الولايات المتحدة : التلاعب في معايير العلاقات الخارجية

الولايات المتحدة : التلاعب في معايير العلاقات الخارجية
إعداد: أ.د. ميشال نعمة
استاذ في القانون الدولي

إثر الحرب العالمية الثانية تحركت الولايات المتحدة الأميركية بسرعة لتثبِّت نفسها القوة الأولى في الشرق الأوسط حيث كانت سياستها آنذاك تركز، وبصورة رئيسة، على أن لا تقع دول هذه المنطقة تحت سيطرة الأنظمة القومية. وذاقت طعم التهديد الأول على هذا الصعيد في إيران عندما أمّم الرئيس المننتخب ديموقراطيًا محمد مصدَّق، مدعومًا من الشعب الإيراني، شركة النفط الإيرانية البريطانية. فخطَّط كيرمت روزفلت المشارك في وكالة الإستخبارات المركزية لانقلاب أطاح مصدق ليحل الشاه مكانه. وتعهَّدت الولايات المتحدة الأميركية قوة الشاه بالدفق الهائل من المساعدات فيما عزَّز الشاه الاستخبارات الإيرانية – السافاك.

وكذلك قلقت الولايات المتحدة الأميركية من صعود الرئيس جمال عبد الناصر في مصر، وهو الضابط العسكري القومي الذي وصل إلى السلطة بعد انقلاب العام 1952 وبات قطب الجاذبية للحركات العربية.

أدخلت هذه الأحداث المصالح الأميركية في المنطقة في ظروف الحرب الباردة الآيلة إلى منع أي هيمنة سوفياتية، على الرغم من أنه كان واضحًا أن أي نظام يحاول الخروج من فلك الولايات المتحدة، سواء كان مرتبطًا بروسيا أو لا، سيعتبر معاديًا. ولقد نصَّ أول مذهب، مذهب أيزنهاور، من سلسلة المذاهب السياسية التي رسمت الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط على أن الولايات المتحدة جاهزة لاستخدام القوات المسلحة لنصرة أي دولة شرق أوسطية "تطلب المساعدة ضد أي عدوان مسلَّح يُشنُّ عليها من أي دولة تحت سيطرة الشيوعية الدولية."

عكس هذا المذهب غضب واشنطن من توجُّه الرئيس جمال عبد الناصر إلى الكتلة الشرقية للحصول على السلاح. وكانت الولايات المتحدة قد رفضت تسليح مصر ما لم توافق على الانضمام إلى الحلف الأمني الاقليمي، حلف بغداد، الذي ترعاه. وهكذا خضع مذهب ايزنهاور سريعًا للاختبار ضمن سلسلة تطورات في المنطقة بدا أنها لتعزيز موجة القومية. في الأردن هُدِّد الملك حسين من قبل مجلس النواب الذي انتخب حينها وكان مواليًا للرئيس عبد الناصر.

العام 1958 أعلنت أالوحدة بين مصر وسوريا تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة، وفي الفترة نفسها في لبنان أعلن قوميون عرب المقاومة ضد حكم كميل شمعون. بيد ان الأمر الأكثر اهمية بالنسبة للولايات المتحدة كان الانقلاب العسكري القومي الذي أسقط في العراق عامذاك الرئيس العراقي، البريطاني الولاء، نوري السعيد. فهذا الحدث شكل ضربة قاسية لسمعتها في المنطقة وهدَّد مصالحها النفطية.

خشي المسؤولون الأميركيون أن يعاود النظام العراقي الجديد تأكيد حقِّه التاريخي بدولة الكويت، هذه البلاد الصغيرة جدَّا التي أسستها السلطة البريطانية لتحول دون سيطرة أي دولة أكبر على منطقة ستكون الأضخم في الخليج في إنتاج النفط. لذلك، وعقب اجتماع طارئ ضمّ كلا من وزير الخارجية الأمركية جون فوستر دالاس، ورئيس هيئة الأركان المشتركة ناثان توينينغ، ومدير الاستخبارات الأميركية CIA آلن دالاس، صدرت مذكرة أكدت أنه ما لم تتدخَّل الولايات المتحدة الأميركية "فسوف تفقد نفوذها"، و"تتعرَّض قواعدها للخطر"، وستكون صدقيتها موضع شك عبر العالم.

وكذلك قلقت السلطة الأميركية من الخطر القومي الذي سيفيد كثيرًا من الامتيازات النفطية في الكويت والعراق.

من ناحية ثاانية، وخشية على حكمه من السقوط، طلب الرئيس اللبناني الأسبق كميل شمعون من الولايات المتحدة دعمها طبقًا لمذهب أيزنهاور. ولما كانت تضع عينها على العراق، التقطت الحكومة الأميركية هذه الفرصة فأعلنت التأهب النووي، وحشدت قوة ضاربة ضخمة جاهزة للتدخل عندما تدعو الحاجة، وأنزلت حوالى 14000 رجل من مشاة البحرية على الشاطئ اللبناني. وعندما تعهَّد النظام العراقي الجديد احترام التزاماته سحبت الولايات المتحدة قواتها. إذن، ما تبع انقلاب العراق، وإنزال القوات في بيروت، كان فهمًا جديدًا لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط، أي أن التغيّرات السياسية كانت ممكنة طالما أن مصالح الولايات المتحدة الأميركية الاستراتيجية مصونة.

 

"العلاقة الخاصة" مع إسرائيل

منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم، كانت إسرائيل الحليف الوحيد الأكثر أهمية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكانت تؤدي الدور المرسوم لها كحارس في المنطقة. من أجل هذا، تلقَّت من الولايات المتحدة عونًا عسكريًا وماديًا أكثر من أي دولة أخرى في العالم. وكتب ستيفن زونس في هذا الصدد: "علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل فريدة".

تحتل إسرائيل المرتبة السادسة عشرة عالميًا على صعيد الدخل القومي، حتى أنها تلقّت 40% من المعونة الأميركية الخارجية. فعلى صعيد المساعدات الأميركية للشرق الأوسط، تلقت إسرائيل 54% منه العام 1999 في حين كان نصيب مصر 38%، وباقي دول الشرق الأوسط 8%. وتجاوزت المساعدات المباشرة لإسرائيل في السنوات الأخيرة 3.5 مليار دولار سنويًا، كما خظيت بدعم شبه كامل من الكونغرس الأميركي حتى من الديمقراطيين الليبراليين الذين يصرُّون عادة على ربط المعونة بحقوق الإنسان والقانون الدولي.

إن الأساس الذي قامت عليه إسرائيل يتطلَّب طردًا جماعيًا للسكان العرب المحليين وإقامة دولة يهودية صرفة، الأمر الذي يجعل إسرائيل، على حد سواء، الحليف المعوّل عليه للغاية ومصدر عدم الاستقرار للشرق الأوسط. فباستطاعة الولايات المتحدة الأميركية الاعتماد على القدرة العسكرية المتفوِّقة لإسرائيل كشرطي المنطقة لأن تاريخ إسرائيل الفريد يجعل معظم المواطنين الأميركيين مدافعين متحمِّسين عن دولة إسرائيل. علاوة على ذلك، إن اعتماد إسرائيل الكلي على الدعم الأميركي لدفع ثمن التفوُّق العسكري الضخم على جيرانها، يجعلها نصيرة للغرب. ومن ناحية ثانية، أوجد الطرد القسري للفلسطينيين من قبل إسرائيل مصدرًا ثابتًا للاحتكاك في المنطقة الذي هدَّد على الدوام باضطراب العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والدول العربية.

في السنوات الأولى التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية، ولما كانت الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى توسيع إطار هيمنتها على كامل دول الخليج، رأت واشنطن في إسرائيل حليفًا لها، ولكن من بين آخرين. ومع ذلك، لما تزايد تهديد القومية العربية بعد وصول مصدّق (محمد بن هدايت، كان رئيسًا لوزراء إيران. ألغى معاهدة النفط الإيرانية البريطانية العام 1951. عُزل العام 1953،وسجن 3 سنوات)، والرئيس جمال عبد الناصر إلى السلطة مطلع الخميسنيات من القرن العشرين، بدأت تتنامى المساعدات لإسرائيل. ففي حين كانت الولايات الولايات المتحدة تقدّم العام 1951 لإسرائيل 100 ألف دولار فقط هبة، حضّها الانقلاب في مصر في السنة التالية على تقديم 86.4 مليون دولار إلى إسرائيل.

ولكن الولايات المتحدة الأميركية استمرت حذرة من أن تفسد العلاقات المتينة مع إسرائيل علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، وكان هذا أحد الأسباب الذي دعاها إلى الاعتراض على العدوان الثلاثي الذي شنتّه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر العام 1956 عقب تأميم الرئيس عبد الناصر قناة السويس. وعلى الرغم من ذلك، استمرت في توثيق علاقاتها مع "الحارس الأمين"، إسرائيل، نظرًا إلى استمرار نمو القومية العربية وخوفها من إمكان تزايد النفوذ السوفياتي في المنطقة. وفي هذا السياق كتب مارك كورتس "العام 1958 توصّل مجلس الأمن القومي الأميركي إلى أن النتيجة الطبيعية المنطقية لمعارضة القومية العربية الراديكالية يجب أن تكون دعم إسرائيل كالقوة الكبيرة الوحيدة المؤيدة للغرب في الشرق الأوسط"، وتابع يقول "خلال الأزمة في الشرق الأوسط العام 1958، عندما أنزلت بريطانيا قوات في الأردن، وكذلك فعلت الولايات المتحدة في لبنان، بجّل الرئيس الأميركي إيزنهاور في عدة مناسبات مزايا إطلاق العنان لإسرائيل (مع تركيا) ضد القومية العربية المتطرفة".

