عسكريون في السياسة

الوزير منجيان:
إعداد: جان دارك أبي ياغي

في منزله في بلدة بياقوت إستقبلنا الوزير العميد الركن المتقاعد بانوس منجيان بحرارة، وكأننا أعدناه بالذاكرة إلى أيام الخدمة العسكرية... لوحات زيتية تزيّن جدران قاعة الإستقبال بريشة خاله الفنان المقيم في أميركا. من الصفحة العسكرية بدأ الحديث معه، ففتح ألبوم ذكرياته المؤرّخ باليوم والشهر والسنة.


«كسياسي مهما قدّمت للجيش فلا فضل لي في ذلك وخبرتي العسكرية بتصرّف مجلس الوزراء»

 

من هو؟
الوزير العميد الركن المتقاعد بانوس منجيان من مواليد 3\12\1952 عنجر - البقاع.
يقول: في هذه البلدة نشأت وترعرعت وتعلمت في مدارسها الأرمنية لغاية صف البروفيه. حبي للعلْم دفعني الى الإنتقال إلى بيروت العام 1968 حيث تابعت تحصيلي في المدرسة الأرمنية الإنجيلية العالية - بيروت إلى أن تخرّجت حائزًا شهادة البكالوريا اللبنانية القسم الثاني.
على الرغم من إنتقالي إلى المدينة، ما زالت بلدة عنجر الأحبّ إلى قلبي فلي فيها ذكريات لا تمحى، كما أنني أحب طبيعة أهلها الذين ما زالوا يتصرفون على سجيتهم. ما زلت أقصدها كل يوم أحد للوقوف على مشاكل أهلها ولإيجاد فرص عمل لأبنائها الشباب والحدّ من نزوحهم إلى المدينة. ويضيف: لا تخلو الزيارة في بعض الأحيان من سرقة بعض الوقت لزرع نبتة أو تشحيل أغصان شجرة في حديقة المنزل فالعمل في الأرض يستهويني.


• متى تطوّعت في الجيش؟ وما هي أبرز المحطات في حياتك العسكرية ؟
- لقد زرع المرحوم والدي الذي كان رقيبًا في الجيش (تقاعد العام 1957)، حب المؤسسة العسكرية في نفوسنا مذ كنا يافعين، هذا الأمر كان في طليعة العوامل التي دفعتني إلى دخول المدرسة الحربية، كما أن الظروف المادية الصعبة في ذلك الوقت جعلت هذا الخيار منطقيًا. تطوّعت بصفة تلميذ ضابط سنة أولى بتاريخ 12\11\1972، وكنت الأرمني الوحيد بين 220 تلميذًا. وبتاريخ 1 آب 1975 تخرّجت برتبة ملازم وبدأت جولتي في الحياة العسكرية في مختلف الوظائف القتالية بدءًا بآمر فصيلة، آمر سرية، مساعد قائد كتيبة، قائد كتيبة، رئيس قسم في لواء، رئيس أركان لواء، مساعد قائد لواء، قائد اللواء العاشر بين العامين 2000 و2005، نائب رئيس الأركان للتخطيط ما بين العامين 2005 و2010 (تاريخ إحالتي على التقاعد). في هذا المنصب خدمت ثلاث سنوات مع فخامة الرئيس ميشال سليمان يوم كان قائدًا للجيش، وسنتين مع العماد جان قهوجي في قيادة الجيش. كما تابعت عدة دورات في لبنان والخارج. وبذلك أكون قد خدمت في الجيش 38 سنة و20 يومًا.

 

الحياة العسكرية
• كيف تقيّم تجربتك بعد 38 سنة من الخدمة العسكرية؟
- من يقول إنّ الحياة العسكرية سهلة فهو على خطأ، ومن يقول إنّ الحياة العسكرية صعبة فهو على خطأ أيضًا. الحياة العسكرية حلوة ومُرّة. حلاوتها تتلخّص في شعارها: شرف، تضحية، وفاء. فإذا ما طبقنا هذا الشعار في الحياة العسكرية، تسهل علينا الحياة المدنية بكل أوجهها.
أما مرارتها فتكمن في التضحيات التي يقدّمها العسكري لتلبية نداء الواجب. فكم من مرة يغيب عن تأدية واجباته البيتية والعائلية لضرورات الخدمة! هذه التضحيات تقدّرها المؤسسة العسكرية من خلال توفير الضمانات اللائقة لحياة كريمة للعسكري، والتي لا نجدها في المؤسسات المدنية، كتأمين الطبابة المجانية له ولعائلته، النقل المشترك، التعليم... وهذه أبسط حقوقه خصوصًا في زمن الحرب، أيام الحجز، وغيرها...
إلا أنّ الحسد يلاحق العسكريين خصوصًا الضباط منهم عندما يتولون مناصب عليا في القيادة، فكثير من الناس يتناسون ما نقدّمه من تضحيات وينظرون فقط إلى ما يتاح لنا من ضمانات. شخصيًا حرمت من زيارة بلدتي لرؤية أبي وأمي على مدى 8 سنوات، ولم أحضر ولادة أي من أبنائي الثلاثة،  وتعرّضت للإصابة...

