الهجرة كتحدٍّ للإقتصاد اللبناني: الجذور التاريخية، الوضع الراهن، آفاق المستقبل

الهجرة كتحدٍّ للإقتصاد اللبناني: الجذور التاريخية، الوضع الراهن، آفاق المستقبل
إعداد: أ.د. بطرس لبكي
أستاذ وباحث في الجامعة اللبنانية

مقدمة

أصبح عدد المهاجرين اللبنانيين، وكذلك المتحدِّرين من أصل لبناني، في العالم يفوق عدد اللبنانيين المقيمين في لبنان.

إنطلقت الهجرة اللبنانية الحديثة منذ منتصف القرن التاسع عشر بوتائر مختلفة بين مرحلة وأخرى. وقد تسارعت هذه الأخيرة أيضًا بسبب الحروب التي اندلعت داخل لبنان بين العامين 1975 و1990، وبخاصة بعد انتهائها العام 1990 بسبب السياسات الإقتصادية الداخلية والأوضاع المحيطة اقتصاديًا وسياسيًا بلبنان. وقد خسر وطن الأرز في السنوات الخمس عشرة الأخيرة أكثر من مليوني مهاجر، ما خفَّض من طاقاته الإنتاجية وخصوصًا أصحاب الكفاءآت المتوسطة والمرتفعة، وحرم البلاد طاقات شابة ومبتكرة، علمًا أن عدد السكان المقيمين في لبنان لا يصل إلى 4 ملايين نسمة.

شكَّلت تحويلات المغتربين بين %11  و %25  من الدخل الوطني في لبنان في العقد الماضي، وهي بعيدة جدًا من أن توازي حجم الطاقات الإنتاجية للنزيف البشري الذي ترك لبنان والذي يشكِّل أكثر من عدد مقيميه.

لذلك ثمة نقاش مركزي في لبنان حول المقارنة بين إيجابيات الهجرة وسلبياتها يكمن ويبرز إلى العلن بين الحين والآخر، ويلامس أسس ما يسمَّى «النموذج الإقتصادي اللبناني».

يهدف هذا البحث إلى تبيان العلاقة المتبادلة بين الوضع الإقتصادي العالمي والإقليمي والمحلي من جهة، والهجرة من لبنان من جهة أخرى، وذلك طوال مدة قرن ونصف القرن مضت، مع التركيز على الوضع الراهن والآفاق المستقبلية للتحدي الذي تشكِّله الهجرة للإقتصاد اللبناني.

ترتبط الهجرة أساسًا بالتطوُّرات الإقتصادية في كل فترة من المرحلة الحديثة، من دون إهمال العناصر الأخرى: السياسية والإجتماعية والثقافية والديمغرافية. وسنعمل هنا على إبراز التفاعل بين التطوُّر الإقتصادي في لبنان والهجرة في كل من هذه المراحل:

- فترة الحكم العثماني منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى العام 1918، والمتزامنة مع نهاية فترة النمو الإقتصادي السريع في الدول الصناعية بين مطلع سبعينيات القرن التاسع عشر وتسعينياته. ثم بعد ذلك انطلاق الثورة الصناعية الثانية واستكمال تقاسم العالم بين مختلف الدول الصناعية الكبرى وذلك حتى الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها.

- فترة الإنتداب الفرنسي بين الحربين العالميتين الأولى والثانية (1918 - 1943) والتي تزامنت مع الأزمة الإقتصادية العالمية والحرب العالمية الثانية.

- الفترة الإستقلالية (1943 - 1975) التي تزامنت مع فترة النمو المطَّرد للإقتصاد العالمي وبخاصة لإقتصاد الدول الصناعية المعتمدة نظام اقتصاد السوق، وفترة التغيُّرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية في فلسطين وسوريا ومصر والعراق ودول الخليج والجزيرة العربية وبروز دور النفط العربي. هذه الفترة شهدت أيضًا نمو حركة الإستقلال السياسي والإقتصادي العربي وانحسارها.

- فترة الحروب على أرض لبنان (1975 - 1990) التي تزامنت مع ما سمِّي «بالطفرات النفطية» بعد العام 1973، ومع تدمير واسع للإقتصاد والمجتمع والبنية التحتية في لبنان.

- الفترة المعاصرة (1990 - 2010) التي تزامنت مع محاولات إعادة الإعمار والسياسات الإقتصادية اللبنانية من تجارية ومالية ونقدية، والتي كانت خانقةً النمو الإقتصادي العام، واقتصاد العديد من القطاعات، ومع هجرة جارفة إلى الخارج.

وسنشرح كيف ولماذا تشكِّل الهجرة تحديًا للإقتصاد اللبناني، مع إرفاق هذا الشرح بالمعطيات العيانية.

كل ذلك لنستطيع تقدير ما هي الآفاق المستقبلية لهذا التحدي بالنسبة إلى الاقتصاد اللبناني.

 

القسم الأول

الهجرة من لبنان وارتباطها بتطورات الإقتصادين العالمي والإقليمي

يبرز ارتباط الهجرة الحديثة من لبنان منذ انطلاقها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى حد كبير بالتطورات الإقتصادية العالمية والإقليمية.

فالإنطلاقة الأولى لهجرة ذات حجم ملفت من لبنان يمكن تحديدها ابتداءً من ستينيات القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى[1]، وهي فترة شهدت تسارع نمو الناتج الداخلي القائم على الصعيد العالمي، وعلى صعيد أهم مناطق القارات الأساسية.

الجدول الرقم 1: تسارع النمو الإقتصادي 1820-1913

الفترة

المنطقة

نمو الناتج في اثناء الفترة 1820-1870

نمو الناتج في اثناء الفترة 1870-1913

اوروبا وبلدان الهجرة الأوروبية

256 %

300 %

أميركا اللآتينية

198 %

436 %

آسيا

103 %

157 %

إفريقيا

129 %

181 %

مجموع العالم

158 %

245 %

 

 المصدر:

Angus Maddison: «L’Economie Mondiale: une perspective millénaire» Etudes du Centre de développement – OCDE – Paris- 2001, p185

يظهر هذا الجدول أن النمو الإقتصادي العالمي قد تسارع من %158   خلال نصف قرن (1820-1870) إلى %245   خلال 43 سنة (1870-1913) أي بنسبة %60.

وفي الواقع ثمة تسارع للنمو في دول أوروبا والبلدان المسماة «بلدان الهجرة الأوروبية»: الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا. ولكن النمو الأسرع كان في أميركا اللاتينية، والأبطأ في آسيا وإفريقيا حيث كانت وتائر النمو أقل من المتوسط العالمي.

يجب أن نضيف إلى ذلك أن تباطؤًا للنمو في الدول المتقدِّمة قد حصل بين العامين 1870 و1890 وقاد إلى انخفاض في الأرباح، وتمركز الشركات والبحث عن فرص استثمار أجدى في الخارج. وعلى الرغم من ذلك عاد تسارع النمو والسبب يعود إلى دمج المجتمعات غير الأوروبية في النظام الإقتصادي الأوروبي، وفي ما يسمى الثورة الصناعية الثانية المرتكزة تقنيًا على تطوُّر الصناعة الكيميائية والكهربائية واختراع المحرك على البنزين والغاز أويل[2]، واستكمال تقاسم العالم بين دول أوروبية باحثة عن أسواق لمنتجاتها ومواد أولية لصناعاتها ومنافذ لفائض رساميلها[3]. وقد دفعت هذه الحاجات إلى مواد أولية وأسواق وفرص استثمار أكثر جدوى خارج أوروبا، بالرساميل الأوروبية الى الإستثمار في دول أميركا وآسيا وإفريقيا من أجل تأمين إنتاج هذه المواد الأولية ونقلها وتصديرها، والبنى التحتية والنشاطات الإقتصادية المكمِّلة للإنتاج والتصدير والتسويق. وتُرجم كل ذلك بحاجة الى قوى عاملة إضافية كانت عنصر جذب للهجرات الدولية بخاصة إلى القارة الأميركية وأستراليا وبعض مناطق إفريقيا الشمالية والجنوبية خصوصًا[4].

وفي ما يختصُّ بالهجرة من لبنان كانت مصر والولايات المتحدة المقصدين الأساسيين، تبعتها أميركا اللاتينية وإفريقيا الغربية بشكل محدود.

سبَّبت الحرب العالمية الأولى إضعافًا للاقتصادات الأوروبية، وصعودًا لإقتصاد الولايات المتحدة إلى المرتبة الأولى عالميًا، وكذلك صعودًا اقتصاديًا لليابان و«الدومينيومات» البريطانية (كندا، أستراليا، نيوزيلندا)، وكذلك في أميركا اللاتينية. أما باقي البلدان المستعمرة في آسيا وإفريقيا، فعانت صعوبات جمَّة بخاصة بسبب فقدانها أسواق منتجاتها الأولية الأحادية من المواد الأولية التي كانت تصدَّر الى المتروبولات الأوروبية التي فقدت أسواقها. واستعاد الإقتصاد العالمي نشاطه في العشرينيات بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وذلك بشكل متفاوت حسب البلدان والفترات. ودامت هذه الحالة حتى اندلاع الأزمة الإقتصادية العالمية ابتداءً من العام 1929 والتي امتدت مع الكثير من التموُّجات في المكان والزمان خلال الثلاثينيات وحتى الحرب العالمية الثانية. وقد أدت هذه الحرب إلى تدمير أجزاء كبيرة من اقتصادات العديد من الدول الأوروبية، وبروز الولايات المتحدة كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية أولى في العالم ومموِّلة لإعادة الإعمار في أوروبا. واستطاع عدد من دول آسيا التحرُّر، إلى حد ما، من السيطرة الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية، الهند والصين، وكذلك وبشكل محدود بعض الدول الأميركية اللاتينية والعربية[5].

ويلخِّص الجدول 2 التطور المقارن لوتائر النمو الإقتصادي بين الفترتين وحسب المناطق:

 

الجدول الرقم 2: تباطؤ وتائر النمو الإقتصادي في الفترة الواقعة بين الحربين العالميتين وحتى مطلع خمسينيات القرن العشرين.

