محاور لبنانية

الوزير حمود حاضر في قاعة العماد نجيم

التحدي يكمن في مقدرة اللبنانيين على التعاطي مع عناوين المرحلة المقبلة لتجنيب لبنان تداعيات الأحداث المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية

ألقى وزير الخارجية والمغتربين محمود حمود محاضرة في قاعة العماد نجيم تحت عنوان “ ثوابت سياسة لبنان الخارجية بعد الطائف” , بحضور مدير عام الإدارة اللواء الركن المهندس علي مكي ممثلاً العماد قائد الجيش ووفد من وزارة الخارجية ضمّ سفراء ومستشارين, إضافة الى عدد كبير من ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام.
بداية ألقى مدير التعليم العميد الركن شوقي المصري كلمة ترحيبية بالوزير المحاضر, ثم ألقى الوزير حمود محاضرته متناولاً فيها ثوابت السياسة الخارجية للبنان. وهنا نص المحاضرة.


سياسة لبنان الخارجية
لم تشهد سياسة لبنان الخارجية إستقراراً على مبادئ ثابتة إلا بعد إتفاق الطائف الذي أرسى دعائم الوفاق الوطني في شتى الميادين ونقل العمل السياسي من الإجتهاد الى النص ومن الإرتجال الى المؤسسات وجعل الدستور مصدر السياسة الداخلية والخارجية.
لا أبالغ ولا أجامل إذا قلت أن أهم منجزات الطائف هو الجيش الوطني ذو النهج القومي الواضح والإلتزام اليقيني الصريح. فقد أضحى بحكمة قائده, التي استحقت دعم الأشقاء والأصدقاء ولا سيما الشقيقة الأقرب سوريا, أداة الشرعية الأولى لحل الميليشيات وبسط سلطة القانون والذود عن لبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي, فكان قدوة في تحمل مسؤولياته وفي الترفع عن الصغائر وعن التعصب الطائفي البغيض وأعطى المثل في الانصهار الوطني, وإذ برئاسة الجمهورية تأتي تتويجاً لمسيرة القائد على جدارته وإنجازاته, وتجسيداً للقناعة بأن من استطاع إصلاح شأن الجيش يستطيع إصلاح سائر الشؤون.
إن السياسة الخارجية لكل دولة هي مرآة هيئتها الداخلية. ومن الدول من تعتد بجيشها وأساطيلها في ميزان علاقاتها الدولية, ومنها من تعتد بإقتصادها وثرواتها الطبيعية, ومنها من تباهي بتقدمها العلمي والتقني ومنها من تلتزم بالحياد, أما لبنان فإنه يعتد بإنسانه سواء كان هذا الإنسان في الجيش أم في المعمل أم في المتجر أم في المختبر والجامعة وسواء كان في الداخل أم في الخارج.
هذا الإنسان المتعولم بالفطرة, الوديع في السلم والشرس في الحرب, المبدع في الفكر, البارع في الفعل, البليغ في القول, المنتج في العمل, هذا الإنسان الوطني الذي أنّى توجه فكر أول ما فكر به أن يبني بيتاً في وطنه وأن يكون له فيه إسم معروف وعنوان وموقع, كإسم وطنه وعنوانه وموقعه الذي تميز في التاريخ والجغرافيا كملتقى للثقافات والحضارات البشرية جمعاء.
إن سياستنا الخارجية هي مرآة واقعنا الإنساني, تقوى بوحدتنا الوطنية, بأمننا, بإستقرارنا, بقواتنا المسلحة, بجامعاتنا, بمستشفياتنا, بمزارعنا, بمصانعنا, بمتاجرنا, بإعلامنا, بحكمة قادتنا, بدعم أشقائنا وأصدقائنا وبحسن إدارتنا لعلاقتنا مع العالم على أساس الإحترام المتبادل. صحيح أن السياسة علم وفن, في الداخل والخارج, لكن العلم والفن هنا يحتاجان الى مقومات لئلا يكونا سفسطة وهرطقة, وهذه المقومات قد كلفتنا تضحيات جساماً فسقط لنا دونها شهداء وتهدم بنيان ومن واجبنا جميعاً عندما نشارك في رسم سياستنا الخارجية وتنفيذها أن نكون أوفياء للأعناق والأرزاق التي خسرناها لنربح لبنان.
بعد هذه المقدمة, نتحدث عن منطلقات ثوابت سياستنا الخارجية وعن حاضرها ومستقبلها مع التأكيد على أن رائدنا في عملنا إحترام الشرعية الدولية والمطالبة بالحقوق اللبنانية والعربية.
 

منطلقات الثوابت الوطنية
لم يأت اتفاق الطائف لينهي أو يلغي أية ثوابت وطنية, بل ليوقف النزف والتشرذم وليصحح مسيرة ويحصن الوطن بوفاق أبنائه. لذا فقد كرّس ثوابت موجودة وأضاف ثوابت جديدة, تشكل معاً منطلقات لبنان في سياسته الخارجية, وردت تباعاً في مقدمة الوثيقة وفي موادها المتفرقة, وهذه المسلّمات هي التالية:

 

- هوية لبنان:
“ لبنان عربي الهوية والإنتماء, وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها, كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم ميثاقها, وهو عضو في حركة عدم الإنحياز, وتجسد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون إستثناء” .
وقد أصبحت الفقرة ب الآنفة الذكر, الواردة أصلاً في إطار المبادئ العامة التي لحظتها الوثيقة, جزءاً من مقدمة الدستور اللبناني بموجب القانون الدستوري الصادر في 21/ 9/ 1990 وذلك بعد إد خال تعديلات طفيفة عليها.

 

- تحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي:
لقد حددت وثيقة الوفاق الوطني نهج الدولة اللبنانية لتحرير لبنان من الإحتلال الإسرائيلي, فدعت الى إستعادة سلطتها حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً باعتماد ما حرفيته:
أ - العمل على تنفيذ القرار 425 وسائر قرارات مجلس الأمن الدولي القاضية بإزالة الإحتلال الإسرائيلي إزالة شاملة.
ب - التمسك باتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949 م.
ج - اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي.
وفي العقد الأخير من شهر أيار عام 2000, شهد لبنان والأمم المتحدة حدثاً تاريخياً حيث استعاد لبنان معظم الأجزاء المحتلة من أراضيه في الجنوب والبقاع الغربي, إذ اضطرت إسرائيل بفعـل مقاومة وصمود الشعب اللبناني, وبتأييد من المجتمع الدولي وتفهمه للقضية اللبنانية المحقة, أن تنسحب من هذه الأجزاء بعد إحتلال دام أكثر من اثنين وعشــرين عاماً, وبعد أن استمرت على مدى تلك السنوات ترفض تطبيــق القرارين 425 و426, اللذين طالباها بالإنسحـاب الفــوري وغير المشروط من الأراضي اللبنانية المحتلة. وتم تحديد خط الإنسحاب من قبل الأمم المتحدة, فلم يتوافق في ثلاث نقاط منه مع الحــدود المرسومة عام 1932 بين فلسطــين ولبنان, في ظل الإنتدابين الفرنسي والبريطاني والمعترف بها دوليــاً. كما ترك هذا الخط مزارع شبعا خارج إطار منطقة عمليات “ اليونيفيل” . وقـد تحفظ لبنـان على النقــاط المذكورة كما ورد في تقرير الأمين العام الى مجلس الأمن المؤرخ في 16 حزيران 2000, وأكد حقه في السيادة على مزارع شبعا اللبنانية.
ومع تشبثه بحقوقه المشروعة, التزم لبنان التعاون الكلي مع منظمة الأمم المتحدة, وتنفيذ الموجبات الملقاة على عاتقه بموجب تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 22 أيار 2000, الذي حدد استنتاجاته وتوصياته في ما يتعلق بالخطط والمتطلبات لتنفيذ القرارين 425 و426, والقرارات الأخرى ذات الصلة بهما, فتحركت بتاريخ 9 آب 2000, قوة أمنية لبنانية مشتركة قوامها ألف عنصر باتجاه المناطق الجنوبية التي أخلتها إسرائيل, لتولي مهمات فرض القانون والنظام, ومعاودة ممارسة المسؤولية الطبيعية للدولة, إلا أن نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدودية, مع إستمرار الإحتلال الإسرائيلي لقسم من الأراضي اللبنانية, يعني حماية لهذا الإحتلال وهذا الأمر هو موضع رفض الدولة اللبنانية, كما سنرى لاحقاً.

