ثقافة وفنون

الياس عطوي في «أحببتهم... فكتبت لهم» شعر لا يحتاج الى شهادة

نحار أيّ لقب نطلقه عليه، أهو شاعر مغدوشة، البلدة الحبيبة الى قلبه، حيث ولد وترعرع، وعلى أرضها الطيّبة كان له مع ربّة الشعر لقاء مبكّر، بحيث لم يلبث أن احتل المقام الأول بين اقرانه؟
أم هو شاعر الجنوب الذي غنّاه في معظم قصائده، حتى إنه عندما ترجم لي إلى العربية شعراً قصيدة «نهر الأيام المنسيّة»، لم ينس جنوبه العزيز، فخاطبه بهذا البيت:
سافر فطريق الحبّ على قصص العشاق جنوبية
ولا غرابة في ذلك، فالجنوب، وتراب الجنوب، في ضميره ووجدانه، كما هي مغدوشته، وكما هو لبنان الأثير الى قلبه أكثر ما يكون.
أم تراه شاعر الحبّ والغزل بامتياز، أم شاعر العنفوان بامتياز أكبر؟
أم هو شاعر لبنان فحسب، على غرار سعيد عقل؟
هذا المغدوشي الذي سلخ عمره في محراب الشعر والحب والتغزّل بالمرأة، أتراه تغيّر الآن، في ديوانه الجديد، الذي هو أولاً وآخراً شعر مناسبات، كما سيحلو للبعض أن يسمّيه.
فإلى الذين يدّعون أن شعر المناسبات لا يعتدّ به، ولا يحسب له حساب، نقول: هل في الأدب العربي، أو العالمي، أي شيء لم يكتب إلاّ في المناسبات؟
وبعد، فالياس عطوي هو هو في كل ما سطّر، من «نارانا» (1962) إلى آخر قصيدة في ديوانه الثاني عشر شاعر شعره خواصّ العطر، تقبل عليه إقبال الورود والزهور.
إنه الشعر الذي يثير مشاعرك، وحماستك، فتقرأه بشغف وافتتان، وتدهشك في كل قصيدة، بل كل بيت، تلك اللمعات والإشراقات التي طالما تقت إليها.
ولقد أبى هذا الشاعر الجنوبي الأصيل إلا أن يتقيّد بقواعد العروض، فابتعد بخاصة عن التعقيد والغموض، بحيث جاءت قصائده وكأنها مستمدة من وحي علوي. فلا صناعة فيها ولا تكلّف، ولعل هذا هو الشعر الملهم، الذي لا يحتاج الى شهادة من أحد.
وعلى الرغم من شهرته الواسعة، وذيوع صيته، بقي الرجل بتواضع القديسين، وفي براءة الاطفال.
أجل، لقد ظل طفلاً ينعم بأحلام الأطفال وطموحاتهم. وإلاّ كيف تراه استطاع أن ينظم كل هذه الدرر التي تتّسم بالبراءة وببساطة الأبرار؟
«أحببتهم... فكتبت لهم» مجموعة قصائد موجّهة إلى كثير من الشخصيات السياسية والوطنية التي كان لها دور فاعل في الحياة العامة، وما تزال. ولمن يعتقد أن فيها بعض المبالغات، نرد عليه بأن شاعرنا يراها هكذا بعين المحبة، لأنه أعجب فعلاً بها، ورفع لها في قلبه محراباً، فأية غرابة إن خصّها بقسم من هذه العاطفة؟


جان سالمة