دراسات وابحاث

الهند بلاد الأفيال والتوابل.. وتكنولوجيا المعلومات
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

بلاد المليار و200 مليون وأكثر من السكان، تنمو بخطى سريعة وتطمح إلى تجاوز الولايات المتحدة الأميركية اقتصاديًا...
الهند إحدى القوى الفاعلة في البريكس، ورابع قوة عسكرية في العالم، تمتد علاقاتها الإستراتيجية بين قطبين: الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.

الموقع
تشغل شبه القارة الهندية القسم الجنوبي من قارة آسيا، بين خطي عرض 44°6 و30°35 شمال خط الاستواء، وخطي الطول 7°68 و25°97 شرقي خط غرينيتش.
أما دولة الهند فتمتد على معظم مساحة شبه الجزيرة، يحدها المحيط الهندي من الجنوب، وبحر العرب والباكستان من الغرب، وخليج البنغال وميانمار (بورما) من الشرق، وجمهورية الصين الشعبية ونيبال وبوتان من الشمال، ويتبع لدولة الهند جزر الأندامان ونيكوبار شرقي المحيط الهندي، وكذلك مجموعة جزر لاكشادويب في بحر العرب الى الغرب من شبه الجزيرة. اما جزيرة سريلانكا (سرنديب) فتقع على الطرف الجنوبي الشرقي لشبه القارة الهندية وتبعد عنها حوالى 32 كلم وهي دولة مستقلة.

 

المساحة والسكان
تبلغ مساحة الهند حوالى 3 ملايين و287 الف كلم2، (السابعة في العالم من حيث المساحة) وتمتد حدودها البحرية على أكثر من 7.5 آلاف كلم، اما حدودها البرية فتتجاوز الـ 14 الف كلم بقليل، ويقع في الهند (جبل كنشنجونغا 8598 م) ثالث اعلى جبال العالم ضمن جبال الهيملايا.
استنادًا الى تقديرات كتاب «حقائق العالم» الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الاميركية»، فإن عدد سكان الهند يكون قد بلغ مع حلول هذا الشهر مليارًا و200 مليون و800 الف نسمة وهي بذلك الثانية في العالم بعد الصين، ويتوقع بعض الخبراء انها ستصبح الأولى في العالم بعدد سكانها بحلول العام 2030.

 

اللغات
في الهند 23 لغة رسمية، ولكن مجموع اللغات المتداولة يصل إلى 1625 لغة ولهجة تتكلم بها مجموعات الشعب الهندي المختلفة. اللغة الرسمية الأكثر تداولًا بين السكان (حوالى 41%) هي اللغة الهندية (Hindi)، وكذلك اللغة الانكليزية وهي أيضًا لغة رسمية ومتداولة بين السكان وبخاصة في الاقتصاد والأعمال والإدارة، كما أنها لغة تواصل وطني على مستوى البلاد.

 