 

-  رفض التوطين:
تطرقت وثيقة الوفاق الوطني, في إطار عرضها “ للمبادئ العامة والإصلاحات” , الى موضوع الوجود الفلسطيني في لبنان, فنصت في الفقرة ط من البند الأول على رفض التوطين. وهو من المسلّمات الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون, وقد أصبحت نصاً مكرساً في الدستور اللبناني, ضمن المقدمة التي أضيفت إليه بموجب القانون الدستوري الصادر بـ21/ 9/ 1990.
من البديهي القول أن تحرير الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي, يبقى خطوة ناقصة ما لم يكتمل بعودة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان الى ديارهم, وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ولا سيما القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول 1948.
ويتمسك لبنان برفض التوطين, إنطلاقاً من حرصه على شمولية التسوية السلمية لأزمة الصراع العربي الإسرائيلي, إذ أن تجاهل مشكلة اللاجئين أو حلها على حسابه, سيزيد من عوامل التوتر والإنفجار في المنطقة, فيما لو سلمنا جدلاً أن فرص التوصل الى سلام عادل متوفرة. إلا أن الواقع, مع الأسف, لا يدعو الى التفاؤل بفعل السياسة القمعية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية, وإنكفاء المبادرات الفاعلة لكبح جماح الغطرسة الإسرائيلية, وإحياء مسيرة السلام على أسس الشرعية الدولية, وفي مقدمتها القرارات 338 و242 و425 ومرجعية مدريد, ومبدأ الأرض مقابل السلام التي يلتزم بها لبنان والعرب من جانب واحد.

 

-  العلاقات اللبنانية - السورية:
لقد خصصت وثيقة الوفاق الوطني, البند الرابع لموضوع “ العلاقات اللبنانية السورية” , إذ ورد في هذا البند بأن لبنان العربي الإنتماء والهوية, “ تربطه علاقات أخوية صادقة بجميع الدول العربية, وتقوم بينه وبين سوريا علاقات مميزة, تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة. وهو مفهوم يرتكز عليه التنسيق والتعاون بين البلدين, وسوف تجسده إتفاقات بينهما في شتى المجالات, بما يحقق مصلحة البلدين الشقيقين في إطار سيادة وإستقلال كل منهما...” .
وعلى هذا الأساس, عملت الحكومات المتعاقبة منذ إقرار الوثيقة الوطنية في الطائف بتاريخ 22/ 10/ 1989, والمصادقة عليها من قبل المجلس النيابي بتاريخ 5/ 11/ 1989, على تعزيز العلاقات الأخوية. وتولي الحكومة اللبنانية, وفق ما جاء في البيان الوزاري تاريخ 30 تشرين الأول 2000, معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا إهتماماً خاصاً ومتواصلاً, ليكون بحجم العلاقات المميزة والطموحات المشتركة للشعبين الشقيقين. ويتيح للصلات الإقتصادية أن ترقى الى الحجم الذي بلغته العلاقات السياسية. وإننا مقتنعون بأن هناك آفاقاً واسعة للتعاون الإقتصادي بين البلدين, إنطلاقاً من الإتفاقات الثنائية الفرعية في شتى المجالات, مما يعود بالنفع الأكيد على لبنان وسوريا معاً.
ومع تقديرنا للفوائد التي تمخض عنها هذا التعاون بشكل عام, إلا أننا نعتقد واثقين, كما ورد في البيان الوزاري للحكومة “ أن التجربة اللبنانية ¬ السورية في التعاون والتنسيق الدائمين, أثمرت أهم إنجاز في المرحلة الراهنة من تاريخ المنطقة, ألا وهو هزيمة إسرائيل, وإجبارها على الإنسحاب من معظم الأراضي اللبنانية. وأثبتت صوابية وعمق المضمون الذي استندت إليه هذه التجربة في النظر الى الصراع العربي ¬ الإسرائيلي, وكيفية إدارة المعركة مع إسرائيل, التي لا تزال تحبط كل محاولة لإيجاد تسوية سلمية شاملة وعادلة لهذه المشكلة” .

 

-  عملية التسوية السلمية:
لقد تزامن التوقيع على إتفاق الطائف, وبدء مسيرة الإستقرار والتعافي في لبنان, مع مرحلة توافق دولي حول ضرورة إيجاد حل عادل وشامل ودائم لقضية الشرق الأوسط, تمثل بالدعوة لعقد مؤتمر للسلام على قاعدة تطبيق القرارات الدولية, ومبدأ الأرض مقابل السلام.
كما تبلور هذا الوفاق, في وقت لاحق, بمشروع أوروبي مواز لخلق شراكة أوروبية ¬ متوسطية تم وضع أسسها في برشلونة عام 1995.
وبالفعل التأم مؤتمر مدريد عام 1991, ليشكل منعطفاً تاريخياً على صعيد النزاع العربي ¬ الإسرائيلي, فشارك لبنان في المؤتمر الى جانب أشقائه العرب عندما لاحت آفاق جدية لتحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة, برعاية الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي في حينه. إلا أن قراءة ملية لمراحل هذه المفاوضات, بعد عقد ونيف من الزمن, تظهر بأن النتائج كانت مخيبة بفعل تعنت إسرائيل وتغليبها منطق القوة على مبادئ الحق والعدل, المستندة الى الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام, مما عطّل المسارات التفاوضية وأغرق المنطقة في أتون العنف الإسرائيلي المبرمج. وبقي لبنان, مع سوريا, وفياً لخط التضامن العربي, رافضاً الحلول الجزئية, وملتزماً بمرجعية مدريد وبمقررات الشرعية الدولية.
وبالرغم من إمكانيات السلام الضئيلة اليوم, يستمر لبنان بالسعي نحو السلام ضمن الثوابت الوطنية, متمسكاً بتلازم المسارين اللبناني والسوري, وبمستلزمات السلام الشامل والعادل, التي تتمحور حول الإعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين, وبإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس, على ترابهم الوطني, وبتسوية مشكلة اللاجئين على اساس حق العودة, وكذلك بالإنسحاب الكامل من الجولان السوري حتى خط الرابع من حزيران 1967, ومن بقية الأراضي اللبنانية التي تحتلها إسرائيل.
والسؤال المطروح بعد عشر سنوات ونيّف على إتفاق الطائف, يتعلق بتطلعات الديبلوماسية اللبنانية وآفاق المستقبل, وعنوان المرحلة المقبلة إنطلاقاً من السياسة التي انتهجتها والثوابت التي إلتزمت بها, والإنجازات التي حققتها, وفي ضوء المستجدات والمتغيرات الإقليمية والدولية والأحداث المتسارعة.


