طاقة مستدامة

الوقود الحيوي ومصادره
إعداد: الدكتور حسين حمود

الفضلات والمخلّفات مصدر لطاقة مستدامة

 

ازداد في السنوات الأخيرة اهتمام العالم بالوقود الحيوي كأحد مصادر الطاقة البديلة وذلك بعد اعتماد البشرية لعدة عقود على الوقود الأحفوري الذي تسبّب بتغيرات مناخية حادة على كوكب الأرض.
الوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية النباتية أو الحيوانية على السواء. وهو أحد أهم مصادر الطاقة المتجددة.

 

الجيل الأول والجيل الثان
بدأت بعض المناطق بزراعة أنواع معينة من النباتات لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي. من هذه النباتات الذرة وفول الصويا في الولايات المتحدة الأميركية واللفت في أوروبا، وقصب السكر في البرازيل، والنخيل في جنوب شرق آسيا. كذلك يتم الحصول على الوقود الحيوي من التحليل الصناعي للمزروعات والفضلات وبقايا الحيوانات التي يمكن إعادة استخدامها، مثل القش والخشب والسماد، وقشر الأرز، أمّا نفايات المنازل، والورش والمصانع، ومخلفات الأغذية فيمكن تحويلها إلى غاز حيوي.
يتميّز الوقود الحيوي الذي نحصل عليه من النباتات كالذرة وقصب السكر وفول الصويا عن النفط بأنه أكثر استدامة، أي أنه متجدّد وتأثيره على البيئة أقل، وهذا ما يعرف باسم الجيل الأول من مفاعلات الوقود الحيوي. غير أن هذه الميزات الإيجابية كانت على حساب غذاء الإنسان وطعامه حيث أن إنتاج الوقود الحيوي من المحاصيل الزراعية يتطلب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، في الوقت الذي يعاني الملايين في العالم من الجوع بسبب نقص المواد الغذائية الضرورية. وقد تمّ تطوير تقنيات جديدة لتحويل المخلفات العضوية والزراعية، كسيقان الذرة وقمامة المدن، لإنتاج الوقود الحيوي بدلًا من المحاصيل الزراعية، وبذلك أصبحنا أمام ما يعرف باسم الجيل الثاني من مفاعلات الوقود الحيوي.

 

مصادر الوقود الحيوي
دفع ارتفاع أسعار الوقود وتغيّر المناخ العالمي بعض الباحثين إلى العمل على استكشاف مصادر أخرى غير النفط للحصول على الوقود، وتعتبر المواد العضوية واحدة من هذه المصادر. تحتوي النباتات كالذرة وفول الصويا على خلاصات الوقود التي يمكن تحويلها إلى الإيتانول أو وقود الديزل الحيوي. ويحدد تروي رونج مدير مبادرة الطاقة الحيوية في ولاية ويسكونسن الأميركية عشرة مصادر للوقود الحيوي، هي وفق الآتي:

 

1- السليلوز:
يشير السيد رونج إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وحدها يمكن أن تحصد نحو 1,3 مليار طن من مادة السليلوز لاستخدامها كوقود حيوي، والسليلوز هو من الألياف الموجودة في الأشجار مثل شجر الحور والصفصاف، وحتى سيقان الذرة بعد الحصاد يمكن أن تستخدم للحصول على الوقود البيولوجي السليلوزي. وبما أن السليلوز موجود بوفرة يمكن إعادة إنتاجه واستخلاصه باستمرار، وهو يعد واحدًا من أنظف المحروقات، وقد صنفه رونج بأنّه الوقود رقم 1.

 

2- الطحالب:
يمكن للطحالب تخزين ما يصل إلى 50% من وزن أجسامها من الدهون التي يتمّ تحويلها إلى غاز لإنتاج الإيتانول. وهي تنمو بسرعة كبيرة، لذلك تعتبر من المحاصيل القادرة على تلبية المطالب العالية للطاقة على المدى الطويل، أما سلبيات هذا المصدر فتكمن في حقيقة تشابك الطحالب مع بعضها البعض بسبب نموها السريع ما يحجب الضوء ويعيق عملية التمثيل الضوئي ويتسبب في نفوق كميات هائلة منها. هذه المشكلة تجعل الطحالب في المرتبة الثانية.

 

3- الذرة:
تعتبر الذرة من أكبر مصادر الوقود الحيوي في الوقت الراهن، ويعتبر الإيتانول المستخرج منها أكثر استدامة من البترول، ولكنها تشكل محورًا للمناقشات حول استخدام المحاصيل الزراعية للحصول على الوقود. وباختصار فإن الذرة كما قصب السكر من أفضل الخيارات المتوافرة حاليًا، ولكن استخدامها قد يتلاشى بمرور الزمن.