الدين والتاريخ
يعتنق الهندوسية نحو 80،5% من الهنود، بينما يتبع الباقون ديانات مختلفة ابرزها الإسلام والمسيحية والسيخية وغيرها (تقديرات العام 2001).
تعود أولى المستوطنات الدائمة في وادي السند الى أكثر من 9000 سنة استنادًا الى بعض الآثار المكتشفة. وقد تطورت تدريجًا الى ما عرف بحضارة وادي السند، والتي يعود تاريخها في الهند الغربية الى حوالى 3300 قبل الميلاد. وقد أعقب ذلك، «العصر الفيدي» الذي أدى الى نشوء الهندوسية وبعض الظواهر الثقافية الأخرى في بدايات المجتمع الهندي، وانتهت هذه الحقبة بـ500 سنة قبل الميلاد تقريبًا. ومنذ ذلك الوقت، تأسست في جميع أنحاء البلاد العديد من الممالك المستقلة والجمهوريات التي عرفت بـ ماهاجاناباداس.
في القرن الثالث قبل الميلاد وحد «شاندرا غوبتا» معظم جنوب آسيا ضمن الامبراطورية المورية التي ازدهرت في عهد اشوكا الأكبر، وقد هيمنت سلالة غوبتا على ذلك العصر الذي اشير إليه قديما بـ«العصر الذهبي للهند». وبفضل رعاية هؤلاء الملوك ازدهرت التكنولوجيا القديمة والهندسة والمنطق واللغة والأدب والرياضيات وعلم الفلك والدين والفلسفة. بدأ الفتح الإسلامي في شبه القارة الهندية ما بين القرن 10 والقرن 12، وبذلك أصبح جزءًا كبيرًا من شمال الهند تحت حكم سلطنة دلهي الإسلامية، بعد ذلك تم احتلال البلاد من قبل الامبراطورية المغولية. وفي ظل سيادة السلطان «أكبر الأكبر» تمتعت الهند بتقدم ثقافي واقتصادي وكذلك بانسجام ديني. وقام اباطرة المغـــول تدريجًـا بتوسيــع امبراطورياتهم لتشمل أجزاء كبيرة من شبه القارة الهندية وكان من أهم حكامهم «شاه جهان» الذي ترك آثارًا عظيمة ما زالت حتى الآن تشهد على مدى تقدم البناء في عصره، ومن أهم آثاره «تاج محل» في «أغرا» الذي يزوره الملايين سنويًا.
مع مطلع القرن 16 أسست القوى الأوروبية مثل البرتغال، وهولندا، وفرنسا، والمملكة البريطانية المتحدة محطات تجارية على الساحل الهندي، وقد استغلت هذه القوى لاحقًا النزاعات الداخلية لتأسيس مستعمرات في البلاد. وبحلول العام 1856 أصبحت معظم الأراضي الهندية تحت سيطرة شركة الهند الشرقية البريطانية. وبعد مرور عام، وقع في جميع أنحاء البلاد عصيان مسلح من قبل متمردين من معظم الممالك الهندية، وعرف ذلك بحرب الاستقلال أو بـ«تمرد الجندي الهندي» كمصطلح متداول اكاديميًا، وقد شكلت هذه الثورة تحديًا خطيرًا لسلطة الشركة ولكنها قمعت عسكريًا، وكان من نتائجها أن أصبحت الهند تحت السيادة المباشرة لبريطانيا العظمى.
حصلت الهند على استقلالها بعد حركات المقاومة غير المسلحة والعصيان المدني التي قادها المؤتمر الوطني الهندي بزعامة المهاتما غاندي وجواهر آل نهرو خلال النصف الأول من القرن العشرين، وأعلن يوم 15 آب 1947 عيدًا لاستقلال الهند عن الحكم البريطاني. تبع هذا الاستقلال تقسيم الهند إلى دولة الهند ودولة الباكستان. وقد خلف هذا التقسيم كثرة من حركات العنف والتهجير حيث قتل ما بين 500 ألف إلى مليون شخص بينما هاجر ما يقارب العشرة ملايين. وقد واجهت الهند تحديات جمة من العنف الديني والإرهاب وحركات التمرد الانفصالية الإقليمية، وبخاصة في ولاية جامو وكشمير وشمال شرق البلاد، وكذلك النزاع الحدودي مع الصين، والذي تصاعد العام 1962 ليصل إلى الحرب الصينية الهندية، كما استمرت النزاعات المسلحة مع الباكستان ومنها الحروب التي وقعت الاعوام 1947، 1948، 1965،1971 و1999، والنزاع ما زال قائمًا حتى اليوم.

 