الثوابت اللبنانية حاضراً ومستقبلاً
لا يعني مفهوم الثوابت أنها جمود أو تشبث بأدوات أو بوسائل بقدر ما هي أولويات أو مسلّمات, مبنية على قواعد متينة يتوافق عليها اللبنانيون في مقاربتهم للواقع وللأحداث ومن أجل تحقيق آمالهم وتطلعاتهم.
وإذا كان اتفاق الطائف قد أرسى تلك الثوابت, فإن بيان الحكومة اللبنانية لنيل الثقة أمام المجلس النيابي بتاريخ 30 تشرين الأول 2000, يشكل وثيقة مكملة وخطة عمل للمستقبل, الذي “ يعني, وفقاً للبيان المذكور, تعزيزاً للمسلّمات الوطنية القائمة على السيادة والإستقلال والديموقراطية... وسيراً حثيثاً... بحيث نتمكن من مواكبة تحولات الراهن من الزمن, وندفع بوطننا الى تبوّء الموقع الذي يستحق في المنطقة والعالم” .
ولذلك فمن البديهي القول أن إكمال مسيرة التحرير, التي كرّسها الطائف, هو أولوية المرحلة المقبلة “ مع الحفاظ على إنجاز المقاومة والعمل على تثميره في كل المجالات” , مما يعتبر أحد أهم أهداف الحكومة, وفق ما جاء في الصفحة الأولى من البيان الوزاري تأكيداً لتلك الأولوية.

 

-  إكمال المسيرة:
إن تحقيق هذا الهدف يفرض إنجاز ما يلي:

أ - إستعادة الأراضي اللبنانية الواقعة تحت الإحتلال الإسرائيلي. فالأمم المتحدة, كما قلت في كلمتي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 تشرين الثاني 2001, لم تتثبت من إنسحاب إسرائيل من كامل الأراضي اللبنانية, بل تثبتت فقط من إنسحاب القوات الإسرائيلية لغاية “ خط إنسحاب عملي عرف بالخط الأزرق” . وهو خط لا يتطابق مع حدود لبنان المعترف بها دولياً, وفقاً لتقارير الأمين العام المتتالية. وهذا يعني عملياً بقاء مزارع شبعا والنقاط الثلاث التي تحفّظ عليها لبنان على طول خط الإنسحاب, خارج السيادة اللبنانية ولا بد إذن من إستردادها.
ب - كما وأن بسط السيادة يستدعي وقف الخروقات اليومية لحرمة الحدود اللبنانية, براً وبحراً وجواً, وهي خروقات وصفها الأمين العام في تقريره الصادر في تموز 2001, بأنها استفزازية. وأكد في تقريره الأخير الصادر بتاريخ 16/ 1/ 2002 بأنها “ انتهاكات غير مبررة ومثيرة للقلق الشديد” .
ج - إستكمال تنفيذ القرار 425, لا سيما لجهة إعادة إحلال الأمن والسلم الدوليين في المنطقة. وقد اعترف الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره الى مجلس الأمن, ولا سيما ما ورد في الفقرة 22 من التقرير الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني 2001, بهذا الواقع حيث قال: “ تركز القوة الآن على الجزء المتبقي من ولايتها وهو استعادة الأمن والسلم الدوليين” .
كما ورد في الفقرة 6 من تقريره المرحلي الى مجلس الأمن بتاريخ 30 نيسان 2001, حول إعادة تشكيل اليونيفيل “ بأن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان, قد اكملت أساساً جزءين من الأجزاء الثلاثة من ولايتها, وأنها تركز الآن على المهمة المتبقية وهي إحلال السلام والأمن الدوليين” .
وتناول مجلس الأمن هذا الموضوع في حيثيات قرار التجديد رقم 1365 تاريخ 31/ 7/ 2001, حيث جاء في الفقرة 3 منها ما يلي:
“ ... يشير مجلس الأمن الى الإستنتاج الذي خلص إليه الأمين العام ومفاده أن قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أنجزت بشكل أساسي جزءين من الأجزاء الثلاثة لولايتها وهي تركز إهتمامها الآن على مهمتها المتبقية وهي إعادة إحلال السلم والأمن الدوليين” .
وقد كرر الأمين العام للأمم المتحدة هذا الإستنتاج في الفقرة 25 من تقريره الصادر بتاريخ 16/ 1/ 2002, توطئة للتجديد الأخير لليونيفيل لمدة ستة أشهر أخرى بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1391 تاريخ 28/ 1/ 2002 الذي أيد ملاحظاته وتوصياته.
لهذه الأسباب مجتمعة, فإن الحكومة ستستمر في بذل الجهود للإبقاء على القوة الدولية من دون تغيير في طبيعة مهمتها أو عديدها, لأنها عامل إستقرار في ظل الأوضاع الخطيرة التي تسود منطقتنا, مع التذكير بأن مجلس الأمن تبنى في أيار 2001, بياناً رئاسياً يشير الى أن المجلس يأخذ بالإعتبار قلق لبنان وهواجسه في المرحلة الحالية, وتلك التي قد تستجد كما جاء في النص.
د - العمل على إطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين في السجون الإسرائيلية, الذين اختطفتهم إسرائيل وما زالت تحتجزهم كرهائن بدون وجه حق, خلافاً للقوانين والمواثيق الدولية, ولا سيما اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولات الملحقة بها, زاعمة أن إطلاق سراحهم يشكل خطراً على أمنها.
هـ - التشديد على ضرورة زيادة المساعدة الى الحكومة اللبنانية في شأن نزع الألغام, وفقاً للفقرة العاملة 11 من قرار مجلس الأمن الأخير رقم 1391, الصادر بتاريخ 28/ 1/ 2002, بعد أن ارتفع عدد الألغام والذخائر غير المنفجرة ليصبح قرابة الأربعمئة وخمسة آلاف لغم, حسب مصادر الأمم المتحدة, إثر المعلومات التي تبلغتها المنظمة الدولية من إسرائيل حول وجود حقول ألغام إضافية داخل الأراضي اللبنانية. وتؤكد هذه التطورات صوابية الموقف اللبناني, لجهة احتفاظ إسرائيل بخرائط الألغام, وضرورة حث المجتمع الدولي لممارسة الضغوط عليها لتسليم كامل الخرائط والسجلات المبينة لمواقع تلك الألغام.
و - التأكيد على اهمية المشاركة الدولية في تنمية الجنوب وإعادة تأهيله, ودعم الإقتصاد اللبناني لتعزيز فرص نموه بعد سنوات الإحتلال والتدمير الإسرائيليين, والحفاظ على ثروة لبنان المائية, مع تشبثه بحقوقه الطبيعية والمشروعة بالإستفادة من مياهه, ولا سيما مياه الليطاني والحاصباني والوزاني, وضرورة إستمرار اليقظة والإحتراز تحسباً لمطامع إسرائيل بتلك المياه.
ز - في ضوء ما تقدم وفي ظل إحتلال إسرائيل لجزء من الأراضي اللبنانية وانتهاكاتها المستمرة لحرمة سيادة لبنان وتعثر عملية السلام, التي تتطرق اليها قرارات التجديد لليونيفيل, وتقارير الأمانة العامة ذات الصلة, يبقى السؤال المطروح عن دور الجيش في مسيرة التحرير وتنفيذ القرار 425 ومسألة إرساله الى الجنوب.
لقد دعا اتفاق الطائف الى “ اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الإحتلال الإسرائيلي, وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها, ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود المعترف بها دولياً” , كما أسلفنا. وإذا لم يكن ثمة خلاف على المبدأ في المطلق, فلا بد من التساؤل عن الظروف التي تسمح, من منطلق الحفاظ على مصالح لبنان العليا, بنشر الجيش.
وهنا لا بد من القول, بأن مقاربة الأمم المتحدة لموضوع بسط السلطة الفعلية للدولة في الجنوب, وفقاً للقرار 425, اخذت تشهد تطوراً تدريجياً منذ تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 22 أيار 2000, حول “ التحضيرات التي تمكن الأمم المتحدة من الإضطلاع بمسؤولياتها, بموجب القرارين 425 و426” , ولغاية تاريخه, فقرارات التجديد تركز على الطلب من الحكومة اللبنانية “ أن تتخذ مزيداً من الخطوات لضمان عودة سلطتها الفعلية الى جميع أرجاء الجنوب” , (القرار الأخير رقم 1391), إلا أن تقارير الأمين العام الصادرة منذ 20 تموز 2001, عمدت الى الدعوة لنشر الجيش في الجنوب, وإن اختلف أسلوب الدعوة أحياناً.