الفترة

المنطقة

وتيرة نمو الناتج بين 1870-1913

وتيرة نمو الناتج بين 1913-1950

أوروبا وبلدان الهجرة الأوروبية

300 %

202 %

أميركا اللآتينية

436 %

348 %

آسيا

157 %

148 %

إفريقيا

181 %

267 %

المجموع العام

245 %

197 %

 

المصدر: Angus Maddison – op cit – p.185

يتضِّح من أرقام هذا الجدول أن وتائر نمو الناتج قد تراجعت عالميًا في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى ونهاية الحرب العالمية الثانية في كل مناطق العالم تقريبًا: أوروبا، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، أميركا اللآتينية، وآسيا. وحدها إفريقيا الحديثة الإندماج في الإقتصاد العالمي أصابت ارتفاعًا في وتائر نمو ناتجها بالمقارنة مع الفترة السابقة.

لذلك فليس من المستغرب أن تتراجع أعداد المهاجرين الإجمالية من لبنان في هذه الفترة، وأن تتسارع الهجرة اللبنانية إلى إفريقيا (كامل مروة «نحن في إفريقيا»، بيروت 1939 ص. 231،230،211،203،197) في الفترة الممتدة بين انتهاء الحرب العالمية الثانية المتزامنة مع نيل لبنان استقلاله السياسي عن فرنسا وحتى العام 1975.

تزامنت خلال العام 1975 إنطلاقة الحروب على أرض لبنان مع انتهاء فترة النمو المتواصل للإقتصادات الصناعية المعتمدة نظام اقتصاد السوق والمنتمية إلى منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD)، والمسماة «الثلاثون المجيدات» «Les trente glorieuses». ثم دخلت هذه الدول في سلسلة من أزمات تباطؤ النمو الإقتصادي كما يظهر في الجدول الآتي.

 

الجدول الرقم 3: النمو الإقتصادي وتباطؤه في الدول الصناعية المنتمية الى منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية (OECD)

الفترة

المنطقة

متوسط الوتيرة السنوية لنمو الناتج المحلي القائم بين 1950/1913

متوسط الوتيرة السنوية لنمو الناتج المحلي القائم بين 1950-1973

متوسط الوتيرة السنوية لنمو الناتج المحلي القائم بين 1973-1998

أوروبا الغربية

1.19 %

4.81 %

2.11 %

الولايات المتحدة، كندا، أوستراليا، نيوزلندا

2.81 %

4.03 %

2.98 %

اليابان

2.21 %

9.29 %

2.97 %

آسيا باستثناء اليابان

0.90 %

5.18 %

5.46 %

أميركا اللآتينية

3.43 %

5.33 %

3.02 %

أوروبا الشرقية والإتحاد السوفياتي السابق

1.84 %

4.84 %

-0.56 %

إفريقيا

2.69 %

4.45 %

2.74 %

مجمل العالم

1.85 %

4.91 %

3.01 %

 

المصدر:

Angus Maddison: «L’Economie Mondiale: une perspective millénaire» – Etude du Centre de développement – OCDE – Paris- 2001, p134

نلاحظ هنا تباطؤ النمو الإقتصادي في بلدان هي مقصد تقليدي للبنانيين أي الولايات المتحدة، كندا، أوستراليا، نيوزلندا ودول أميركا اللاتينية ودول إفريقيا من جهة، وتسارعه في دول «آسيا باستثناء اليابان» (والدول المعنية بالنسبة إلى موضوعنا هي الدول العربية النفطية في آسيا أي العراق، ودول الخليج والجزيرة العربية) من جهة ثانية.

أما العدد الإجمالي السنوي للمهاجرين من لبنان في هذه الفترة فيتضح في الجدول الآتي:

 

الجدول الرقم 4: عدد المهاجرين اللبنانيين من العام 1945 وحتى العام 1975

السنة

عدد المهاجرين

1945

3500

1946

3500

1947

3500

1948

3500

1949

3500

1950

3500

1951

4077

1952

2725

1953

3315

1954

4026

1955

4555

1956

3268

1957

1143

1958

1003

1959

1434

1960

8566

1961

8566

1962

8566

1963

8566

1964

8566

1965

8566

1966

8566

1967

8566

1968

8566

1969

8566

1970

10000

1971

10000

1972

10000

1973

10000

1974

10000

1975

10000

 

المصدر:

- Elie Safa» :L’émigration libanaise»، مرجع مذكور، ص 24،200،202

- النشرة الإحصائية الفصلية الصادرة عن وزارة الإقتصاد الوطني في بيروت من العام 1951 حتى نهاية العام 1959.

- الأمم المتحدة: التطور الإقتصادي في الشرق الأوسط بين 1945 و1954، ملحق للتقرير عن الإقتصاد العالمي 1953-1954، ص 165.

- جريدة الأوريان البيروتية، عدد 19 كانون الثاني 1968.

- بالنسبة إلى الفترات 1945-1950، 1960-1969، 1970-1975 اعتمدنا رقمًا وسطيًا بسبب غياب المعطيات السنوية. (راجع مساهمتنا بعنوان L’émigration contemporaine des Libanais: saga d’une mondialisation précoce. في كتاب Liban: quatre siècles de culture de la liberté، تنسيق أ.د. جوزف ابو نهرا، منشورات شمالي وشمالي، بيروت 2006.

يتَّضح من الجدول الرقم 4 والرسم البياني الرقم 2، أنه على الرغم من النمو الإقتصادي المتواصل، ولو البطيء لبلدان المهجر التي ذكرنا أي أميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا وإفريقيا، والنمو السريع لدول النفط العربية في آسيا، بقيت الهجرة اللبنانية محدودة من العام 1945 حتى منتصف الخمسينيات ما بين 3500 و3850 مهاجرًا سنويًا، وذلك مع ميل للإنخفاض في النصف الثاني من الخمسينيات بسبب الإزدهار الإقتصادي الذي عرفه لبنان في هذه الفترة.

أما في فترة الستينيات فعاد متوسط الهجرة السنوية إلى حوالى 3500 شخص جلُّهم هاجر إلى إفريقيا والأميركتين وأستراليا. وفي السبعينيات إرتفع عدد المهاجرين من لبنان إلى ما متوسطه 10000 شخص سنويًا بين العامين 1970 و1975.

أما الفترة الواقعة بين العامين 1975 و1990، وهي فترة الحروب في داخل لبنان، فكانت أيضًا فترة تخبُّط في الإقتصاد العالمي مع تراجع في معدَّلات النمو بالمقارنة مع الحقبة السابقة (1950-1975) كما يظهر في الجدول الرقم 3 أعلاه. ولقد أصاب هذا التراجع الدول الصناعية المعتمدة اقتصاد السوق في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا واليابان، وكذلك دول «الجنوب» كأميركا اللاتينية (أزمة الدين)، وإفريقيا. أما آسيا (ما عدا اليابان) فكانت المنطقة الوحيدة التي أصابت نموًا أسرع في هذه الفترة مما كانت عليه في الفترة ما بين العامين 1950 و1973، ومن ضمنها البلدان العربية النفطية (العراق ودول الخليج والجزيرة العربية). ويظهر الجدول الرقم 5 والرسم البياني الرقم 3، تطور عدد المهاجرين اللبنانيين حتى العام 1990.

 

الجدول الرقم 5: صافي هجرة اللبنانيين السنوية من العام 1975 إلى العام 1990

السنة

صافي الهجرة السنوية

1975

400000

1976

297000-

1977

38000

1978

76000

1979

49000

1980

33000

1981

33000

1982

33000

1983

33000

1984

61605

1985

70201

1986

73907

1987

67000

1988

67000

1989

85000

1990

71804

المجموع

894717

 

المصدر: المصادر المذكورة في الهامش الرقم 6.

- المديرية العامة للأمن العام، احصاءات اللبنانيين المغادرين لبنان والقادمين اليه 1986،1985،1984 و1987.

- النهار، 17 كانون الثاني/يناير 1991 وإحصاءات المديرية العامة للأمن العام لمرفأ جونية ومطار بيروت الدولي.

نلاحظ بعد النمو والهبوط السريعين للهجرة بين العامين 1975 و1977، بسبب اندلاع ما سُمِّيَ في لبنان «حرب السنتين» (1975-1976) عودة المستوى السنوي للهجرة يراوح بين 40 و85 ألف شخص. وهذه الهجرة التي تتوجَّه أساسًا نحو دول النفط العربي على الرغم من تأثرها بالأحداث اللبنانية العام 1978 ونموها للأسباب نفسها في الثمانينيات، باتت محكومة أيضًا بالوضع الإقتصادي في الخليج حيث اندلعت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران بين العامين 1980 و1988 فخفَّضت فرص العمل أمام اللبنانيين في هذه المنطقة فوجّهوا هجرتهم في الثمانينيات أكثر نحو بلدان الأميركتين وأوروبا الغربية وإفريقيا وأستراليا[6].

أما المرحلة المعاصرة، أي منذ العام 1990، فتميَّزت بانهيار الكتلة السوفياتية وتسريع العولمة وصعود أقطاب اقتصادية جديدة إلى جانب المثلث الأميركي الأوروبي الياباني كالصين والهند والبرازيل. وبعد فترة من النمو في التسعينيات واجه الإقتصاد العالمي، وبخاصة اقتصاد الولايات المتحدة في أواخر التسعينيات أزمة قطاع المعلوماتية التي تسَّببت بتدهور في الأسواق المالية ما بين العامين 2000 و2001. كما عرفت دول آسيوية سريعة النمو كماليزيا وتايلندا وغيرهما وكذلك البرازيل وروسيا، أزمة اقتصادية ما بين العامين 1998 و1999 بسبب اختلال توازناتها المالية[7].

أما في العقد الأخير، فقد شهد الإقتصاد العالمي خروجًا تدريجيًا من الأزمة حتى العام 2005 لتعود وتندلع في آخر العام 2008.