 

4- فول الصويا:
ظلّ فول الصويا وقودًا حيويًا شائعًا لعدة سنوات إذ يتم تقطير الزيت المستخرج من البذور ليتحوّل إلى وقود للطائرات. ولكن المشكلة تكمن في الجدل القائم حول كونه يشكّل طعامًا لكثير من الناس. لذلك يتردّد الباحثون في الاعتماد عليه وعلى سواه من المحاصيل الغذائية التقليدية كمصادر للوقود.

 

5- قصب السكر:
يعتبر قصب السكر المصدر الثاني الأكثر استخدامًا على نطاق واسع بعد الذرة، غير أنّ هذا الترتيب قد يتغيّر في العقد القادم. وينمو قصب السكر بوفرة في الأجزاء الحارة من العالم وقد ساعد بلدانًا مثل البرازيل بأن تصبح ذات مصادر طاقة مستقلة. والإيتانول المستخرج من قصب السكر ليس مناسبًا كوقود للسيارات لأنّه يمكن أن يلتصق بالمحركات القديمة، ولكن مزج البنزين بنحو 20% من الإيتانول يحسّن كفاءة الوقود بنسبة 100%. إنّما المشكلة في قصب السكر أنّه لا يزرع إلّا في المناطق الإستوائية.

 

6- الكاملينا والجانروفا:
الكاملينا والجانروفا هما من مصادر الوقود التي يمكن العثور عليها في جميع أنحاء العالم، ويعتبر الوقود المنتج من هاتين النبتتين أعلى أنواع الوقود الحيوي جودةً، ويمكن زراعتهما في المناطق الجافة للغاية. وتوفّر نباتات الكاملينا والجانروفا الكثير من الخيارات التي لا توفّرها المواد الأولية الأخرى.

 

7- بذور اللفت:
يُعرف زيت بذور اللفت باسم زيت الكانولا، واللفت ينتشر بشكل واسع في جميع أنحاء كندا والولايات المتحدة، وبذور اللفت رخيصة الثمن وتنتج منها محروقات أنظف بكثير من البترول. غير أنّ السؤال المطروح: هل من الممكن إنتاج ما يكفي لتلبية احتياجاتنا؟ فإنتاج كمية كبيرة من هذا الوقود يحتاج إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على الرغم من أنّ اللفت نبات مناسب للمنتجات الخاصة مثل وقود الديزل الحيوي ووقود الطائرات.

 

8- غاز الميتان:
هناك أسطول كامل من الحافلات في ستوكهولم (السويد) يعمل بغاز الميتان، ويتم الحصول على هذا الغاز من المواد العضوية المتحللة، كالمواد الغذائية والسماد وغيرها من المخلّفات. يعتبر هذا الغاز من أنظف أنواع الوقود المستخدمة حاليًا. وفي حين يجري إنتاجه كوقود للسيارات في أوروبا وبعض المدن الأميركية، إلّا أنّ المشكلة هي في التعديلات التي يجب أن تخضع لها معظم تصاميم السيارات لتصبح قابلة لاستخدام هذا الوقود.

 

9- الدهون الحيوانية:
من الممكن تحويل بقايا الدهون من المنتجات الغذائية الحيوانية إلى زيت واستخدامه كوقود للسيارات والشاحنات، غير أنّ عملية جمع الدهون من مكبات المخلفات أو مطاعم الوجبات السريعة ليست سهلة، وهذا يجعل ترتيب الدهون الحيوانية في أسفل قائمة أنواع الوقود الحيوي.

 

10- المخلّفات الورقية:
يمكن اعتبار الورق المعاد تدويره ونشارة الخشب، من المصادر المحتملة للوقود الحيوي، ويعتقد الباحثون أنّ مخلّفات صناعة الورق يمكن تحويلها لإنتاج الوقود الحيوي. مع ذلك فتحويل العديد من هذه المواد إلى وقود يواجه مشاكل ممّا يجعل الكلفة عالية. وبالتالي فإنّ فرصة استخدام مخلّفات الورق كوقود حيوي محدودة.

 

مراحل صناعة الوقود الحيوي
شهدت صناعة الوقود الحيوي تطورات كبيرة منذ مطلع القرن الحالي، حيث استخدمت سابقًا بعض المنتجات الزراعية، كالذرة وقصب السكر وغيرها لإنتاج الوقود الذي استخدم لتشغيل محركات بعض وسائل النقل. وقد لاقى هذا النوع من الوقود دعمًا قويًا نظرًا لكونه وقودًا متجددًا ويمكن أن يكون بديلًا عن الوقود الأحفوري، كما أنّه نظيف وأقل تلويثًا للبيئة. غير أنّ هذه المميزات الإيجابية كانت على حساب غذاء الإنسان وطعامه، ما أدى إلى تطوير الجيل الثاني من مفاعلات الوقود الحيوي التي ستعمل على إنتاج وقود يمكن استعماله بشكل مباشر في المحركات أو خلطه مع الوقود الأحفوري. وقد لقيت هذه التقنية دعمًا كبيرًا من عدد من الشركات العالمية والجهات المهتمة بالطاقة.