هو وهي

النصف الضعيف في مواجهة العنف الأسري
إعداد: ريما سليم ضومط

القانون والعلم سلاح


هي النصف الضعيف في مجتمع لا يُنصف الضعفاء. ناضلت ولا تزال للحصول على حقوقها. تعلّمت ونالت شهادات عالية وأثبتت كفاءتها في غير مجال، ورغم ذلك، ظلّت أضعف من أن تواجه العنف الذي يمارسه عليها النصف «القوي» في المجتمع، والذي يفترض به استعمال قوّته لحمايتها لا لإخضاعها.
أمام العنف المستشري ضد المرأة في مجتمع ذكوري بامتياز، تقف النساء المعنّفات وإلى جانبهنّ الجمعيات النسائية والمجتمع بأسره مكبّلي الأيدي، عاجزين عن إرغام الزوج المعنِّف على التزام أبسط واجبات الإنسان تجاه زوجته، ألا وهي، التعامل معها ككائنٍ بشري!
من هو الرجل المعنِّف ولماذا ترضخ له المرأة؟ ما دور المجتمع والعائلة والقانون في حماية المرأة من الوقوع ضحيّة العنف الأسري؟ أسئلة يجيب عنها الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي الدكتور نبيل خوري.


المعنّف ومركّبات النقص
‏‏الرجل الذي يعنّف المرأة ‏هو إنسان معقّد يعاني عدّة مركّبات نقص، يؤكّد الدكتور خوري. وقد يكون ممّن عانوا في طفولتهم مع أهلهم، أو هو نسيج عائلة مفكّكة ولو بقيت موحّدة بالشكل. كما يمكن أن يكون شخصًا يحمل في جعبته مجموعة من الأمراض النفسية أو الاضطرابات في الشخصية، بحيث يعتبر أنّ تعنيف المرأة يندرج ضمن دوره الطبيعي في إطار فرض سطوته داخل المجتمع الذكوري. وتتّخذ مظاهر العنف عدّة أشكال تراوح ما بين التعنيف الّلفظي أي استخدام التعابير القاسية والجارحة، والتعنيف النفسي عن طريق التدليل الدائم على أخطاء المرأة وتضخيمها، بالإضافة إلى انتقادها باستمرار والتجريح بها وبدورها أمام الأهل والاصدقاء والأولاد، وصولًا إلى التعنيف بالضرب والأذى الجسدي بمختلف أشكاله. كل هذه الأمور تنمّ عن شخصية مرضيّة مضطربة من الصعب على أي امرأة أن تتعامل معها بطريقة إيجابيّة.
ويشير الدكتور خوري إلى عدّة أسباب تدفع المرأة إلى السكوت عن الأذى الذي يلحق بها، ومن بينها موقف المجتمع تجاهها، فهو إمّا أن ينظر إليها بشيء من الاحتقار أو الاستغباء أو حتى السّخرية متى اشتكت عن تعرّضها للعنف، أو أنّه يسارع إلى تحميلها المسؤوليّة متّهمًا إيّاها بالاستفزاز حينًا وبالتقصير حينًا آخر، متجاهلًا أنّ هذه الاتهامات وغيرها لا تبيح استخدام العنف ولا تبرّره. إضافة إلى ذلك، فإن للتربية في مجتمعنا دورًا أساسيًّا في توجيه فكر الإناث إلى أنّ الزواج هو الهدف الأسمى الذي يجب أن يسعين إليه، والمثل البسيط على ذلك كلمة نفرح منك التي ترافق الفتاة منذ مرحلة الطفولة، فإذا قدّمت فنجان قهوة لجدّتها تشكرها بعبارة نفرح منك!


قصور في القوانين
في الإطار نفسه، يشير الدكتور خوري إلى قصور القوانين المرعيّة عن إنصاف المرأة المعنّفة وعن إيجاد آليّات لردع العنف. فعلى الرغم من وجود قوانين تلحظ هذا الموضوع وأجهزة أمنية تتابعه مشكورة، وعلى الرغم من وجود جمعيّات ومنظّمات تُعنى بشؤون المرأة وتمارس دورها أيضًا مشكورة، فإنّ الأحكام في معظم الأحيان لا تفي بالغرض ودون المستوى المطلوب. وما زالت قضايا النساء المعنّفات تخضع للمماطلة والتسويف والتمييع، وغالبًا ما تجرى محاولات لإتمام المصالحة بين الزوج المعتدي والمرأة الضحيّة قبل أن تصل القضية إلى النيابة العامّة، كي لا يعاقب المعنِّف على فعله. كذلك، فإنّ تقارير الأطبّاء الشرعيّين غالبًا ما تمنح المرأة تعطيلًا عن العمل لفترة تقلّ عن خمسة عشر يومًا وذلك كي لا يتم تحويل القضيّة إلى النيابة العامّة. لكن حتّى ولو أعطى الطبيب الشرعي تقريرًا بعطل دائم، ولو صدر حكم بحق الرجل المعنّف تم بموجبه سجنه، فهناك أيضًا نتائج سلبيّة للحكم، إذ ليس هناك من يعيل العائلة في غيابه. وليس هناك من يؤمّن للأولاد حاجاتهم اليوميّة والقسط المدرسي والمأكل والمأوى وغيرها من مقوّمات الحياة اليوميّة.


