اقتصاد ومال

الواقع مؤلم لكن الحلول ممكنة
إعداد: تريز منصور

تحدّيات صحية ومالية واقتصادية كبيرة يواجهها لبنان في هذه الفترة المصيرية من تاريخه.

من المنتظر أن تكون خطة التعافي المالي التي أقرتها الحكومة في نيسان الفائت بداية الطريق نحو الحل، وانطلاقًا منها بدأت رحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي. ستستغرق المفاوضات أشهرًا طويلة، في حين أنّ القطاعات تنهار الواحدة تلو الأخرى، ونسبة البطالة تطرق عتبة الـ٥٠٪، وشبح الجوع يهدّد عشرات الآلاف من العائلات اللبنانية والأرقام في طور النمو، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية، والحلول غير الحاسمة لهذه المعضلة...

 

إزاء هذا الواقع المرير، أسئلة كثيرة حملتها مجلة «الجيش» إلى الباحث في الشركة الدولية للمعلومات السيد محمد شمس الدين، وكان الحوار الآتي:

 

• كيف تنظر إلى خطة الحكومة التي تتفاوض على أساسها مع صندوق النقد الدولي؟

- التخطيط وإعداد الخطط مسألة أساسية في حياة الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء، ولكن هذا الأمر كان غائبًا عن الدولة اللبنانية. لقد حصلت بدايات في التخطيط إبان الحقبة الشهابية لا سيما مع خطة بعثة إيرفد في العام ١٩٦٠، ولكنها محاولة لم تُستكمل، وجاءت الحرب لتقضي على أي تخطيط.

بعد انتهاء الحرب، تمت عملية إعادة البناء، ولكن من دون أي خطة مدروسة تتناول القطاعات كافة وبالتالي، كان من الطبيعي، في ظل انعدام التخطيط أن نصل إلى ما وصلنا إليه، من انهيار مالي واقتصادي.

وفي هذا الإطار، يُمكننا القول إنّ خطة التعافي المالي التي أقرّتها الحكومة في جلستها يوم الخميس في ٣٠ نيسان ٢٠٢٠، هي خطة جزئية تتناول الشق المالي والنقدي، ولم تتناول الوضع الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي بأكمله. ولذا فهي «خطة مبتورة» تسعى إلى معالجة واقع مالي ناتج عن شحّ في السيولة، ولا سيما في النقد الأجنبي، ما دفع المصارف إلى الامتناع أو التقنين في دفع ودائع الناس.

وعيب هذه الخطة أيضًا، تقديرها لخسارة أموال المودعين في المصارف وضياعها وخسارة مصرف لبنان، وهذا الأمر غير دقيق، لأن المشكلة تكمن في أن المصارف ومصرف لبنان أقرضا الدولة على مرّ العقود الماضية مبالغ وصلت إلى ٩٢ مليار دولار أميركي، والدولة ليست مفلسة ولن تفلّس، وبالتالي لايمكن الحديث عن خسارة، بل عن نقص أو عجز في السيولة، ما يفرض وضع خطة زمنية على مدى ١٠ أو ٢٠ عامًا لسداد الدولة ديونها، وفي الوقت عينه إعادة أموال الناس.

وثمة مسألة مهمة وهي الاختلاف الحاصل بين الحكومة ومصرف لبنان وجمعية المصارف حول حجم هذه الخسائر، بحيث أن خطة الحكومة تقدرها بـ٢٤١ ألف مليار ليرة، بينما يتحدث مصرف لبنان والمصارف مجتمعة، عن نقص في السيولة بقيمة ١٠٠ ألف مليار ليرة. وبالتالي، من الضروري توحيد المواقف والأرقام، لأنه عندما يتوجه لبنان إلى جهة دولية سواء كانت صندوق النقد الدولي أو غيره، عليه جذب ثقة المجتمع الدولي وإبعاد احتمال التشكيك بخطة الحكومة.

ويبقى أمر أساسي هو أنّ هذه الخطة تهدف إلى معالجة واقع مالي، وقد يستغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا للوصول إلى نتائج ملموسة، في حين أن الناس تطالب بإجراءات وخطوات تعطي نتائج سريعة في أسابيع أو في أشهر، لتفادي السقوط والانهيار. فلبنان لا يملك ترف الوقت في ظل ارتفاع الأسعار وانهيار شبه كامل لقطاعاتٍ مهمة وأساسية كقطاع السياحة وارتفاع عدد العاطلين عن العمل.

