باختصار

الوزّاني
إعداد: العميد الركن حسن أيوب
مدير التوجيه

في الأوّل من آب، يوم عيد الجيش اللبناني، تواصل حضور المدعوّين إلى المدرسة الحربيّة لحضور الاحتفال بالعيد، وتكحيل العيون بفرحة تخريج الضبّاط الجدد. تحتّم التّقاليد في تلك المدرسة العسكريّة العريقة مراعاة الأصول واحترام الأنظمة التي يأتي في مقدّمها التقيّد بلحظات الوقت ودقائقه وثوانيه. وصل قائد الجيش، ثم حضر وزير الدفاع، ثم رئيس الحكومة، فرئيس المجلس النيابي. وختاماً رئيس الجمهورية. وكانت الموسيقى العسكريّة تعزف خلال ذلك مقطوعات الاستقبال والتّكريم والتّعظيم. أمّا علم الجيش، الّذي بكّر في الوصول، فكان يرفرف في المكان المحدّد، زاهياً مبتهجاً، يغمر الجميع بنصاعته وسموّ معانيه، ويتوجّه بابتسامته إلى التلامذة الضبّاط اللامعة عيونهم في كنف جباه مشرقة بالعزّة والكرامة ومجلوّة بالعرق المتصبّب في ذلك اليوم المتوهّج اللاهب. الأهل كانوا ينتظرون بين المدعوّين والوحدات العسكريّة تتأهّب لإحياء اليوم الأغرّ: يوم التّخرّج، يوم بزوغ النّجمة فوق الأكتاف الصّلبة الشّامخة.
وفيما الجميع شاخص البصر إلى الملعب الأخضر، والصّمت يمدّ اليدين إلى الأفواه كلها، تمريراً لنجاح النّداءات التّمهيدية والأوامر العسكريّة وتلاوة مراسيم التّرقيات، وصل أحد الضّيوف متأخّراً على غير عادات الضّيوف في الاحتفالات الكبيرة. العجب كان في أنّ الرّسميين أفسحوا فوراً للضّيف المتأخّر في مقدّم المنصّة، وباحترام. وتلفّت الجمهور إلى الضيف بعين الرّضا والإعجاب. لم يكن هناك لوم أو انتقاد أو عتب. لم ينظر أحد إلى ساعة يد الضيف الكبير ليقول على عادته: هه، لا يمكن للّبناني أن يصل في الوقت المحدّد! لم يحصل شيء من ذلك. كلا لم يحضر الضيف الكبير فله مبرراته الكبيرة. إنّه الوزّاني، النهر اللبناني الذي لم يستطع مشاركة الأهل فرحة تخرّج أبنائهم، فلقد شُغل مع جنود بلاده بردّ دوريّة إسرائيلية عدوّة حاولت التّقدم إلى أرض الوطن في يوم الجيش ولبنان، وكاد أن يتلوّن ماؤه بالقاني لو تطورت الأمور إلى الأسوأ، وهو لا يهابها، وبواسل الجيش لها.
في النّهاية خابت آمال العدوّ، فهو لم يلقَ أرضاً مقفرة كما كان يظنّ، وسقط افتراضه أنّ المؤسّسة العسكريّة بأكملها مشغولة بالاحتفال العسكري في الفيّاضيّة، فانسحب وابتعد، وراح يروّج لسقوط شهيد من جيش لبنان، لكنّ الشّهيد المفترض كان حيّاً يتبادل التّهنئة بالسّلامة مع رفاقه، وهو سيبقى حياً بالتأكيد في نفوس هؤلاء لو استشهد في ساحة الشّرف.
لقد زيّن الخيال لإسرائيل أنّ الجيش اللّبناني لا يستطيع القيام بمهمّتين: الاحتفال وحماية الأرض، وغاب عن بال قادتها أنّ هذا الجيش يثلّث المهمات ويسبّعها، وأنّ جنديّه يسهر على حماية الوطن بعينين، وينام، لو نام في فترة النوم، بعين واحدة، فهناك عين تثبّت نظرها عند مصوبة البندقيّة، تنظر وتحدّق، في السّلم والأمان، كما في الحرب والخطر.