واقترح رئيس هيئة الأركان العامة الجنرال ناتان توينينغ أن تستولي إسرائيل على الضفة الغربية للأردن كجزء من دفاع إقليمي يضم التدخل البريطاني في العراق والتركي في سوريا. في الإجمال، لقد كان محقًا أن ينظر العرب إلى بناء وطن قومي لليهود في المنطقة تحت رعاية بريطانية على أنه "رأس جسر دائم للهيمنة الغربية".

في ستينيات القرن الماضي، وكلما زاد العون لإسرائيل، أدرك الرسميون الأميركيون أن بالإمكان الاعتماد عليها للعمل، وبشكل خفي في الغالب، من أجل كبح انتشار القومية العربية في المنطقة. لكن كان يجب انتظار دور إسرائيل في حرب الأيام الستة في حزيران العام 1967، عندما أثبت الجيش الإسرائيلي نفسه متفوِّقًا على قوات مشتركة من عدة دول أخرى واحتلاله الضفة  الغربية ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء، لتوطّد الولايات المتحدة علاقاتها الخاصة مع إسرائيل. وفي الواقع 99% من المساعدات لإسرائيل تحققت في السنوات التي أعقبت حرب الأيام الستة، وكانت في نظر السياسة الأميركية استثمارًا جيدًا جدًا. ويروى ستيفن زونس أهمية إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة فيقول: "ساعدت إسرائيل في قمع انتصارات الحركات القومية الراديكالية في لبنان والأردن واليمن كما في فلسطين. لقد أبقت العسكرية الإسرائيلية سوريا، حليفة الاتحاد السوفياتي لعدة سنوات، تحت المراقبة. وسيطرت قواتها الجوية على كامل المنطقة. ووفَّرت  الحروب الإسرائيلية المتكرّرة ميدان قتال لتجربة الأسلحة الأميركية. كذلك شكّلت إسرائيل قناة لنقل هذه الأسلحة إلى الأنظمة والحركات - مثل النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا، إيران، غواتيمالا والكونترا في نيكاراغوا – التي لا تقدِّم إليها الولايات المتحدة الأميركية الدعم العسكري مباشرة وعلنًا لعدم شعبية الأمر عند الرأي العام الأميركي. وهكذا ساند المستشارون العسكريون الإسرائيليون "الكونترا"، و"جونتا" السلفادورية، وغيرهما من الحكومات حليفة الولايات المتحدة، كما دعمت استخباراتها السرية أميركا في جمع المعلومات المخابراتية والعمليات السرية.

من ناحية ثانية، تمتلك إسرائيل مئات الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى، وتعاونت مع الصناعة العسكرية الأميركية في ما يتصل بالأبحاث والتطوير لطائرة قتال نفاثة، وأنظمة الصواريخ الدفاعية، وفي مبادرة  الدفاع الاستراتيجية. وليس ثمة إدارة أميركية تبغي تعريض مثل هذه العلاقات المهمة للخطر. وأيّد بنيامين بيت – هلاهمي هذه الفكرة فقال: "أورد الخبير الأميركي الميجور جنرال جورج كيفن – ضابط الاستخبارات الجوية السابق- أن الحفاظ على قوة عسكرية مساوية لقوة إسرائيل تكلّف دافع الضرائب الأميركي 125 بليون دولار أميركي، وتساوي العلاقة العسكرية الأميركية الإسرائيلية "خمس استخبارات أميركا CIA". وليس ثمة شك بأن الاستثمار في إسرائيل، من وجهة النظر الأميركية، هو صفقة رابحة، ومال مصروف جيدًا.

وبالطبع، مصالح اسرائيل لا تتطابق تمامًا وعلى الدوام مع مصالح الولايات المتحدة. فبعض الأحيان، في الواقع، يجب كبح الوضع العدائي لإسرائيل إزاء الدول العربية من أجل تعزيز العلاقات الوثيقة مع الطبقات العربية الحاكمة. فالرئيس جورج بوش الأب مثلاً، وخلال حرب الخليج الثانية العام 1991، كان عليه أن يمنع إسرائيل من مهاجمة العراق خوفًا من إقلاق مصر والسعودية، العضوين الإقليميين المتعاونين في التحالف ضد العراق.

ولكن، كانت القوة العسكرية الإسرائيلية في حرب الأيام الستة، ثم في حرب تشرين 1973، والتي أثيرت ضد مصر وسوريا، السبب في انتقال مصر إلى أحضان الولايات المتحدة. فعلى عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، باتت مصر الدولة الأولى التي تعترف بإسرائيل. ومذذاك، أصبحت مصر ثاني أكبر متلقٍّ للمساعدات الأميركية بعد الكيان الإسرائيلي.

في هذا المعنى، إسرائيل هي كلب الحراسة للولايات المتحدة، ولكن مثله يجب في بعض الأحيان أن يقصر مقوده وفي أخرى تحريره منه. وهذا الأمر أفرز التوتر في سياسة الولايات لمتحدة إزاء الشرق الأوسط، وبالتالي يفسّر تلهّف الرئيس بيل كلينتون لعملية السلام والتي لا يُسعى إليها ضمانًا لحقوق الفلسطينيين، وإنما لوضع رأس السلطة الفلسطينية الرئيس ياسر عرفات تحت المراقبة، والتخلُّص من القضية الفلسطينية، وبذلك تسهيل التعاون إلى أبعد حد بين إسرائيل وجيرانها العرب. وعلى ما يبدو، إن سهولة انتفاضة الحركة الفلسطينية يفسد باستمرار هذه الحسابات.

 

توكيلات

إن هزيمة الولايات المتحدة في قيتنام أقنعت المخططين الأميركيين أواخر الستينيات من القرن الماضي بأهمية إحكام السيطرة في الشرق الأوسط من دون التدخل العسكري المباشر. واعتمد "مذهب نيكسون الجديد" على القوى المحلية لتكون قوة الشرطة الأميركية الإقليمية. وغدت إيران وإسرائيل والسعودية الدعائم الثلاث في الشرق الأوسط التي تستند إليها سلطة الولايات المتحدة في المنطقة.

ولقد أوضح ملفن ليرد، وزير الدفاع الأميركي الأسبق، أن أميركا "لن تضطلع طويلاً بدور رجل الشرطة في العالم، وبدلاً من ذلك سنتوقَّع من أمم أخرى تأمين الكثير من الشرطة  لتؤدي دورها في محيطها".

علاوة على ذلك، لاحظ السناتور الأميركي وخبير النفط هنري جاكسون العام 1973 أن إسرائيل وإيران في ظل حكم الشاه هما "صديقان موثوقان للولايات المتحدة الأميركية" التي مع المملكة العربية السعودية "عملتا على كبح أولئك العناصر الراديكاليين وغير المسؤولين في بعض الدول العربية واستيعابهم ... هم، الأحرار بما يقومون به، الذين يشكِّلون تهديدًا خطيرًا بالفعل لمصدرنا الأساسي من النفط في الخليج الفارسي".

بين العامين 1970 و1979 باعت الولايات المتحدة بما يعادل 8,3 بليون دولار أسلحة لشاه إيران، وأرسلت أكثر من 50 ألف مستشار أميركي لتدريب جيشه وبوليسه السري. أما السعودية فتُعتبر، منذ زمن بعيد، الحليف العربي الأهم في الخليج للولايات المتحدة. فاقتصاديًا، هي العمود الفقري لإنتاج النفط في الخليج. وإذا كان 65% من احتياط النفط المؤكد موجودة في منطقة الخليج. فـ 38% منها متوافرة في المملكة العربية السعودية. فعند اكتشاف النفط هناك العام 1938 سرعان ما فازت شركات النفط مثل سوكال، تكساكو، موبيل، وستاندارد أويل أوف نيوجرزي بامتيازات رابحة من خلال تشكيل شركة النفط العربية – الأميركية أرامكو Aramco. ووصف مشروع مذكرة لوزارة الخارحية العام 1945 مصادر النفط السعودي كـ "مصدر ضخم للقوة الاستراتيجية، وواحدة من أضخم الجوائز المادية في تاريخ العالم". وصونًا للتي كانت في البدء دولة فقيرة وضعيفة، قدّمت الولايات المتحدة أموال مشروع مارشال إلى ابن سعود. وحتى خمسينيات القرن المنصرم، عندما بدأ الحكام الإقليميون يفرضون كثيرًا من السيطرة على عائدات النفط، ثبّت ابن سعود وغيره من المشايخ المحليين أنفسهم بواسطة الجعالات المقدمة إليهم من شركات النفط. ولإعطاء فكرة عن كيفية صرف هذه الثروة النفطية الضخمة نورد أنه عندما كان ابن سعود يصرف مليوني دولار العام 1946 لصيانة مرائبه صرفت السعودية على التعليم في تلك السنة ما قيمته 150 ألف دولار فقط. أما اليوم، فالعائلة السعودية الحاكمة تضم عدة آلاف فرد منهم أكثر من 50 شخصًا بليونيين. وتقدر قيمة القصر الملكي بحوالى 17 بليون دولار أميركي، وتبلغ ميزانية العائلة المالكة ما بين 6 و7 بلايين دولار أميركي.

إن حماية "الجائزة" العربية السعودية غدت الهدف الرئيس للسياسة الأميركية في الخليج. لقد كتب الرئيس الأميركي الأسبق هاري ترومان رسالة إلى الملك سعود العام 1950 قال فيها "لا تهديد يمكن أن يحدث لمملكتك إلا وسيكون موضع اهتمام مباشر من الولايات المتحدة". وبعدما شكَّلت الدول المنتجة للنفط، المتلهّفة إلى كسب أكبر مشاركة بمردود نفطها، منظمة الدول المصدّرة للنفظ "أوبك" OPEC العام 1960 محتفظة بالسعودية في الركن الأميركي، غدت المملكة أكثر أهمية. وكأكبر منتج للنفط في العالم، يمكنها، من بين أمور أخرى، أن تكون الرافعة في ضمان تدفق ما يكفي من النفط للحفاظ على الأسعار منخفضة.