 

الجدول الرقم 6: معدلات النمو الحقيقي في العالم 1999-2007 (نسب مئوية)

 

1999

2000

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

العالم

3.7

4.6

2.5

2.8

3.6

4.9

4.4

5.0

4.9

الدول المتقدمة

3.5

3.8

1.2

1.6

1.9

3.2

2.6

3.0

2.7

الولايات المتحدة

4.4

3.7

0.8

1.6

2.5

3.6

3.1

2.9

2.2

منطقة اليورو

2.8

3.6

1.6

0.9

0.8

2.1

1.6

2.8

2.6

المملكة المتحدة

2.9

3.9

2.3

2.1

2.8

3.3

1.8

2.9

3.1

اليابان

0.2

2.4

0.2

0.3

1.4

2.7

1.9

2.4

2.1

كندا

5.5

5.2

1.8

2.9

1.9

3.1

3.1

2.8

2.7

استراليا

4.3

3.2

2.5

3.2

2.5

4.1

3.2

3.8

3.9

الدول الآسيوية الحديثة التصنيع

7.3

7.9

1.3

5.5

3.2

5.9

4.8

5.6

5.6

دول متقدمة أخرى

4.7

5.2

1.8

4.1

3.0

3.8

2.8

2.8

3.9

الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة الأخرى

4.0

5.8

4.2

4.7

6.2

7.5

7.1

7.8

7.9

افريقيا

2.8

3.2

4.0

6.1

5.3

6.5

5.7

5.9

6.2

وسط وشرق اوروبا

0.4

4.9

0.2

4.2

4.8

6.9

6.1

6.6

5.8

رابطة الدول المستقلة

5.1

9.1

6.4

5.2

7.8

8.2

6.5

8.2

8.5

الدول النامية الآسيوية

6.2

6.5

5.8

6.9

8.1

8.6

9.0

9.6

9.7

الصين

 

 

 

9.1

10.0

10.1

10.4

11.1

11.4

الهند

 

 

 

4.6

6.9

7.9

9.1

9.7

9.2

الشرق الأوسط

2.1

5.4

3.3

3.9

6.9

5.9

5.7

5.8

5.8

نصف الكرة الغربي

0.4

3.9

0.5

0.4

2.1

6.2

4.6

5.5

5.6

البرازيل

 

 

 

2.7

1.1

5.7

3.2

3.8

5.4

المكسيك

 

 

 

0.8

1.4

4.2

2.8

4.8

3.3

 

المصدر: التقرير الإقتصادي العربي الموحد – أبوظبي،

- الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي، صندوق النقد العربي

- منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول، إصدار أيلول/سبتمبر 2005، وإصدار أيلول/سبتمبر 2008.

ويشير الرسم البياني الرقم 4 إلى بعض هذه التطورات.

وقد كان محرك هذا النمو اقتصادات الصين والهند ودول الإتحاد السوفياتي السابق وكذلك افريقيا والبرازيل بينما كان نمو الدول الصناعية التقليدية الولايات المتحدة وكندا اوروبا واليبان واستراليا ونيوزلندا بطيئاً بالإجمال. اما الدول العربية المصدرة للنفط فقد عرفت نموا لناتجها ارتفع تدريجيا من 4 % الى 6 % مع ارتفاع اسعار النفط الخام[8].

في السنوات الأخيرة اي منذ اواخر 2007، انطلقت بوادر الأزمة الإقتصادية العالمية الحالية من القطاعين المصرفي والعقاري الأميركي والأوروبي وانتشرت في قطاع تصنيع السيارات والسلع المديدة الإستهلاك في اميركا واوروبا واليابان وطالت الصين ايضاً ولو بشكل محدود. وسعت هذه الدول منذ اواخر 2007 وحتى اليوم لمجابهة هذه الأزمة من خلال سياسات نقدية ادت الى تدني نسب الفوائد وسياسات مالية مبنية على ضخ كميات ضخمة من الأموال العامة لتحريك الإقتصاد الوطني ومحاولات حمائية غير منسقة.

في هذه الفترة دفعت الظروف الإقتصادية القاسية هجرة اللبنانيين الى مستويات غير مسبوقة، كما يبرز في الجدول رقم 7 والرسم البياني رقم 5. وطغت تأثيرات الوضعين الإقتصادي والسياسي اللبنانيين على تأثيرات الأوضاع الإقتصادية الإقليمية والدولية.

 

الجدول الرقم 7: تطوُّر أعداد المهاجرين اللبنانيين منذ العام 1990

السنة

عدد المهاجرين

1990

71804

1991

50000

1992

38445

1993

48050

1994

56754

1995

106812

1996

186990

1997

152074

1998

173190

1999

276676

2000

191394

2001

259292

2002

144263

2003

221286

2004

147613

2005

28731

2006

47947

2007

38330-

2008

61535

2009

165610

المجموع

2390136

 

المصدر: ادارة الإحصاء المركزي، بيروت.

وسنعالج في القسم الآتي تفاعل الهجرة في المرحلة المعاصرة أي ما بعد العام 1990 وحتى الآن مع الأوضاع والتطورات الإقتصادية في لبنان.

القسم الثاني

الهجرة اللبنانية والوضع والتطور الإقتصاديين في لبنان (1990-2010)

تأثير الوضع الإقتصادي اللبناني على الهجرة

منذ العام 1990، وبخاصة منذ العام 1995، يفرغ لبنان من الكفاءات إلى المهاجر لقاء تحويلات ترسل إلى الوطن الأم. ويشكِّل عدد اللبنانيين الذين غادروا لبنان خلال الحروب في الداخل بين العامين 1975 و1990 حوالى 900.000 شخص. أما بعد العام 1990 وحتى يومنا هذا فقد فاق عدد المهاجرين المليوني شخص كما يبدو في الجدول الرقم 7 والرسم البياني الرقم5.

ومن الواضح ترابط هذه الهجرة مع انهيار النمو الإقتصادي الذي ظهر في لبنان بعد العام 1994 بسبب السياسات المالية والنقدية والتجارية التي اعتمدتها الحكومات المتتالية منذ العام 1993. فعندما انهارت نسب النمو الإقتصادي من %8  العام 1994 حتى %0.0  العام 2000، ومع نمو سلبي بنسبة ناقص %0.5  العام 2001، ارتفع عدد المهاجرين من 56.754 العام 1994 إلى 276.676 العام 1999 و259.292 العام 2001 (الجدول الرقم 8 والرسم البياني الرقم 6).

 

الجدول الرقم 8: النمو الإقتصادي وعدد المهاجرين

السنة

نسبة النمو الناتج الوطني %

عدد المهاجرين

1991

2.5

50.000

1992

4.5

38.445

1993

7

48.050

1994

8

56.754

1995

6.5

106.812

1996

4

90.000

1997

4

152.704

1998

3

173.190

1999

1

276.676

2000

0

187.017

2001

-0.5

259.292

2002

1.9

144.263

2003

3

221.286

2004

5

147.613

2005

1

28.731

2006

6

47.947

2007

1.7

38.330-

2008

8

61.535

 

المصدر:

- وزارة المال – صندوق النقد الدولي - إصدارات متنوعة.

- رئاسة مجلس الوزراء – تقارير المحاسبة الوطنية السنوية.

- التقارير الشهرية لجمعية مصارف لبنان وبنك بيبلوس وبنك لبنان والمهجر.

- الجدول الرقم 7.

وأسباب هذا التباطؤ في النمو هي:

- السياستان النقدية والمالية: من تثبيت سعر صرف العملة اللبنانية بشكل اصطناعي نسبة إلى الدولار الأميركي من خلال إصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية بفوائد عالية جدًا فاقت %45  في بعض الأحيان، ما رفع الفوائد على التسليف بشكل قوي وهمّش القطاع الخاص اللبناني في سوق التسليف بشكل واسع (crowding out). وتسبَّب ذلك أيضًا بارتفاع سريع في الدَيْن العام من ملياري دولار مطلع العام 1991 إلى ما فوق 60 مليار دولار حاليًا.

وقد أدَّى هذا الإرتفاع في سعر صرف الليرة إلى تسهيل الإستيراد ووضع أعباء ثقيلة على الصادرات.

- السياسة التجارية والسياسة الإنمائية: لقد خفضت الحكومة اللبنانية التعرفة الجمركية مع دول الإتحاد الأوروبي قبل الشروع بمفاوضات الشراكة الأوروبية المتوسطية العام 1995 كمن يرمي سلاحه قبل ولوج ميدان المعركة هذا من جهة. ومن جهة أخرى، لم تقُم الحكومات اللبنانية المتتالية بأي جهد جدي منذ العام 1981، تاريخ التوقيع على «اتفاقية التيسير العربية» الهادفة إلى إنشاء «منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى» (GAFTA) لتحسين إنتاجية الصناعة والزراعة والخدمات اللبنانية لتتمكَّن من منافسة القطاعات العربية الموازية بعد فتح الأسواق العام 2005.

أضف إلى ذلك الإتفاقات التجارية الثنائية المجحفة في تطبيقها بحق لبنان بسبب تقديمه التسهيلات من دون المعاملة بالمثل، في عالم يمارس دعم قطاعات اقتصاده لبعض منتجاتها كسوريا، والسعودية، ومصر، والأردن، وأوروبا، وأميركا.

واخيراً لم تتخذ الحكومات اللبنانية المتتالية أي إجراءات لتطبيق أو تعديل قانون مكافحة الإغراق، وقانون مكافحة الإحتكار.

كما أن الأبواب فتحت أمام القوى العاملة غير اللبنانية التي نافست وتنافس نظيرتها اللبنانية.

كل ذلك أدى إلى تراجع القطاعات الإقتصادية اللبنانية ودفع القوى العاملة في القطاعات الآتية للهجرة:

- في الصناعة حيث أقفلت أعداد كبيرة من المؤسسات الخاصة في فروع النسيج والغزل والملابس خاصة، وغيرها من فروع الصناعة التحويلية.

- في الزراعة حيث أكثر من %40  من الأراضي الصالحة للزراعة تركت بورًا.

- في السياحة حيث تدنَّت نسبة تشغيل الفنادق عامة وأقفل بعضها.