ويمكن الوقوف على المنحى الذي اتخذته الدعوة بالعودة الى الفقرة المعنية التالية:
- التقرير الصادر بتاريخ 22 أيار 2000, فقرة 28:
“ ينبغي للقوات المسلحة اللبنانية أن تكفل أن جميع الأراضي اللبنانية تقع تحت السلطة الفعلية للحكومة” .
- التقرير الصادر بتاريخ 16 حزيران 2000, فقرة 21:
“ ينبغي للقوات المسلحة اللبنانية أن تكفل وجود جميع الأراضي الوطنية تحت السلطة الفعلية للحكومة... وبعد نشر القوات المسلحة ركناً لا تكتمل بدونه استعادة الحكومة السلطة الفعلية في المنطقة” .
من الملاحظ هنا خطوة نوعية جديدة, بالدعوة الى نشر القوات المسلحة, دون تحديد نوعها ودون ذكر الجيش تحديداً.
- التقرير الصادر بتاريخ 31 تشرين الأول 2000 حول مهمة اليونيفيل, فقرة 11:
“ وكان موقف الحكومة اللبنانية, أنه ما دام لا يوجد سلام شامل مع إسرائيل, فإن الجيش لن يعمل كحارس حدود لإسرائيل ولن ينتشر على طول الحدود” .
- التقرير الصادر بتاريخ 22 كانون الثاني 2001, فقرة 7 وفقرة 19:
فقرة 7: “  على نحو ما كان عليه الأمر من قبل, لم يقم أفراد الجيش اللبناني وقوات الأمن اللبنانية بعملياتهم قريباً من الخط الأزرق” .
فقرة 19: “ ويحدوني وطيد الأمل, في أن تعيد حكومة لبنان النظر في موقفها الوارد وصفه في الفقرتين 5 و6 و7 أعلاه في ضوء التزاماتها وفي ضوء قرارات مجلس الأمن” .
- تقرير الأمين العام الصادر بتاريخ 20 تموز 2001:
فقرة 7: “ واصلت حكومة لبنان التمسك بموقفها الذي مؤداه أنه لن يتم نشر القوات المسلحة اللبنانية على طول الخط الأزرق طالما أنه ليس هناك سلام شامل مع إسرائيل” .
فقرة 23: “ وينبغي للحكومة اللبنانية أن تتخذ تدابير إضافية لضمان إعادة السلطة اللبنانية الفعلية الى الجنوب بكامله ومن ذلك نشر الجيش” .
أما قرارات مجلس الأمن فلم تتعد لتاريخه المطالبة “ بنشر القوات المسلحة”  من دون تحديد.
وهذا ما يعكس جهود الديبلوماسية اللبنانية لإقناع المعنيين بصوابية الموقف اللبناني, علماً بأن الدولة اللبنانية لم تأل جهداً في تعزيز وجودها وإحلال الأمن وسلطة القانون, في المناطق التي انسحبت منها إسرائيل. وتقر بذلك الأمم المتحدة التي يحرص لبنان على التعاون معها الى أقصى مدى ممكن.
أما بالنسبة لموقف لبنان ومحاذير خطوة نشر الجيش على طول الحدود, وعلى تخوم المناطق التي تحتلها إسرائيل, فقد عبّر عنه فخامة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود خير تعبير, خلال مؤتمر القمة العربية الأخير في عمان بتاريخ 28/ 3/ 2001, حيث قال:
“ يوم انسحبت إسرائيل من بعض الجنوب اللبناني, العام الماضي, تحت وطأة المقاومة, لم يكن ذلك الإنسحاب إلا من زاوية الحاجة الإسرائيلية الى الأمن من جراء الخسائر. يومها جاء من يقول لنا بأن هذا الإنسحاب هو خطوة هامة على طريق السلام. يومها جاء من يتهمنا بأن إسرائيل تريد تنفيذ القرار 425 ونحن نرفضه, وأنها تريد الإنسحاب ونحن نطلب العكس. يومها جاء من يتهمنا بالتخلي عن واجباتنا في أمن الجنوب إذا لم نرسل الجيش اللبناني إليه.
وحين أرسلناه بالطريقة التي تخدم مصالحنا ولا تخدم مصالح الأمن الإسرائيلي, شُنّت علينا ولا تزال حرب إقتصادية حرمتنا من مؤتمر الدول المانحة, وحرمت الجنوب من المساعدات ومن مشاريع الإعمار والتنمية والبنية التحتية التي دمرها الإحتلال, كما جندت ضدنا ولا تزال ألسنة وأقلام ومواقف تتهمنا بالتخلي عن سيادتنا, إذا لم نرسل الجيش الى الجنوب بالطريقة التي تريدها إسرائيل, وبالمهمة التي تريدها إسرائيل, أي تأمين الضمانات الأمنية الكاملة لمستوطناتها على حدودنا في الوقت الذي خلّفت وراءها بعد الإنسحاب جزءاً محتلاً من أرضنا في مزارع شبعا ولبنانيين مخطوفين في سجونها وشعباً فلسطينياً لاجئاً في أرضنا في ظروف مأسوية, ترفض إسرائيل عودته ونرفض توطينه, وعشرات آلاف الألغام المزروعة في قرى الجنوب تقتل أطفالنا والشيوخ والنساء صباح كل يوم وترفض تسليم خرائطها الى الأمم المتحدة, هذا عدا عن الخروقات المتكررة والتهديدات اليومية للبنان وسوريا بعد الإنسحاب.
لذلك كله رفضنا تقديم تلك الضمانات, ورفضنا حماية إسرائيل وقلنا يومها ولا نزال, أن الإنسحاب الإسرائيلي ليس خطوة باتجاه السلام, بل خطوة للهروب من السلام الى الأمن, وعلى حساب حقوقنا وعلى حساب متطلبات السلام العادل والشامل” .