طوال تاريخها، باعت الولايات المتحدة ببلايين الدولارات معدات وعتادًا عسكريا ليس لحماية "الجائزة" السعودية وحسب من تدخل خارجي، وإنما أيضًا من المعارضة الداخلية. وأن يكون المجتمع السعودي واحدًا من المجتمعات الأكثر قبليًا في العالم أمر لا يعني الرسميين الأميركيين البتة. في هذا الصدد كتب سعيد أبو الريش: "إن منظمة الأمنستي الدولية، ومنظمة ميدل إيست واتش، ومنظمة المحامين الدوليين في مينسوتا، وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، وثَّقت جميعها حالات لا حدَّ لها من التعامل مع الناس على طريقة البدو سابقًا.

على الرغم من أن الولايات المتحدة ترى في الإسلام اليوم تهديدًا خطيرًا لمصالحها في الشرق الأوسط، والصحافة الإميركية تضخ بانتظام آراء عرقية مضادة للإسلام، يبقى إسلام العربية السعودية غير ممسوس، سالمًا. ومن المفارقات أن الولايات المتحدة في فترة ما شجّعت فعليًا الأصولية الإسلامية كقوة موازنة للقومية العربية. فالاستخبارات الأميركية CIA مثلاً، تعاونت مع الإخوان المسلمين في مصر على عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ووفّرت للحركات الإسلامية قواعد عمليات في باكستان. أما أسامة بن لادن فهو حليف سابق للولايات المتحدة، ونتاج للجهود الأميركية لدعم القوى الإسلامية والأصولية وتدريبها لقتال الروس في أفغانستان في الثمانينيات من القرن المنصرم. حتى إسرائيل موَّلت ذات مرة الأخوان المسلمين وحماس في فلسطين كوسيلة لتقويض منظمة التحرير الفلسطينية. واليوم، يعتبر الإسلام واحدًا من أكثر التهديدات رعبًا للمصالح الأميركية في المنطقة، وكان ذات يوم مشَجَّعًا من هذه المصالح نفسها. وما هو ثابت في السياسة الأميركية هو حاجتها إلى تقوية سيطرتها الاستراتيجية والاقتصادية والعسكرية على تدفق النفط. أما كيف يتم ذلك فوفقًا للزمن.

 

الانتشار السريع

عندما خُلِع شاه إيران العام 1979، واجهت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط أزمات حادة. فلقد خسرت إحدى ركائزها الأساسية في الشرق الأوسط. ويصف جو ستورك ومارثا ونغر هذه المسألة: "إن الثورة التي أطاحت الشاه العام 1979 غيّرت جذريًا المعادلة الاستراتيجية في المنطقة. ولم تكن المملكة العربية السعودية، القليلة عدد السكان، مرشحة يومًا للاضطلاع بدول مشابه لدور إيران. وكانت إسرائيل الركيزة الثانية الأساسية للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، بيد أن عوائقها السياسية حدّت على نحو صارم من جدواها في الخليج".

واستبدل "مذهب نيكسون" بـ "مذهب كارتر" الذي شدَّد على الحاجة إلى الاستعمال المباشر للقوة العسكرية إذا تعرّضت المصالح الأميركية في المنطقة للخطر. وفقًا لذلك، روّج الرئيس الأميركي جيمي كارتر لفكرة "قوة انتشار سريع أميركية" يمكنها التدخل سريعًا في المنطقة. وتتطلّب مثل هذه الاستراتيجية، من الولايات المتحدة الأميركية، أن تراصف أنظمة محلية للسماح لها بإقامة قواعد عسكرية أميركية على أراضيها. وباتت العربية السعودية العمود الفقري لهذه الاستراتيجية. وأكره حكام الخليج، غير القادرين على الإعلان جهارًا عن دعمهم للولايات المتحدة وإسرائيل خوفًا من تنفير شعوبهم، على العمل سرًا سامحين للقوات البحرية والجوية الأميركية بالاستخدام المحدود للتسهيلات العسكرية في المنطقة. ولكن هذا الأمر ألزم الولايات المتحدة الأميركية الاعتماد على نحو كبير على عدة قواعد نائية في كينيا ودييغو غارسيا في المحيط الهندي، بالإضافة إلى نشر حاملات طائرات.

العام 1980، وجدت الولايات المتحدة الأميركية في انفجار الحرب الإيرانية – العراقية فرصة مناسبة رائعة لحمل المملكة العربية السعودية إلى تعاون عسكري وثيق. ويشرح الأمر ستورك ووغنر: "إن خوف السعودية من تمدُّد الحرب منح الولايات المتحدة التأثير لانتزاع أكبر قدر من التعاون السعودي الوثيق مع المخططات العسكرية الأميركية. وكان محور هذا الجهد بيع خمس طائرات "أواكس" ونظام قواعد مع مستودعات وقود، وقطع غيار، وذخائر". وفي هذا الصدد كتب المحلل العسكري أنتوني كوردسمان "لا تحسينات ممكن تصورها في الجسر الجوي الأميركي أو انتشار القوات الجوية الأميركية، وقدرة إقامة قواعد ظاهرة يمكن أن تصبح سرية لتمنح الولايات المتحدة قدرة التعزيز الفاعلة والسريعة. وثمة ميزة إضافية هي أن السعوديين دفعوا ثمن كل ذلك."

على امتداد العقد الثامن من القرن الماضي، أهدرت المملكة العربية السعودية زهاء 50 بليون دولار أميركي في بناء دفاع جوي على امتداد الخليج للمواصفات الأميركية وحلف الناتو، وجاهز لاستعمال القوات الأميركية في حال الأزمة. والعام 1988، صمّم فيلق المهندسين العسكريين وبنى ما قيمته 14 بليون دولا أميركي شبكة من التسهيلات العسكرية عبر المملكة العربية السعودية.

خلال أكثر من ثماني سنين استغرقتها الحرب العراقية- الإيرانية التي ارتفعت كلفتها إلى مليون روح عند الجانبين، كانت السياسة الأميركية تقوم على تشجيعها كوسيلة لإضعاف الطرفين. وقد باعت القوى الغربية وروسيا الأسلحة للمتحاربين. بيد أنه العام 1987، عندما بدا أن إيرن ستربح الحرب، مالت الولايات المتحدة إلى العراق لأنها رأت في الانتصار الإيراني انتصارًا للشر الأكبر. فقدّمت للعراق العون العسكري والقروض الزراعية والمعلومات الاستخباراتية الحاسمة، واستغلّت حجة "حرية الملاحة" في الخليج لحشد أرمادا ضخمة لمهاجمة البحرية الإيرانية.

بعد هزيمة إيران العام 1988، تنامى الدعم الأميركي للرئيس العراقي صدام حسين. في هذا الصدد كتبت لانس سلفا: بين العامين 1985 و1990 باعت الشركات الأميركية بما قيمته حوال 800 مليون دولار طائرات "مزدوجة الاستعمال" – ظاهريًا لتستعمل لأغراض مدنية، ولكنها سهلة التحويل إلى الاستعمال العسكري. وخلال العامين 1988 و1989، صدّقت الحكومة الأميركية إجازات للشركات الأميركية لبيع منتجات بيولوجية لوكالة الطاقة الذرية العراقية، وتجهيزات الكترونية لتصاميم إنتاج صاروخ عراقي. وفي حزيران/يونيو 1988، بعد شهرين من استخدام صدام حسين الأسلحة الكيميائية لإبادة قرية حلبجة الكردية، فازت شركة بكتل في كاليفورنيا، باتفاقية لبناء مصنع بتروكيميائي، وكان العراق يخطّط لإنتاج غاز الخردل. وضاعفت إدارة بوش القروض الزراعية للعراق حتى بليون دولار سنويًا... وخلقت مؤسسات الأعمال الأميركية "لوبي صدام" للضغط من أجل أفضل الصلات مع العراق".

 

حرب الخليج العام 1990

إن حرب الخليج العام 1991 سجّلت للمرة الولى منذ العام 1958 أن الولايات المتحدة الأميركية أطلقت عملية اجتياح على أوسع صعيد للشرق الأوسط بهدف حماية مصالحها. وحتى اليوم الذي غزا فيها العراق الكويت، كان صدام حسين تحت تأثير أن أعماله ستكون مقبولة عند واشنطن. ولما كان قد استنزف خلال الحرب مع إيران، غضب العراق من إصرار الكويت على إغراق سوق النفط العالمي بالنفط في حين كان بأمس الحاجة إلى أفضل عائدات النفط لدفع تكاليف الحرب. وعندما بدأ يهدّد الكويت قالت السفيرة الأميركية لدى العراق أبريل غلاسبي للرئيس صدام حسين: "لا رأي في النزاعات العربية – العربية مثل نزاعكم الحدودي مع الكويت". ولكن عندما اجتاح صدام حسين الكويت بعد ذلك بقليل، قلبت الولايات المتحدة الأميركية موقفها تمامًا، فهي لا يمكنها أن تسمح لصدام حسين بقلب ميزان القوى من خلال سيطرته على ربع نفط الخليج، ولاسيما أنه دكتاتور عسكري قاسٍ، كان قبل الاجتياح صديقًا للولايات المتحدة وبعده بات فجأة "هتلر الجديد"، وهذا هو الفارق الوحيد.