- في تجارة التجزئة حيث نمت المراكز التجارية الكبرى، وجلها اجنبي (Malls)، على حساب المحلات التجارية الفردية اللبنانية.

لقد تضرَّرت هذه القطاعات من غلاء التسليف وأسعار الطاقة وأسعار التخابر الهاتفي وأسعار العقارات وغيرها من عناصر الكلفة. وكل ذلك تسبب بإقفال جزئي أو كلي للعديد من المؤسسات وتشريد أجرائها وأصحابها وهجرتهم.

هذه هي الأسباب الأساسية للهجرة اللبنانية الكثيفة التي واجهها لبنان بعد انتهاء الحروب في الداخل العام 1990. ويظهرالجدول الرقم 8 والرسم البياني الرقم 5 ترابط نمو الهجرة وتأثره بوتائر تراجع النمو الإقتصادي بين العامين 1994 و2004. أما بعد ذلك فقد كان للأحداث السياسية العام 2005 - مقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان - دور في لجم مستوى الهجرة على الرغم من التباطؤ الإقتصادي العام 2005. وعادت الهجرة فارتفعت وتائرها العام 2006 بسبب حرب تموز/يوليو 2006 ونشأت هجرة معاكسة العام 2007 بسبب عودة قسم من المهاجرين بسبب هذه الحرب. ثم تسارعت الهجرة إلى الخليج العام 2008 بسبب النمو المذهل لأسعار النفط الذي زاد من مداخيل دول النفط العربية. ونتيجة ذلك زاد الطلب على القوى العاملة اللبنانية برواتب مرتفعة. كما ارتفعت أيضًا نسبة النمو الإقتصادي للعام 2008 إلى %8 للسبب نفسه: إرتفاع أسعار النفط الذي تسبَّب في ازدياد الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج وارتفاع إنفاق السيَّاح الخليجيين في لبنان وتحويلات اللبنانيين العاملين في الخليج إلى لبنان. فالعام 2008 تزامن ازدياد الهجرة مع نمو الناتج الوطني.

وبعد هذا العرض السريع لتأثير الوضع الإقتصادي العالمي والإقليمي على الهجرة من لبنان ننتقل الى الجانب الآخر من الموضوع.

تأثير الهجرة على الوضع الإقتصادي اللبناني

الجوانب السلبية لهذا التأثير يمكن حصرها بأربعة جوانب:

أ- تدني القوى المنتجة في المجتمع والناتج المحلي القائم

ذكرنا في مقدمة هذا البحث حرمان لبنان الطاقات الإنتاجية لمهاجريه، وعلينا أن نذكر أن إرسالهم تحويلات إلى ذويهم لا يوازي بأي شكل من الأشكال عشر الخسارة من القيمة المضافة التي كان من الممكن أن ينتجوها في لبنان ويزيدوا من دخله أضعاف أضعاف التحويلات التي يرسلونها. وللتدليل ببساطة على ما نقوله يكفي أن نذكر أن مجموع المهاجرين من لبنان منذ العام 1975 فاق 3.2 ملايين شخص، وهم يفوقون مع تناميهم الديموغرافي (المفترض أن لا يقل عن %1.5 سنويًا) 4 ملايين شخص، أي أن عدد المهاجرين اللبنانيين منذ العام 1975 يفوق عدد المقيمين فيه اليوم. فمن المفروض أن يكون ناتجهم القائم على الأقل موازيًا لناتج المقيمين أي ما يفوق 24 مليار دولار سنويًا، (أرقام العام 2009)، بينما تحويلاتهم لم تتجاوز ال 5 مليارات إلا بشكل استثنائي العام 2008 حين بلغت 5.774 مليار دولار. (أنظر الجدول الرقم 16). وهذا برهان واضح، ولو مبسَّطاً، على ما تشكِّله الهجرة من خسارة للإقتصاد اللبناني.

يستخدَمُ قسم كبير من التحويلات في شراء العقارات. ويُشكِّل هذا النوع من الإستخدام واحدًا من أهم عناصر الطلب في سوق العقارات، وله دور واضح جدًا عن طريق زيادة العمليات في سوق العقارات خلال فصل الصيف الذي هو الفترة التقليدية لعودة المغتربين لقضاء العطلة في لبنان. وقد لوحظت موجة امتلاك العقارات من أراضٍ ومبانٍ خصوصًا في منطقة بيروت الكبرى، الأمر الذي ساهم في رفع أسعار الأراضي والمساكن وحرمان شرائح كبيرة من المقيمين إمكان شرائها.

إنّ العديد من الشركات اللبنانية في البلدان العربية المنتجة للنفط، وشرق افريقيا وغربها، العاملة في مجالات التجارة والمقاولات قامت باستثمارات كبرى في العقارات في لبنان منذ عقود.

يلاحظ أيضًا أن الهجرة تُحدث تغييرًا في البنى الاجتماعية اللبنانية. فهي تستتبع في الواقع تحولات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية كبيرة يصعب تقديرها كميًا. وسوف نحاول في هذا القسم وضع جردة بها – والمقصود هو فرضيات عمل ومعالم برسم الاقتفاء أكثر مما هي نتائج نهائية.

ب- تأنيث المجتمع اللبناني

يدلُّ الجدول الرقم 9 على الثقل النسبي لكل جنس بين اللبنانيين المهاجرين واللبنانيين المقيمين، حسب الدراسة التي أجراها أنيس أبي فرح (أنظر مصدر الجدول الرقم 9)، إضافة إلى نسبة الذكورة في كلتا الحالتين:

 

الجدول الرقم 9: توزع اللبنانيين (المقيمين والمغتربين) حسب الجنس العام 1996

الجنس/الفئة

المهاجرون

 %

المقيمون

 %

المجموع

 %

ذكور

517927

54.5

1512586

48.2

2030513

49.6

إناث

432094

45.5

1627334

51.8

2059428

50.4

المجموع

950021

100

3139920

100

4089941

100

 

المصدر:

Anis Abi Farah, «Les émigrés libanais 1975-1996», in Al-Shou'oun Al-Iktisadiya, Novembre 1997, no. 34, p. 33.

هناك 83 أنثى مقابل 100 ذكر بين اللبنانيين المغتربين، فيما ينعكس الوضع بين اللبنانيين المقيمين حيث عدد الإناث فائض (هناك حوالى 108 إناث مقابل 100 ذكر). وتظهر هذه النتائج المتوقعة أصلاً أن نسبة المهاجرين الرجال هي أكثر من نسبة المهاجرين النساء ما يسبِّب اختلالاً في المجتمع المصدِّر الذي «يتأنّث».

ج- التراجع الديموغرافي

لا شك في أن لتأنيث المجتمع اللبناني تأثيرًا لا يستهان به على الديموغرافيا، في إمكاننا أن نرسم خطوطه العريضة.

فالمقارنة بين هرم أعمار المقيمين وهرم أعمار المهاجرين تتيح لنا بلورة النتائج التي حصلنا عليها، والتحقق مما إذا كانت جميع فئات الأعمار معنية بهذا التفاوت. سوف ننقل المعطيات التي توصَّل إليها الدكتور أنيس أبي فرح في الجداول الآتية:

 

الجدول الرقم 10: هرم أعمار اللبنانيين المغتربين بين العامين 1975 و1996

العمر(سنوات)

ذكور

 %

إناث

 %

المجموع

 %

1-10

85806

6،16

90403

9،20

176209

5،18

10-20

73548

2،14

76612

7،17

150160

8،15

20-30

122580

7،23

107258

8،24

229838

2،24

30-40

105725

4،20

79677

4،18

185402

5،19

40-50

85806

6،16

50564

7،11

136370

4،14

50-60

26048

03،5

15322

54،3

41370

35،4

60-70

15285

95،2

9249

14،2

24534

85،2

70-…

3129

6،0

3009

7،0

6138

65،0

المجموع

517927

100

432094

100

950021

100

 

المصدر: أنيس أبي فرح، المرجع المذكور آنفًا، ص 34.

 

الجدول الرقم 11: هرم أعمار اللبنانيين المقيمين العام 1996.

العمر (سنوات)

ذكور

 %

إناث

 %

المجموع

 %

1-10

280165

5،18

278622

1،17

558787

8،17

10-20

298537

7،19

301585

5،18

600122

1،19

20-30

251077

6،16

318425

6،19

569502

1،18

30-40

220458

6،14

267905

5،16

488363

6،15

40-50

189839

6،12

220448

5،13

410287

1،13

50-60

140848

3،9

111755

87،6

252603

04،8

60-70

100424

6،6

91112

6،5

191536

1،6

70-…

31238

07،2

37482

3،2

68720

19،2

المجموع

1512586

100

1627334

100

3139720

100

 

المصدر: أنيس أبي فرح، المرجع المذكور آنفًا، ص 33.

إن عدد المغتربين يفوق عدد المغتربات، خصوصًا بالنسبة إلى الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 20 و60 سنة.

في المقابل يظهر أن التفاوت بين المقيمين هو لمصلحة الإناث اللواتي تراوح أعمارهنَّ بين 20 و50 سنة.

إن الأثر الديموغرافي لمثل هذا التوزُّع واضح: فائض الإناث اللواتي هنّ في سنِّ الزواج والإنجاب يؤدي إلى ارتفاع نسبة العزوبة بين الإناث وارتفاع سنّ الزواج، وتاليًا إلى انخفاض معدَّل الخصوبة الشرعية، وانخفاض معدَّل الولادات. في حين أن معدل الوفيات، لدى الذكور خصوصًا، كان مرتفعًا في أبان سنوات الحرب. ومع الوقت، يفضي هذا الوضع إلى تراجع أو تقهقر ديموغرافي خصوصًا وأن الأزواج باتوا يتخذون بشكل متزايد، وبسبب الظروف، مواقف مالتوسية ويمارسون الحدّ من النسل.

د- الخسائر بالرأسمال البشري

ثمة ظاهرة أخرى مميِّزة للهجرة الحديثة تتعلق بالتركيب المهني – الاجتماعي للبنانيين المغتربين، وتتمخَّض عن خسائر بالرأسمال البشري وعن هبوط نسبة الكفايات بين المقيمين.

