إعلام

النقل المباشر: الجمهور يشاهد الأحداث من دون «ترقيع»
إعداد: ريما سليم ضوميط

يحتاج إلى مجموعة اختصاصيين وإلى أعصاب من حديد

 

بطولات كأس العالم في الألعاب الرياضية، مسابقات ملكات الجمال، الحروب والكوارث الطبيعية، أحداث يتابعها ملايين الأشخاص من مختلف دول العالم في الوقت نفسه، والفضل في ذلك للـ«نقل المباشر» التلفزيوني او الإذاعي الذي يلغي المسافات ويسمح بمتابعة الأحداث مباشرة في ساعة حدوثها.
لكن كيف تتم هذه العملية، وهل من السهل على الإعلامي أن يجد نفسه في مواجهة أعداد غير محدّدة من الناس، ويظل محافظًا على رباطة جأشه؟


جهود كثيرة
النقل المباشر هو عملية تقنيّة تشارك فيها مجموعة من الإختصاصيين في مجالات مختلفة، من بينها الإخراج، الإعلام، الإضاءة، التصوير، وهندسة الصوت. عن هذه العملية يقول المخرج بودي معلولي أن نجاحها يتوقّف في الدرجة الأولى على «قوّة أعصاب» فريق العمل لا سيمّا المخرج والمقدّم. ويروي في هذا الإطار حادثة طريفة، فخلال الإستعداد لبث حي، أغمي على المقدّم ووقع أرضًا بمجرّد أن أنهى المخرج العد العكسي إيذانًا ببدء البث المباشر. المقدّم الذي أغمي عليه كان إعلاميًا بارزًا، لكن تلك التجربة كانت الأولى له في النقل المباشر.
ويشير معلولي في هذا الإطار إلى أن أسوأ ما في النقل المباشر عدم إمكان تصحيح الأخطاء، فالجمهور يشاهد الأحداث «من دون ترقيع». من هنا فإن الثقة بالنفس، الخبرة والشجاعة هي عوامل أساسيّة لإنجاح النقل المباشر، علمًا أن المخرج مهما كان بارعًا لا يمكنه النجاح من دون فريق عمل محترف يتألف من مجموعتين، تجتمع الأولى في غرفة الكونترول (Control)، وتضمّ المخرج ومساعديه، عامل الفيديو، مهندس الصوت ومساعده، والتقنيين، إضافة إلى فريق الإعداد، فيما تتموضع الثانية في موقع التصوير وتضم مدير المسرح ومساعديه، المصوّر ومساعديه، مقدّم البرنامج، ومهندس الإدارة ومساعديه، إلى تقنيي الصوت والإضاءة. وتخضع المجموعتان لتعليمات المخرج، الذي يوجّه أيضًا التعليمات إلى الجمهور الموجود في موقع التصوير من خلال مدير المسرح.
ويؤكّد معلولي أن شخصيّة المقدّم وحضوره ينعكسان في العمل الذي يقدّمه، كما تنعكس فيه أيضًا شخصية المخرج الذي يهمس تعليماته في أذن المقدّم كلّما دعت الحاجة إلى ذلك. والمخرج هو المسؤول الأول والأخير في النقل المباشر.

 

عمل مضنٍ... ولكن ممتع
عن صفات المخرج الناجح يقول معلولي إنه يجب أن يتمتّع بالذوق والحس الفنّي، كما عليه أن يكون نشيطًا ومندفعًا. فالإخراج عمل مضنٍ، والبرنامج الذي نشاهده في ساعة واحدة قد يتطلّب إعداده عدّة أشهر. كما أن عملية التصوير غالبًا ما تمتد إلى ساعة متأخّرة في الليل، والمشهد الواحد يمكن أن يعاد تصويره عدّة مرّات، كذلك قد لا يتاح للفريق الراحة في أيام الآحاد والأعياد. من زاوية أخرى، يؤكّد معلولي أن الإخراج عمل ممتع، فيه الكثير من التجدّد والخلق والإبداع، وفي كل عمل يقوم به المخرج، يشعر أنه يختبر حياة أخرى. وهو ينصح الطلّاب الذين يجدون لديهم صفات المخرج الناجح التخصّص في هذا المجال لأن الإخراج عمل غير تقليدي يتيح لمن يزاوله فرصة الإبداع والتميّز.