إن انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة أنشأتا الظروف الفريدة التي تسمح للولايات المتحدة بتثبيت هيمنتها المباشرة على المنطقة أكثر من ذي قبل. واستغلَّ الرئيس جورج بوش الأب الفرصة لتشكيل تحالف عسكري – تحت رعاية الأمم المتحدة- يضمُّ ليس القوى الأوروبية وحسب كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وإنما أيضًا دولاً شرق أوسطية مثل المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا.

ولقد استخدمت في إنشاء هذا التحالف المضاد للعراق، وبكل تميُّز، الرشوة والترهيب. فلقد دفعت دول الخليج إلى تقديم 4 بلايين دولار إلى روسيا، والصين، التي جعلها القمع الوحشي للحركة الديمقراطية في ساحة تيان آن مين معزولة عالميا، دُعيت هذه المرة إلى أخذ مكانها إلى الطاولة؛ ومصر أُعفيت من دين قيمته 14 بليون دولار، وأعطيت سوريا الضوء الأخضر لاجتياح لبنان. وعندما صوّت اليمن ضد قرار الأمم المتحدة القاضي بالسماح باستعمال القوة ضد العراق، قطعت الولايات المتحدة فورًا ما قيمته ملايين الدولارات من المساعدات، وعمدت المملكة العربية السعودية إلى طرد 800 ألف عامل "ضيف" يمني.

بالإضافة إلى كل الجعجعة حول حرب العراق ضد "المجتمع الدولي"، شُنَّت الحرب، وبشكل ساحق، بواسطة القوات الأميركية، ولأهداف أميركية، مع بعض المساعدة من بريطانيا والسعودية. ولقد حلّق الطيارون الأميركيون ما نسبته 90% من الطلعات القتالية. واستخدمت الأمم المتحدة، على نحو صرف، ورقة تين لتغطية ما كان حربًا بزعامة أميركية وحربًا بقتال أميركي.

وتعمّدت أدارة بوش الأب تخريب أي جهد قامت به دول أوروبية وعربية لتحقيق تسوية سلمية، فمن خلال حق النقض- الفيتو مثلاً أفشلت اقتراحًا فرنسيًا من أربع نقاط في مجلس الأمن، وكانت الولايات المتحدة تتلّهف لتلقين زبونها السابق درسًا. وخلال شهر طويل من الحرب الجوية، دُمّرت البنية التحتية العراقية. فلقد أسقط خلال أكثر من 90 ألف طلعة جوية حوالى 88500 طن من القنابل العنقودية، والقذائف التفريغية، وغيرها من قذائف المدفعية، مدمرة الجسور والطرقات وشبكات الطاقة، وقدرات معالجة المياه، وقد قُتل عشرات آلاف العراقيين من جراء ذلك.

وعلى الرغم من أن الرئيس صدام حسين، بعد أكثر من شهر من القصف، وافق على القبول بقرار الأمم المتحدة الداعي إلى خروج العراق من الكويت، فقد رفضت الولايات المتحدة هذه الإيماءة. وقد وصف لانس سلفا حرب بوش البرية الوحشية كالآتي: "لقد صرخ صدام أساسا "كفى"، ولكن الولايات المتحدة كانت تريد شن حرب برية بأي حال. وخلال ستة أيام، اندفعت القوات البرية لدول التحالف والولايات المتحدة عبر الكويت وجنوب العراق، مجبرة القوات العراقية على الانسحاب بشكل كثيف. وخلال آخر أربعين ساعة من الحرب، وقبل دعوة  بوش إلى وقف إطلاق النار في 28 شباط، قادت القوات البريطانية هجومًا من دون رحمة ضد الجنود العراقيين المنسحبين، حتى أطلق على الطريق بين الكويت والبصرة اسم "طريق الموت السريع". وفرّ الجنود العراقيون من الكويت بأي عربة ممكنة يضعون يدهم عليها، وقامت من ناحية ثانية وحدات التحالف المدرّعة بعزل هؤلاء لتقصف الطائرات الحربية الأميركية بقنابلها الأرتال المسوقة لساعات من دون أي مقاومة تذكر. وفي هذه المذبحة التي وصفها طيار أميركي "كإطلاق نار على سمكة في برميل"، قتل آلاف المجندين العراقيين على مسافة 50 ميل من الطريق السريع. طائرات عديدة كانت تملأ السماء فوق جنوب العراق، وحيث كان مراقبو الحركة الجوية العسكرية يناورون لتلافي الاصطدامات في الجو".

نهاية اللعبة بعدئذ لحرب الرئيس جورج بوش كانت ساخرة. فبعد نداء إلى الشعب العراقي لإطاحة صدام حسين، أيّدت القوات الأميركية القوات العراقية عندما قمعت تمرُّد الأكراد في الشمال، والشيعة في الجنوب. وأعطى الجنرال نورمان شوارزكوف جنرالات صدام الأذن بانتهاك قانون "عدم الطيران" واستعمال الطوافات المسلّحة لقمع الثورة. ويقول برنت سكوكروفت، الذي كان مستشار الأمن القومي آنذاك، لبيتر جنينغز العام 1998 إن الولايات المتحدة الأميركية أرادت انقلابًا عسكريًا يطرد صدام حسين وليس ثورة شعبية، "كنت أتوقع حكومة ما بعد الحرب حكومة عسكرية".

في السنوات التي أعقبت الحرب، لم تكن العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة لمنع العراق من إعادة بناء بنيته التحتية وحسب وإنما نجم عنها وفاة آلاف الأطفال شهريًا بسبب معاناتهم أمراضًا متصلة بنقص التغذية. وثمة آلاف آخرون كانوا يعانون سرطانات مختلفة سببها قذائف اليورانيوم المستنفد التي استعملتها الدبابات الأميركية خلال الاجتياح البري في حرب الخليج. وفي حين أن الحرب قتلت أكثر من 200 ألف عراقي، نجم عن قانون العقوبات وفاة أكثر من مليون عراقي. علاوة على ذلك، تورّطت الولايات المتحدة في قصف مستمر للعراق نادرًا ما اعتبر ذي أهمية إخبارية في الصحافة الأميركية.

حقَّقت الولايات المتحدة نصرًا دمويًا في حرب الخليج، وبكلفة بضع مئات الجنود الأميركيين، برهنت أنها لن تتوقف أيًا يكن الثمن عن ممارسة امتيازاتها الإمبريالية وتقوية سلطتها في الشرق الأوسط. وبغياب روسيا عن الصورة، يبدو أنها القوى العظمى الفريدة المتبقية لفرض "السلام الأميركي" Pax Americana على المنطقة.

 

السياسة الأميركية منذ حرب الخليج

خرجت الولايات المتحدة من حرب الخليج منتصرة وقد بسطت هيمنتها على المنطقة بحزم أكثر من أي وقت مضى. لقد دُمّر العراق، وحُفِظ ضعيفًا على الدوام، وسمح التحالف للولايات المتحدة توطيد العلاقات وثيقًا مع الكثير من الدول العربية. ووجّه نجاحها في حرب الخليج الرسالة بكلمات جورج بوش، "ما نقوله يتحقق". وكذلك كتب مايكل هدسون، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون في "ميدل إيست جورنال": "حتى الانتقادات، كما صاحبها، للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، يجب أن تقرّ بأن الولايات المتحدة تقف اليوم بتفوُّق في هذه المنطقة التعسة. فخلال نصف قرن من التدخل الإقليمي بأي طريقة يمكن تصورها- عبر الدبلوماسية والمساعدة، والثقافة، والتربية، والتجسس، والدمار، و(ليس آخرًا) إسقاط القوة العسكرية – تَثَبَّت "الثالوث المقدس" للمصالح الأميركية: إسرائيل، النفط، ومعاداة الشيوعية. والذين يقولون أن الأمر لا يمكن أن يكون قد حصل يستخفون بقدرة الولايات المتحدة على تحقيق أهداف متناقضة. واليوم، بإمكان الرئيس الأميركي أن يستدعي رؤساء أكثر الحكومات الشرق الأوسطية إلى المصادقة على أجندته السياسية الإقليمية و(الداخلية). ويستطيع الرسميون الحاليون الأميركيون كتابة السياسية الاقتصادية الداخلية لأكثر حكومات المنطقة. وتتمتع العسكرية الأميركة بحرية الدخول والقبول غير المسبوقَين من شمال أفريقيا إلى الخليج".

ولكن، تعاني الولايات المتحدة تناقضين في دورها كقوة عظمى إقليمية. أولهما عدم قدرتها على حل المسألة الفلسطينية التي تهدّد من جديد بتفجير التوازن الدقيق في المنطقة. وثانيهما، هو أن تدخلها العسكري الكثيف جعل ملكيات الخليج أقل شعبية – مع أزمة انخفاض عوائد النفط في العقد الأخير مع الانخفاض المريع لأسعاره.

إن سياسة "الاستيعاب المزدوج" للعراق وإيران التي سعت من أجلها الولايات المتحدة بعد حرب الخليج العام 1991، تُرِكَت تقريبًا ولم تُستبدل بأخرى. وتآكل نظام العقوبات ضد العراق، وضعف دعم الدول العربية للعقوبات، في حين، أوجدت التغييرات في إيران علاقة متأرجحة بين هذه والولايات المتحدة. وليس بمقدور هذه الأخيرة أن تقرّر سواء الحفاظ على سياسة العقوبات ضد إيران، أو التحوّل إلى سياسة الانفتاح نحوها. وباستثناء بريطانيا، حليفة الولايات المتحدة، لم تهتم دول أوروبية أخرى، طويلاً، بالحفاظ على العقوبات المفروضة على العراق. أما روسيا، التّواقة إلى عقد صفقات نفطية، فقد عبّرت حينها عن نيتها العمل على إيقاف القصف والعقوبات ضد العراق وإنهائها.