 

- آفاق التسوية السلمية:
نظراً لتعثر عملية السلام, ودخولها متاهات مجهولة منذ أيلول من العام 2000, بعد الخطوة الإستفزازية التي تعمدها رئيس حكومة إسرائيل الحالي, واعتماده الأمن القمعي على حساب الأمن السياسي, والتغاضي عن أبسط مسلّمات الحقوق الفلسطينية المشروعة, فإنه من الوهم الإعتقاد أنه بالإمكان إعادة الأمن والسلم الدوليين الى المنطقة خارج إطار الحل الشامل لكل أوجه النزاع وعلى كل المسارات. ومثل هذه المهمة تتطلب بالطبع مجهوداً شاملاً ومتكاملاً من راعيي عملية السلام ولا سيما الولايات المتحدة, ودول الإتحاد الأوروبي, والأمم المتحدة إذ تقع على عاتقها مسؤولية تطبيق قراراتها وبصورة خاصة القرارات 242 و338 و425.
أمام الوضع المتأزم في الشرق الأوسط الذي ينذر بمضاعفات خطيرة, ونظراً لجمود عملية السلام الشامل التي يلتزم العرب بمسارها وأسسها, وإزاء التوجه الى أنماط الحلول الأمنية والجزئية, ونظراً لتعثر مسار برشلونة ( أي عملية الشراكة والتكامل بين أوروبا ودول البحر الأبيض المتوسط ككل) , فإنه من الطبيعي أن تأخذ السياسة الخارجية اللبنانية هذه المتغيرات بعين الإعتبار, وأن تسعى لتأكيد ثوابت لبنان وتحقيق أهدافه الإستراتيجية من خلال مقاربة متجددة ترتكز على ما يلي:
أ - التنسيق اللبناني - السوري.
ب - السعي لموقف عربي موحد.
ج- العمل على تنظيم صفوف الإغتراب اللبناني, وتوظيف إمكاناته في خدمة قضايا لبنان الوطنية, وإبقائه بمنأى عن التجاذبات الداخلية, لعدم تعريض طاقاته وقوة دفعه للتشرذم والإنشطار.
د- بذل الجهود للحصول على تفهم ودعم أوروبيين للموقف العربي المحق بشأن أزمة المنطقة, وحقوق لبنان المشروعة في بسط سيادته على كامل أراضيه, وجلاء القوات الإسرائيلية عن كل حبة تراب منها.
هـ- التأكيد على أن الإستقرار في المنطقة, هو نتيجة السلام ومقوماته الثابتة التي أرساها مؤتمر مدريد, وليس نتيجة المعالجات والخطط الأمنية والحلول الجزئية والمرحلية وما أكثرها وما أوهى مضامينها, وما هي إلا مضيعة للوقت وهدر للجهود.

 

