محاضرة

الوزير زياد بارود في كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان
إعداد: ندين البلعة
باسكال معوّض بو مارون

اللامركزية الإدارية مئة سؤال وأكثر من مئة جواب

 

استضافت كلية فؤاد شهاب للقيادة والأركان وزير الداخلية والبلديات زياد بارود الذي ألقى محاضرة بعنوان «اللامركزية الإدارية في لبنان»، حضرها العميد الركن علي الحاج سليمان قائد الكلية ممثلاً العماد جان قهوجي قائد الجيش، الى ضباط ملاك الكلية وضباط دورتي الأركان 24 وقائد كتيبة 36.

 

مفاعيل اللامركزية الإدارية
«تأكدت المفاعيل الإيجابية للامركزية الإدارية في الكثير من البلدان، من هنا يمكن تطبيقها في لبنان على أن توزّع التقسيمات الإدارية على الأراضي اللبنانية وفق معايير تحرص على مصالح الشعب». بهذا التوضح بدأ الوزير زياد بارود محاضرته عن اللامركزية مشدّداً على «الإدارية» تجنّباً للغط الذي يسود لدى اللبنانيين بين اللامركزية الإدارية واللامركزية السياسية «غير القائمة لا على المستوى النظري ولا على المستوى العملي»، وقد شكّلت وثيقة الوفاق الوطني أو ما يسمّى باتفاق الطائف، الأساس لحدود اللامركزية الإدارية ومعاييرها كوسيلة تنموية للمناطق.

 

تساؤلات وانتقادات
تُطرح في هذا المجال أسئلة كثيرة ومتنوعة تحتمل تعدّد الإجابات وتواجه الإنتقادات.
ما هي إمكانات اللامركزية الإدارية في تحقيق التوازن؟ ما هي إمكانات تنفيذها في ظل التعددية في بلد كلبنان؟ وهل يحتاج لبنان، بمساحته الصغيرة، الى استحداث سلطات محلية تضاف الى تقسيمه الإداري الحالي؟ كيف نزاوج بين سلطات لا حصرية وأخرى مركزية على هذه البقعة الصغيرة؟ كيف نتجنّب تضارب الصلاحيات وعدم كفاية الموارد في المناطق؟
الجواب الأساسي ورد في اتفاق الطائف: «لبنان دولة واحدة موحّدة ذات سلطة مركزية قوية».... فاللامركزية لا تلغي دور السلطة المركزية. أي أن الدولة اللبنانية هي حاجة قصوى تدعمها الإدارات اللامركزية التي يمكنها أن تؤدي الى ضرب الإنماء المتوازن في حال غياب السلطة المركزية، نظراً الى عدم تكافؤ الموارد بين المناطق.
وتناول بارود عدّة بنود من اتفاق الطائف تتعلق بهذا الموضوع، وتحتاج كلها الى الدراسة وإعادة الصوغ. فتوسيع صلاحيات المحافظ والقائمقام، وتمثيل جميع إدارات الدولة في المناطق على أعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم محلياً - وهذا ما يسمى اللاحصرية - مثلاً، يفترض إعادة النظر بالتقسيم الإداري الذي يعود للعام 1959 (وقد عُدِّل مرتين)، بما يؤمّن الإنصهار الوطني ويضمن الحفاظ على الوحدة الوطنية.

 

نقاط أخرى للمناقشة
اعتماد اللامركزية الموسّعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه قائمقام تأميناً للمشاركة. هذا البند يطرح في طياته عدة مشاكل وتساؤلات، إذ يحتّم ايضاً إعادة النظر في التقسيم الإداري. فعلى أي أساس يتم انتخاب مجلس لكل قضاء؟ وكيف يكون القائمقام رئيساً للمجلس وهو منتخب من الدولة وليس مستقلاً عنها؟
اعتماد خطة إنمائية شاملة في البلاد قادرة على تعزيز الإنماء في المناطق، فلا يتمّ بالإعتماد على اللامركزية فحسب بل بإشراف الدولة المركزية ومساعدتها... وغير ذلك من التساؤلات والبنود غير الواضحة التي تفترض إعادة النظر بالتقسيم الإداري قبل البحث في اللامركزية، ولكن هذا الموضوع هو سياسي بامتياز كما يؤكد بارود.