أضعفت معاناة الشعب العراقي المتزايدة قدرة الولايات المتحدة على تبرير العقوبات، ولاسيما داخل الشرق الأوسط. فالأنظمة العربية بدأت تعيد العلاقات السياسية والاقتصادية مع بغداد. ومستفيدين من استئناف الرحلات الجوية المدنية إلى بغداد من عدة دول، كسر رسميون ومشاهير حظر الطيران إلى بغداد. ويبدو، على الرغم من جميع النوايا والأهداف، أن فريق الأمم المتحدة للتفتيش لم تطأ قدمه البتة أرض العراق.

أما المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة، حتى بعد انتصارها في حرب الخليج، فهي أنها، باستثناء إسرائيل، لا وكلاء لها يعوّل عليهم في الشرق الأوسط، وإسرائيل، كما برهنت حرب الخليج، يجب أن تُصّد في بعض الأحيان. ومنذ وفاة الرئيس عبد الناصر العام 1970، نجحت الولايات المتحدة في جذب مصر إلى مدارها وحيّدتها كتهديد لإسرائيل. ولكنها، لم تستطع أن تعتمد عليها في تأديب جيرانها العرب. ومن ناحية ثانية، أكرهت شعبية القضية الفلسطينية في مصر، الرئيس حسني مبارك على سحب السفير المصري من إسرائيل.

الحق يُقال، أن الولايات المتحدة سلّحت السعودية أيما تسليح. ولكن هذه الأخيرة ليست في وضع إستعمال قوتها العسكرية خلف حدودها، ولهذا تسعى إلى سياسة انفراج مع إيران. وعلى الولايات المتحدة أن تصرف مبالغ ضخمة من المال لتسليح ملكيات الخليج غير الديمقراطية وغير الشرعية. وحتى مع ذلك، لا يمكنها الاعتماد عليها كشرطي المنطقة لحماية مصالحها، فهي قد سلّحتها لتثبتها حليفة لها، وإيجاد الظروف العسكرية فيها ما يسمح بالنشر السريع للقوات الأميركية.

على الولايات المتحدة أن تحافظ على وجود عسكري غالٍ داخل المنطقة وحولها من أجل الحفاظ على مصالحها. وهذا الأمر لا يترك القوات الأميركية وحسب منفتحة على الهجومات العسكرية، مثلما حدث مؤخرًا في المرفأ اليمني ضد المدمرة الأميركية كول، وإنما يضع أيضًا ضغطًا سياسيًا ضخمًا على الحكام المحليين الذين تستاء شعوبهم، وعلى نحو متزايد، من الوجود الأميركي.

من وجهة نظر أكاديمية، تعتبر الولايات المتحدة نفسها شرطي العالم. وتستمد دورها من وجهة نظر المدرسة الواقعية وتعتمد على بناء فرضيتها القائلة "أن ليس ثمة حكومة عالمية مركزية تردع العدوان، لذا كان عليها أن تضطلع بهذا الدور.

تفترض الولايات المتحدة أن شرطي العالم هو حاجة داخلية لأن العالم خلف حدودها يحمل أخطارًا لها. وليس هناك "يد خفية" غير خطرة للعلاقات الدولية تكفل السلام لقرارات زهاء 200 دولة وأعمالها بالإضافة إلى الحروب الأهلية واستقرار المجتمع الدولي وخيره العام. لا يمكن للولايات المتحدة تجاهل هذا بأمان خلف محيطاتها. ولكن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر أيقظت أفكارًا كانت للأميركيين حول هذا الاتجاه، فكشفوا أن "الإرهاب الكبير" الذي عبّر عنه الرئيس بوش بقوله أنه "مفترق الطرق المحفوف بالمخاطر بين الراديكالية والتكنولوجيا" – نشأ كتهديد رئيس- أو قابل للجدل والمناقشة – لحياة الأميركيين والأمن القومي.

بيد أن الإرهاب ليس الخطر الوحيد وحسب الناشئ خلف الحدود الأميركية، فالمجتمع الأميركي يواجه أيضًا تهديدات تتخطَّى الحدود القومية، مثل المخدرات، والأوبئة المعدية، وغازات الدفيئة والأسلحة النووية السائبة. ويبقى كذلك تحديات تقليدية مهمة، فالأميركيون يفتحون الصحف يوميًا للاطلاع على الصراع في الشرق الأوسط، والمواجهات بين الهند وباكستان، والمأزق المسلَّح في شبه الجزيرة الكورية، والعنف بين اليسار واليمين في كولومبيا. هذه المشاكل كلها كانت تعيش مع الأميركيين في 11 أيلول/ سبتمبر وتستمر معهم إلى اليوم.

يقيم الأميركيون علاقات وثيقة وتحالفات عبر العالم، بيد أن لا تناغم بين القوى المتفقة في الرأي والتفكير حول الإجماع والمؤسسات، والقدرات على ضمان أداء النظام العالمي بانتظام، كما كان الأمر مع أوروبا في معظم النصف الأول من القرن التاسع عشر. أما اليوم فأوروبا مشغولة بإنجاز تنميتها الداخلية الخاصة، في حين أن آسيا تعوزها التطلعات المشتركة والمؤسسات القوية. ولا تمتلك أميركا اللاتينية وأفريقيا، بعدُ، قدرات كبيرة تخولها الاضطلاع بدور عالمي. والأمر صحيح كذلك بالنسبة إلى الشرق الأوسط الذي هو أيضًا ملحق بالصراع.

يشعر الأميركيون أن القيادة تقع على كاهلهم. واستنادا إلى مخاوفهم، ونظامهم الرأسمالي، وانتشارهم الاقتصادي العالمي، وتنوعّهم الداخلي، وقوتهم العسكرية الصرفة يحتلون مرتبة فريدة في الهرمية العالمية. وعرفت القرارات التي اتخذها الأميركيون أو قصّروا في تنفيذها، والأعمال التي قاموا بها أو قصّروا فيها، والكلام الذي قالوه أو أخفقوا في قوله، إعتراضات واسعة.

إن شرطي العالم الواقعي هو اليوم خائف من المهمة التي تنكَّبها هو بذاته. ولكنه يفهم ويحسس بقيود القبول به. وهكذا قال والتر برنان في ستينيات القرن الماضي في مسلسل  تلفزيوني له: "ليس تفاخرًا، أنه واقع وحسب".

 

إدارة ديمقراطية جديدة وسياسة أميركية خارجية

بعد ثماني سنوات من السياسة الخارجية الأميركية المتشدِّدة تحت إدارة جورج دبليو بوش، ثمة قلق متنامٍ بين بعض الدول الصغيرة، حليفة الولايات المتحدة، التي تلقّت كمّا كبيرًا من الدعم السياسي والعسكري من إدارة بوش، ومثل هذه التغييرات الصارمة سوف تحتل مكانها في السياسة الأميركية الخارجية ولا سيما أن السناتور باراك أوباما انتخب رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية.

من ناحية أخرى، بعض الدول، التي لم تكن على علاقة طيبة مع الولايات المتحدة الأميركية في السنوات الثماني الماضية ولاسيما منها تلك التي واجهت الكثير من الضغط السياسي من إدارة بوش، ما زال ينتظر بتلهّف التبدّل في السياسة الأميركية الخارجية. وبعض الأنظمة نجا من العاصفة نتيجة صبره الكبير واستخدامه التكتيكات بكل ذكاء لكسب الوقت. وكان هدف هذه الأنظمة الصمود طويلاً أمام إدارة بوش، وكانت تعرف متى تقول نعم ومتى تقدّم التنازلات، ومتى تقول لا، ولكن...

تماما مثلما لم يكن معمر القذافي وحافظ الأسد غير سعيدين بانتخاب بيل كلينتون رئيسًا للولايات المتحدة العام 1992 بعد ثماني سنوات من سياسة أميركية خارجية على رأسها السيد وارن كريستوفر، والسيدة مادلين أولبرايت، برهنت أنهما كانا على حق- كذلك أحمدي نجاد وبشار الأسد تمتعا بإحساس الارتياح مع انتخاب السيّد أوباما رئيسًا.

هل قلق الحلفاء وشراء وقت الخصوم مبّررة؟ هل سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية تتغيّر بشكل عنيف مع تغيّر الإدارة؟ هل السياسة الخارجية تعتمد على الفرد، أم هناك عوامل أخرى تحدّد هذه السياسة؟

الأجوبة عن هذه الأسئلة، يتم عبر سبر المواقف المعلنة للمرشحين الرئاسيين في السياسة الخارجية، ودرس العوامل المؤثرة في السياسة الأميركية الخارجية. وقد تسمح لنا التحليلات بتوقع عقلاني للإدارة الديمقراطية الجديدة.

إن المسلّم به إلى حدّ بعيد عند المحلِّلين السياسيين أن أكثر الإدارات الجمهورية، وبخاصة الأخيرة قبل إدارة أوباما الديمقراطية ترغب في مقاربة "أحادية" في السياسة الخارجية. وهؤلاء "الأحاديون" يؤمنون بأن على الولايات المتحدة الأميركية، المالكة القوة العظمى الوحيدة المتبقية، أن تمارس قوتها بشكل عسكري لوضع حد للصراعات في العالم وفرض الطابع الديمقراطي على الأمم الأخرى. من ناحية ثانية، رغبت الإدارات الديمقراطية في مقاربة "متعدِّدة الطرف". فهؤلاء التعدّديون ينادون بتقوية الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، وباستخدام قوتها في المساعي الحميدة في الصراعات المحلية والإقليمية المختلفة مفضلين ذلك على توريط القوات الأميركية. لقد انتقدت السناتور هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية حاليًا في إدارة الرئيس أوباما، آحادية الرئيس بوش في مقال لها عن السياسة الخارجية وضعت فيه رؤيتها لهذه السياسة لاحقًا فقالت إن "إدارة بوش قدَّمت للشعب الأميركي سلسلة من الخيارات الكاذبة: القوة ضد الدبلوماسية، الآحادية ضد تعددية الطرف، القوة الصلبة ضد الناعمة (فورين آفيرز).

