- En
- Fr
- عربي
سؤال وجواب
ضمان التعليم المنصف للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى
يُعَدُّ التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، إذ يسهم في تمكين الأفراد بالمعرفة والمهارات التي تفتح أمامهم آفاقًا أوسع للمشاركة الفاعلة في المجتمع. وفي ظل التحديات العالمية، من تفاوت الفرص التعليمية إلى الأزمات الاقتصادية والصحية، تزداد الحاجة إلى سياسات واستراتيجيات تعزز جودة التعليم وتكافؤ فرصه، مع التركيز على التعلّم مدى الحياة كوسيلة رئيسية للنهوض بالمجتمعات. تهدف هذه المقالة إلى تسليط الضوء على أهمية الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة، وبيان التحديات التي تعترض تحقيقه، مع استعراض الحلول الممكنة لضمان وصول الجميع إلى تعليم يرتقي بقدراتهم، ويدفع بعجلة التنمية نحو مستقبل أكثر استدامة.
ما هو الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة؟
هو ضمان التعليم الجيد، المنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة. يركّز هذا الهدف على الارتقاء بجودة التعليم، وتوفير فرص متكافئة للجميع بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية، بالإضافة إلى تمكين الأفراد بالمعارف والمهارات اللازمة للمساهمة الفاعلة في تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمعات أكثر ازدهارًا واستقرارًا.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة للعام 2024، فقد شهد التقدّم في تحقيق هذا الهدف تباطؤًا منذ العام 2015، إذ لم يحقق سوى 58% من الطلاب عالميًا الحد الأدنى من الكفاءة في القراءة بحلول العام 2019. أما على المستوى الإقليمي، فيُشير تقرير الإسكوا للعام نفسه إلى أن لبنان يواجه تحدّيات كبيرة لتحقيق هذا الهدف، بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية، وتداعيات جائحة كوفيد-19 التي أثّرت سلبًا في البنية التحتية التعليمية والتمويل المخصّص للقطاع. ومع ذلك، تسعى الحكومة، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، إلى تطوير المناهج، وتأهيل المعلّمين، وتحسين بيئة التعليم، مع التركيز على تكافؤ الفرص والتعليم الدامج.
ما هي التحدّيات الرئيسية التي تواجه تطبيق التعليم الشامل؟
تسعى الدول إلى ضمان فرص تعليمية متساوية لجميع الطلاب، بما في ذلك ذوو الاحتياجات الخاصة. ومع ذلك، يواجه هذا الهدف عدة تحديات، أبرزها الفجوات الاقتصادية التي تؤدي إلى تفاوت في فرص التعليم بين الطلاب، بالإضافة إلى نقص الموارد المادية والبشرية في عديدٍ من المؤسسات التعليمية، الذي يؤثر سلبًا في جودة التعليم. ويضاف إلى ذلك، النقص في التدريب والتطوير المهني للمعلّمين الذين يحتاجون إلى تأهيل مستمرّ لاكتساب مهارات التعامل مع التنوّع الطلابي وتطبيق استراتيجيات تدريسية تراعي الفروقات الفردية.
وتشكّل المواقف المجتمعية السلبية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة عائقًا آخر أمام الدمج، إذ قد تؤدي إلى التمييز أو الاستبعاد الاجتماعي والتعليمي. وأخيرًا، يبرز نقص التشريعات والسياسات الداعمة للتعليم الشامل كعائقٍ أمام تحقيقه، مما يتطلّب من الحكومات والمجتمعات والمؤسسات التعليمية أن تبني سياسات تشّجع على الدمج وتوفّر الموارد اللازمة.
تُعَدُّ الدول الإسكندنافية، مثل السويد والدنمارك والنروج، من أبرز النماذج الناجحة في تطبيق التعليم الشامل، إذ تتميّز أنظمتها التعليمية بالتركيز على الجودة والمساواة والتنوّع، إلى جانب توفير فرص التعلّم المستمر لجميع الفئات.
أمّا في لبنان، فتعمل الجهات الحكومية بالتعاون مع المنظمات الدولية، مثل اليونيسف واليونسكو، على تنفيذ برامج لدعم التعليم ودمج الفئات المهمّشة، تشمل مبادرات مثل «التعليم لا ينتظر» وبرامج التعليم في حالات الطوارئ. وبحسب بيانات اليونيسف في العام 2021، أُتيح لنحو 400 طفل من ذوي الإعاقات المتوسطة إلى الشديدة (40% منهم فتيات و60% صبيان) إمكان الوصول إلى خدمات التعليم وإعادة التأهيل، من خلال الشراكات مع خمس منظمات غير حكومية متخصّصة في تقديم الخدمات.
