أيام ووقائع

انتصرنا
إعداد: الهام نصر تابت


باسم لبنان ودماء الشهداء:

 

«باسم لبنان، والعسكريين المختطفين، ودماء الشهداء الأبرار، وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم»، أطلق قائد الجيش العماد جوزاف عون صباح التاسع عشر من آب 2017 عملية «فجر الجرود».
حدّدت المهمة بمهاجمة إرهابيي «داعش» في جرود رأس بعلبك – القاع، وتدميرهم لاستعادة الأرض والانتشار على الحدود.
نفّذ الجيش المهمة وفق خطة مُحكَمة وضعتها القيادة وواكبت تنفيذها لحظة بلحظة، من غرفة العمليات ومن ميدان القتال.
قائد الجيش، ابن الميدان الذي يعرف الأرض بقسوة صخورها ولهيب شمسها وصقيع لياليها، كما يعرف عسكرييه بأسمائهم وجهوزيتهم وقدراتهم، كان في قلب الميدان.
قادة الوحدات المشاركة وضباطها وعسكريوها، كانوا نموذجًا في الكفاءة والبسالة. التنسيق والتناغم في أداء الوحدات المشاركة تجلّى في أفضل صوَره، ووفّر فاعلية قصوى للأسلحة والتجهيزات والعتاد.
القوات الجوية، الوحدات المقاتلة، الدعم الناري، وحدات دعم القتال، اللوجستية والإعلام، عملت جميعها بانسجام ودقة. الزمن القياسي الذي أنجزت خلاله المهمة، كان نقطة مضيئة تُحسَب لجيشنا الباسل؛ وكذلك التمسّك بالمناقبية في الميدان القاسي، الميدان المزروع بصور الشهداء ودمائهم، وبألغام الإرهابيين وكمائنهم ووحشيتهم.
إلى جانب كل ذلك، كان لبنان خلف جيشه: من رئيس الجمهورية الذي واكب المعركة من قيادة الجيش منذ انطلاقها، إلى المواطنين في البلدات والقرى الحدودية، وفي كل بقعة من لبنان، وأهالي العسكريين، والشهداء والمخطوفين، كان لبنان يتطلع إلى النصر وهو مؤمن أن الجيش سيحقّقه. وتحقّق النصر.
ولكي تبقى الوقائع للأيام الآتية، في ما يلي توثيق لمحطاتها منذ بدأ الجيش بتضييق الخناق على الإرهابيين، وصولاً إلى اندحارهم، والوداع المهيب للعسكريين الشهداء، وملاحقة خلايا الإرهابيين المتوارين، حيث ألقي القبض على عدد منهم بعد المعركة، والحبل ما زال على الجرار.


إحكام الطوق وتعطيل قدرات الإرهابيين
بين الرابع من آب والسابع منه، عملت وحدات الجيش على استهداف مراكز تنظيم «داعش» الإرهابي في جرود رأس بعلبك والقاع براجمات الصواريخ والمدافع الثقيلة، فدمرت عددًا من تحصيناته وآلياته، وأوقعت إصابات مؤكدة في صفوفه. وفي موازاة ذلك، تمركزت وحدات على تلال ضليل الأقرع، دوار النجاصة وقلعة الزنار، من ناحية جرود منطقة عرسال. هذا التمركز كان في سياق خطة إحكام الطوق على المجموعات الإرهابية.
حاول الإرهابيون إرباك الجيش عبر إرهاب الأهالي، فوجّهوا عددًا من القذائف سقطت في أطراف بلدة القاع؛ ردّ الجيش براجمات الصواريخ والمدفعية، ولم يدبّ الذعر في صفوف الأهالي، بل تابعوا استعداداتهم لمواكبة الجيش ودعمه، في المعركة التي شعر الجميع بأنها باتت وشيكة.
استهداف الجيش مراكز الإرهابيين وتجمّعاتهم بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطوافات يومي 10 و11 آب، أسفر عن إصابات محققة، لعلّ أبرزها تدمير مخزن أسلحة وذخائر. وهكذا، بدا أنّ الجيش يعطّل قدرات الإرهابيين المتحصّنين في الكهوف والخنادق، في موازاة تضييق الخناق عليهم جغرافيًا. وهذا ما تبيّن بوضوح بعد أيام قليلة، ففي 14 و15 آب، نفّذت وحدات الجيش انتشارًا في منطقة وادي حميّد ومدينة الملاهي ومراح الشيخ والعجرم (من ناحية جرود عرسال)، حيث عثرت خلال أعمال التفتيش والتمشيط على كمية من الأحزمة الناسفة والعبوات والقذائف المفخخة، فتمّ تعطيلها.