أبرز تداعيات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، كان الانعزال كأسطورة أميركية تأسيسية. فمبادرة الدفاع الاستراتيجية (SDI)، التي اقترحها في البدء الرئيس رونالد ريغن درعًا واقية ضد الهجمات السوفياتية، ثم عدّلها وتبنَّاها جورج دبليو بوش، لاستعمال أفضل تقنية فضائية ولازرية لعزل أميركا عن أي نوع من الهجوم الغريب. هذه المبادرة أثبتت عدم فعاليتها تمامًا. لقد كان نظام الدفاع الأكثر تطورًا غير ذي جدوى ضد الهجمات الداخلية المنخفضة التقنية المتمثلة بالطائرات الانتحارية. الردع النووي أو التقليدي لم يطبق بكل بساطة. لقد كان الأمر نوعًا من التهديد الداخلي الذي لم تخطط استراتيجيات الحرب الباردة لمواجهته، فالعدو كان في الداخل، وجبهة الحرب كانت داخل البيت. وهكذا غدا "أمن البيت" مصدر الوهن. لقد ضُرب صميم الدولة ومقرها. لا يستطيع صنَّاع السياسة الأميركية السماح لهذا التهديد بالاستمرار، وكان عليهم إعادة تحديده بطريقة تتوافق مع أنواع القوة الموضوعة بتصرفهم. وكانت "الحرب على الإرهاب" جوابهم، هجومًا سياسيًا وعسكريًا مطوّقًا الكل بدءًا من أمن البيت عبر إعادة تنظيم إدارة وكالات الأمن، وعكس حرية حركة الناس والأموال في عولمة التسعينيات من القرن العشرين، وقطع التموين عن الإرهابيين المحددة هويتهم، والتحسُّب لأي هجمات مستقبلية ممكنة عبر تدمير المصادر المحتملة للأسلحة والتمويل والإيديولوجيا، أو تحويلها. هذه الخلاصة للتفكير حتمية للغاية في الوثيقة الرسمية الجديدة حول استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأميركية التي أصدرها الرئيس جورج دبليو بوش في 17 أيلول/سبتمبر 2002. إنها مذهب الدفاع الأميركي الجديد.

يعلن المذهب الجديد استراتيجية أمنية تستند بوضوح إلى الدولية الأميركية التي تعكسها "القيم" و"المصالح" الأميركية. وهو يُعير اهتمامًا خاصًا لتقديم القيم الأميركية كقيم عالمية. وتتضمَّن هذه الأخيرة الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة. ويصرّ الرئيس بوش على أن "الشعب أينما كان يريد أن يتمتع بحرية الكلام، وحرية اختيار حكامه، وحرية إيمانه، وتعليم أولاده، ذكورًا وإناثًا، بالملكية الفردية، والتنعم بعوائد عمله. قيم الحرية هذه عادلة وحقّة لكل شخص في كل مجتمع". وفقًا لذلك يحدّد المذهب الأهداف المعلنة العامة للحرية السياسية والاقتصادية، والعلاقات السلمية مع الدول الأخرى، واحترام الكرامة الإنسانية. وبتحقيق هذه الأهداف تتعهّد الولايات المتحدة ممارسة استراتيجية التعاون مع الحلفاء والأصدقاء والتحسب من الأعداء والتهديدات.

ثمة موضوع عادي في هذا المذهب هو إقامة "توازن قوى يدعم الحرية". وتبغي الولايات المتحدة من هذا التوازن المعلن قيادة "الأمم العاشقة للحرية" ضد المجموعات الإرهابية، وكل من يتعهَّد الإرهاب ويدعمه أو يساعده. ومع هذا الموقف السياسي يبدو أنه كان على الرئيس بوش أن ينجز الدورة الإيديولوجية الأميركية – ميزان القوى الواقعي، "الليبرالية العالمية، الانعزالية، واقعية الحرب الباردة، العولمة الليبرالية الانعزالية، ثم ميزان القوى الواقعي- التي استغرقت قرنًا كاملاً من الرئيس تيدي روزفلت العام 1901.

كان ميزان القوى عند تيدي روزفلت يثير نهوض الأمة الأميركية الصاعدة كموازن للأمبراطوريات المؤسسة المتنافسة لافتتاح العالم، أو على الأقل الحفاظ على النظام العالمي في وضعه الراهن الأفضل. أما اليوم، وبعد مئة سنة من التطور الإنساني السياسي، فلم يعد هناك الكثير من الإمبراطوريات أو حتى الإيديولوجيات للتنافس معها وموازنتها. وتكمن الصعوبة في التعامل مع الثقافات الشاملة أو الحضارات، بموازاة المصالح الاقتصادية والمعنوية للدول الغربية ذاتها. وواجهت الرئيس بوش، الكثير الأمل إلى الآن، بتزعم فرنسا وألمانيا معارضة الحرب ضد العراق، والرفض الشعبي العارم والشجب الأخلاقي لكامل نظرية الحرب الاستباقية.

الحرب الاستباقية، كما يقترحها الرئيس بوش، تعني دور ما قبل الفعل تقوم به الولايات المتحدة كزعيمة مسيطرة على العالم "لتحالف طوعي" لضرب وتدمير أي تهديد محتمل لأمن الولايات المتحدة  والغرب بشكل عام. ولكن هذا المفهوم للحرب يتعارض مع المفهوم المرافق لميزان القوى. فعلى الولايات المتحدة أن تختار بين دور السيطرة، كقوة عظمى عالمية فريدة، والقبول بالحضور الشرعي للدول الأخرى باختلاف وجهات نظرها وإشراكها في بنية عالمية لميزان القوى. وما تقوم به الولايات المتحدة اليوم، وإزاء العراق بشكل خاص، يفترض أنها اختارت الخيار الأول، السيطرة العالمية، ولا سيما إذا قرّرت العمل خارج النطاق القانوني لمجلس الأمن في الأمم المتحدة.

إن المسألة العراقية هي اختبار قاسٍ للدورالأميركي الجديد في تشكيل نظام عالمي جديد. فالاختيار الحاسم الأول الذي اتخذه الرئيس بوش في هذا الإطار كان عندما قرّر الذهاب إلى الأمم المتحدة وتجربة الحشد المتعدّد الطرف على بغداد، مخالفًا نصيحة العديد من المسؤولين الكبار في إدراته. ومع ذلك، يبدو أن تعهّده تعدّدية الطرف مشروط بإدراك الثمن الغالي "للذهاب منفردا" بالنسبة إلى الثمن الدقيق المطلوب من الأعضاء المؤثرين في مجلس الأمن، ومن الحلفاء الاستراتيجيين في المنطقة الذين تسهيلاتهم ومشاركتهم ضرورية لقيادة الحرب وشرعيتها. ويبدو أن الولايات المتحدة لم تجد الدعم الخاص لحربها على العراق ليس في الأمم المتحدة ولا حلف شمال الأطلسي التابع لها، كما يبدو أن ثمن تعددية الطرف كان مانعًا أمام المخطَّطات الأميركية للحرب على العراق. وكان جواب الرئيس بوش ومساعديه شديد الوضوح: إذا وضع الأعضاء الآخرون في المنظمة العالمية ثمنًا عاليًا للمشاركة، فالأميركيون سيواصلون قيادة "التحالف الطوعي" لإنجاز أهدافهم في العراق. وإن لم يكن ثمة تسوية باكرة على مستوى استراتيجية الحبل المشدود الدبلوماسية العالية الحدّة بين الولايات المتحدة وبريطانيا من جهة وفرنسا وألمانيا من أخرى، فالعالم سيشهد النذير الباكر لنظام قوى جديد ناجم عن انشقاقات حادة داخل حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي. أما روسيا والصين فتبدوان تستمتعان إلى أقصى حد بدبلوماسية الذعر العالية الحدة. وترتبط النتيجة بمن يتعثّر أولاً.

إذا استسلمت الولايات المتحدة لفرنسا وألمانيا، فستعرِّض نفسها لخطر خسارة هائلة لهيبتها تفضي إلى القبول الآلي بميزان قوى متعدّد الطرف حيث الولايات المتحدة واحدة فقط بين كثيرين. إنه أمر بعيد الاحتمال جدًا عند هذه المرحلة. ويبدو الخيار الثاني- أحادية الطرف مع حلفاء طوعيين – أكثر قبولاً. وستتأثر نتائج النظام العالمي الجديد بشكل كبير بمستوى النجاح أو الفشل في قيادة الحرب. وإذا أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها النجاح في تحقيق نصر سريع ومقنع ومن ثم معالجة غنائم الثروات العراقية بما فيه مصالحها، فيجب أن تمتلك الإدارة الأميركية الفرصة للحفاظ على دور ممدّد في الهيمنة على العالم.