في الواقع، يقارن أنيس أبي فرح بين المستوى التعليمي لدى كل من اللبنانيين المقيمين واللبنانيين المغتربين بين العامين 1975 و1990:

 

الجدول الرقم 12: توزُّع اللبنانيين والمهاجرين حسب المستوى التعليمي العام 1996

المستوى

المقيمون

 %

المهاجرون

 %

المجموع

 %

أمي

102

6

21

5

123

8.5

ابتدائي

480

3،28

76

1،18

556

26

متوسط

302

8،17

43

2،10

345

16

ثانوي

256

1،15

59

1،14

315

15

جامعي

279

5،16

134

32

413

20

تقني

44

6،2

21

5

65

1،3

غير محدد

130

7،7

65

5،15

195

2،9

غيره

101

6

صفر

صفر

101

8،4

المجموع

1694

100

419

100

2113

100

 

المصدر: أنيس أبي فرح، المرجع المذكور آنفًا، ص 31.

ملاحظة: تمت مراجعة الحسابات وتصحيحها عندما بدا ذلك ضروريًا.

هذه المعطيات تظهر لنا توزُّع كل من المغتربين والمقيمين حسب مستوى التحصيل العلمي. ومن أجل قراءة أفضل للمعطيات، اعتمدنا أيضًا مقارنة توزيع المغتربين والمقيمين ومجموع السكان حسب المستوى التعليمي.

يلاحظ أن نسبة الجامعيين بين المهاجرين أعلى من المعدّل الوطني لدى المقيمين؛ كذلك هي الحال في ما يخص التقنيين. فالواقع أن مجموع الجامعيين الذين هاجروا بين العامين 1975 و1996 يقدر بـ 233256 شخصًا. وقد توزَّعوا على البلدان المضيفة الآتية:

 

الجدول الرقم 13: الجامعيّون اللبنانيون الذين هاجروا بين العامين 1975 و1996

البلد المضيف

العدد

 %

الهجرة الإجمالية  %

الولايات المتحدة

55745

9،23

8،19

فرنسا

46881

1،20

6،12

كندا

31251

4،13

8،14

أوستراليا

19121

2،8

15

إيطاليا

12131

2،5

6،3

غيره

68118

2،29

2،34

المجموع

233256

100

100

 

المصدر: دراسة أنيس أبي فرح، مصدر سابق.

يلاحظ أن نسبة الجامعيين الذين اختاروا بوجه خاص فرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا هي أكبر من نسبة المهاجرين إلى هذه البلدان.

إن النتائج التي حصل عليها أنيس أبي فرح أكَّدتها الدراسة التي أجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية ما بين 1994 و1996، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA).

فهجرة الأدمغة امتدت منذ العام 1990 وحتى يومنا هذا. فمن أصل الـ23501 مهاجر الذين تناولهم التحقيق، هناك 8688 شخصًا مؤهلاً، أي 37% من مجموع المهاجرين. ونعرض في الجدول اللاحق تفاصيل النتائج حسب الجنس والمهنة:

 

الجدول الرقم 14: توزُّع المهاجرين اللبنانيين حسب الجنس والمهنة

المهنة

عدد الذكور

 %

عدد الإناث

 %

المجموع

 %

تقني ومهندس

2996

15

126

6،3

3122

13

علوم

290

5،1

62

8،1

352

5،1

طب وخدمات طبية

1758

8،8

292

3،8

2005

7،8

أدب وعلوم إنسانية

201

1

177

5

378

6،1

إدارة وخدمات

1674

4،8

295

4،8

1979

4،8

اختصاصات أخرى

607

3

209

9،5

818

5،3

تعليم عام

7050

35

1308

37

8358

36

غير محدد

235

2،1

41

2،1

276

2،1

لا جواب (للمراجعة)

5161

26

1019

29

6180

26

المجموع

19973

100

2528

100

23501

100

 

المصدر: وزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الأمم المتحدة للسكان، مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمسكان 1994-1996، بيروت.

 

الجدول الرقم 15: توزُّع المهاجرين حسب المستوى التعليمي

 %

المجموع

 %

عدد الإناث

 %

عدد الذكور

المستوى التعليمي

37،17

4083

77،13

486

01،18

3597

أمي

16،20

4737

35،19

683

30،20

4054

يقرأ ويكتب

57،20

4833

15،22

782

28،20

4051

ابتدائي

76،26

6288

39،21

755

70،27

5533

متوسط

23،6

1465

21،8

290

88،5

1175

ثانوي

87،2

674

28،7

257

09،2

417

جامعي

25،5

1235

81،5

205

17،5

1032

دراسات عليا

79،0

185

04،2

72

57،0

113

غيره

100

23500

100

3530

100

19972

المجموع

 

المصدر: وزارة الشؤون الاجتماعية وصندوق الأمم المتحدة للسكان، مسح المعطيات الإحصائية للسكان والمسكان 1994-1996، بيروت.

لكن لهذه الهجرة بعض الجوانب الإيجابية على الصعيد الفردي أبرزها:

الجوانب الإيجابية لتأثير الهجرة على الإقتصاد اللبناني[9]

تظهر المساهمة الأساسيّة للمغتربين بالتنمية الاقتصادية من خلال إرسال الأموال لاستخدامها في لبنان في التثمير والإستهلاك ومؤخرًا في الترويج للمنتجات اللبنانية في بلدان المهجر ونقل المعارف الى لبنان.

أ – الأموال التي يحوّلها المنتشرون اللبنانيون الى ذويهم

عمومًا، يقوم المهاجرون اللبنانيون، وخصوصًا أولئك الذين يعملون في الدول العربية المصدِّرة للنفط وإفريقيا جنوبي الصحراء، بإرسال جزء من مداخيلهم إلى لبنان.

تأخذ التحويلات أهمية كبرى في بعض الفترات، مثلما حدث خلال السنوات الخمسين الماضية، وخصوصًا في الفترة الواقعة بين العامين 1973 و1990، بسبب «الأزمة النفطية»، و«الحروب على أرض لبنان» (1975-1990). وبعد العام 1995، بسبب السياسات الإقتصادية للحكومات المتتالية.

في خمسينيات القرن العشرين، كان لهذه التحويلات دور محدود (%5  إلى %7 من الدخل القومي)، ولكنه انخفض خلال الستينيات (%3.5  إلى %4.5 من الدخل القومي). والسبب يعود إلى كون لبنان قد عرف فترة من الإزدهار في هذين العقدين، وكان يستقبل مهاجرين معظمهم لبنانيون عائدون، أو من أصل عربي (فلسطين، مصر، سوريا،…). ومن ناحية أخرى، خلال الخمسينيات والستينيات، كان لدى البلدان العربية المصدِّرة للنفط دخل لا يستهان به من النفط، ولكنه ليس بمستوى مداخيلها من النفط في السبعينيات والثمانينيات والعقود اللاحقة (1990-2010). فلذلك كانت التحويلات محدودة آنذاك.

وخلال الفترة بين العامين 1974 و2010، إرتفع الدخل في البلدان العربية المنتجة للنفط بشكل حاد، وتراجع اقتصاد لبنان الداخلي بشكل ملحوظ بسبب الحروب على أرضه. فهاجر اللبنانيون بشكل كثيف وبصورة ملحوظة إلى الدول المصدِّرة للنفط، وكان للتحويلات التي أرسلوها إلى بلدهم دور بالغ الأهمية في الاقتصاد اللبناني والمجتمع، إذ وصلت إلى %40 من الدخل القومي في بداية الثمانينيات. وقد تراجع هذا الدور في وقت لاحق مع تراجع اقتصاد البلدان المستقبلة، ولكن التحويلات كانت ما تزال تعادل ما بين 10 و %25 من الناتج المحلي الإجمالي، بين العامين 1990 و2008. وتراجع دورها إلى %13 العام 2009 مع بدايات الأزمة الإقتصادية العالمية.

 

الجدول الرقم 16: تحويلات المغتربين اللبنانيين ونسبة مساهمتهم في الدخل القومي

السنة

التحويلات(مليون ل.ل)

الدخل القومي (مليون ل.ل)

التحويلات كنسبة مئوية من الدخل القومي

 

1951

58

1086

5،38%

 

1952

72

1115

6،46%

 

1953

79

1168

6،76%

 

1954

-

1356

-

 

1955

88

1374

6،4%

 

1956

-

1417

-

 

1957

95

1303

6،32%

 

1958

74

1325

5،58%

 

1959

75

 

 

 

1960

90

 

 

 

1961

92

 

 

 

1962

88

 

 

 

1963

93

 

 

 

1964

99

2861

3،48%

 

1965

112

3154

3،57%

 

1966

122

3460

3،52%

 

1967

131

3442

3،80%

 

1968

141

3861

3،66%

 

1969

148

4112

3،60%

 

1970

149

4411

4،50%

 

1971

197

 

 

 

1972

215

 

 

 

1973

342

7901

11،92%

 

1974

2125

10880

19،53%

 

1975

1178

9506

12،39%

 

1976

78

5490

1،42%

 

1977

3420

13170

26،16%

 

1978

2027

11653

17،39%

 

1979

5742

16123

35،61%

 

1980

7664

18979

40،38%

 

1981

8640

22578

38،26%

 

1982

8514

24267

35،08%

 

1983

3948

25437

15،52%

 

1984

8000*

27810

28،76%

 

1985

-

42585

-

 

1986

-

52500

-

 

ملايين الدولارات الأميركية

 

 

 

1987

500

2559

19.5%

 

1988

600

3154

19%

 

1989

400

2465

16.2%

 

1990

300

2203

13.6%

 

1991

غ م

غ م

غ م

 

1992

غ م

غ م

غ م

 

1993

غ م

غ م

غ م

 

1994

غ م

غ م

غ م

 

1995

1172

11122

10.53%

 

1996

1323

12997

10.18%

 

1997

1473

14865

9.91%

 

1998

1634

16168

10.10%

 

1999

1870

16491

11.34%

 

2000

2110

16491

12.79%

 

2001

23.80

17100

13.50%

 

2002

2544

18500

13.75%

 

2003

2728

19700

13.85%

 

2004

2916

20400

14.29%

 

2005

3048

20900

16.65%

 

2006

4633

20900

22%

 

2007

5022

21255

25%

 

2008

5774

22743

25%

 

2009

3192

24722

13%

 

 

المصدر:

- للسنوات 1987-1990- غرفة التجارة والصناعة في بيروت ومصرف لبنان.