«إبن الميدان» قرب جنوده
ليل 15 آب كان قائد الجيش في غرفة عمليات قيادة معركة الجرود. إبن الميدان الذي يعرف الأرض بصخرها وشمسها وليلها، ويعرف أهلها والعسكر المتأهب لافتدائها، عاين آخر التحضيرات، تأكّد من الجهوزية، ومن ملاءمة الخطة لكل ما يمكن أن يطرأ.
في اليوم التالي، واصل الجيش عملية إحكام الطوق على المجموعات الإرهابية، تقدّمت وحداته باتجاه مرتفعات حقاب خزعل وسيطرت عليها بعد اشتباك مع الإرهابيين نتج عنه مقتل ستة منهم بينهم أحد القياديين، فضلًا عن تدمير مربض هاون لهم، وضبط كمية من الأسلحة والذخائر والأعتدة. أما خسائر الجيش فكانت إصابة خمسة عسكريين بينهم ضابط بجروح طفيفة.
بعد يوم من ذلك، استكملت عملية التمركز في المرتفعات التي تمّت السيطرة عليها، في موازاة عمليات التفتيش عن الأسلحة والذخائر والمتفجرات التي خلّفها الإرهابيون. وبذلك كان التمركز الجديد للجيش قد ضيّق البقعة التي يسيطر عليها الإرهابيون، فأصبحت 100 كلم2 بعد أن كانت 120 كلم2.
مع حلول 18 آب، صبّت المدفعية الثقيلة والطائرات نارها على مراكز الإرهابيين وتجمّعاتهم، ما ألحق بهم خسائر كبيرة شتّتت قواهم. في المقابل كان هناك الكثير من العمل لإنجازه على الأرض للتحقّق من أصغر التفاصيل. تلك التفاصيل كان قائد الجيش يتابعها في غرفة عمليات القيادة مع كبار الضباط القادة والأركان.

 

ساعة الصفر: «انتبهوا عا حالكن»
اكتملت العدّة، حددت ساعة الصفر، وكان رئيس الجمهورية كما رئيس الحكومة في أجواء توقيت المعركة.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أكّد ثقته الكاملة بالجيش وبقدراته، وتمنّى لو انّه في عمر يسمح له أن يكون في الجبهة إلى جانب العسكريين.
بعد منتصف ليل 18 آب، أعطيت الأوامر لكلّ الوحدات التي ستتحرك على محاور الهجوم لتكون جاهزة، كما أعطيت التعليمات الأخيرة. وبمعنويات عالية وثقة كبيرة، تلقّى العسكريون إشارة الانطلاق فجر 19 آب، لتبدأ معركة «فجر الجرود».
الأمر ترافق مع توصية من العماد قائد الجيش لقادة الوحدات: «انتبهوا عَ حالكن». ففي موازاة النصر الأكيد، ثمة هدف آخر: أقل ما يمكن من خسائر في صفوف العسكريين.

 

أنا معكم وسنبقى معكم
منذ السادسة صباحًا كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد وصل إلى غرفة العمليات في قيادة الجيش، حيث استقبله قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس الأركان اللواء الركن حاتم ملّاك وعدد من كبار ضباط القيادة.
تابع رئيس الجمهورية سير العمليات، وعبر النقل المباشر اطّلع على وقائع تحرّك القوى واشتباكها مع المجموعات الإرهابية، ثم أجرى اتصالًا بقادة الوحدات المقاتلة، ومما قاله لهم: «أنا معكم، أتابعكم من غرفة العمليات، عقلنا وقلبنا معكم. أحيّيكم ولبنان بأسره يتطلّع إليكم، وينتظر منكم تحقيق الانتصار. أحيّي كلّ عسكري يقاتل معكم وأنا على ثقة أنّ آمال اللبنانيين لن تخيب. كلّ شيء يجري حتى الآن بشكلٍ جيّد، وإن شاء الله تستمرّ معركتنا من دون خسائر مهما كانت الظروف. يعطيكم العافية وسنبقى معكم طوال الوقت. حماكم اللـه».

 

مؤتمر صحفي لمدير التوجيه: الواقع الميداني والقوى المعادية
مع انطلاق المعركة عقد مدير التوجيه العميد علي قانصو مؤتمرًا صحفيًا أوضح فيه ما يأتي:
 

• المهمة:
يهاجم الجيش بتاريخه اعتبارًا من الساعة الخامسة صباحًا إرهابيي «داعش» في جرود رأس بعلبك – القاع ويدمّرهم لاستعادة الأرض والانتشار على الحدود.
 

• الوضع العام:
- قسّم إرهابيو «داعش» مناطق سيطرتهم إلى ولايات تشبه المحافظات المعتمدة في بلدانهم الأم.
- يخضع العناصر الإرهابيون المنتشرون في جرود رأس بعلبك والقاع إلى ولاية الشام – قاطع القلمون الغربي.
- تمركز الإرهابيين:
• شمالًا: جرود رأس بعلبك وجرود القاع.
• غربًا: جرود رأس بعلبك وجزء من جرود عرسال.
• جنوبًا: على امتداد التلال المشرفة على وادي الشّاحوط.
• شرقًا: منطقة قارة والجراجيـر والبريـج في الأراضي السوريـة.
 