الإقتصاد والموارد
الهند بلاد غنية بثرواتها الطبيعية وبخاصة الماء والأنهار (نهرا الغانج والسند)، وكذلك الثروة الحيوانية، والفحم الحجري.
اتبعت الهند وحتى ثمانينيات القرن الماضي، سياسات متأثرة بالاشتراكية المقيدة، وقد أدت سياسة الحماية والملكية العامة إلى انتشار الفساد وبطء النمو الاقتصادي. ومنذ العام 1991 انتقلت البلاد إلى نظام السوق بعد حدوث أزمة حادة في ميزان المدفوعات، وأدى ذلك إلى التشديد على اعتماد التجارة الأجنبية والاستثمار الأجنبي كجزء مكمل للاقتصاد. وببلوغ متوسط الناتج القومي معدل نمو قدره 5.8% طوال العقدين الماضيين، أصبح الاقتصاد الهندي من بين الأسرع نموًا في العالم.
تملك الهند ثاني أكبر قوة بشرية عاملة بعدد يقارب 500 مليون فرد من حيث الإنتاج، ويمثل القطاع الزراعي 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي، والقطاع الخدماتي 65٪ و الصناعي 18٪.
تشمل المنتجات الزراعية الرئيسة الأرز والقمح والبذور الزيتية، والقطن، والشاي وقصب السكر، والبطاطا، والماشية والجاموس المائي البري والدواجن والأسماك. وتشمل الصناعات الرئيسة: المنسوجات، الكيماويات، الصناعات الغذائية، الصلب، معدات النقل، الأسمنت، التعدين، البترول، الآلات، والبرمجيات وتكنولوجيا المعلومات.
بلغت تجارة الهند 24٪ من إجمالي الناتج المحلي في العام 2006 مقارنة بـ 6٪ في العام 1985. وقد وصلت حصة الهند من التجارة العالمية إلى 1٪ وهي تتطلع الى بلوغ 5% بحلول العام 2020.
تشمل الصادرات الرئيسة منتجات البترول، المنسوجات، الأحجار الكريمة والمجوهرات، البرمجيات الإلكترونية، السلع الهندسية، الكيماويات والمصنوعات الجلدية. وتشمل الواردات الرئيسية النفط الخام والآلات والأحجار الكريمة والأسمدة والكيماويات.
بلغ إجمالي الناتج القومي للهند 1.237 تريليون دولار أمريكي (العام 2000)، مما جعلها الدولة الثانية عشرة كأكبر اقتصاد في العالم أو رابع أكبر قوة شرائية من خلال ضبط أسعار الصرف. اما دخل الفرد فقد بلغ،1860 دولارا أمريكيًا (المرتبة 128 عالميا).

 

نمو ولكن...
مع ازدياد نمو الهند خلال العقد الماضي فقد بلغ حجم الناتج القومي الهندي الاسمي (GDP) العام 2012 حوالى 4،718 تريليون دولار (الرابعة في العالم) اما الفعلي فقد بلغ حوالى 2 تريليون دولار، وبلغ معدل دخل الفرد 3900 دولار (تقديرات 2012). كما بلغت نسبة النمو 6.5% في ذلك العام، وبذلك اصبحت الهند من الدول الأسرع نموًا في عالم اليوم.
وعلى الرغم من ارتفاع معدل النمو خلال العقود الاخيرة، والذي بلغ حدود 7.5% احيانًا، فإن هذا النمو كان متفاوتًا بين مختلف الفئات الاجتماعية، والمجموعات الاقتصادية، والمناطق الجغرافية، والمناطق الريفية والحضرية. ولا تزال في البلاد أكبر كثافة للفقراء في العالم، و معدل سوء التغذية بين الأطفال دون سن الثالثة 46% (2007) وهو أكثر من أي بلد آخر في العالم. أما نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر وفق البنك الدولي (أقل من 1.25 دولار في اليوم) فقد انخفضت من 60٪ (1981) إلى 42٪ (2005) والى 30% (2010). وعلى الرغم من أن الهند تجنبت المجاعات في العقود الأخيرة، فإن نصف الأطفال يعانون نقصًا في الوزن، بمعدل هو واحد من أعلى المعدلات في العالم، إذ يفوق بما يقارب الضعف مثيله في دول جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا. وقد توقع تقرير جولدمان ساكس انه «في الفترة ما بين 2007 وحتى 2020، سيتضاعف نصيب الفرد من أجمالي الناتج القومي اربع مرات»، وان اقتصاد الهند سيفوق اقتصاد الولايات المتحدة بحلول عام 2034، ولكن ستظل الهند دولة منخفضة الدخل لعدة عقود، حيث أن نصيب الفرد اقل بكثير من غيره في الدول النامية السريعة النمو الاقتصادي. وإذا تمكنت الهند من تحقيق هذا النمو، يمكنها أن تصبح محركًا للاقتصاد العالمي، ومساهمًا أساسيًا في توليد نمو الإنفاق».

