قواعد التغذية

النيّء او المطبوخ؟ لكل طعام مقام ونظام وعواقب
إعداد: ليال صقر الفحل

يطارد شبح الرشاقة النساء والمراهقات، بحيث تحوّلت هذه الظاهرة هوسًا مثيرًا للقلق. وقد ظهرت منذ بضع سنوات صرعة تبنّتها النجمات العالميات هي ريجيم «الطعام النيّء» الذي يرتكز على استهلاك الغذاء غير المطبوخ، على أساس أنّه يضمن تخفيف الوزن وصحة الجسم والذهن على حدٍّ سواء... فما صحة هذه الأمر، وهل يوافق الرأي الطبي الاختصاصي على ترويجها؟


الصرعة الغذائيّة الجديدة - القديمة

اكتشفت حمية الطعام النيّء منذ أكثر من عشرين عامًا، فألبرت آنشتاين، وليوناردو دافنشي، وحتى الرئيس الأميركي الأسبق أبراهام لنكولن كانوا من أتباعها، وكان هدفها الأساسي طبّيًّا، يتطلّع لحلّ مشاكل ارتفاع ضغط الدم ومعالجة أمراض القلب والكليتين والكبد وأوجاع الرأس... وها هي اليوم تعود إلى الواجهة بعد أن أصبحت واحدةً من كلّ عشر مراهقات أميركيات وبريطانيّات مهووسات بالرشاقة يعتمدن عليها لتخفيف وزنهنّ وللحصول، كما يزعمن، على فوائد عديدة للجسم تتمثّل في نضارة البشرة وإبعاد علامات تقدّم السن... فلا عجب كيف تتجه نجمات هوليوود اليوم على مثال ديمي مور، دونا كاران وغوينيث بالترو إلى التقيّد بها.
الصرعة الغذائية هذه تدعو إلى أن يتكوّن الغذاء اليومي من 70% من الطعام النيّء الطازج والعضوي الذي لا يجب أن يتعرّض لأي حرارة، أو لأيّ نوع من أنواع الإضافات أو التصنيع أو التدخل البشري. فهو يشمل الكثير من الفاكهة، والخضار، والحبوب، والأعشاب، والنباتات، وثمار البحر، ومشتقات الحليب والبيض... لكن بعض المتعصّبين لهذه الحمية يصرّون على أن لا بد لها أن تتكوّن من 100% من الغذاء الطبيعي بحالته «الخام»، ويسمّونه «الطعام الحي» على اعتبار أنّ الطهي يقتل الطعام ويهدر الأنزيمات الغذائيّة المهمّة الموجودة فيه بنسبةٍ تراوح بين 30 و85%، مشيرين إلى أنّ الطهو يصعّب عملية الهضم ويجعل قدرة الجسم على امتصاص الغذاء أضعف.

 

