ملء القلوب والوجدان

النقيب الطيّار الشهيد سامر حنا عريس في دار الخلد
إعداد: ندين البلعة

لم يدرك الملازم الأول الطيّار سامر حنا، ولا أهله، ولا خطيبته، أنه يودّعهم للمرة الأخيرة. تركهم ليحلّق كالنسر في السماء،  فعاد ليحلّق على الأكفّ في عرس شهادة حرمهم فرحة عرسه الحقيقي.

 

الحادثة
ضجّت جزين صباح يوم الخميس 28/8/2008 بخبر سقوط مروحية تابعة للجيش اللبناني فوق تلة سجد في قضاء جزين. قيادة الجيش - مديرية  التوجيه أصدرت بياناً حول الحادث قالت فيه إنه «في أثناء قيام طوافة عسكرية تابعة للقوات الجوية اللبنانية بطلعة تدريببة في أجواء منطقة إقليم التفاح تعرّضت لإطلاق نار من عناصر مسلحة، مما دفع طاقمها الى الهبوط الاضطراري فوق تلة سجد، وقد نتج عن ذلك إصابة الطوافة واستشهاد الملازم الأول الطيّار سامر حنا، وبوشر التحقيق في الحادث».
نُقلت جثة الضابط الشهيد الى مستشفى الشيخ راغب حرب في تول قرب النبطية، قبل أن تُنقل لاحقاً الى المستشفى العسكري المركزي.

 

رحلة الجثمان الى مثواه الأخير
عند الثامنة من صباح يوم الجمعة 29 آب 2008 أقيم احتفال في المستشفى العسكري المركزي سُلِّم خلاله جثمان النقيب الشهيد الى ذويه، ثم انتقل الموكب الى مدينة البترون حيث استقبله الأقارب والأصدقاء وفعاليات البلدة وأهلها بنثر الورود والأرز وزغاريد النسوة.
حُمل الجثمان على الأكفّ على وقع أصوات الأسهم النارية وأقفلت المحال التجارية كافة في البترون، وانتقل الموكب الى بلدة سلعاتا حيث ترعرع الشهيد وعاش، ومنها الى حامات حيث منزل خطيبته ميريام عيسى.
بعدها تابع الموكب سيره عبر طريق الكورة حيث كانت الطرقات تعج بالمستقبلين والسماء تضج بالأسهم النارية، وصولاً الى شناطا (قضاء البترون) بلدة والدته حيث أقيم له استقبال عند مدخل البلدة.  
أمّا في تنورين، مسقط رأس الشهيد، فأقيم استقبال حاشد للجثمان، وازدانت الشوارع بالأشرطة البيضاء والأعلام اللبنانية وشعارات الجيش اللبناني، كما أُطلقت الأسهم النارية في سماء البلدة وحُمل الجثمان على الأكف، سيراً على الأقدام من مدخل تنورين الفوقا وصولاً الى ساحة البلدة.
رافقت مراسم جنازة الشهيد طوافتان عسكريتان من نوع «غازيل» حلّقتا فوق المكان وبدتا كنسرين حزينين.
وأقيم للشهيد مأتم رسمي وشعبي حاشد، حضره اللواء الركن جورج الهاشم ممثلاً رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، والعميد الركن عبد الحميد درويش ممثلاً قائد الجيش بالنيابة اللواء الركن شوقي المصري، بالاضافة الى فعاليات سياسية وعسكرية وممثلين عن مختلف القوى الأمنية وحشد من الضباط ورفاق الشهيد.
عزفت موسيقى الجيش معزوفة الموتى ولازمة النشيد الوطني لدى دخول النعش الى الكنيسة وخروجه منها، كما أُطلقت الأسهم والعيارات النارية في سماء تنورين.

 