 

• هل كان خيار الذهاب إلى الصندوق هو الخيار الوحيد؟

- شروط صندوق النقد لإقراض لبنان صعبة وموجعة لأكثرية الشعب اللبناني، في المقابل ووفق حصة لبنان في رأسمال الصندوق، فإنّه قد يحصل على قرض يراوح بين ٩٠٠ مليون دولار و٣.٢ مليار دولار موزّعة على ٥ سنوات، أي بمعدل ٦٠٠ مليون دولار سنويًا، وهو مبلغ لا يحل الأزمة، بينما تطمح الحكومة للحصول على ١٠ مليار دولار وهذا أمر صعب تحقيقه. ولكن الحكومة تعتبر أن الحصول على قرض من الصندوق يفتح الباب للحصول على قروض من جهات دولية أخرى، وهذا الأمر من الصعب تقديره الآن، في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية بعد كورونا.

وأعتقد أنه قبل اللجوء إلى طلب الحصول على قرض من صندوق النقد والخضوع لشروطه، هناك حلول داخلية للأزمة، من خلال استعادة الدولة لأملاكها، بدءًا من الأملاك البحرية، الأملاك العامة، المرفأ، الخلوي والميكانيك، إضافة إلى الحد من الهدر والفساد، التهرّب والتهريب الجمركي، التهرّب الضريبي، والحد من البيروقراطية وتسريع عمل القضاء.

وقد تسهم هذه الإجراءات الداخلية في حل الأزمة وتشجّع الاستثمار الداخلي والخارجي، كما أنها تسهّل تدفّق النقد الأجنبي من جديد.

 

• ماذا يمكن للحكومة أن تفعل في ظل الحاجة إلى إقرار تشريعات لردع التجار والحد من ارتفاع الأسعار؟

- التشريعات الموجودة حاليًا فعّالة في مكافحة الاحتكار وغلاء الأسعار، على الرغم من كلام المسؤولين في وزارة الاقتصاد حول ضرورة تعديل قانون حماية المستهلك، وزيادة عدد المراقبين، وإلزام المخالفين بدفعٍ فوري لقيمة محاضر الضبط، وعدم انتظار البتّ بها في المحاكم الذي يستغرق وقتًا.

يمكن اليوم الاستعانة بفائض الموظفين في الدولة وتدريبهم وزيادة عدد المراقبين من دون تحميل الدولة أعباء موظفين جدد، واللجوء إلى الإعلام لتوجيه المستهلكين نحو المؤسسات التي تلتزم هوامش الأرباح القانونية، وبالتالي زيادة الإقبال على هذه المؤسسات، وابتعادهم عن تلك المخالفة والتي تجني أرباحًا طائلة. وعندها تصبح هذه المؤسسات أمام أمرَين إمّا خفض الأسعار أو الإقفال، ومن شأن هذا الإجراء السريع، أي التوجيه والإرشاد، الإسهام في حلّ جزء من المشكلة عوض الانتظار.

 

• هل يبرر ارتفاع سعر الدولار الارتفاع الحاصل في الأسعار حاليًا؟

- قبل الإجابة، علينا الإشارة إلى الارتفاع الكبير الذي شهدته السلة الغذائية والاستهلاكية لأسرةٍ مؤلفة من ٥ أفراد، فكلفة هذه السلة كانت في شهر أيلول ٢٠١٩ نحو ٤٥٠ ألف ليرة شهريًا، وارتفعت في نهاية العام إلى ٥٦٠ ألف ليرة، وفي بداية شهر نيسان إلى ٨٠٠ ألف ليرة، وربما وصلت مع نهاية شهر أيار إلى مليون ليرة، أي بارتفاعٍ مقداره ٥٥٠ ألف ليرة ونسبته ١٢٢٪، وهو طبعًا ارتفاع كبير ولا يمكن تبريره بارتفاع سعر صرف الدولار.

ثمة سلع محلية وحتى مستوردة تُدفع بعض أكلافها بالليرة ولا سيما الأجور والضرائب والرسوم. وبالتالي، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار هو الذريعة التي تخفي الجشع وتستفيد من انعدام الرقابة الفعلية.

 

• هل من إجراءات يمكن اللجوء إليها برأيك؟

- هناك عدة أمور يمكن الإقدام عليها لمعالجة هذا الواقع ومنها:

وقف تحويل الأموال إلى الخارج إلا لغاياتٍ صحية أو تعليمية أو لشراء الحاجات الأساسية.

وقف استيراد أي منتج يتم تصنيعه في لبنان.

وقف استيراد السيارات والأجهزة الخلوية والمعدات الكهربائية لمدة سنة.

إطلاق خطة سريعة للتحفيز السياحي وخفض الأسعار وجذب السياح، مع الإقرار بصعوبة الأمر في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وتوقّع تراجع حركة السياحة.

إقرار قانون في مجلس النواب يعدّل القانون الذي يمنع التصرّف بالذهب، ويسمح ببيع ٢ مليون أونصة، يوفّر ذلك ٣.٤ مليار دولار، على أن تُستخدم هذه الأموال في خفض سعر صرف الدولار.

وفي الختام أكّد شمس الدين أن الواقع صعب ومؤلم، ولكن الحلول متوافرة وممكنة وليست مستحيلة.