- المستجدات على الساحة الدولية ومسألة الإرهاب:
لقد كان إتفاق الطائف عنوان مرحلة توسم فيها واضعوه, أن تختم أحزان اللبنانيين وتجسد طموحاتهم, وتكرّس قواعد العيش الواحد وتكفل عودة الدولة اللبنانية, وإعادة إحياء المؤسسات, ليمضي لبنان في “ استعادة دوره الرائد مركزاً للحضارة والثقافة للأمة العربية والعالم” , كما جاء في بيان مجلس الأمن الدولي الخاص بدعم الشرعية اللبنانية, ووثيقة الطائف الذي تلاه رئيسه بتاريخ 7/ 11/ 1989.
ولعل التحدي الكبير أمام لبنان, حكومة وشعباً, هو في كيفية التعاطي مع المستجدات, واستلهام هذا الإتفاق والمسلّمات الوطنية للحفاظ على مصالحه القومية, في زمن ترجح فيه كفة المصالح والتوازنات, على كفة القيم والحقوق.
لذلك فإن أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001, التي أدانها لبنان بكل قوة, قد أفرزت نهجاً, تحت وطأة الفاجعة, يهدف الى مكافحة الإرهاب, بدون التعريف به, وبدون تحديد معالمه, لا بد للبنان, في إطار سعيه الدؤوب لمكافحة الإرهاب, أن يؤكد إستعداده للتجاوب مع أية مبادرة على الصعيد الدولي لبلورة تعريف موحد للإرهاب, بما في ذلك عقد مؤتمر دولي لهذه الغاية, سبق أن دعا إليه مراراً قبل وقوع الواقعة على مدينتي نيويورك وواشنطن وغيرهما.
وقد تحركت الديبلوماسية اللبنانية للعمل على شرح وجهة نظر لبنان, بشأن معضلة الإرهاب, إنطلاقاً من المواقف التي صدرت عن الدولة غداة هذه الأحداث ومن مسلّمات السيادة الوطنية والقوانين والثوابت اللبنانية, وكذلك من خلال الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب التي انضم إليها لبنان وأحكام الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب لعام 1998 والقرارات الدولية ذات الصلة. وعلى هذه الأسس وتنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1373 تاريخ 28 أيلول 2001 ولا سيما الفقرة العاملة السادسة منه, قدّم لبنان بتاريخ 13 كانون الأول 2001 تقريره الى لجنة مكافحة الإرهاب المشكلّة بموجب القرار المذكور والذي تضمن أجوبته على الأسئلة الموجهة الى الدول الأعضاء. وقد احتوى التقرير على مقدمة عامة شاملة تؤكد بداية على المبادئ التي أشرت اليها.
ويتضمن الموقف اللبناني حول مكافحة الإرهاب, العناصر الآتي ذكرها:
¬ التأكيد على إستعداد لبنان للتعاون بكل جدية ومسؤولية مع الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وذلك في إطار قواعد القانون الدولي والسيادة الوطنية.
¬ إستعداده للتجاوب مع أية مبادرة على الصعيد الدولي لبلورة تعريف موحد للإرهاب, بما في ذلك عقد مؤتمر دولي لهذه الغاية تحت راية الأمم المتحدة.
¬ ضرورة الحرص على عدم الربط بين الإرهاب وبين العرب والمسلمين, تفادياً لوقوع صراع بين الحضارات والأديان.
¬ التأكيد على ضرورة التمييز بين النضال المشروع للشعوب ضد الإحتلال الأجنبي, وبين الإرهاب المعتدي على حقوق الإنسان والقيم الإنسانية التي كفلها ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان.
¬ تجديد الإدانة والتنديد والإستنكار لأحداث 11 أيلول وما نتج عنها من مآس مست المشاعر الإنسانية جمعاء.
وقد كانت مشاركتي في أعمال الدورة السادسة والخمسين للجمعية العامة للأمم المتحدة, فرصة سانحة لتوضيح هذا الموقف, من خلال الكلمة التي ألقيتها أمام الجمعية العامة بتاريخ 16 تشرين الثاني 2001, ومن خلال اللقاءات التي عقدتها مع أمين عام المنظمة ومراجع دولية مسؤولة.
ويجب التنبه بإستمرار الى الحملة المغرضة التي تشنها إسرائيل, عبر مسؤوليها وصحافتها, للربط بينه وبين الإرهاب الدولي, فتارة نقرأ أن هناك مخيمات إرهابية في البقاع وطوراً نقرأ عن مفاوضات لتنظيم القاعدة لنقل قيادته الى لبنان, وما ذلك إلا محاولة لئيمة للإنتقام من الإنتصار اللبناني الباهر والمحق على الباطل الإسرائيلي.
وقد رد دولة رئيس مجلس الوزراء على هذه الحملة الشعواء, بكلمة أدلى بها في ختام مناقشات الموازنة بتاريخ 4/ 2/ 2002, حيث أكد بأن “ كل ما يقال حول هذا الموضوع هو كذب وإفتراء ولا أساس له من الصحة والذين ينشرون هذا الكلام معروفون ومصادرهم معروفة أيضاً, إنما يدخل ذلك كله في دائرة الحملة على بلادنا لإبقائها خارج دائرة الدول المتحضرة والعلاقات المنفتحة مع العالم المتمدن” . وحدد دولة الرئيس هدفين للحملة: الأول هو النيل من ثوابتنا الوطنية والقومية ومن علاقتنا بسوريا. والثاني اصطناع مشكلة بيننا وبين الولايات المتحدة.
فعلى صعيد سوريا, أكد دولة الرئيس بأننا” سنظل نعمل مع القيادة السورية يداً بيد, حتى نحقق أهدافنا الوطنية جميعاً, فيما الأمر الثاني لن ينجح, لأنه رغم الخلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا مع الولايات المتحدة, سنستمر في هذا الحوار للوصول الى ما نعتقده حقنا ومسؤوليتنا, والرؤية الصحيحة لقضايا الحاضر والمستقبل” . كما أننا “ لسنا في مواجهة مع الولايات المتحدة, كما قال دولة الرئيس, ولن ننجر الى مواجهة معها, ونحن مصرون على رفض أن تكون علاقتنا بالأميركيين رهناً بإرادة إسرائيل ومصالحها وحساباتها” .
وفي موقف ملفت حول هذه الحملة, قال سفير إيطاليا بتاريخ 8/ 2/ 2002 “ بأن هذه الشائعات مثيرة للضحك” .
 

- المؤتمرات العربية والدولية المرتقبة:
وإذ يواكب لبنان بإهتمام التطورات الدولية والإقليمية, يتطلع الى عدد من الإستحقاقات التي تؤكد مكانته المميزة ودوره الرائد, أذكر منها حدثين هامين:
أ ¬ قمة الدول العربية التي ستنعقد في بيروت بتاريخ 27 و28 آذار المقبل, وستكون مناسبة للبحث بالأوضاع الراهنة في المنطقة والمستجدات على الساحة الدولية وفق جدول أعمال يجري العمل على إعداده. ونستلهم موقفنا مما ورد في البيان الوزاري للحكومة لجهة “ الحرص على الإسهام في تعزيز التضامن بين الأشقاء ( العرب)  وتقوية أواصر التعاون الثنائي والجماعي” .
وللمناسبة, أشير الى أن الحكومة اللبنانية “ تحرص, في المجال العربي, على دعم سياسات التنسيق والتعاون الإقتصادي بما يؤدي الى قيام تكتل إقتصادي عربي, يقوم من جانبنا في زمن المتغيرات, زمن الإقتصادات المفتوحة والمتطورة” ( البيان الحكومي) .
ب ¬ مؤتمر الدول الناطقة باللغة الفرنسية الذي سينعقد في لبنان بتاريخ 18 و19 و20 تشرين الأول 2002 تحت شعار “ حوار الحضارات”  الذي يجسده لبنان خير تجسيد من حيث تنوع مجتمعه وعيشه الواحد وانفتاحه على العالم.
 