- للسنوات 1995-2009 – مصرف لبنان- التقرير السنوي للقطاع الخارجي.

      التقرير الإقتصادي العربي-2005.

للسنوات 1951-1987 - بطرس لبكي «الاغتراب اللبناني وأثره المحلي» في «مرحلة الحرب والإعمار: الشروط الحاضرة والآفاق المستقبلية» – مؤتمر نظّمه المعهد الكندي للسلام والأمن الدوليين – أوتاوا – في 14 و15 كانون الأول/ديسمبر 1990.

كما أجرينا إضافة إلى عرض التدفقات المالية الآتية من الإغتراب، أي التحويلات، مقارنة مع دور التدفقات المالية الآتية من الصادرات في الدخل القومي (أنظر الجدول الرقم 17)، فوجدنا أن الصادرات في الفترة الممتدة بين العامين 1997 و2009 كانت توازي ما بين 22 و52 % من الدخل القومي في لبنان بينما كانت تحويلات المغتربين تشكِّل ما بين 10 و25 % من الدخل القومي، ما يعني أن الصادرات كانت تؤمن ضعف ما تؤمنه تحويلات المغتربين كمساهمة في الدخل القومي.

 

الجدول الرقم 17: الصادرات ونسبة مساهمتها في الدخل القومي

السنة

الصادرات

الدخل القومي

(مليون ل.ل)

الصادرات كنسبة مثوية

من الدخل القومي

1997

3524

14865

23.7 %

1998

3599

16168

22.6 %

1999

3688

16491

22.3 %

2000

3689

16491

22.3 %

2001

4152

17100

24.2 %

2002

4648

18500

25.1 %

2003

5067

19700

25.7 %

2004

6589

20400

32.2 %

2005

7047

20900

33.7 %

2006

7189

20900

34.3 %

2007

8507

21255

40.0 %

2008

11961

22743

52.5 %

2009

11568

24722

46.7 %

 

المصدر: بالنسبة إلى الدخل القومي:

- صادرات: «الحسابات الإقتصادية للبنان إعادة الحسابات 1997-2007». الجمهورية اللبنانية – رئاسة مجلس الوزراء - لجنة الحسابات الوطنية.

- الموقع الإلكتروني للجمارك اللبنانية: www.customs.gov.lb

ب - الاستثمار في شركات من مختلف الأحجام في عدة قطاعات اقتصادية

في لبنان، نجد غالبية هذا النوع من الاستثمارات في شركات صغيرة ما يجعل المغترب ينتقل من مركز الأجير إلى مركز أعلى كعامل مستقل أو مقاول صغير. وتكثر هذه الحالة في مجال البناء، والنقل، والبيع بالمفرّق، والخدمات على أنواعها.

أنشأ المغتربون الموظفون شركات متوسطة الحجم، وكذلك أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة القادمون من البلدان العربية المنتجة للنفط وغرب إفريقيا.

كما تمّ إنشاء شركات كبرى في مختلف القطاعات، وهي إجمالاً معروفة. ففي الزراعة مثلاً تكثر الاستثمارات على الساحل الجنوبي، وفي وسط البقاع ومناطق عكار حيث تمارس الزراعة المرويَّة. وتصل هذه الاستثمارات تدريجًا إلى أجزاء داخليّة من جنوب لبنان حيث تقوم تدريجًا بتغيير البيئة التي تتميّز بالزراعة التقليدية البعلية. قام المهاجرون من غرب افريقيا، وهناك قسم كبير منهم من جنوب لبنان، بتنفيذ هذه المشاريع الزراعية. كذلك يعمل مغتربون عبر مؤسسات المجتمع المدني على تحديث زراعة الفاكهة وإنتاج النحل وتسهيل تصدير المنتوجات الزراعية.

أما في مجال البناء والأشغال العامة والهندسة، فقامت عدة مجموعات من المقاولين المغتربين اللبنانيين باستثمار رؤوس أموالهم، الآتية خصوصًا من البلدان العربية النفطيّة وإفريقيا، في أنشطة مماثلة في لبنان.

يعمل %80 من هؤلاء المقاولين في البلدان العربية المصدرة للنفط. وقد استثمر معظمهم في البناء والأشغال العامة في لبنان، وذلك في إطار عملية إعادة الإعمار التي بدأت بعد العام 1990 وتستمر حتى الآن لكن مع التركيز على عمليات البناء في القطاع الخاص في أواخر التسعينيات والعقد المنصرم. وقد تسارع ذلك العام 2005 مع ارتفاع مداخيل الدول العربية النفطية وبخاصة منذ العام 2008 مع الأزمة الإقتصادية العالمية التي دفعت بالعديد من اللبنانيين المغتربين أصحاب الرساميل المودعة في الغرب إلى توجيهها نحو لبنان للتوظيف في القطاع العقاري.

أما في القطاع المصرفي والمالي، فإنّ الاستثمارات من رؤوس أموال المغتربين هي أيضًا ذات شأن، فهي مستثمرة في اثنين وأربعين مصرفًا من أصل 86 مصرفًا يعمل في لبنان. وتأتي مساهمات اللبنانيين المغتربين بشكل أساسي من الخليج العربي ومن افريقيا جنوبي الصحراء، تليها مساهمات من أميركا اللاتينية، وعدد قليل جدًا من آسيا، ومن كندا. يبيّن لنا هذا الانخفاض التدريجي هنا أيضًا أن المهاجرين إلى البلدان العربية المصدرة للنفط وإلى إفريقيا جنوبي الصحراء، هم الأكثر نشاطًا بين اللبنانيين العائدين في القطاع المصرفي اللبناني.

اخيرًا، لطالما شكلت الصناعة أيضًا مجالاً مهمًّا لاستثمار رؤوس أموال المغتربين. قد أجري بحث أكاديمي عن 35 شركة صناعية أنشأها مغتربون لبنانيون في وطنهم، وتبيَّن إن المساهمين الـ 37 الذين تمّ تحديدهم في مجال الصناعة مقسمون على الشكل الآتي: %50 يأتون من أميركا اللاتينية، أكثر من %20 من مصر، والنسبة المئويّة نفسها من إفريقيا جنوبي الصحراء، نسبة قليلة من الولايات المتحدة ومن أوروبا.

هذه هي أهم القطاعات التي استثمر فيها المغتربون اللبنانيون في بلدهم الأم، بالإضافة إلى قطاعات أخرى مثل السياحة، والتأمين، والنقل، والتجارة الداخلية والخارجية، والكهرباء وأعمال المياه، إلخ… وتحتاج هذه الاستثمارات إلى أن تكون معروفة على نحو أفضل، ويجب أن يشكّل المسح الشامل لاستثمار المغتربين في لبنان مجالاً مثمرًا للمزيد من الأبحاث.

ج - مساهمه المغتربين في فتح أسواق جديدة للمنتجات المحليَّة في الخارج

إن هذا الدور الاقتصادي للمغتربين في لبنان القائم منذ عقود، قد تقدّم بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين، وذلك بسبب القدرة التنافسية الجديدة التي حصل عليها بعض السلع اللبنانية المصنَّعة نتيجة رخص اليد العاملة النسبي، وارتفاع أسعار اليورو بالنسبة إلى الدولار الذي هو العملة الأكثر رواجًا في لبنان منذ ربع قرن. فالكثير من المغتربين، وبخاصة في أوروبا وأميركا الشمالية، هم ناشطون في هذا المجال ويساهمون في تنويع الصادرات اللبنانية. فانتقلت أسواق هذه الصادرات من نسبة %95 منها كان يتوجَّه نحو الأسواق العربية في مطلع الثمانينيات، إلى وجهات متنوعة نسبيًّا، فأصبحت الأسواق العربية تجذب %60 من الصادرات اللبنانية العام 2001 لتصل إلى %52 العام 2004 فقط «والحبل على الجرار». وقد أسهم نشاط المهاجرين في مجال الصناعات الغذائية والمطاعم في دول الإنتشار في ترويج المنتجات الغذائية اللبنانية في هذه الدول.

كما يسهم مغتربون في إنشاء أو دعم التعليم والصحة العامة، والبنية التحتية والخدمات الإجتماعية، وإبراز المعالم الأثرية والتراثية، كل ذلك له تأثير ايجابي على النشاط الإقتصادي، لكن الحدود الكمية لحجم البحث تمنعنا من الدخول في التفاصيل في هذا المجال.

د- نقل المعرفة الى الوطن الأم عبر المهاجرين

ينبغي علينا أن نشدد على هذا الجانب من الاستفادة الكبرى من اللبنانيين المغتربين في تنمية بلد المنشأ من الناحية الاقتصادية. ونعني بذلك الخبرات المتعلِّقة بنقل المعارف عن طريق المغتربين اللبنانيين العائدين، والتي تميل إلى تحويل بعض جوانب العولمة من كونها فرصًا سلبيّة إلى فرص إيجابية.

خلال العقدين الماضيين، حاولت الدولة اللبنانية اجتذاب بعض «الادمغة المغتربة»، وحاولت مؤسسات القطاع الخاص اللبناني جذبهم أيضًا. في هذا الصدد، سنقوم بوضع قائمة ببعض التدابير التي سبق أن نفّذ جزء منها من أجل اجتذاب «الأدمغة اللبنانية المغتربة»، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.

- دعوة كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت الأطباء من أصل لبناني للتعليم والعمل في مستشفاها، ومحاولة توسيع التعاون معهم.

- نظمت نقابة المهندسين اللبنانيين في آب/أغسطس 2001 مؤتمرًا للمهندسين اللبنانيين في العالم من أجل جذبهم لإقامة نشاطات هندسية في لبنان والعالم العربي.