الحمية النيّئة بين مؤيّدٍ...
يتم الترويج للحمية النيّئة على أنّها تعطي الطاقة للجسم، فيشعر من يتبعونها بطاقة أكثر من أيّ وقت مضى، كونها خالية من المواد الحافظة والسكريات المصنّعة، ولذلك، لا يشعر هؤلاء بالكسل والخمول. كما أشارت دراسات عديدة إلى أنّ الانزيمات في الطعام النيّء تفرز في الفم خلال المضغ، وتختلط بأنزيمات الجسم لمساعدتها على إتمام عمليّة الهضم. حتى أنّ اختصاصي التغذية الأميركي يوري إلكيم في كتابه «الأكل من أجل الطاقة الحيويّة» ذهب إلى حدّ اعتبار كلّ ما هو طبيعي مثالي، قائلًا: «نحن لا نرى حيوانات بريّة مصابة بالبدانة، أو بسلسلة الأمراض التي تفشّت بين البشر بسبب أسلوب الحضارة الحديثة وأسلوب التغذية المعتمد على الطعام المطهو والمصنّع والمليء بالكيماويات، مثل الربو الشعبي والروماتيزم وهشاشة العظام وأمراض نقص المناعة والإكزيما والسرطان وأمراض السمنة. فكلّ هذه الأمراض لا توجد في الطبيعة وبين الحيوانات البريّة، إنّما نراها رشيقةً قويّة تستمتع بالحيويّة والطاقة، والسبب هو اعتمادها على تناول الأغذية في شكلها الطبيعي من دون أي تحضير أو تدخّل...».
في إطارٍ مشابه، لا شكّ انّ هذه الظاهرة الغذائية مثاليّة للنباتيّين الذين يميلون إلى استهلاك الأنظمة النباتيّة البعيدة عن اللحوم، وممّا لا شكّ فيه أيضًا أنّ أنواع الأطعمة المستخدمة في الحمية النيّئة غنية بحمض الفوليك والألياف والمعادن كالماغنيزيوم والحديد، بالإضافة إلى مضادات الأكسدة (المعروفة بقدرتها على مقاومة السرطانات المختلفة)، وهي قادرة على تقليل مستوى الكولستيرول في الدم بالفعالية نفسها التي تتمتع بها الأدوية المعتمدة لمعالجة أمراض القلب المترافقة مع تصلّب الشرايين، وارتفاع ضغط الدم... وتبطئ الحمية النيئة كذلك علامات تقدم السن من خلال ترطيبها الجسم، كما أنّها تحقّق التوازن النفسي والصفاء الذهني...
إلى ما سبق، يعتبر تخفيف الوزن من الفوائد الإضافيّة لهذه الحمية، فإذا كان الشخص بدينًا واتبعها، فسيفقد حتمًا بعض الكيلوغرامات الزائدة.

 

...ومعارض
مع كل هذه الحماسة التي يبديها مؤيّدو ومتّبعو هذه الحمية، إلا أنّ هناك محاذير كثيرة يطرحها الاختصاصيّون في هذا الصدد. فهم يشدّدون على ضرورة التأكّد من سلامة كل نوع غذائي وصلاحيّته للأكل في الحالة النيّئة أي من دون أن يتعرّض للحرارة. فمثالًا وليس حصرًا، يتحتّم على الحليب أن يبستر، ولا بدّ لهذا الغرض أن يتمّ من خلال الحرارة، وإلّا فلن يبلغ مرحلة التعقيم التي تتيح شربه بعيدًا من خطر التسمم، وهو أمر ينطبق كذلك على البيض والكاجو بشكلهما النيّء...

 

حذار المضاعفات!
من جهةٍ أخرى، أثبتت دراسة أجريت العام 2005، أنّ معظم مؤيّدي الحمية النيئة يصابون بعد أعوام قليلة من اتّباعها بنقص في الوزن، وفي مخزون المعادن وأبرزها الحديد ممّا يسفر عن الإصابة بفقر الدم، وبنقص حاد في البروتين والكالسيوم الذي يقود إلى الإصابة بترقق العظام، فضلًا عن النقص بالفيتامينات الأساسيّة وأهمّها فيتامين ب12، وب6 ممّا يؤدي إلى التوتّر وإضعاف عضلات الجسم، وممّا يسمح للتشنّجات المختلفة أن تأخذ لها مكانًا في أنحائه.
ويشير الرأي الطبي في هذا الخصوص، إلى أنّ هذا النظام الفقير بالسعرات الحرارية يبعث على إنقاص كميّة الدهون ذات الأهميّة في عملية تلاحم أعضاء الجسم في ما بينها، والذي يسير نقصها مباشرةً نحو ترهّل مناطق الإبطين والبطن والافخاذ. كما أنّ لهذا النمط الغذائي المنحرف صلة مباشرة ومثبتة بانقطاع الطمث عند النساء في سنّ مبكرة، وبتراجع صحة الفم وسلامة الأسنان. لذلك يحذر الأطباء والاختصاصيون النساء الحوامل، المراهقات وذوي المشاكل الصحيّة من مخاطر الإنجرار وراء هذه الصرعة المستحدثة في عالم الغذاء.