- الإستحقاقات الإقتصادية:
لا يمكن للبنان أن يكون مهمشاً في الإقتصاد العالمي. لذلك ومع تدارك سلبيات العولمة, يقتضي البحث عن أسواق جديدة لمنتجات ومجالات رحبة لإقتصاده.
وهو يتطلع الى التوقيع الرسمي النهائي على إتفاق الشراكة اللبنانية الأوروبية والى الإنضمام لمنظمة التجارة العالمية.
أ ¬ إتفاق الشراكة اللبنانية الأوروبية:
سبق للبنان, ممثلاً بوزير الإقتصاد والتجارة, أن وقّع بالأحرف الأولى على إتفاق الشراكة بينه وبين الإتحاد الأوروبي في بروكسيل بتاريخ 10/ 12/ 2001.
ومن المقرر أن يتم التوقيع النهائي على الإتفاق خلال إنعقاد مؤتمر وزراء خارجية بلدان الشراكة في فلانسيا ¬ إسبانيا بتاريخ 22 و23/ 4/ 2002.
يشكل مشروع الشراكة الأوروبية المتوسطية جزءاً أساسياً من المشروع السياسي للإتحاد الأوروبي الهادف الى ضمان الإستقرار السياسي والإجتماعي على حدود أوروبا وفي داخلها عن طريق “ الترويج لسياسات إنتاجية وإجتماعية وثقافية متناسقة” .
لذلك يسعى الإتحاد الأوروبي, عبر ما يسمى “ باتفاقيات الشراكة”  الى إنشاء منطقة أوروبية ¬ متوسطية للتجارة الحرة يحقق من خلالها الإتحاد من جهة, ودول جنوب المتوسط من جهة ثانية, منافع متبادلة أهمها بالنسبة لدول الإتحاد الأوروبي ما يلي:
¬ اتاحة فرص جديدة لترويج السلع والخدمات.
¬ إمكانية الوصول الى الموارد الطبيعية وغيرها من الموارد بسهولة أكبر.
¬ تجنب المشاكل الإجتماعية والسياسية المتأتية من إغراق سوق العمل الأوروبي بأموال هجرة العمال من دول الجنوب الى دول الإتحاد.
أما مردود إتفاقيات الشراكة بالنسبة لدول جنوب المتوسط فتتلخص بالتالي:
¬ تشجيع تدفق رؤوس الأموال الخاصة من الإتحاد الأوروبي لأغراض تنموية.
¬ زيادة فرص الوصول الى الأسواق الأوروبية.
¬ نقل التكنولجيا والخبرات.
¬ الحصول على الدعم المالي والتقني الضروري لتحديث إقتصادياتها.
لقد أطلق الإتحاد الأوروبي مبادرته هذه خلال مؤتمر برشلونة في 27 و28 تشرين الثاني 1995 الذي ضم الدول المتوسطية السبع والعشرين التي تبنت إعلان برشلونة وعقدت العزم على تحقيق ما يلي:
-  الشراكة السياسية والأمنية: عبر إنشاء منطقة مشتركة من السلام والإستقرار.
-  الشراكة الإقتصادية والمالية: عبر خلق منطقة من الرفاهية المشتركة من خلال إنشاء سوق حرة بين الإتحاد الأوروبي والشركاء المتوسطيين من جهة والشركاء المتوسطيين بعضهم مع بعض من جهة أخرى, يقابلها دعم مالي من الإتحاد لدفع عملية التحول الإقتصادي في هذه البلدان ومعالجة النتائج الإجتماعية والإقتصادية لهذه الإصلاحات عبر برنامج “ ميدا”  للهبات وقروض البنك الأوروبي للإستثمار.
-  الشراكة الإجتماعية والثقافية والإنسانية: عبر تنمية الموارد البشرية وتسهيل التفاهم والتقارب بين الشعوب والثقافات في المنطقة الأوروبية ¬ المتوسطية وتطوير المجتمعات المدنية فيها.
وقد عرض الإتحاد الأوروبي مشاريع إتفاقات شراكة على عدد من البلدان. تم توقيع ستة إتفاقات حتى الآن مع كل من تونس ( 1995) , إسرائيل ( 1995) , المغرب ( 1996) , الأردن ( 1997) , مصر ( 2001) , الى جانب السلطة الفلسطينية ( 1997) , فيما وقع لبنان كما أشرت, وكذلك الجزائر إتفاقيات الشراكة بالأحرف الأولى. وتستمر المفاوضات مع سوريا للتوصل الى إتفاق شراكة مع الإتحاد.
سيعزز هذا الإتفاق علاقة لبنان بالإتحاد الأوروبي, كمنظمة ذات شأن في الساحة الدولية وسيفتح أمامه آفاقاً جديدة للتعاون الإقتصادي والثقافي والتكنولوجي والتبادل التجاري.
سيحقق لبنان مكاسب كبيرة بفعل توقيعه على الإتفاق, ولكنه قد يواجه بعض التحديات الإقتصادية التي ستنجم عن التحرر التدريجي للتبادل التجاري في مجالات عدة أهمها: العائدات الجمركية, الخسارة الناتجة عن تحويل التجارة, انخفاض الإنتاج المحلي, منافسة الإنتاج الزراعي اللبناني. إلا أن لبنان سيستفيد من مساعدات أوروبية لدعم عملية التحول الإقتصادي وسيستفيد أيضاً من المساعدات لتمويل مشاريعه عبر برنامج خاص به في إطار ميدا (National Indicative Program) وكذلك عبر تمويل الإتحاد لبرامج ذات بعد إقليمي.
لكن المكاسب ستفوق تلك الإنعكاسات على المديين المتوسط والبعيد, ويمكن التوقف عند البعض منها الوارد في دراسة قيمة لوزارة الإقتصاد والتجارة, صادرة خلال كانون الثاني 2002 بعنوان: “ العلاقات الإقتصادية بين لبنان والإتحاد الأوروبي وإتفاقية الشراكة” :
-  عملية السلام: سيسهم دخول لبنان في شراكة مع الإتحاد الأوروبي في حث هذا الأخير على تزخيم دوره في عملية السلام.
-  عملية الإنماء والإعمار: سيعطي إتفاق الشراكة دفعاً جديداً لعملية الإنماء والإعمار في لبنان بالأخص أن الإتحاد هو أحد أهم ممولي هذه العملية وأكبر مساهم في إعطاء الهبات المالية لتمويل النهوض الإقتصادي خلال الفترة 1992¬2000.
-  فتح أسواق ٍإقليمية وأوروبية ودولية واسعة أمام لبنان: في عصر تتقلص فيه الحواجز الإقتصادية, لا يستطيع لبنان ذو السوق الداخلية المحدودة, أن يعيش على هامش التطورات والتكتلات الإقتصادية. وبالتالي, فإتفاق الشراكة سيخدم مصالح السوق اللبنانية, خصوصاً القطاعات الإنتاجية بفتح أسواق جديدة أمام المنتجات اللبنانية الصناعية والزراعية, سيما وأن الدعم الإقتصادي للقطاعات الإنتاجية, سيوفر لها قدرات أكبر على منافسة المنتجات الأخرى, وأن طبيعة الشراكة الإقتصادية تتطلب بصورة عامة تحرير السوق التجارية من القيود الجمركية.
نسجل هنا مكاسب للمفاوض اللبناني بشأن تبادل السلع الصناعية والسلع الزراعية.
بالنسبة للسلع الصناعية, “ يقوم الإتفاق الجديد على مبدأ المعاملة بالمثل حيث أن لبنان يمتنع, كما الإتحاد الأوروبي, عن إستعمال التقييدات الكمية, ويخفض لبنان رسومه الجمركية على السلع الصناعية الأوروبية المستوردة اليه بعد فترة سماح من خمس سنوات, لتصبح ملغاة تماماً في نهاية المدة الإنتقالية المحددة بـ12 سنة من تاريخ دخول الإتفاقية حيز التنفيذ. وفيما يطبق لبنان هذه الإعفاءات تدريجياً وبعد فترة سماح من خمس سنوات, يمنح الإتحاد الأوروبي الإعفاءات الكاملة للسلع الصناعية اللبنانية فور بدء العمل بالإتفاقية” .
اما في ما يخص السلع الزراعية المصنعة, فقد استطاع الوفد اللبناني المفاوض تحقيق مكاسب لجهة تصدير السلع اللبنانية الى الإتحاد, عبر حصوله على إعفاء تام للمكون الصناعي على كافة السلع الزراعية المصنعة المصدرة, بالإضافة الى اعفاء تام للمكون الزراعي على حوالى 77 سلعة مماثلة, وهو أمر لم يحصل عليه أي بلد متوسطي آخر, حيث لم تتعد نسبة التنزيل هذه الـ30 بالمئة في اتفاقية الشراكة مع مصر” . وكذلك استفاد لبنان من فترة سماح لخمس سنوات يخفض بعدها تدريجياً رسومه الجمركية على السلع الزراعية المصنعة في أوروبا والمستوردة اليه, وذلك بنسبة تبلغ 30 بالمئة على كافة الرسوم التي تتعدى الـ5 بالمئة مع الإبقاء على الحد الأدنى للإستيفاء, فيما تلغى الرسوم ذات نسبة الـ5 بالمئة في نهاية السنة الإثنتي عشرة.
وبالنسبة لتحرير التبادل في السلع الزراعية, استطاع الوفد اللبناني المفاوض ( برئاسة وزير الاقتصاد والتجارة)  “ الحصول على إعفاء تام لكافة الرسوم الجمركية المفروضة, النسبية منها والنوعية, على مجمل صادراته الزراعية الى بلدان الإتحاد, باستثناء لائحة من السلع تعفى من الرسوم فيما تخضع لنظام الكوتا. علماً بأن الوفد المفاوض تمكن من زيادة هذه الكميات السنوية أو الكوتا بعدة أضعاف مقارنة مع ما طرحه الإتحاد وما كانت عليه هذه الكميات عند بدء المفاوضات عام 1995” . وفي هذا المجال أيضاً, وفي مسار عملية تخفيض الرسوم أو التحرير الجمركي, يتمتع لبنان بفترة سماح لخمس سنوات قبل أن يباشر بالتخفيض بنسب حددها الإتفاق.
الى جانب ما تقدم سيجني لبنان فوائد عديدة منها:
¬ تطوير الإدارة ومساعدة البنية الإنتاجية التي عرضت لبعض جوانبها.
¬ تحديث القوانين والمؤسسات الحكومية, اذ سوف يتم تحديث الكثير منها لتتماشى مع متطلبات الإتفاقية, على سبيل المثال النظام الضريبي وأنظمة الملكية الفكرية والمنافسة وغيرها, وذلك سيساعد لبنان لاحقاً في مسعاه للإنضمام الى منظمة التجارة العالمية, لأن أحكام إتفاقيات الشراكة تتوافق مع النصوص الخاصة بتلك المنظمة.
¬ زيادة المنافسة, فمن شأن التبادل التجاري الحر أن يعزز مناخ المنافسة مع ما يرافق ذلك من تحسين في نوعية الإنتاج المحلي والإستفادة من الخبرات الأجنبية وتطوير البحث العلمي وتقليص الإحتكار, مما سيعود بالنفع الأكيد على المستهلك اللبناني.
¬ جذب الإستثمارات, ذلك أن شراكة لبنان مع الإتحاد الأوروبي ستكسبه مصداقية عالمية من شأنها أن تساعد على جذب الإستثمار, كما أن المستوى العلمي والتقني لليد العاملة اللبنانية المتخصصة وكلفتها المقبولة ستدفع ببعض المؤسسات الأوروبية الى إنشاء مصانع ومعامل لها في لبنان بإنتاج أقل كلفة من أوروبا, مما يؤدي الى خلق فرص عمل للبنانيين.
¬ دعم لبنان كمركز مالي وخدماتي أساسي في الشرق الأوسط والعالم العربي, وهذا ما يمكن اعتباره, بحسب دراسة وزارة الإقتصاد والتجارة, “ بعداً استراتيجياً للإتفاق ويحسن من قدرة لبنان التنافسية مع بعض الدول التي تسعى لإحتلال هذا المركز” .
ب ¬ الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية:
وفي إطار سعيه الى خوض عملية الإندماج في الإقتصاد العالمي والنظام التجاري المتعدد الأطراف, تقدم لبنان بطلب الإنضمام الى منظمة التجارة العالمية في شباط 1999 فأقر المجلس العام للمنظة هذا الطلب في نيسان 1999, مما خوّل لبنان أن يصبح عضواً مراقباً في المنظمة. تمّ تشكيل فريق عمل للنظر في قطاع التجارة الخارجية, وللإشراف على إجراءات الإنضمام. إلا أن الإنضمام يتطلب إدخال تعديلات على القوانين اللبنانية والهيكلية الإقتصادية للتلاءم مع مستلزماته.
ج ¬ مشكلة المديونية:
من المعروف أن لبنان يعاني من مشكلة المديونية التي ترهق كاهل الإقتصاد اللبناني. فالدين العام كبير, ولكنه لا يدعو الى اليأس. وتنكب الحكومة على معالجته باعتماد عدد من الحلول بالتشاور والتعاون مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وتركز هذه الحلول على:
¬ خصخصة جزء من قطاع الخدمات العامة.
¬ خفض الإنفاق العام, باتباع سياسة ترشيد الإنفاق.
¬ تخفيض نسبة العجز في الموازنة.
¬ الحد من التوظيف في القطاع العام.
¬ تخفيض نسبة الفوائد على سندات الخزينة.
¬ العمل على تنمية الإقتصاد اللبناني.
 