ولكن الهيمنة العالمية مكلفة ومستنزفة. فالتاريخ كان قاسيًا مع كل أمة أرادت أن تحتكرالنظام العالمي. ولو سلّمنا أن مستوى تفوّق القوة لدى الولايات المتحدة في النظام الحالي غير مسبوق، وأن نوع السيطرة الأميركية مختلف عن الغزو الحالي التقليدي، ولكن نظرًا إلى المستوى العالي للتكامل والتوافق بين الشعوب والدول، وإلى طبيعة التفاعلات المعاصرة والأخطار يجب علينا توقُّع التغييرات المفاجئة والعنيفة في أي وقت. وعاجلا أم آجلاً ستضعف قدرة الولايات المتحدة على متابعة ممارسة هيمنتها العالمية ما يمهّد الطريق أمام بنية ميزان قوى متعدّدة القطب. هذه المقاربة للإدارة العالمية، المختبرة تاريخيًا، ستوفّر المناسبة الفضلى لاستمرار التفوّق الأميركي بدلا من الهيمنة. ويقدّم جوزف س. ناي  احتمالاً آخر للتفوق الأميركي المستمر من خلال تعددية القطب المؤكدّة.

كما يبدو الوضع اليوم، ستكون تعدّدية القطب، إلى حد بعيد ، آلية لتدرّج لبق للولايات المتحدة داخل الوضع الخاص لنظام ميزان القوى. وستسمح هذه التعدُّدية تدريجًا لقوى رئيسة أخرى بالاشتراك، أكثر فأكثر، في صنع القرار الدولي في فترة اكتساب قوة نسبية بالمقارنة مع الولايات المتحدة. وتبقى هذه المقاربة التدريجية أملنا الأفضل لانتقال سلمي من الوضع الحالي غير المستقر لنظام عالمي فوضوي مع قوة عظمى مرتبكة وظالمة تحاول إيجاد وضع ملائم، إلى نظام ميزان قوى أكثر استقرارًا وأقل خطرًا. أخيرًا، ثمة نتيجة إيجابية واحدة لهذا الانتقال ستزيد وتمأسس الاعتدال في إدارة شؤون العالم. وعلى الرغم من كل شيء، كان مفهوما "توزيع القوة" و"ميزان القوة" الدعامتين الأساسيتين للسياسات الأميركية. ولقد نفعا جيدًا في الميدان الأميركي الداخلي، وأنجزا، بكل تفاؤل، نتائج مماثلة على الصعيد العالمي.

 

السياسة الخارجية المعلنة لباراك أوباما

انتقد الرئيس باراك أوباما سياسة جورج بوش الخارجية كما فعلت كذلك السيدة هيلاري كلنتون. ولقد قدّم إلى الكونغرس مشروع قانون يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق مع نهاية آذار/مارس 2008، وذلك خلال مقابلة مع ستيف كروفت على قناة سي بي إس التلفزيونية. ويصف الرئيس أوباما سياسة الرئيس بوش في العراق بالفشل الذريع، ويعتقد أنه يجب تحقيق انسحاب على مراحل من العراق، ونشر بعض الفرق في إفغانستان، وبعض آخر في أجزاء أخرى من الشرق الأوسط.

في مرحلة سابقة من حملته الانتخابية استشهد بالقول أن الانسحاب الممرحل من العراق "يوجّه رسالة إلى العراقيين كما إلى القوى الإقليمية ومنها إيران وسوريا أن عليها أن تأخذ بعض حقها في إيجاد بعض الاستقرار هناك". وقد فسّر هذا الأمر بأنه ترك مصير العراقيين بين يدي إيران وسوريا.

إن السياسة الخارجية التقليدية للالتزام من خلال المباحثات أمر محتوم من وجهة نظر أوباما. حتى مع النظام الظالم في إيران – الذي هو تهديد للمنطقة، ولحلفاء الولايات المتحدة كما يطرحه هو- انتقد الرئيس أوباما رفض الرئيس بوش التكلم إلى القادة الإيرانيين. وبدلاً من ذلك، قال أنه كان راغبًا في إجراء محادثات معهم لأن "هناك الكثير من الناس في إيران- يحتمل أنهم يرغبون أن يكونوا جزءًا من مجموعة الأمم الأوسع. وبالنسبة إلينا، ألا نكون في مباحثات معهم أمر غير مقبول".

ويعتقد الرئيس أوباما أيضًا أنه كان خطأ عدم إجراء محادثات مع سوريا، وأن المباحثات التي يريدها مع السوريين والإيرانيين ستفسح المجال أمام إمكان "أن تكسب الأفكار والقيم كشفًا عظيمًا في هاتين الدولتين". وهكذا يريد الرئيس الأميركي الجديد أن يقدم لإيران وسوريا دورًا في العراق بعد سحب القوات الأميركية منها، ومن ثمّ الشروع في محادثات معهما بحيث ستكونان منفتحتين على أفكاره ومعتقداته. وهذا ليس سببًا وحسب لقلق حلفاء الأميركيين في المنطقة، ولكن لخوف حقيقي مما سيكون مصيرهم في حال انتصار سياسة أوباما الخارجية. ولبعض الأسباب، يفكر أوباما بأن هذه الأنظمة الظاملة، كما يسمّيها، هي كذلك لأن الولايات المتحدة لم تُجر مباحثات معها. كما أنه يعتقد بأنه قادرعلى إقناع الإيرانيين بعدم الاستمرار في مشروعهم النووي بمجرد عرض أفكاره وقيمه عليهم. ويعتقد كذلك أن السوريين كانوا انسحبوا من لبنان لو أنهم انفتحوا على أفكاره وقيمه. ويحتمل أنه يعتقد بأن اغتيال السياسيين في لبنان سوف يتوقَّف من خلال الدبلوماسية – عبارة السياسة الخارجية المفضّلة عند الديمقراطيين والسيد أوباما.

إن الدبلوماسية مع سوريا وإيران والانسحاب الممرحل من العراق هما السياسة الخارجية المفضلة عند السيد أوباما. ولكن ما ستكون سياسته مع إسرائيل والفلسطينيين؟ في لقائه على قناة سي بي إس التلفزيونية مع ستيف كروفت دعا الرئيس أوباما الولايات المتحدة إلى أن تكون أكثر التزاما مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين بهدف الوصول إلى حل الدولتين. ويلوم السيد اوباما الفلسطينيين على عدم قيام زعماء سياسيين بينهم قادرين على التخلي عن العنف كاستراتيجية لحل مشاكلهم مع إسرائيل. وهذه القيادة، وفقا للرئيس أوباما، يجب أ، تكون قوية كفاية لتعزيز أي اتفاق يمكن التوصل إليه مع إسرائيل. ويقول إذا كان بإمكان قادة حماس وفتح أن يصلوا إلى اتفاق من خلال إدراكهم أن العنف لا يقود إلى أي مكان بالنسبة إلى حماس، وأن تنظم فتح عملها الخاص، فيكتسبوا بذلك فرصة جيدة للتقدم. ويعتقد أيضًا وأيضًا بأن الولايات المتحدة يجب أن تشجع هذه العملية من خلال الالتزام الفاعل مع الفلسطينيين.

إن الخطاب الذي ألقاء الرئيس أوباما أمام منظمة إيباك AIPAC  يظهر كم يجب أن يذهب مرشحو الرئاسة الأميركية بعيدًا لكسب الصوت اليهودي. فهذه المنظمة شديدة التأثير، وكسب مساعدتها هدف جميع المرشحين. وتماثل اللغة القاسية التي استخدمها الرئيس أوباما مع إيران وسوريا وحزب الله لغة جمهوري من أقصى اليمين، فهو أيضًا يسمي حزب الله مجموعة إرهابية. لقد كان حازمًا في رفض ناكري الهولوكوست (المحرقة)، في إشارته إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي أنكر حدوث المحرقة. وقال إن إيران دولة نووية ستطرح تهديدًا ليس لإسرائيل والمنطقة وحسب، وإنما أيضًا لباقي العالم، وستشجع الإرهابيين، وتنشىء حالة عدم استقرار في المنطقة، وترشد إلى التكاثر النووي بين جيرانها وتطرح تهديدًا وجوديًا لإسرائيل وأميركا. وفي ما يتعلق بالحلول التي اقترحها لمنع إيران من بلوغ القدرة النووية، فهو لا يمتلك غير المفاوضات والعقوبات مع لا حدود زمنية لهذه المفاوضات.

إن الدعم الضخم لإسرائيل خلال الحملة الانتخابية قد يكون تكتيكًا لجذب الصوت اليهودي. فخلال الحملات الانتخابية الرئاسية كلها في الأربعين سنة الأخيرة، وعد معظم المرشحين الرئاسيين بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل- السبب الواضح والجلي لكسب الصوت اليهودي - بيد أن الفائزين بالرئاسة نسوا وعودهم فور دخولهم إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، للديمقراطيين تاريخ طويل في دعمهم القوي لدولة إسرائيل. لذا، من المأمون الافتراض أن السياسة الخارجية الأميركية إزاء إسرائيل إما ستبقى ذاتها أو ستكون أكثر لمصلحة إسرائيل.

 

قيم أوباما ومعتقداتته

باستثناء خطاب أوباما أمام منظمة إيباك مجمل السياسة المعلنة تقريبًا يشير إلى أنه سيتبع طريق الديمقراطيين التقليدية في المفاوضات التي لا تنتهي لحل المشاكل. تلائم هذه السياسة بانسجام قيم الكثير من الديمقراطيين ومعتقداتهم، وهي بالتأكيد بتوافق مع الغالبية العظمى من الأميركيين الأفريقيين. وما لا يتوافق مع القيم التي يتمتع بها معظم الأميركيين الأفريقيين هو الدعم المطلق لإسرائيل الذي أظهره أوباما أمام إيباك. ونظرة إلى الوراء إلى مواقف اثنين بارزين من الأميركيين الأفريقيين في السياسة الخارجية – وهما أيضًا من الحزب الديمقراطي - ستساعدنا على فهم منطقي لقيم أوباما ومعتقداته.

