، ستٌ وستون وزارة غاب عنها الحضور الأنثوي بشكلٍ تام. وقد كانت الحكومة السابعة والستون، التي ترأسها عمر كرامي، في عهد الرئيس إميل لحود، (تشرين الأول 2004 - نيسان 2005)، أول حكومة تضم عنصرًا نسائيًا في طاقمها الوزاري. إذ تمّ حينذاك، تعيين ليلى الصلح حمادة ابنة رئيس الحكومة اللبنانية الراحل رياض الصلح، وزيرة للصناعة، كما عُيّنت وفاء الضيقة حمزة وزيرة دولة لشؤون مجلس النواب وهي ناشطة في الحقل العام ومدافعة عن قضايا المرأة.
بعد استقالة الحكومة الثامنة والستين برئاسة نجيب ميقاتي في تموز 2005 في عهد الرئيس لحود، تشكلت الحكومة التاسعة والستون برئاسة فؤاد السنيورة (تموز 2005 - تموز 2008)، وعُيّنت النائبة نائلة معوض وزيرة للشؤون الاجتماعية.
وبرئاسة السنيورة أيضًا، شهدت الحكومة السبعون، والأولى في عهد الرئيس ميشال سليمان، تعيين النائبة بهية الحريري وزيرة للتربية والتعليم العالي.
استمر الحضور الخجول للنساء في الحكومات اللاحقة، حيث انضمت إلى الحكومة الحادية والسبعين، وهي الحكومة الثانية في عهد الرئيس سليمان برئاسة سعد الدين الحريري (تشرين الثاني 2009 - حزيران2011)، ريا الحسن وزيرة للمالية. كذلك عُيّنت منى عفيش، القادمة من المجتمع المدني والمناضلة في حقوق المرأة والطفل، وزيرة دولة في الحكومة نفسها. وفي الحكومة الثالثة والسبعين، والرابعة في عهد الرئيس ميشال سليمان، التي ترأسها تمّام سلام (شباط 2014 - كانون الأول 2016) تمّ تعيين القاضية أليس شبطيني وزيرة للمهجرين، وكانت قد تولت رئاسة محكمة التمييــز العسكريــة. وفي الحكومة الرابعة والسبعين، والأولى في عهد الرئيس ميشال عون، التي ترأسها سعد الدين الحريري (كانون الأول 2016-كانون الثاني 2019)، عُيّنت عناية عز الدين المتخصصة في الطب المخبري، وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية.

 

نقلة نوعية
شهدت الحكومة الثانية في عهد الرئيس عون النقلة النوعية التي تمثلت بتعيين أربع سيدات في المجلس الوزاري، تتولى اثنتان منهن حقيبتَين وزاريتَين أساسيتين هما الداخلية والطاقة. والوزيرات هنّ:
ريا الحسن وزيرة داخلية، تولّت وزارة المالية بين العامين 2009 و2011. عملت منذ مطلع التسعينيات في القطاع المصرفي وكمستشارةٍ في عدّة وزارات من بينها المالية والاقتصاد، ثم مسؤولة عن عدّة مشاريع في رئاسة الحكومة ومع منظمات دولية، لا سيما برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما عملت على تطوير برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي في مؤتمرَي باريس 2 و3.
ندى بستاني خوري وزيرة الطاقة والمياه، وهي كانت مستشارة وزير الطاقة والمياه منذ العام 2010. عملت في مجال تنسيق تنفيذ ورقة سياسة قطاع الكهرباء في لبنان، وقد تعدّت خدماتها الاستشارية هذا القطاع إلى مشاريع وملفات أخرى، تتعلق بالهيكلية التنظيمية لوزارة الطاقة والمياه ومؤسساتها.
فيوليت الصفدي وزيرة الدولة لشؤون التمكين الاقتصادي للنساء والشباب، وهي عملت كمستشارةٍ إعلامية في وزارتي الاقتصاد والمالية في الفترة الممتدة من العام 2010 إلى العام 2014، كما أنّها عضو في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وتترأس عددًا من الجمعيات المحلية والخيرية في مدينة طرابلس.
مي شدياق وزيرة للتنمية الإدارية، وهي أستاذة جامعية منذ العام 1997، تترأس مؤسسة تحمل اسمها وتُعنى بالتدريب والأبحاث والتربية حول الإعلام والديمقراطية.
 