 

مشاريع
الوزير زياد بارود أورد خلال محاضرته مشاريع واقتراحات تقدم بها بعض الجهات في ما يختص بتوضيح اللامركزية الإدارية في لبنان وتحديد أطرها، ولكنها بقيت كالحلقة المفرغة تطرح مشاكل وعراقيل أخرى جديدة، مثل اقتراح النائب أوغست باخوس (1995)، اقتراح لجنة الإدارة والعدل وتحديث القوانين (1997)، مشروع حكومة الرئيس سليم الحص (1999)، ومؤخراً اقتراح لجنة تحديث القوانين، أو النائب روبير غانم رئيس لجنة الإدارة والعدل (2007) وهو المشروع المتداول اليوم.

 

اللامركزية المالية
إن اللامركزية الإدارية تحتّم لامركزية مالية، فهناك قول فرنسي يذكر بأن تحويل الصلاحيات يحتّم تحويل المال. فاللامركزية الإدارية ترتبط بالإنماء المحلي المتوازن والذي يجب أن يكون من مسؤولية السلطتين المركزية واللامركزية.
وهنا يجب الإشارة الى أن ثقة المواطن بالسلطة المحلية هي أقوى من ثقته بالسلطة العامة،  فالمحلية يهمّها تأمين الخدمات لأبنائها لتقرّبهم منها فينتخبوها.
أما مصادر التمويل فمتعددة: رسوم لقاء خدمات، ضرائب مباشرة وغير مباشرة، الموازنة، مصادر حكومية (في لبنان 27٪ عبر الصندوق البلدي المستقل)، واردات الصندوق...
وهنا يُطرح السؤال: هل يجب المحافظة على اتحاد البلديات وإيجاد مجلس قضائي في الوقت عينه؟ وكيف يتمّ التمويل وما الفائدة؟ وهل نتّجه نحو الدمج أم نحو إلغاء إحدى السلطتين؟

 

الداخلية والبلديات
ما هو دور وزارة الداخلية والبلديات، وماذا بعد؟
تعمل الوزارة منذ العام 2008 على هذا الموضوع وتدعم مجلس النواب في بحثه لاقتراح قانون في هذا المجال، ولكنها تبحث عن إجابات استراتيجية لمشروع القانون قبل صياغته.
وقد أصدرت وزارة الداخلية والبلديات كتاباً يتضمّن مئة سؤال. الأسئلة طُرحت على خبراء وهي تقارب اللامركزية استراتيجياً وتفصيلاً. وبما أن الشيطان يكمن في التفاصيل وفي الأسئلة الجوهرية، تضمّن الكتاب أكثر من مئة جواب عن هذه الأسئلة، فبعضها يحتمل تعدّد الإجابات. ولكن على المقرِّر أن يحسم قراره.
ويختتم الوزير بارود محاضرته بالقول «إن هذا الكتاب هو  للبحث على مستوى المناطق والقطاعات كافة لأننا نصبو الى لامركزية إنمائية. فنحن بحاجة الى تشريع لامركزي يلبي الحاجات ولسنا بحاجة الى مجالس منتخبة إضافية.
أما الجيش، فهو ما يزال صلب المؤسسات الضامنة التي أسسها الرئيس فؤاد شهاب والتي ما زالت قائمة حتى اليوم، وهو معني بالتنمية والتشريع وكل مجالات الإنماء».

 

شكر
في الختام شكر الوزير بارود الجيش والكلية التي ردّ قائدها بالشكر والإمتنان للوزير بارود مشيداً بشخصيته وشفافيته، مشدّداً على تميّز أسلوبه وطريقة عرضه المواضيع. وأضاف: «لقد تعلّم الضباط التلامذة من خلال هذه المحاضرة أسلوب عمل ونهج متّبع وطريقة تفكير في القيادة المستقبلية.
أما على الصعيد الوطني فيمكن القول إن التغيير في لبنان صعب جداً، نستهلك الزمن لتطوير خطوة صغيرة في ظلّ هذا التسارع المطلق في العالم. لذا نحن بحاجة الى التغيير في طريقة تفكيرنا في هذه الكلية كي ننشئ قادة يستطيعون مواكبة التطورات ومواجهة التحديات المستقبلة».
وختاماً قدّم قائد الكلية درع الوحدة الكبرى للوزير بارود.