ساهم برنامج الأمم المتحدة للتنمية في مثل هذه المساعي من خلال برنامج يعرف باسم «نقل المعارف عن طريق المغتربين». (TOKTEN (transfer of knowledge through expatriate nationals

في لبنان، نفِّذ هذا البرنامج منذ التسعينيات وأدّى إلى عودة عدد من المغتربين للعمل بنجاح في لبنان.

- في مجلس الإنماء والإعمار اللبناني، بعد انتهاء الحروب العام 1991، وعندما بدأ التحضير للقيام بأنشطة تخطيط وتمويل وتنفيذ هادفة إلى إعادة إعمار لبنان، كان هذا المجلس بحاجة إلى زيادة عدد موظَّفيه التقنيين. ومن أجل الحصول على مزيد من الموظفين ذوي المهارات العالية والخبرة الدولية، تمّ الإعلان عن الحاجة إلى هذه المهارات المحدَّدة في صحف ذات انتشار عالمي، فوردت المئات من الطلبات من قبل اللبنانيين في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. وتمّ توظيف عشرات الأشخاص ذوي الكفاءات المناسبة بشروط جيدة. وكانت النتيجة مرضية على مستويي الكفاءة والإنتاجية.

- تقوم الجامعة اللبنانية - الأميركية بالشيء نفسه من خلال مكتبها في نيويورك، عندما تحتاج إلى أساتذة في بعض الميادين.

ويقوم هذا المكتب بالاتّصال بالأساتذة اللبنانيين والباحثين العاملين في الجامعات الأميركية ومراكز البحوث لحثّهم على ذلك.

إتخذت عدّة هيئات عامة لبنانية ومصارف وشركات خطوات مماثلة في التسعينيات لتوظيف لبنانيين يعملون في الخارج في مناصب أساسيّة.

- جرى إنشاء و/أو تطوير شركات في مجال الاستشارات، والصناعة والخدمات التقنيّة العالية، بالتعاون مع المهنيين والعلماء من المغتربين اللبنانيين. في مجال التكنولوجيا يمكننا أن نذكر شركة البرمجة الإلكترونيّة التي أنشأها في بيروت نعمه طوق، وهو أختصاصي كمبيوتر عائد من فرنسا، وذلك لتصدير البرامج إلى فرنسا، وكذلك بول حسين طوق «وشركة المشاريع الإنمائية العربية» (APD) وغيرها.

بدأ هذا النوع من التحرُّك في الستينيات وأواخر السبعينيات، في بيروت، وفي عدة مجالات كالهندسة والكمبيوتر وغيرها. وقام بها مغتربون لبنانيون.

يحتاج هذا النموذج إلى دراسة معمّقة للتمكن من تعميمه.

- جرى ويجري إنشاء المستشفيات والمراكز الطبية، من خلال جذب أطباء مغتربين إختصاصيين في مجالات طبية مختلفة.

وقد نفذت هذه التجربة مثلاً، من خلال إنشاء «مستشفى العين والاذن» اللبناني عن طريق أطباء عاملين في الولايات المتحدة وكندا، وأوروبا. وهذه المستشفيات اللبنانية دور كبير محليًّا وإقليميًّا، وهي تجذب المرضى من العديد من البلدان العربية.

- أمكن أيضا إنشاء شركات بالتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص لتطوير المشاريع العلمية والتكنولوجية تستقطب الكفاءات المغتربة وبخاصة مع الأزمة الإقتصادية العالمية كما حصل أيضًا في فترة أزمة المعلوماتية في مطلع هذا العقد.

وننتقل الآن إلى الجانب المستقبلي لبحثنا.

 

القسم الثالث

الآفاق المستقبلية لتحد الهجرة للإقتصاد اللبناني

المستقبل هو إلى حد بعيد نتيجة ما نصنعه اليوم وفي الغد القريب في لبنان. كما هو أيضًا متأثر بالظروف الخارجية العربية والإقليمية من جهة والدولية من جهة أخرى. لذلك سنعتمد في استشراف تحدي الهجرة للإقتصاد اللبناني، سيناريوين معتمدين أساسًا على العناصر الداخلية.

السيناريو الأول: إستمرار التوجهات الحالية

هذا السيناريو ينطلق من استمرار السياسات المعتدة منذ نهاية الحروب في لبنان العام 1990، وهو يتمركز حول المحاور الآتية:

- سياسة «الباب المفتوح» أمام البضائع والخدمات والرساميل الخارجية.

- سياسة نقدية تتميَّز بفرض فوائد مرتفعة على الإقتراض بالليرة اللبنانية، حفاظًا على مستوى مرتفع اصطناعيًا لسعر صرف الليرة اللبنانية تجاه العملات الأجنبية ما يعيق الصادرات اللبنانية ويسهل دخول المستوردات من الخارج إلى لبنان.

- سياسة مالية تغذِّي استمرار المديونية العالية للدولة وتوجه حوالى نصف الإنفاق الحكومي لخدمة الدين العام مع الإعتماد المتزايد على الضرائب غير المباشرة وإبقاء الضرائب المباشرة خصوصًا الضرائب على الدخل بمستوى منخفض.

- سياسة اقتصادية داعمة للنشاطات الريعية كالدين العام والقطاع العقاري وقطاع البناء الفخم وهي في الوقت نفسه مهملة بل أحيانًا مضرَّة للقطاعات الصناعية والحرفية والزراعية والمعلوماتية والسياحية، إن من خلال انعدام الحماية والتمويل المناسب وعدم مكافحة الإغراق والإبقاء على كلفة عالية جدًا لأكثرية عناصر الإنتاج كالتمويل والطاقة والإتصالات والأرض (المرتفع سعرها اصطناعيًا بسبب كونها مرتعًا للمضاربة العقارية وإحدى المنافع القليلة لتوظيف الرساميل الوافدة إلى لبنان).

عدم استثمار إيجابيات الهجرة التي بيَّناها سابقًا بشكل منهجي وعقلاني كالتثمير العقلاني لتحويلات المغتربين والإستفادة من طاقاتهم لفتح أسواق جديدة للمنتجات اللبنانية في الخارج. وأخيرًا تنظيم منهجي وديناميكي لنقل المعرفة إلى الوطن الأم عبر المغتربين العائدين.

في حال استمرار التوجهات الحالية للسياسات العامة التي ذكرنا أعلاه من المتوقع أن تبقى الهجرة اللبنانية وبخاصة هجرة الكفاءات متفاقمة كما هي الآن وحارمة الإقتصاد والمجتمع والدولة اللبنانة طاقات شابة ديناميكية ومبدعة.

السيناريو الثاني: اعتماد سياسات عامة

هذه السياسات التي تعيد إطلاق نمو القطاعات المنتجة للسلع والخدمات وتوجِد فرص عمل أمام اللبنانيين، وبخاصة الشابات والشباب وأصحاب الكفاءات المهنية والعلمية، والتي سأقترحها هنا ليست من نسج الخيال بل إن القسم الأكبر منها كامن في مقدمة الدستور وقوانين ومراسيم غير مطبَّقة أو في مشاريع قوانين ومراسيم تنام في أدراج الوزارات ومجلس الوزراء ولجان نيابية والهيئة العامة لمجلس النواب. كما أن البعض منها مقترح في البيانات الوزارية وفي برامج بعض الوزارات وهيئات رجال الأعمال والجمعيات والنقابات المهنية، ولكنه لم يجد طريقه إلى التطبيق. [وقد عرضنا هذه التدابير تفصيليًا في العدد 47 من مجلة جمعيتنا: «بحوث اقتصادية عربية» في صيف 2009، العدد 47، صفحة 154، وسألخصها هنا بسبب ضيق المجال].

 

ترتكز هذه المجموعة من السياسات العامة حول ثلاثة محاور:

المحور الأول: إتخاذ رزمة من التدابير الشاملة والمتنوعة والمتكاملة لإعادة إطلاق الإقتصاد الوطني في لبنان ونموه وأهمها: تسهيل التسليف المصرفي لقطاعات السياحة والصناعة والزراعة والتكنولوجيا إن من حيث الحجم أو من حيث الفوائد. توسيع السوق اللبنانية أمام الإنتاج اللبناني من خلال حمايته عبر التطبيق الفعلي للإتفاقات التجارية الخارجية إن مع دول أو مجموعة دول، واعتماد مبدأ المعاملة بالمثل، ومكافحة الإغراق والتهريب وتطبيق قانون تفضيل الإنتاج اللبناني في مشتريات الدولة. توسيع الأسواق الخارجية للإنتاج اللبناني من خلال خفض كلفة النقل أمام الصادرات وتفعيل الأسطول التجاري اللبناني وكذلك الملحقين التجاريين اللبنانيين والبعثات التجارية في الخارج، وحث الجاليات اللبنانية وتجارها على تسويق البضاعة اللبنانية. العمل على خفض كلفة الإنتاج اللبناني من خلال خفض كلفة التمويل والإتصالات والطاقة والأرض وذلك عبر إعادة انتشارالنشاط الإقتصادي في الأرياف والمدن والبلدات في أطراف لبنان. تحسين إنتاجية الإقتصاد اللبناني من خلال تحديث التعليم والتدريب المهني واستخدام مهارات المهاجرين العائدين والحث على استعمال أساليب إنتاج أكثر فعالية وحداثة من خلال حوافز ضريبية وتمويل مناسب. العمل على تحسين نوعية المنتجات اللبنانية من سلع وخدمات من خلال تفعيل المؤسسات المولجة بذلك في مختلف القطاعات وإعطائها الإمكانات المناسبة لذلك، وكذلك إشراك الجامعات في لبنان في هذا الجهد. تحسين شروط عمل القوى العاملة اللبنانية ومداخيلها في مختلف القطاعات وتطبيق شمولية تقديمات صندوق الضمان الإجتماعي وكذلك حمايتها من منافسة القوى العاملة الوافدة من خلال منح هذه الأخيرة الضمانات والحقوق الإجتماعية المعطاة للقوى العاملة اللبنانية. وأخيرًا، التركيز على تطوير فروع الإنتاج في كل القطاعات التي للبنان فيها ميزات تنافسية وتفاضلية بخاصة بسبب مستوى التعليم والخبرة والتنوع المناخي والبيئي.