 

كيف يتمُّ البث التلفزيوني المباشر؟
البث المباشر هو قيام الأقمار الصناعية بالتقاط البث التلفزيوني في بلد من البلدان، وبثّه مباشرةً إلى أماكن أخرى تبعد عن مكان البث الأصلي مسافات بعيدة تحول دون التقاط البث من دون وسيط.
يرتَكِزُ البثُّ المباشر على دعائم ثلاث:
- القناة التلفزيونيَّة التي تبثُّ البرنامج أو الحدَث.
- القمر الصناعي الذي يتولَّى التِقاط البث وإعادة بثِّه مباشرةً للمشاهدين.
- المتلقِّي، وهو جهاز التلفاز العادي، مضافًا إليه جهاز التقاط مخصَّص للبث المباشر بطبق هوائي (الدش)؛ حيث يتلقَّى ما يبثُّه القمر الصناعي مباشرة من دون وسيط.
والأقمار الصناعيَّة التي تقوم بعمليَّة الاستقبال والإرسال تقع على ارتفاع يصل إلى 36 ألف كلم عن الأرض، ويغطِّي القمر الواحد ثلث مساحة الكرة الأرضيَّة وهو يعمل على مَدار 24 ساعة، علمًا أن كلّ قمر يحتوي على عددٍ من القنوات تصل في بعض الأحيان إلى 120 قناة.

 

محطات في تاريخ البث المباشر
 في الثاني عشر من تموز العام 1962، شوهدت أول إشارة للبث التلفزيوني الحي عبر كل من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا بأسرها عن طريق أول قمر صناعي فاعل في مجال الإتصالات، والذي عرف بـ«Telstar 1». وبعد سنة من إطلاقه، نقل القمر المذكور أول برنامج تلفزيوني حي، وكان من تقديم مراسل الأخبار الأميركي والتر كرونتي. أما محتوى البرنامج فشمل مشاهد لتمثال الحرية، ولبرج إيفل، تلاها نقل حي لمباراة في لعبة البايسبول بين فريقي شيكاغو وفيلادلفيا الأميركيين، تخلّله لقطات للمغنّي الفرنسي إيف مونتان.
بعد هذا الحدث، عدّة أحداث بارزة شاهدها الملايين عبر العالم من خلال البث التلفزيوني المباشر، نذكر منها:
- دفن الرئيس الأميركي جون كينيدي في 25 تشرين الثاني من العام 1963.
- هبوط المركبة الفضائية «أبولو 2» على سطح القمر في 20 تموز العام 1969.
- إنفجار المكوك الفضائي «Challenger» في 22 كانون الثاني العام 1986.
- سقوط جدار برلين في التاسع من تشرين الثاني 1989.
- تحطّـم الطائـرة التابعـة لطيـران الخطوط المتحدة في رحلتها الرقم 175 في الجهة الجنوبية لبرج «مركز التجارة العالمي» في نيويورك، أمام الملايين من المشاهدين الذين كانوا يتابعون نقلًا تلفزيونيًا حيًّا لمخلفات الهجوم الإرهابي على المركز المذكور في 11 أيلول من العام 2001.
- في تشرين الثاني من العام 2012، شاهد العالم نقلًا مباشرًا على شاشات التلفزة وعبر شبكة الإنترنت لأعلى قفزة في التاريخ، حيث قفز المغامر النمساوي فيليكس بومغارتنر من حدود الغلاف الجوي محاولًا خرق جدار الصوت بجسمه، وقد حقق رقمًا قياسيًا في السقوط الحرعلى علو 36576 مترًا.
يجدر بالإشارة أن المرحلة التي سبقت ظهور الأقمار الصناعية شهدت أيضًا محطات بارزة في تاريخ البث المباشر المحلّي في عدة دول، نذكر منها:
- في الرابع من أيلول العام 1951 قدّم التلفزيون الأميركي في أول نقل حي محلّي، خطاب الرئيس هاري ترومان حول معاهدة السلام الأميركية - اليابانية التي عقدت في سان فرنسيسكو.
- في الثاني من تموز العام 1953، نقل التلفزيون البريطاني حفل تتويج الملكة اليزابيت الثانية في أول بث حي في المملكة البريطانية.
- العام 1936، تمت أوّل تغطية مباشرة للألعاب الأولمبية التي جرت في برلين. وقد بلغ مجموع ساعات التغطية 138 ساعة، وشاهدها 162.000 مشاهد في ألمانيا.