 

القوات المسلحة
تتشكل القوات المسلحة الهندية من القوات البحرية، والجيش والقوات الجوية، يدعمها قوات شبه عسكرية (حرس السواحل، وقيادة القوات الإستراتيجية). رئيس الهند هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والتي هي تحت إدارة وزير الدفاع يعاونه وزير دولة لشؤون الدفاع. تحتفظ الهند بثالث أكبر قوة من القوى العسكرية البشرية في العالم مع ما يقرب من 1.32 مليون جندي عامل، ونحو 2.14 مليون من قوات الاحتياط.
وتعتبر الهند بشكل عام رابع قوة عسكرية في عالم اليوم بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا من حيث العدد والتسلح بمختلف انواع الأسلحة البرية والبحرية والجوية.
تبلغ نفقات ميزانية الدفاع الهندية نحو 36.03 مليار دولار، اي 1.83٪ من الناتج المحلي الإجمالي مع إنفاق إضافي على البنية التحتية في المناطق الحدودية والمنظمات شبه العسكرية.
تعدّ الهند اليوم دولة نووية وقوة صاروخية لا يستهان بها في المنطقة، كما انها تصنف التاسعة عالميا من حيث الإنفاق على القوة العسكرية. وقد أجرت تجربتها النووية الأولى العام 1974، تلتها خمس تجارب أخرى العام 1998، وهي سادس دولة نووية معترف بها في العالم.
تشارك الهند في قوات حفظ السلام الدولية في نحو 35 بلدًا بما يقارب 100 الف جندي، ومنها كتيبة في جنوب لبنان.

 

الهند في لعبة الأمم
الهند اكبر الدول الديقراطية في العالم بالنسبة الى عدد السكان، وهي دولة برلمانية ويقوم نظامها السياسي على تعدد الأحزاب والإنتخابات الدورية.
تمتاز الهند بموقع جيوستراتيجي مهم، فهي تشرف من الجهة الشمالية على المحيط الهندي (محيط الطاقة)، وحركة التجارة المارة عبره، وهي تعتبر ان أمنها القومي يمتد من قناة السويس ومضيق هرمز وسواحل افريقيا الشرقية من الغرب وحتى مضيق مالاقا واستراليا شرقًا، كما يمتد من الصين و دول وسط آسيا وحتى روسيا شمالاً.
تعتبر الهند من الدول الأسرع والأكثر نموًا في عالم اليوم، وهي عضو رئيس وفاعل في دول البريكس (BRICS)، وهي تعمل جاهدة لرفع نسبة النمو في اقتصادها وتخفيض نسبة العجز في ميزانها الاقتصادي وزيادة الاستثمارات فيها. ولذلك فإنها بحاجة ماسة الى موارد الطاقة، إذ انها الدولة الرابعة الأكثر استهلاكًا للطاقة. تستورد الهند 85% مما تحتاجه لإنتاج الطاقة من الشرق الأوسط (العراق وايران)، لذلك تسعى لإقامة توازن بين علاقاتها الاستراتيجية المميزة مع اسرائيل من جهة وعلاقاتها مع بقية دول الشرق الأوسط من جهة أخرى، وبخاصة إيران ودول الخليج.
كما تسعى الى تخفيض عدد الفقراء في مجتمعاتها، والى ان تكون احدى الدول العظمى في العالم وبخاصة في آسيا، وان تقيم توازنًا اقتصاديًا وعسكريًا مع جارتها الشمالية وزميلتها في دول البريكس الصين، محاولة حل مشاكل الحدود الشمالية بينهما، وفي موازاة ذلك تقيم علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة من جهة ومع روسيا من جهة اخرى. لكنها ما زالت تعاني مشاكلها المزمنة مع شقيقتها اللدود الباكستان، ومن بينها ازمة كشمير التي تعود الى تاريخ قديم (1947-1948)، وبسبب الرغبة في اقامة التوازن العسكري والنووي بين البلدين فهي تنفق أكثر في الأمور العسكرية مما يعيق الإنفاق في أمور تنموية اخرى تعطي مردودًا أفضل لإنعاش اقتصادها وتطويره.

 

المراجع:
www.cia.gov-
www.wikipedia.org-