المحور الثاني: إتخاذ رزمة من التدابير الآيلة إلى تنمية إقليمية متوازنة تصحِّح إختلال النمو الإقتصادي لمصلحة بيروت ومحيطها حيث أصبحت كلفة المعيشة بالغة الإرتفاع وذلك على الصعيد المؤسسي من خلال: إنشاء مجالس الأقضية المنتخبة للمساهمة في اللامركزية الإدارية والإنمائية، تقوية صلاحيات المجالس البلدية واتحاداتها في نطاق كل قضاء، إنشاء أقطاب للتنمية الإقليمية المتكاملة في عواصم المحافظات والأقضية والبلدات الكبرى، تطوير شبكة النقل المشترك السريع (سكك حديد وباصات)، تقوية الحوافز الضريبية والمالية وتفعيلها للمشاريع الإقتصادية في مناطق أطراف جبل لبنان والشمال والبقاع والجنوب.

المحور الثالث: إتخاذ رزمة من التدابير لتنمية القطاعات والفروع الإنتاجية التي تتضمَّن طاقات النمو وإيجاد فرص عمل فعلية: في مجال التكنولوجيا المتقدمة كالمعلوماتية والإتصالات وتكنولوجية الأحياء مع الإستفادة من طاقات إغترابية ومن جامعاته الكثيرة وتنوعها، ومجال الصناعات الثقافية، وتطوير السياحة وتنويعها: سياحة بيئية، شتوية، ثقافية، دينية، بيئية، سياحة رياضية، سياحة صحية. في مجال القطاع الصناعي من خلال وقف تدهور الصناعات الموجودة والقابلة للحياة، وحفز الصناعات التي يتميَّز بها لبنان بميزات تنافسية وتفاضلية وهي عديدة، وتحسين إنتاجية الصناعة على صعيد كفاءة القوى العاملة وخفض كلفة التمويل والطاقة والأرض والنقل والتقنيات الجديدة وتسهيل التسويق داخليًا وخارجيًا من خلال التدابير المذكورة أعلاه. وأخيرًا تطوير القطاع الزراعي وذلك من خلال سياسة زراعية هادفة إلى تنافسية الإنتاج الزراعي واستفادة المزارعين من تحسين الإنتاجية وتأمين شروط تنافس عادلة للمستثمر الزراعي في لبنان وإعادة النظر في سياسات دعم الإنتاج الزراعي بهدف التنويع الزراعي وتحديد أهداف الدعم مسبقًا وتعميمها وحماية المزارعين من المنافسة الخارجية غير المشروعة، وإنشاء صندوق لتأمين مزارعين ضد المخاطر والكوارث الطبيعية. وتفعيل عناصر الإنتاج والتسويق عبر: تشغيل مصرف الإنتاج الزراعي وتطوير أنظمة كفالة القروض للتماشي مع حاجات القطاع الزراعي، وتحسين توافر المياه وإدارتها واستعمالها ونوعيتها عبر تفعيل المشاريع القائمة كبناء السدود وتطوير شبكة الري وتحسين إدارتها وتطوير التسويق الزراعي لتحسين مداخيل المنتجين من خلال إصلاح أسواق الجملة وتشجيع الأسواق الشعبية وتفعيل نشاط الدولة في مجالات التعليم والتدريب والأبحاث والإرشاد الزراعي. وأخيرًا استكمال المؤسسات الزراعية وتحسينها من وزارة الزراعة والتعاونيات وإنشاء غرف للزراعة وسجل زراعي.

في حال اعتماد منسق وفعال للسياسات العامة التي ذكرناها أعلاه يمكن رفع وتائر النمو الإقتصادي في عدد من القطاعات والمناطق اللبنانية، وفي لبنان على الصعيد الوطني، وإيجاد فرص عمل جديدة وبخاصة للشابات والشباب من ذوي الكفاءات العلمية والفنية. ونكون هكذا قد حدّينا كثيرًا من الهجرة وسهَّلنا عودة مهاجرين كثر خصوصًا في ظروف الأزمة الإقتصادية العالمية الحالية.

وهذا السيناريو ليس من نسج الخيال فقد حصل ذلك في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين حيث تزامن النمو والإزدهار الإقتصادي مع انخفاض الهجرة من لبنان وازدياد الهجرة إلى لبنان.

 

خلاصة

رأينا أن الهجرة من لبنان تشكل تحديًا كبيرًا لإقتصاده فتحرمه إنتاج طاقات بشرية كلفت تنشئتها الكثير للأسر وللدولة والمجتمع، ثم ذهبت إلى الخارج لتفيد اقتصادات دول المقصد. وهذا التحدي يتفاعل مع تطور الإقتصادات العالمية والإقليمية وكذلك مع تطور الإقتصاد اللبناني. كما رأينا أن هناك بعض الجوانب الإيجابية للهجرة على صعيد تحويلات المغتربين وتوظيفها في لبنان ونقل المعرفة من الخارج إلى الوطن الأم. ورأينا كيف أن سلبيات الهجرة تفوق بكثير جوانبها الإيجابية.

وفي استشرافنا لمستقبل التحدي الذي تشكله الهجرة للإقتصاد اللبناني نعتقد أن للبنانيين أفرادًا وجماعات ودولة دورًا أساسيًا في رسم مستقبلهم الإقتصادي والإجتماعي للحد من الهجرة وإطلاق هجرة معاكسة كما حصل في فترات سابقة من تاريخهم المعاصر.

أما إذا ترك «الحبل على الجرار» واستمرت التوجهات الحالية في مجال مختلف السياسات العامة من تجارية ونقدية ومالية وإنمائية ستظل الهجرة تحديًا للإقتصاد اللبناني يؤثر سلبًا على أدائه ونموه.

 

 

 

[1]-     راجع ايلي صفا، «الهجرة اللبنانية»، منشورات كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف بيروت، 1960، ص 168-185.

[2]-     Paul Bairoch: «Victoires et Deboires II – Histoire Economique et Sociale du monde du XVIeme siècle à nos jours» Folio Histoire - Gallimard Editeur- Paris 1997 - p.72 à 154, p37 à 39, p167

 

[3]-     Jean Bouvier: «Les mécanismes de domination» in Pierre Leon  «Histoire Economique et Sociale du Monde» - Tome 4 - «La domination du capitalisme - 1840-1914» - Armand Calin Editeur 1978- p. 455-473.

 

[4]-     Paul Bairoch - op cit - p.169 - 185

 

[5]-     Pierre Leon «Histoire économique et sociale du monde» - Tome 5, «Guerres et Crises -1914-1947» - مصدر مذكور

 

[6]-     بطرس لبكي :

- L’émigration externe: Maghreb-Machrek, 1989, No 125, p 40-57, Paris.

- Lebanese Emigration and its domestic impact, in «War and Reconstruction: Present Conditions and Future Needs», in «Reconstructing Lebanon» – Canadian Institute for Peace and Security – Ottawa, Canada, 1990, p.85.

- «Lebanese emigration during the Civil World (1975-1989)». In «The Lebanese in the world : A century of emigration». The Center for Lebanese studies. Londres, 1992.

- «Emigration externe», in «Bilan des guerres du Liban» 1975-1990, Paris, L’Harmattan, 1994.

[7]-     بطرس لبكي: «الأزمة الإقتصادية العالمية وانعكاساتها على لبنان، وكيفية معالجة تلك الإنعكاسات»، في بحوث اقتصادية عربية، العدد 47، صيف 2009، السنة السادسة عشرة، بيروت، ص 133.

 

[8]-     بطرس لبكي: «الأزمة الإقتصادية العالمية وانعكاساتها على لبنان، وكيفية معالجة تلك الإنعكاسات»، في بحوث اقتصادية عربية، العدد 47، صيف 2009، السنة السادسة عشرة، بيروت،»  ص 134-135.

 

[9]-     بطرس لبكي: «قضايا أساسية حول الهجرة الدولية والتنمية: الجماعات العابرة للدول والتنمية، مع التركيز على الحالة اللبنانية»، دراسة أجريت للجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (إسكوا)، بيروت،  2010 ، ص 31.

Emigration as a challenge to Lebanese economy:
its origins, actual situation and future horizons

 

The number of Lebanese emigrants is currently superior to those living in Lebanon. Modern Lebanese immigration started in the 19th century but this phenomenon intensified due to internal wars and conflicts between 1975 and 1990 especially after the end of battles in 1990 because of internal political and financial policies adopted at that time.
During the last 15 years, Lebanon lost more than 2 million of its residents. This phenomenon reduced Lebanese production resources in particular those who enjoy a medium level or a high level of competence. Consequently, the country was deprived of its creative youth generation and currently the number of Lebanese citizens is less than 4 millions.
The researcher aims in his study to make a comparison between the international, regional and local economic situation on one hand and the immigration of Lebanese on the other hand during the period stretching throughout the last century.
The author also focuses on current developments and future horizons of the challenges posed by Lebanese immigration and its impact over Lebanese economy.

L’émigration comme défi de l’économie libanaise:
les origines, la situation actuelle et les horizons du future

 

Le nombre des émigrés libanais est actuellement supérieur à celui des residents au Liban. L’émigration libanaise moderne a commencé au 19ème siècle mais elle s’est intensifiée à cause des guerres intestines internes entre 1975 et 1990, notamment après l’arrêt  des combats en 1990 à cause des politiques internes économiques adoptées en ce temps là.
Durant les 15 dernières années, le  Liban a perdu plus de deux milliards de ses habitants, phénomène qui a réduit ses ressources de production, en particulier celles qui ont des compétences moyennes ou élevées.
Le pays a été privé de sa jeunesse créatrice et le nombre de citoyens residents au Liban n’atteint pas les 4 milliards.
Le chercheur vise dans son étude, à établir une comparaison entre la situation économique internationale, régionale et locale d’une part, et l’émigration du Liban d’autre part et ce durant la période s’étalant tout au long du siècle dernier..
L’auteur se concentre également sur les développements actuels et les horizons futurs pour le défi de l’émigration de l’économie libanaise.