كلمة قيادة الجيش
بعد صلاة الجنازة ألقى العميد الركن درويش كلمة قيادة الجيش في الشهيد النسر، فقال:
كما يولد الربيع من رحم الشتاء، ومعه تنمو جذوة الأمل من جديد، كذلك يحيا الوطن بشهدائه، الذين يصنعون بتضحياتهم الجسام إرثه المعنوي، وحاضره القوي وغده الواعد المشرق.
وكما تبذل حبة الحنطة نفسها في التراب، لتتوالد أضعافاً مضاعفة، كذلك يبذل الشهداء أرواحهم ويروون بدمائهم السخية شجرة الوطن لتزهر وتورق وتثمر، وتصبح أعمق جذوراً وأصلب عوداً، تنبض فيها روح الحياة من جيل الى جيل.
واليوم نودع ضابطاً من خيرة ضباط الجيش، بدت عليه ملامح الموهبة والتفوق، منذ لحظة انضوائه تحت راية المؤسسة العسكرية، فراح يبذل الجهد والتعب والعرق، ويوسع دائرة معارفه، حتى تحققت له طموحاته، بأن أصبح نسراً من نسور قواتنا الجوية، لا يطيب له العيش إلا فوق القمم، ولا يرضى إلا التحليق في سماء لبنان لتقر عيناه على كل ذرة من ترابه الغالي.
لقد كان شهيدنا سامر، يدرك تماماً ما قد يواجه الجو من مخاطر كثيرة، لكن ذلك لم يحدّ يوماً من عزيمته ولا من شجاعته ولا من اندفاعه الى تلبية نداء الواجب، ملتزماً رسالته وفياً للقسم الذي نذر حياته في سبيله، فإذا به يرتفع شهيداً في ساحة التضحية والبطولة، مفتدياً بدمه الطاهر وطنه لبنان الذي تفانى في حبه وتوغل عميقاً في الإخلاص له، حتى وهبه ربيع عمره وزهر شبابه.
وخاطب الشهيد قائلاً:
شهيدنا البطل
تعود اليوم الى أحضان بلدتك التي أنبتتك ورعتك منذ نعومة أظافرك، وفي قلوب الأهل ورفاق السلاح والأحبة وكل من عرفك، جرح يعصر القلوب ويدمي العيون. لقد افتقدناك علماً من أعلام الجيش، ضابطاً عصامياً مستقيماً كحد السيف، متميزاً بالانضباط والمناقبية ودماثة الخلق. افتقدناك رفيق سلاح، يحظى باحترام وتقدير كل من حوله، يندفع في تنفيذ المهمات الى أقصى الحدود، ويتحمل الصعاب والمشقات برحابة صدر. افتقدناك ابن عائلة كريمة، متأصلة المنبت أنجبت خيرة الشباب، وأنشأتهم على محبة الجيش والوطن والتمسك بالقيم والفضائل الحميدة وإرادة الخير للقريب والبعيد.
تحية إكبار وإجلال الى روحك الشامخة في عالم المجد والخلود، ودمت أيها الشهيد البطل مأثرة على طريق الشرف والتضحية والوفاء، ونجماً ساطعاً في سماء الوطن.

 

رفاق السلاح والدرب
كما كانت كلمة باسم رفاق الشهيد ألقاها الملازم الأول محمد لوباني، وكلمة وداع من القلب من خطيبته ميريام عيسى التي كانت تنتظر حفل زفافها من النقيب سامر بعد حوالى الشهر في عرس كبير في الكنيسة التي احتضنت اليوم عرس الشهادة في تنورين.

 

النقيب الطيّار الشهيد سامر حنا
- من مواليد 11/8/1982 - البترون - قضاء البترون.
- تطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط طيّار اعتباراً من 15/1/2002.
- رقي الى رتبة ملازم طيّار اعتباراً من 1/8/2004، وتدرّج في الترقية حتى رتبة نقيب طيّار بعد الاستشهاد.
- حائز:
• الميدالية التذكارية للمؤتمرات.
• وسام الحرب.
• وسام الجرحى.
• وسام التقدير العسكري من الدرجة الفضية.
• تنويه العماد قائد الجيش مرتين.
• تهنئة العماد قائد الجيش مرتين.
- تابع عدة دورات دراسية في الداخل وفي الخارج.
- استشهد بتاريخ 28/8/2008.
- عازب.


رئيس الجمهورية قدّم تعازيه لعائلة الشهيد
زار رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، يرافقه رئيس الأركان في الجيش اللواء الركن شوقي المصري، منزل النقيب الشهيد سامر حنا في بلدته تنورين، حيث قدّم التعازي الى أهل النقيب الطيّار الشهيد، منوّهاً بما كان يتمتع به من مناقبية في المؤسسة التي نذر حياته لها.


قائد الجيش:شهادته ذخرٌ للجيش ووسام على صدر الوطن
زار قائد الجيش العماد جان قهوجي، كنيسة مار اسطفان - البترون، حيث قدّم التعازي منوهاً أمام أفراد العائلة بمسيرة الشهيد ومناقبيته العسكرية، وأدائه الواجب العسكري بكل تفانٍ وشجاعة وإخلاص، مؤكداً بأن شهادته هي ذخر للجيش ووسام رفيع يعلّق على صدر الوطن.
وقد أعرب ذوو الشهيد عن شكرهم القائد لمبادرته، مؤكدين بقاءهم على عهدهم في الإيمان بالرسالة السامية للجيش، حامي الوحدة الوطنية وضامن الحرية والاستقرار.