اللبنانيات في المجلس النيابي
إنّ الإجحاف الذي طاول المرأة اللبنانية في السلطة التنفيذية هو نفسه الذي لحق بها في السلطة التشريعية، ما أدّى إلى قبوع لبنان في المرتبة 181 بين 193 دولة في تمثيل النساء برلمانيًا، وفق إحصاءات العام 2016.
فمنذ نشوء الجمهورية اللبنانية، احتل العنصر الذكوري مقاعد المجلس النيابي، ولم يسجّل أي حضور للمرأة في المجالس المتعاقبة حتى العام 1963، حين انتُخبت ميرنا البستاني بالتزكية، أول نائبة لبنانية، خلفًا لوالدها النائب إميل البستاني الذي قضى بحادثة تحطم طائرته الخاصة. أسّست البستاني مهرجان البستان الدولي للموسيقى والفنون سنة 1993، والجمعية اللبنانية البريطانية في لندن ومركز الدراسات اللبنانية في أوكسفورد، وهي مديرة لمؤسسة إميل البستاني وعضو جمعية التراث اللبناني.
بعد هذه السابقة اليتيمة، عاد الفراغ الأنثوي إلى مقاعد المجلس النيابي اللبناني حتى العام 1991، حين عُيّنت نائلة معوض نائبة عن منطقة زغرتا الزاوية بعد استشهاد زوجها الرئيس رينيه معوض. واللافت أنّ معظم النساء اللواتي وصلن إلى مقاعد المجلس النيابي أَتينْ من بيوت سياسية (إمّا زوجة أحد السياسيين أو أرملته أو ابنته). انتُخبت معوض مجددًا في دورات 1992 و1996 و2000 و2005. كما انتُخبت رئيسة للجنة المرأة والطفل وعضوًا في لجان المال والموازنة وحقوق الإنسان والإعلام والاتصالات، وقد أسهمت في صدور عدّة قوانين خاصة بالمرأة والطفل.
في العام 1992، فازت مهى الخوري أسعد بالتزكية عن دائرة جبيل، بعدما بدأت عملها السياسي إثر اغتيال شقيقها غيث الخوري سنة 1985. وكانت عضوًا في لجنة الإعلام والبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ولجنة التربية الوطنية ولجنة العمل. وشغلت وظيفة قنصل لبنان في الفيليبين بين 1968 و1980. من إنجازاتها المستشفى الحكومي في قرطبا.
في العام نفسه، انتُخبت بهية الحريري شقيقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري نائبة عن دائرة صيدا وأُعيد انتخابها في الأعوام 1996 و2000 و2005 و2009. وانتُخبت رئيسة للجنة التربية والثقافة النيابية وعضوًا في عدة لجان، كما أسّست الملتقى الأول للبرلمانيات العرب والملتقى الأول للإعلاميات العرب.
فازت نهاد سعيد عن دائرة جبيل في دورة 1996، وشاركت في عمل لجنتَي التربية الوطنية وحقوق الإنسان وفي مؤتمرات عربية ودولية. بدأت سعيد حياتها السياسية بعد وفاة زوجها النائب أنطوان سعيد، وخاضت الانتخابات الفرعية سنة 1965 في وجه العميد ريمون إده وخسرت بفارق مئتي صوت، ونافسته في انتخابات 1968 و1972. وتميّزت بخدمة أبناء منطقتها.
في دورتَي انتخابات 2000 و2005، فازت غنوة جلول عن محافظة بيروت وانتُخبت رئيسة للجنة تكنولوجيا المعلومات وشاركت في أعمال لجان نيابية. تقدمت باقتراحات قوانين تتعلق بحقوق المرأة العاملة والتعامل الإلكتروني.
في العام 2005، ارتفع عدد النواب النساء في البرلمان، ففاز بالإضافة إلى الحريري ونائلة معوض كل من: ستريدا جعجع عن بشري، وجيلبرت زوين عن كسروان، وصولانج الجميل عن دائرة بيروت الأولى، وهذه الأخيرة تخلت في العام 2009 عن مقعدها النيابي لمصلحة نجلها نديم الجميل. في المقابل فازت في هذه الدورة نايلة التويني عن المقعد الأرثوذكسي في الدائرة نفسها، كما امتنعت نائلة معوض عن الترشيح لمصلحة نجلها ميشال الذي خسر في الانتخابات.
انتُخبت صولانج الجميل عضوًا في لجنتي التربية والتعليم العالي والثقافة وحقوق الإنسان. وأطلقت مؤسسة «بشير الجميل» وترأستها، وانصرفت إلى العمل الإنساني.
انتُخبت جيلبيرت زوين، ابنة النائب والوزير موريس زوين نائب رئيسة لجنة المرأة والطفل وعضوًا في لجنة الزراعة والسياحة.
أما ستريدا جعجع فقد قادت العمل الحزبي والسياسي للقوات اللبنانية بعد اعتقال زوجها سمير جعجع من خلال المشاركة في جميع الانتخابات البلدية والنقابية والطالبية.
وبالنسبة إلى نايلة تويني، فقد دخلت في العمل السياسي بعد استشهاد والدها جبران تويني، وانتُخبت عضوًا في مجلس أمناء منظمة «مينتور» العربية وفي منظمة القادة الشباب العرب وفي الاتحاد العالمي للصحف والمنظِّمة لجائزة جبران التويني الصحافية بالتعاون مع الاتحاد العالمي للصحف.
في انتخابات العام 2018، نجحت بالوصول إلى الندوة البرلمانية ست نساء فقط من أصل ست وثمانين امرأة خضن الانتخابات النيابية الأخيرة، خمس منهن ينتمين إلى أحزاب، ما أسهم إلى حد كبير في فوزهن، وواحدة فقط هي الإعلامية بولا يعقوبيان خاضت المعركة على لائحة المجتمع المدني. والنساء الفائزات هن، إضافة إلى يعقوبيان، بهية الحريري، ديما جمالي ( أبطل المجلس الدستوري نيابتها وقرّر إعادة الانتخابات عن المقعد الذي شغلته)، رلى الطبش، ستريدا جعجع، عناية عز الدين.
 