- آفاق الألفية الجديدة:
لا بد لديبلوماسية لبنانية نشطة أن تتفاعل مع التطور والتجدد.
من هذا المنطلق, فقد شارك لبنان في قمة الأمم المتحدة الجديدة التي انعقدت في نيويورك من 6 الى 8 أيلول 2000, بهدف تعزيز صدقية الأمم المتحدة وتفعيل دورها وقدراتها على استنباط الحلول لمشاكل الدول والشعوب في إطار منظومة دولية تتناغم مع تطلعات القرن الواحد والعشرين بكل تحدياته.
ونعتبر بأن الإعلان الصادر عنها بتاريخ 8 أيلول 2000 هو وثيقة فائقة الأهمية لما تحوي من مبادئ خلاقة وأفكار جامعة ومنسقة وخطط مبرمجة في مختلف الحقول تعي حاجات البشر ومعاناتهم ولا سيما الأضعف منهم, وتتطلع الى تأمين التنمية المستدامة ومعالجة إحتياجات ومشاكل الدول النامية في مجتمع أكثر تعاضداً وإنصافاً وعدلاً.
من البديهي أن يثمن لبنان هذا الإعلان ويستلهم مضمونه في مسيرة التجدد ويتعاون مع الأمم المتحدة لتوفير فرص نجاحه وتطبيقه.
أخلص الى القناعة بأن ثوابت سياسة لبنان الخارجية ما بعد الطائف غرفت ولا شك من وثيقة الوفاق الوطني على قاعدة وفاق اللبنانيين على تلك المسلّمات.
ولكن التحدي يكمن في مقدرة اللبنانيين على التعاطي مع عناوين المرحلة المقبلة لتجنيب لبنان تداعيات الأحداث المتسارعة على الساحتين الإقليمية والدولية والحفاظ على مكاسب التحرير وإستكمال المسيرة وتحقيق تطلعات اللبنانيين المشروعة, وهذا يتطلب صون الوحدة الوطنية, عماد كل عمل ناجح, وتعزيز التضامن العربي والثبات في الأهداف, مع إعتماد المرونة في الوسائل ومقاربة الأمور بموضوعية وحكمة.
من واجب السياسة الخارجية العمل على تحصين منجزات السياسة الداخلية مع ترابطهما الوثيق في حال القوة وحال الضعف فالعلاقة بينهما جدلية دائمة. كما أن من واجب السياسة الداخلية تحصين منجزات السياسة الخارجية بالسلم الأهلي والأمن والأمان لكي تثبت وتترسخ وتحظى بإحترام العالم.