ما هي التحدّيات التي تواجه تمويل التعليم في الدول العربية؟
يواجه تمويل التعليم في الدول العربية تحدّيات مزدوجة تتمثل في تدني مستويات الإنفاق عن المعدلات المطلوبة، وانعدام الكفاءة في توزيع الموارد المتاحة. هذا الواقع يحول دون توفير فرص تعليمية عالية الجودة للجميع، ويفضي إلى نتائج تعليمية متواضعة مقارنةً بالدول التي تخصّص نسبًا أعلى من إنفاقها لهذا القطاع الحيوي.
في العام 2015، تبنّت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) «إعلان إنشيون» للتعليم بحلول العام 2030، والذي يهدف إلى تحقيق تعليم شامل ومنصف وجيد للجميع. يوصي هذا الإعلان بتخصيص ما لا يقل عن 4% إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، أو 15% إلى 20% من إجمالي الإنفاق العام لمصلحة التعليم. ومع ذلك، فإن العديد من الدول العربية ومنها لبنان لم تصل بعد إلى هذه النسب المرجعية. وبحسب التقرير العربي للتنمية المستدامة 2024 الصادر عن الإسكوا، تنفق بعض الدول ذات الدخل المنخفض حوالي 3.6% من ناتجها المحلي الإجمالي على التعليم، فيما تصل هذه النسبة إلى 4.8% في الدول ذات الدخل المتوسط والمرتفع.
هذا التفاوت في الإنفاق، ينعكس سلبًا على جودة التعليم وفعاليته في المنطقة العربية، مما يستدعي إعادة تقييم سياسات التمويل لتحقيق الأهداف المنشودة مع التركيز على زيادة الاستثمارات المخصّصة للتعليم وتحسين آليات توزيعها، بما يضمن توفير تعليم عالي الجودة وشامل لجميع أفراد المجتمع.
كيف يسهم التعليم الجيد في تحقيق باقي أهداف التنمية المستدامة؟
لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة من دون التعليم الجيد، فهو الركيزة التي تُبنى عليها المجتمعات المزدهرة والاقتصادات القوية والبيئات المستدامة. فمن خلال تمكين الأفراد بالمعرفة والمهارات، يسهم التعليم في فتح آفاقٍ واسعة لفرص العمل، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتشجيع الابتكار.
إلى ذلك، يسهم التعليم الجيد في مكافحة الفقر عبر توفير فرص اقتصادية أوسع، إذ يحصل المتعلّمون على وظائف ذات دخل أعلى، مما يحسّن مستوى معيشتهم. كما يؤدي دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن الغذائي من خلال نشر الوعي بالممارسات الزراعية المستدامة والتغذية السليمة.
على الصعيد الصحي، يعزز التعليم الجيّد الوعي بأهمية الوقاية والرعاية الصحية، ما يقلّل من انتشار الأمراض ويحسّن جودة الحياة والرفاه العام.
ويسهم التعليم أيضًا في تحقيق المساواة بين الجنسين، إذ يوفّر للنساء والفتيات فرصًا أكبر للمشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ويحدّ من الزواج المبكر والعنف القائم على النوع الاجتماعي. ويُعد التعليم أداة أساسية في تعزيز الوعي البيئي وتشجيع الممارسات المستدامة، مثل الحفاظ على الموارد الطبيعية والحد من التلوّث. ومن خلال ترسيخ قيم التسامح والسلام، يُسهم في بناء مؤسسات قوية ومجتمعات أكثر استدامة.
كيف يمكن للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة تقليص الفجوة التعليمية بين الدول النامية والمتقدمة؟
يشكّل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة أدوات فعالة لتقليص الفجوة التعليمية بين الدول النامية والمتقدمة، عبر توفير فرص تعلّم متساوية للجميع، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الوضع الاقتصادي. فمن خلال منصات التعلّم الإلكتروني والتطبيقات الذكية، بات بإمكان الطلاب الوصول إلى محتوى تعليمي عالي الجودة بتكاليف منخفضة، ممّا يعزز مبدأ تكافؤ الفرص في التعليم.
وتتيح الأنظمة الذكية تخصيص التعلّم وفق احتياجات كل طالب، من خلال تحليل أدائه وتقديم توصيات تعليمية موجّهة، ما يجعل التعلّم أكثر كفاءة وفعالية.
إضافةً إلى ذلك، تؤدي التكنولوجيا دورًا محوريًا في تحسين أداء المعلّمين من خلال دورات تدريبية عن بُعد وأدوات تحليل بيانات تساعدهم في تطوير أساليبهم التدريسية. كما تسهم تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز في خلق بيئات تعليمية تفاعلية، لا سيما في المناطق التي تفتقر إلى بنية تحتية مدرسية متكاملة. ومع انتشار الهواتف الذكية، أصبحت التطبيقات التعليمية وسيلة فعالة لتعزيز التعلّم الذاتي، إذ توفر محتوى متنوعًا بطرقٍ مبسّطة وجذابة.