 

زاد المؤسسة

• ما هو الزاد الذي خرجت به من المؤسسة العسكرية؟
- تعلّم الإنضباط بدأ في التربية البيتية، كما سبق وذكرت، وقد انعكس على تصرفاتنا وعلى مظهرنا الخارجي. أما الزاد الذي منحتني إياه المؤسسة العسكرية فكبير جدًا: حب الوطن والتضحية من أجله واجب على كل واحد منا، الصدق في التعامل مع الناس، الإخلاص في العمل، والإخلاص لرفاق السلاح...
باختصار، زادي من المؤسسة هو الشرف والتضحية والوفاء.


• بالإنتقال إلى السياسة، بعد تقاعدك من الجيش تمّ اختيارك وزيرًا، كيف تقيّم تجربتك السياسية؟
- الفترة التي أمضيتها في الحياة السياسية قصيرة جدًا، لذا لا يمكنني أن أقول إنّها تجربة ناجحة أو فاشلة. جلّ ما يمكن قوله هو أنني لم ولن أعتاد على الكذب والنفاق السياسي فهذه  ليست من خصائص المجتمع العسكري. لذا يصعب علي أحيانًا التعاطي مع بعض السياسيين وليس جميعهم.


• كوزير دولة في الحكومة، ما هي مهمتك؟
- مذ عينت وزيرًا في الحكومة، اطلعت على مهمات وزير الدولة. ما أقوم به قبل انعقاد أي جلسة لمجلس الوزراء هو درس بنود جدول الأعمال بتأن كما لو أنني أضع خطة عسكرية، مع العلم أن لا اختصاص لي في غالبيتها، لكنني أسأل عن ماهيتها، أقوم بأبحاث عنها كي أكون مستعدًا لمناقشة أصحاب الشأن خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء. الفرق بين وزير دولة ووزير مع حقيبة ينحصر في المهمات الوزارية. في ما عدا ذلك لا فرق إذ نشارك في مناقشة الإقتراحات والتصويت عليها. هنا يسجّل لي اعتراضي على اقتراحات أو مشاريع قوانين مخالفة وهذا نابع من تربيتي العسكرية الرافضة لمخالفة القوانين. إذا أردنا اختصار مهمات وزراء الدولة في الحكومة فهي مراقبة أعمال كل الوزارات إلى جانب مشاركتهم في لجان مهمتها درس مواضيع لا مجال لدرسها خلال انعقاد جلسة مجلس الوزراء.


• للمجتمع العسكري خصائصه ومميزاته، ماذا تحمل معك منها إلى السياسة؟
- أحاول تطبيق ما حملته معي من المؤسسة العسكرية بين رفاقي الوزراء. المشكلة تكمن في ارتباط كل وزير بتياره السياسي، وأنا واحد منهم. أحيانًا يسايرون نظرتي إلى الأمور ولو على حساب قناعاتهم الخاصة، إلا أنّ الأمور لا تستقيم بهذه السرعة.

 

ما زلت العميد...
• ماذا قدّمتم للجيش من موقعكم السياسي؟
- يجب على كل ضابط مهما تقدّم في الوظائف العامة ألّا يتنكّر للمؤسسة العسكرية التي أعطاها أجمل سنين حياته وبادلته العطاء بالعطاء. ولغاية اليوم، معظم السياسيين في مجلس الوزراء وخارجه يعتقدون أنني ما زلت العميد منجيان وليس الوزير. ومهما قدّمت للمؤسسة العسكرية من موقعي السياسي فلا فضل لي في ذلك بعد أن أمضيت في رحابها 38 سنة. اليوم أنا أضع هذه الخبرة العسكرية الطويلة بتصرّف مجلس الوزراء عمومًا  ووزير الدفاع خصوصًا، إذ كثيرًا ما أستشار في مواضيع  تخص وزارة الدفاع ومؤسسة الجيش. على سبيل المثال لا الحصر، كان لي دور إلى جانب آخرين في مجلس النواب في إقرار سلسلة الرتب والرواتب للعسكريين، قانون الحوافز، العمل على خطة تسليح الجيش.


• أي لقب تحبه أكثر: معالي الوزير أو العميد منجيان؟
- أُسأل هذا السؤال كثيرًا والجواب هو لقب العميد منجيان، لأنه سيرافقني مدى الحياة.


• هل من كلمة أخيرة؟
- أولاً، أتمنّى لمؤسسة الجيش أن يحميها الله من كل مكروه، بدءًا بالعماد جان قهوجي قائد الجيش وصولاً إلى آخر عسكري في آخر موقع إداري أو قتالي، مرورًا بكل العاملين في المؤسسة من موظفين وموظفات مدنيين.
ثانيًا، أوجّه تحية إلى العماد قهوجي، ورئيس الأركان اللواء الركن وليد سلمان الذي ترافقت وإياه يوم كان رئيس أركان اللواء العاشر، وتحية أيضًا إلى أسرة مجلة «الجيش» وعناصر مديرية التوجيه وعلى رأسهم مدير التوجيه العميد الركن حسن أيوب.
قبل المغادرة، توقفنا أمام زاوية صغيرة (هذا ما سمحت به ست البيت يقول العميد منجيان مازحًا) مزروعة بدروع تذكارية لها مكانتها الخاصة بالنسبة إليه، حصل عليها في مناسبات عديدة داخلية وخارجية. أما اللوحة المميزة فهي لوحة الرتب العسكرية التي تؤرّخ تدرّجه بالخدمة من رتبة ملازم ولغاية رتبة عميد.


تصوير: العريف بلال عرب