إختصاصات ومهن

اليوم على مقاعد الدراسة لكن «بالنسبة لبكرا شو؟»
إعداد: ريما سليم ضوميط

ترفد الجامعات في لبنان سوق العمل بمئات الخرّيجين سنويًّا، تحظى قلّة منهم بوظيفة أو مهنة تتناسب مع إختصاصهم الجامعي، في حين تعاني غالبيتهم صعوبة في إيجاد الوظيفة الملائمة. فسوق العمل غير قادرة على امتصاص الكم الهائل من الخريجين بسبب عدم تكافؤ علومهم ومهاراتهم مع حاجاته، وهو أمر يعود إلى عدة عوامل من بينها النقص في التوجيه المهني في المدارس، وفي التدريب العملي في مؤسسات التعليم العالي، إضافة الى النقص في الإختصاصات الجامعية التي تحاكي حاجات السوق.

 

بطالة وهجرة وعمالة ناقصة
أظهرت دراسة أعدّها الباحث الإقتصادي الدكتور نجيب عيسى في منتصف العام الماضي أن أزمة التوظيف أساسها الفائض من الخريجين إنطلاقًا من ثلاث ظواهر:
 أولًا، ظاهرة ارتفاع معدل البطالة السافرة عند الخريجين الذي يفوق معدّل البطالة العام (11،1% مقابل 9،2 %)، وهم يشكلون ما يزيد عن ثلاثين في المئة من مجموع العاطلين من العمل.
ثانيًا، ظاهرة ارتفاع معدلات الهجرة عند الخريجين، فالبيانات المتوافرة حول خصائص المهاجرين في السنوات الأخيرة تشير إلى أن حوالى 40 في المئة منهم هم من حملة الشهادات الجامعية. وترتفع هذه النسبة الى 46 في المئة عند المهاجرين الشباب، علماً أن حوالى 83 في المئة من المهاجرين الجامعيين هم من المهندسين وخريجي العلوم الطبيعية والعلوم البحتة والمعلوماتية وإدارة الاعمال.
ثالثًا، ظاهرة تفشي العمالة الناقصة، والتي يصعب قياسها، مع أن تجلياتها واضحة للعيان. من هذه التجلّيات ظاهرة ممارسة الخرّيجين أعمالاً تتطلب مؤهلات أدنى من المؤهلات التي اكتسبوها، كأن يعمل حامل الاجازة كسائق تاكسي، أو ظاهرة البطالة المقنّعة المتمثّلة بالإقبال على ممارسة مهنة معينة بنسب تفوق كثيرًا الحاجة، وهذه حالة مهن الطب والصيدلـة والهندسة والمحامـاة في لبنان (هنالك حاليًا اكثر من30000 مهندس و10000 طبيب صحَة، و3500 طبيب أسنان، و3500صيدلي، و7000محام، وذلك في بلد لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين).

 

إختيار إختصاصات جديدة
يعرض الباحثون عدّة حلول للأزمة المطروحة، من بينها الحد من الإلتحاق بالإختصاصات التقليدية التي يفاقم الإقبال الشديد عليها مشكلة البطالة، حيث هناك فائض من الطلاب المتخرجين في مجالات الطبّ والمحاماة والهندسة. كذلك من الضروري أن تواكب مؤسسات التعليم العالي المستجدات في أسواق العمل المحلّية والخارجية، وأن تسعى إلى الإستجابة لحاجاتها عبر استحداث إختصاصات جديدة من شأنها خلق فرص عمل متجددة للشباب اللبناني، وتحفيز طاقاتهم باتجاه مهن تحاكي العصر والتطوّرات التكنولوجية والفكرية. ويلاحظ في هذا المجال أن بعض الجامعات قد باشرت بالفعل في تحديث برامجها فأدرجت في السنوات الأخيرة العديد من الإختصاصات الجديدة، لاسيما المتعلق منها بمجالات هندسة الاتصالات وعلوم الحاسوب وعلوم التواصل والاعلام وعلوم السياحة والبيئة وإدارة الأعمال. ومن بين الإختصاصات الحديثة «التكنولوجيا التعليمية» (Instructional Technology) الذي يقوم على تدريس أصول توظيف التكنولوجيا الحديثة في التعليم ودورها في معالجة الصعوبات التعليمية. وكذلك اختصاص «التجارة الإلكترونية والحوسبة» (Business Computing) الذي يتعلّق بالتعامل الاقتصادي بين الأفراد والشركات، واختصاص «إدارة الموارد البشرية» (Human Resources Management) الذي يتعاطى شؤون الموظفين وسبل تطوير الإنتاجية. كذلك وضعت بعض الجامعات اللمسات الأخيرة على اختصاصات جديدة في مجال الشؤون المائية والنفط والطاقة وغيرها. وتحظى اختصاصات حديثة نسبيًا في لبنان، بإقبال كثيف ومنها ما له علاقة بالبيئة وإدارة المواصلات وصولاً إلى اقتصاديات السياحة الدولية. وهناك أيضًا إختصاصات في مجال العلاج الفيزيائي، كدراسة علم الأقدام (Podology). وفي عالم التغذية، برز اتجاه ملحوظ للطلاب نحو «تكنولوجيا الصناعات الغذائية» (Food Technology)، ما يشير إلى الآفاق الجديدة التي يتنبّه إليها الشباب اللبنانيون بدل حصر أنفسهم في مجالات يصعب أن يتميّزوا من خلالها.
ويرى الباحثون أنّ هناك اختصاصات ذات مستقبل واعد من ناحية التوظيف في لبنان، وتحديدًا في ما يتعلق بالإدارة والبيئة والإلكترونيات، حيث تشير الطلبات التي تسجّل من قبل الشركات الموّظِفة إلى الحاجة الماسة لموّظفين ذوي انفتاح على مجالات جديدة، ولا يكون تعليمهم قائمًا على التلقين فقط، إنما على التجارب ومحاكاة العمل اليوميّ من خلال الدراسة الجامعية. ويحضّ الخبراء في الإقتصاد مؤسسات التعليم العالي على اعتماد برامج تعليمية تجمع ما بين الإعداد العلمي للطالب والتدريب العملي من خلال ممارسته نشاطًا مهنيًّا يتعلّق بموضوع اختصاصه. ويلاحظ أن بعض الجامعات قد باشر برنامج الإعداد بالمناوبة الذي يقضي بأن يرتبط الطلاب وهم على مقاعد الدراسة بعقود عمل في مؤسسات انتاجية، بحيث تتوزع فترة إعدادهم العالي بين الدراسة في الجامعة والممارسة المهنية في مؤسسة الانتاج.

 

التوجيه المهني
من المبادئ الأساسية في اختيار المهنة ألا يقوم اختيار الطالب على أساس أن المهنة ناجحة أو أن غيره من الأشخاص قد حقّقوا تقدّمًا فيها. ويؤكد الخبراء في هذا الإطار أن الفرد لا ينبغي أن ينقاد وارء الآخرين أو أن يدخل مهنة لمجرد التقليد والمحاكاة، فما يصح لشخص قد لا يفيد شخصًا آخر. لذلك يشدّد هؤلاء على أهمية التوجيه المهني بدءًا من مرحلة التعليم الثانوي، حيث تتم مساعدة الطلاب في اختيار الإختصاص الجامعي بما ينسجم مع قدراتهم وتطلعاتهم واستعداداتهم الذهنية والفكرية من جهة، وما يوافق حاجات سوق العمل من جهة أخرى. وتساعد هذه العملية في حال تطبيقها في مختلف المدارس على الحد من التوجّه إلى الإختصاصات التي لا تتوافق مع حاجات سوق العمل.