الواقع السياسي للنساء في العالم
في تقرير لوكالة الأمم المتحدة للمساواة بين الرجال والنساء نُشر في العام 2017، جاء أنّ عدد النساء اللواتي يتولَّين وظائف مهمة في المجال السياسي في العالم لم يشهد تغيرًا في العام 2016، واصفًا الوضع بـ«المقلق»، حيث إنّه في العام 2016، تولت 17 امرأة منصب رئاسة دولة، أو حكومة، مقابل 19 في 2015، وفازت نساء بنسبة 22,3% من المقاعد في انتخابات 2016 بتراجعٍ كانت نسبته 25% مقارنة بالعام 2015. وشهدت مع ذلك الحصة العامة للنساء المنتخبات في البرلمانات الوطنية زيادة طفيفة، حيث ارتفعت من 22,6% في العام 2015 إلى 23,3% في العام 2016، بحسب أرقام اتحاد البرلمانات.
وأشار التقرير نفسه إلى أنّ هناك حكومات نصف أعضائها على الأقل من النساء في خمس دول، هي: كندا وفرنسا والسويد ونيكاراغوا وبلغاريا. وتتولى غالبية الوزيرات في العالم وزارات البيئة والطاقة والموارد الطبيعية، والشؤون الاجتماعية. وعلى الرغم من أنّ العام 2016 سجل ارتفاعًا كبيرًا في عدد الوزيـرات، إلّا أنّـه سجـل تراجعًـا كبيـرًا في دول مثــل فنلنـدا والرأس الأخضـر، كمـا تراجعـت مشاركـة المرأة في السياسـة في أفريقيـا، لكـن جـزر المحيـط الهـادئ شهـدت تقدمًـا كبيـرًا في هـذا المجـال.
في تقرير مماثل، أصدرته الأمم المتحدة في العام 2017، حول أوضاع المرأة على مستوى العالم، جاء أنّه من أصل 193 دولة، هناك 16 امرأة فقط تترأس الدولة، وذلك في الدول ذات النظام الرئاسي، أو رئاسة وزراء في الدول ذات النظام البرلماني. وبحسب التقرير، فإنّ صعود المرأة إلى أعلى منصبٍ في الدول خلال العامين الماضيين «بطيء بصورةٍ مؤلمة»، ولو سار الأمر بهذا المعدل فسوف يستغرق 50 عامًا لتحقيـق التكافـؤ بين الرجـال والنسـاء.
وتُعتبر القارة الأوروبية، الأقل سوءًا في هذا الإحصاء، حيث تتولى مسؤولية الحكم نساء في تسع دول من أصل 48 دولة، وتليها أفريقيا في مرتبة أقل بـثلاث نساء على رأس أعلى سلطة في الدولة، أما في آسيا فاثنتان فقط، وأخيرًا أميركا الجنوبية وأوقيانيا (أستراليا والجزر المحيطة)، إذ هناك امرأة واحدة على رأس الدولة في كل قارة.
 

