كلمات

انتخابات لا تحجب الاحتلال
إعداد: العميد الركن الياس فرحات
مدير التوجيه

تجري في مطلع العام 2005 انتخابات رئاسية فلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية، هكذا يسمونها، «أراضي». هي ليست دولة ولا يعترفون بها دولة، وليست وطناً ولا يعترفون بها وطناً. هي «أراضي» او أراضي السلطة أحياناً. هذه الانتخابات تفرز بنتيجتها رئيساً للسلطة.
كما تجري في العراق في الشهر نفسه انتخابات تشريعية وسط حمام دم وقصف وتفجير وقتل في كل ارجائه...
هذه الانتخابات تحظى باهتمام إعلامي عربي كبير لدرجة أن يفكر المرء أنّ ما وراء الأكمة ما وراءها.  لماذا هذا الاهتمام الكبير بها؟ لماذا الحديث عن الديموقراطية والإصلاح وإظهار الجولات الانتخابية وصور المرشحين والقوائم والبيانات وغيرها؟ وكأنما يحس من يشاهد ذلك على شاشات التلفزة، سواء في فلسطين أم في العراق، أنّ الأمور في أحسن أجوائها وأن الجميع يتمتع بالحرية السياسية وأن العملية الديموقراطية قائمة ولا مشكلة.

لكن هل هذا هو الصحيح؟
فلسطين ما زالت ترزح تحت الاحتلال، والشعب الفلسطيني يعاني من بطش الاحتلال وأعمال القتل واضطهاد الناس وتدمير المنازل وجرفها، وأضحت مشاهد الجنازات شبه روتينية، طفل من هنا، إمرأة من هناك، شاب داخل سيارة، عائلة تحرث الأرض، كلهم يقتلهم الاحتلال وفي المقابل صور عن الديموقراطية والانتخابات.
اذا كانت الانتخابات ضرورة لمصلحة الشعب الفلسطيني لملء فراغ سياسي يساعده على التخلص من الاحتلال وتحرير أرضه وإقامة دولته فهي موضع ترحيب، أما اذا كانت وسيلة كي يظهر انّ الوضع طبيعي وأنّ الامور «ماشية» ولا مشكلة مع الاحتلال فهي موضع استهجان ونفور. وبمختلف الأحوال لا يجوز أن تحجب صور الانتخابات ولا أرقام النتائج حقيقة أن الجميع لا حرية لهم في ظل الاحتلال وان أولى بشائر الحرية هي زوال الاحتلال.
في العراق أيضاً، اهتمام كبير جداً بالانتخابات، وهي باتت مطلباً من اجل الخروج من النفق المظلم. لكن أي حديث عن ممارسة ديموقراطية أو حرية أو تعددية أحزاب أو غيرها، لا يحجب ما يجري من قتل وتدمير يومي يودي غالباً بحياة سكان آمنين اثناء سعيهم الى رزقهم، ولا يحجب ايضاً التهديد الكبير الذي يواجهه هذا البلد الشقيق لوحدته وسيادته وكيانه.
في جميع الأحوال، يجب ان تبقى الانتخابات في العراق وسيلة وليس منبراً للتعبير عن الحرية السياسية أو ممارسة الديموقراطية كما في البلدان التي تنعم بحريتها وسيادتها واستقلالها، فالاحتلال ومفاعيله واخطاره الداهمة من فلتان أمني وسوء طالع لمستقبله السياسي هو المشكلة التي يجب أن يخرج منها شعب العراق.
الحرية قيمة إنسانية عالية لا تصان إلا بإزالة الاحتلال. إنها المدخل الأساسي والوحيد لكل الممارسات الديموقراطية وغيرها، وكل ما يجري تحت الاحتلال يقوم به الناس مرغمين ولا يعبّر بأي شكل من الأشكال عن الواقع الأليم الذي يسود في البلد المحتل.
إلى أن يتحرر الشعب الفلسطيني ويقيم دولته المستقلة ويستعيد حقوقه المشروعة، وإلى أن يتحرر الشعب العراقي ويطمئن الى مستقبله السياسي ووحدة ارضه وشعبه، الى ذلك الحين تكون الانتخابات فعلاً تعبيراً عن ممارسة ديموقراطية، ودون ذلك فهي وسيلة لن تخفي حقيقة المشكلة وهي الاحتلال.