أول سياسي أميركي أفريقي شهير نرجع إليه هو السيد أندرو يونغ الذي خدم كسفير أميركي في الأمم المتحدة في إدارة الرئيس السابق جيمي كارتر. فلقد أكره على الاستقالة من منصبه العام 1979 لأنه التقى ممثل منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبر آنذاك إرهابية، ومُنِع الرسميون الأميركيون من التقاء أعضائها وفقا لموسوعة جورجيا على الانترنت. وكانت المرّة الأولى التي يتصل فيها مسؤول أميركي من أعلى منزلة بمنظمة التحرير الفلسطينية ولم تكن مصادفة أن يكون في المرة الأولى أميركيًا أفريقيًا. حتى على الرغم من أن السيّد يونغ قد صادق علنا على تسمية السيدة كلينتون في السباق إلى البيت الأبيض، فمن الصعب رؤية الرئيس أوباما يحيد عن معتقدات السيد يونغ، ومعظم الأميركيين الأفريقيين وقيمه، والتي هي إظهار التعاطف تجاه الفلسطينيين وامتلاك الموقف العقلي والعاطفي المتوازن مع إسرائيل والفلسطينيين.

السياسي الثاني الأميركي الأفريقي الشهير هو القس جيسي جاكسون الذي كان مرشحًا للتسمية للرئاسة من الحزب الديمقراطي العامين 1984 و1988. وهو لم يخف إعجابه بالسيّد ياسر عرفات في أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي وفقا لكينيث تيمرمان في برنامجه  Shakedown كان يحظى بشعبية كبيرة بين الأميركيين العرب، ويثق به الزعماء العرب، الأمر الذي يفسِّر لماذا كان قادرًا على السفر إلى سوريا العام 1983 لتأمين إطلاق الطيّار الأميركي الأسير الذي أسقطت طائرته فوق لبنان خلال واحدة من الغارات الأميركية النادرة ضد القوات السورية في لبنان. وهذا مثل آخر عن أميركي أسود لم يستطع أن يكون زائد المساندة لإسرائيل، فهي ضد قيمه ومعتقداته.

سياسة الرئيس أوباما تجاه إسرائيل لا يجب أن تكون جذرية كما يريدها السيد جاكسون، ولكن يجب أن تتبع، ربما ، خطوات سياسة السيّد يونغ المعتدلة. لهذا، يمكننا افتراض أن خطاب أوباما أمام إيباك هو بكل بساطة لجعل نفسه مقبولاً عند الناخبين اليهود.

 

دعم الكونغرس

الآن بعد ان انتخب ألسيد أوباما رئيسًا للولايات المتحدة، ثمة تغيير جذري متوقّع في السياسة الخارجية الأميركية، افتراض قائم على المواقف المعلنة وعلى القيم والمعتقدات. ولكن هل الرئيس أوباما قادر على تحقيق التغييرات التي يريدها؟ هناك بعض العوامل التي يُتوقع أن تستكشف بغية إدراك إمكانية هذه التغييرات. أحد هذه العوامل هو دعم الكونغرس الذي هو حيوي لأي رئيس لسنّ سياساته.

واليوم، والديمقراطيون يتحكَّمون بالكونغرس، سيمتلك باراك أوباما الدعم المعلن للكونغرس على الأقل لسنتين حتى إجراء انتخابات الكونغرس الجديد. ولكن هل يمكننا توقع كم سيكون دعم الكونغرس ضخمًا لسياسة خارجية متعددة الطرف أو لإجراء محادثات مع الإيرانيين والسوريين؟ نظرة إلى سياسة وجه ديمقراطي مؤثر من الكونغرس، هو السيّدة نانسي بيلوسي الناطقة باسم الكونغرس، يمكن أن تساعد على إسقاط بعض الضوء على نوع الدعم الذي سيناله رئيس ديمقراطي من كونغرس ديمقراطي.

بعد شهرين من انتخابها ناطقة باسم الكونغرس، قرّرت السيدة بيلوسي كسر عزلة سوريا وزيارتها على الرغم من اعتراضات الرئيس بوش. لقد حاولت أن تعمل ما كان على الرسميين الديمقراطيين فعله: إجراء محادثات مع الزعماء الذين سبَّبوا مشاكل للولايات المتحدة والأمل بإقناعهم بتغيير سياستهم من خلال المحادثات وحسب. وخلال زيارتها لدمشق قالت: "جئنا بكل صداقة وأمل وتصميم على أن طريق دمشق هي طريق السلام" وقالت إنها تنقل رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت مفادها "أن إسرئيل جاهزة للدخول في محادثات سلام" مع سوريا هي اختراق ظاهري. لكن الأمر ليس كذلك حسبما جاء في بيان سرعان ما صدر عن مكتب أولمرت، وهذا الأخير لم يجر أي تغييرات في سياسة إسرائيل.

مع مثل هذا الموقف للناطقة باسم الكونغرس، الذي يتوافق تماما مع فلسفة أي دمقراطي ليبرالي، يمكن أن يضمن الرئيس أوباما دعمًا مقبولاً من الكونغرس.

 

المراجع

 

كتب

  • Beckwith, Charlie, "Delta Force: The Army’s Elite Counterterrorist Unit", Dell and Reissue, 1984
  • Hook, Steven W, "Comparative Foreign Policy: Adaptation Strategies of the Great and

 Emerging Powers", Prentice Hall, 2001

  • Russet, Bruce and Harvey Starr, "World Politics: The Menu for Choice", W.H. Freeman and Company, 2000.

 

صحف

  • Chomsky, Elie. “Hillary Clinton on Israel, Iraq and Terror.” Jewish Press 25 October 2006
  • Gofrdon, Michael R. and  Healy, Patrick. “If elected Clinton Says Some G.I’s in Iraq Would Remain.” New York Times. 15 March 2007 

 

إنترنت

  • Barone, Michael. “The Road to Damascus.” Townhall.com.  April 2007 <http://www.townhall. com/columnists/MichaelBarone /2007/04/09/the_road_to_damascus>
  • Clinton, Hillary. Security and Opportunity for the Twenty-first Century.” foreignaffairs.com.
  • 1 November 2007 <http://www.foreignaffairs.org/20071101 faessay86601-p70/hillary-
  • rodham-clinton/security- and-opportunity -for-the-twenty-first-century.html>
  • Finkelstein, Mark. “Obama: Iran, Syria Should"Take Ownership for Stability' of Iraq.”
  • newsbusters.org. 21 October 2006 < http://newsbusters.org/node/8499>

 

The United States: Manipulation of standards in foreing relations

Following World War Two, the United States made fast actions to establish itself as the first power in the Middle East and its policies at that time focused on the necessity of taking all the measures to prohibit the countries of this region from falling under the reign of nationalist regimes. The United States experienced this threat for the first time in Iran when President Mohammad Mosaddaq, who was elected in a democratic way, backed by the Iranian people, nationalized the Iranian – British Oil Company.

Consequently, the Central Security Agency member Kirmet Roosevelt planned for a coup which resulted in overthrowing Mosaddaq and appointing the Shah in his place.

The United States also showed major concerns facing the rise of the Nationalist officer Jamal Abdel Nasser in Egypt after leading a coup in 1952 which made him president and transformed him into “magnetic pole” for Arab movements.

The researcher focuses in his study that Israel has been the only and most important ally of the United States of America in the Middle East since late sixties. However, the United States made sure at that time that this close  relation with Israel does not ruin its relations with the other Arab countries.

After the dethronement of the Shah of Iran, the United States Policy faced intense crises such as the crisis which took place following the Gulf War in 1990 when it launched the widest invasion in the Middle East with the aim of protecting its interests. After the Gulf War, the United States came out victorious and imposed its firm hegemony more than ever over the entire region.

Finally, the researcher points out to the foreign policy of the United States and particularly the public policy of President Obama who criticized George Bush’s foreign policy and stressed on Obama’s values and principles and the support granted by the Congress to the new President.

 Les Etats-Unis: la manipulation au niveau des critères des relations étrangères

Après la fin de la deuxième Guerre Mondiale, les Etats-Unis s’efforcent de se présenter comme étant la première force influente dans la region du Moyen-Orient: la politique de ce pays se concentrait alors sur le fait que les états de cette région ne tombent pas sous le contrôle de régimes nationalistes. Or les Etats Unis connurent la première menace sur ce niveau en Iran, quand le président Mohammad Musaddaq, élu suite à des élections démocratiques et appuyé par le peuple iranien, nationalisa la société pétrolière anglo-iranienne. C’est alors que Kermet Roosvelt du CIA planifia pour un coup d’Etat, pour que le Shah prenne la place de Musaddaq.

De même les Etats-Unis se faisaient du souci pour la montée en puissance de Jamal Abdel Nasser en Egypte, l’officier militaire nationaliste qui est arrivé au pouvoir suite à un coup d’Etat en 1952, et qui est devenu le pôle attirant les mouvement arabes.

Le chercheur insiste dans son étude que depuis la fin des années soixante du siècle dernier, Israël fut l’allié unique le plus important des Etats-Unis aux Moyen Orient. Or les Etats-Unis ne laissaient pas leurs relations solides avec Israël affecter sur leurs relations avec les autres pays arabes.

Depuis que le Shah d’Iran fut destitué, la politique des Etats Unis au Moyen Orient a connu de véritables crises. Après la Guerre du Golf, en 1990, les Etats-Unis ont lancé une opération d’invasion à un niveau très large afin de protéger leurs intérêts. Ils en sont sortie victorieux et étalèrent leur hégémonie en étant plus ferme que jamais.

Finalement, l’écrivain fait allusion à la politique étrangère des Etats-Unis, surtout la politique publique de Barrak Obama qui a critiqué la politique étrangère de Georges Bush, en mettant l’accent sur les valeurs et les principes d’Obama, ainsi que le support offert  par le Congrès.