 أقوى نساء العالم في السياسة
على الرغم من القيود التي تحدّ من تقدم المرأة في السياسة، إلّا أنّ هناك سيدات نجحن في إثبات قدراتهنّ الخاصة وفي قيادة حكومات ودول بكفاءة لا تقل عن كفاءة الرجال. من بين هؤلاء حاليًا وفق قائمة «فوربس»:
 

أنجيلا ميركل:
دخلت عالم السياسة في العام 1989، بعد سقوط جدار برلين، الذي كان يفصل شطرَي ألمانيا، وارتقت في المسؤوليات السياسية لتصل إلى منصب زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي، ثم لتصبح في العام 2005، أول امرأة تتولى منصب المستشارة الألمانية.
تتصدر ميركل المرتبة الأولى في قائمة «أقوى النساء» بحسب «فوربس»، إذ على الرغم من التوترات السياسية التي تواجهها، من تمرد داخل حزبها، إلى تحديات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتزايد المشاعر المعادية للمهاجرين في البلاد، تستمر في قيادة رابع أكبر اقتصاد في العالم على أساس الناتج المحلي الإجمالي بنجاحٍ قلّ نظيره.
 

تريزا ماري ماي:
تشغل منصب رئيسة الوزراء منذ تموز العام 2016، وهي ثاني امرأة في تاريخ بريطانيا تتولى هذا المنصب بعد مارغريت تاتشر. وقد واجهت منذ بداية عهدها تحدي التفاوض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (في نهاية آذار الحالي)، وهذا ما سوف يذكرها فيه التاريخ.
 

كريستين لاغارد:
كريستين لاغارد، أول امرأة تترأس صندوق النقد الدولي، وأول امرأة تتسلّم منصب وزير المالية والشؤون الاقتصادية في فرنسا. تحتل لاغارد المرتبة الثالثة على قائمة «أقوى النساء» بحسب «فوربس». واجهت تحدي تجاوز أزمة الديون في منطقة اليورو، وآثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
 

أونغ سان سو كي:
أونغ سان سو كي، المستشارة الأولى في دولة ميانمار، وهو منصب موازٍ لمنصب رئيس الوزراء، أُسقطت عن قائمة «فوربس» بعد أن فقدت صدقيتها على المسرح العالمي نتيجة دفاعها عن الحملة العسكرية التي شنّها جيش بلادها على الأقلية الروهينغية في البلاد، ومنعِها الهيئات الدولية المستقلة من إجراء تحقيق في الموضوع.
 

سهلي ورق زودي:
أُضيفت إلى قائمة «فوربس» الرئيسة الأثيوبية سهلي ورق زودي، أول امرأة تتولى منصب الرئيس في أثيوبيا. يشكّل وجود زودي في السلطة خرقًا للتقاليد السائدة في مجتمعها بحصر السلطة في العنصر الذكوري.
 

الشيخة حسينة واجد:
رئيسة وزراء بنغلادش. نالت جائزة أنديرا غاندي، وأعطاها مجلس السلام في الهند جائزة الأم تيريزا في العام 1998، وفي العام 2014 نالت جائزة اليونيسكو للسلام لالتزامها قضية تمكين المرأة وتعليم الفتيات.
 

الشيخة لبنى القاسمي:
وزيرة التعاون الدولي والتنمية المعينة في الإمارات، وهي أول دائرة من نوعها في الخليج. تتولى القاسمي مسؤولية الجهود الخيرية العالمية للأمة الغنية بالنفط.