على الرغم من هذه الإمكانات، ما زالت الدول النامية تواجه تحديات حقيقية مثل الفجوة الرقمية. فوفق البنك الدولي، هناك نحو 37% من سكان العالم محرومون من خدمات الإنترنت ما يُعيق الوصول إلى الموارد الرقمية. كما يشكل نقص المحتوى التعليمي المحلي والتكاليف المرتفعة لبعض التقنيات عقبات إضافية، مما يستدعي تعزيز الشراكات بين الحكومات والقطاع الخاص لدعم مشاريع التعليم الرقمي وضمان وصول التكنولوجيا للجميع.
كيف يمكن تعزيز مهارات الشباب والكبار، بما في ذلك المهارات التقنية والمهنية، لتمكينهم من الحصول على وظائف لائقة وريادة الأعمال في سوق عمل متغيّر؟
أصبح تطوير المهارات التقنية والمهنية ضرورة أساسية لضمان فرص عمل لائقة وتعزيز ريادة الأعمال في ظل التحوّلات الرقمية المتسارعة. فمع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا، لم يعد النجاح في سوق العمل مرهونًا بالمؤهلات التقليدية فقط، بل بات يتطلب امتلاك مهارات حديثة تتماشى مع متطلبات القطاعات الناشئة.
تشير منظمة العمل الدولية (ILO) إلى أنّ التدريب المهني القائم على احتياجات السوق يرفع معدلات التوظيف، خصوصًا عند دمجه مع التدريب العملي والتعاون مع القطاع الخاص. كما أظهرت دراسات أجرتها المنظمة بالتعاون مع اليونيسف في العام 2022 في لبنان، أنّ تطوير برامج تدريبية متخصّصة يعزّز جاهزية القوى العاملة لمواكبة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية.
وفي سياق التحول الرقمي، يؤكد البنك الدولي أنّ 90% من الوظائف المستقبلية ستتطلب مهارات رقمية، ممّا يستدعي التركيز على مجالات مثل البرمجة، تحليل البيانات، والأمن السيبراني. كذلك، أصبحت ريادة الأعمال عنصرًا أساسيًا لتعزيز الابتكار، حيث توصي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) بضرورة دعم روّاد الأعمال عبر التدريب والتمويل لتأمين نجاح المشاريع الناشئة. ولضمان تكيّف القوى العاملة مع هذه التغيّرات، لا بد من نهج متكامل يشمل تحديث التعليم، تعزيز المهارات الرقمية، ودعم ريادة الأعمال، مدعومًا بسياسات حكومية وشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق اقتصاد أكثر تنافسية واستدامة.
ما هي السياسات والاستراتيجيات المقترحة لتسريع تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة بحلول العام 2030؟
بحسب التقرير العربي للتنمية المستدامة 2024 الصادر عن الإسكوا، يتطلّب تسريع تحقيق الهدف الرابع إصلاحًا شاملًا للمناهج الدراسية لتعزيز التفكير النقدي، وتنمية القدرات على حل المشكلات، والتعلّم مدى الحياة، ممّا يوسّع آفاق التوظيف والتمكين الشخصي. كما يجب أن تكرّس المناهج قيم المساواة، وحقوق الإنسان، والتسامح، لدعم تحوّل ثقافي مستدام. ولتحقيق تعليم شامل ومنصف، من الضروري تحسين البنية التحتية وضمان حصول جميع الطلاب، بمن فيهم ذوو الاحتياجات الخاصة على تعليم جيد. كما يستدعي الأمر زيادة الاستثمار في التعليم مع توجيه الموارد للفئات الأكثر احتياجًا.
إلى ذلك، يتطلّب تعزيز كفاءة الأنظمة التعليمية تحسين آليات الرصد وجمع البيانات، بما يوفّر قاعدة معرفية دقيقة تسهم في تطوير السياسات التعليمية وتوجيه الموارد بفعالية. وفي ظل تنامي التحوّل الرقمي، تبرز أهمية تقليص الفجوة الرقمية عبر تدريب المعلمين على التعلم الإلكتروني وتعزيز البيئات التعليمية المرنة.
وأخيرًا، ينبغي اعتماد سياسات لدعم التعليم التعويضي والاستدراكي، إلى جانب الاعتراف بالتعليم غير النظامي، لضمان دمج الطلاب الذين تعرضوا لانقطاعات تعليمية وتمكينهم من استكمال مسيرتهم الأكاديمية.
لمعرفة المزيد حول أهداف التنمية المستدامة
موقع أهداف التنمية المستدامة في لبنان: http://sdglebanon.pcm.gov.lb/
موقع الأمم المتحدة: المصدر: الأمم المتحدة: أهداف التنمية المستدامة الهدف 4 – التعليم الجيد
موقع الأمم المتحدة في لبنان: http://www.lebanon.un.org
موقع الاسكوا: https://www.unescwa.org/ar
موقع الاسكوا - المنتدى العربي للتنمية المستدامة 2024: https://www.unescwa.org/ar/events-2024
منظمة اليونيسف: https://www.unicef.org/lebanon/ar/
موقع البنك الدولي: https://www.albankaldawli.org/ar/topic/digital/overview#1
زيارة بالمكتبة المالية - معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي كورنيش النهر