دور الجمعيّات
يؤكد الدكتور خوري أنّ وضع الجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة المعنّفة ليس أفضل حالًا، فهي بمعظمها ما زالت مقصّرة تجاه النساء، لا سيّما وأنّ البعض منها يسعى للمزايدات أكثر من سعيه لإنصاف المرأة، إذ ينصب الجهد على إثبات القدرة الذاتيّة أكثر من الاهتمام بمعالجة مشاكل النساء المعنّفات. في المقابل، نجد بعض الجمعيات التي تدافع عن المرأة انطلاقًا من مبدأ الحقوق والمساواة، بأسلوب واعٍ وناضجٍ، وتحاول إعطاءها حوافز إضافيّة ومقوّمات انتاجيّة إيجابيّة في المجتمع الذكوري، لكنّها تصطدم بعوائق اجتماعيّة وطائفية. والمطلوب هنا أن يصار إلى دعم هذه الجمعيّات وإلى إصدار قوانين لحماية المرأة، والحرص على إزالة العراقيل التي تحول دون صدورها.


القانون والعلم والثقافة سلاح لحماية المرأة
يذكر الدكتور خوري أنّه من بين القوانين التي يجب إصدارها، قانون يتعلّق بمنع تزويج القاصرات، مشيرًا إلى أن هذه القضيّة لم نتمكن من محاربتها على الرغم من التظاهرات والمطالبات، حيث ما زال هناك عدد كبير من الفتيات الّلواتي يزوّجهن الأهل في سن المراهقة، أي قبل أن يصبحن قادرات على اتخاذ القرارات الصائبة أو تحمّل مسؤوليّة أنفسهن. ومن الطبيعي أن المراهقة التي تصبح أمًا قبل بلوغها سنّ العشرين هي غير قادرة على إعالة نفسها أو عائلتها إذا ما قرّرت التمرّد في وجه الزوج المعنّف، وذلك أنّها لم تكمل تعليمها لكي تجد وظيفة لائقة ولا تتقن أي عمل، وبالنسبة إليها، العنف أفضل من البقاء في الشارع! ‏أضف إلى ذلك أنّ القوانين المذهبية والطائفية تحرم الأم من أطفالها جزئيًا أو كليًا، لذلك تجد نفسها مرغمة على القبول بوضعها والسكوت عنه كي لا تخسر أطفالها.
ويشير الدكتور خوري مجدّدًا الى ضرورة تعديل القوانين ‏بحيث تحفظ للمرأة حقّها فلا تظلّ مهمّشة ومعنّفة ومحتقرة. ويضيف: إذا استطعنا أن نؤمّن لها العيش بكرامتها، يمكنها حينئذٍ أن تنتفض على واقعها المرير حيث سيكون لديها ما تستند إليه إذا ما رحلت عن جحيم حياتها الزوجيّة. ولكن طالما أن الجمعيات والقوانين والمجتمع في حالة تقصير، ليس أمام المرأة حيلة إلّا أن تظل راضخة لنزوات زوجها مذعنة لعقده النفسيّة ومركّبات نقصه، أو أن تصبح امرأة مطلّقة ومرذولة اجتماعيًّا، تنتظر رجلًا آخر ليأويها ويؤمّن لها متطلّبات الحياة اليوميّة كي لا تبقى عبئًا على أهلها.
أخيرًا، يؤكّد الدكتور خوري أنّ العلم والثقافة هما السلاح الأقوى للفتاة في مواجهة العنف أو أي من المشاكل التي يمكن أن تعترضها في الحياة. وهو ينصح كلّ عائلة أن تسعى إلى تثقيف الفتاة وتحفيزها لنيل الشهادة الجامعيّة التي تمنحها الاكتفاء الذّاتي اجتماعيًا وثقافيًّا وماليًّا، كي يبقى الزّاد والقوّة والعصمة الفعليّة بيدها، فإذا لم توفّق في زواجها يكون أمامها عدّة خيارات غير الإذلال!