• حالة الوحدات الإرهابية:
- جهوزيتها مكتملة نسبيًا.
- تحت الحصار منذ أكثر من عام.
- تمّ تضييق الطوق عليها في الأسبوعين الأخيرين، وآخر الخطوات الحاصلة في هذا السياق كان استرجاع تلال ضهور الخنزير وحقاب خزعل والمنصرم.
 

• تشكيل الوحدات الإرهابية وأسلحتها:
- مجموعات مشاة معززة بآليات ودراجات نارية.
- تمتلك المجموعات الإرهابية أسلحة ثقيلة ومتوسطة وخفيفة قوامها: مدافع هاون، صواريخ موجّهة، أسلحة مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات، قنّاصات، مناظير ليلية وطائرات من دون طيار (عرضت على الشاشة صور لأسلحة الإرهابيين ولمواقع لهم في خنادق محصنة وغرف ومراكز داخل الكهوف... ما أكّد دقة عمليات الرصد والاستطلاع التي نفّذها الجيش قبل انطلاق المعركة).
 

• حجم الوحدات الإرهابية:
- يقدّر عديدها في الأراضي اللبنانية بنحو 600 إرهابي يتوزعون على ثلاث مجموعات (الخريطة):
• فصيل بكر شمالًا (جرود القاع).
• فصيل علي في الوسط (جرود رأس بعلبك).
• فصيل أسامة في الجنوب (على امتداد التلال المشرفة على وادي الشاحوط).
 

• نقاط الضعف ونقاط القوة لدى الإرهابيين:
- نقاط الضعف:
- عدم توافر تغطية جوّية.
- عدم توافر دبابات.
 

- نقاط القوة:
- المهاجمة بواسطة الدراجات المفخخة والإنتحاريين والانغماسيين.
- معرفة طبيعة الأرض واستثمارها (جبال ومغاور وكهوف).
- خبرة عالية في التفخيخات والنسفيات.
- التخفي والانتقال بسرعة من جبهة إلى أخرى باستعمال الدراجات النارية.
- خبرة عالية في عمليات القنص.
وأشار العميد قانصو إلى أنّ الجيش يهاجم من الأسفل إلى الأعلى، موضحًا نقاط تمركز الإرهابيين وفارق الارتفاع بينها وبين مراكز الجيش، من خلال خطائط تظهر فيها تلك المراكز مع تسمياتها.
في ختام المؤتمر، أكّد العميد قانصو أنّ الجيش سينتصر في المعركة ويقضي على «داعش»، مشدّدًا على أنّ معرفة مصير العسكريين المخطوفين أولوية.
 
أخبار الميدان
منذ الساعات الأولى للمعركة، عمل الجيش على تحرير مواقع استراتيجية بهدف تأمين الأهالي في المنطقة من أي اعتداء، وشنّ هجومًا شاملًا على محاور تلة الحمرا، حقاب خزعل، حرف الجرش. وسيطرت وحداته على مناطق: مراح المخيرمة، شعاب المخيرمة، المرتفع 1564، ضهرات حقاب العش، سهلات قلد الثعلب، وادي خربة الشميس، وادي الخشن، ضهور المبيض، ضهور وادي التينة، جبل المخيرمة، شعبات الدرب، وقلعة الجلادة. وبذلك بات الجيش مسيطرًا بالنار على مسالك التحرك وخطوط الإمداد اللوجستي لتنظيم «داعش» الإرهابي، في كامل بقعة القتال. وأوضحت قيادة الجيش- مديرية التوجيه أنّ المساحة التي تمّ تحريرها في اليوم الأول من المعركة هي حوالى 30 كلم2، أي ما يعادل 25% من مساحة انتشار «داعش».
أسفرت عمليات الجيش عن دحر المجموعات الإرهابية وقتل نحو 20 إرهابيًا، وتدمير 11 مركزًا تابعًا لهم تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتصال وتحصينات وأسلحة مختلفة. وفيما أصيب عشرة عسكريين بجروح مختلفة (إصابة أحدهم حرجة)، نتيجة انفجار ألغام وأشراك وضعها الإرهابيون، واصلت الوحدات تقدّمها السريع تحت غطاء ناري كثيف أمّنته المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطائرات، وسُجّلت حالات انهيار وفرار كبيرة في صفوف الإرهابيين.

 

الأهداف تتحقق بسرعة والقائد في الميدان من جديد
انتهى اليوم الأول باجتماع في مكتب قائد الجيش حضره الضباط الأركان وجرى خلاله تقييم الوضع، وكانت النتيجة أنّ الجيش يحقق الأهداف الموضوعة بسرعة.
صباح اليوم التالي (20 آب) كان العماد قائد الجيش في أرض المعركة: في غرفة عمليات الجبهة اطّلع من قائدها وقادة الوحدات الكبرى على ما أحرز من تقدّم. وفي المراكز التي تمّ تحريرها التقى الضباط والعسكريين، تفقّد أوضاعهم، اطمأنّ إلى معنوياتهم، وزوّدهم التوجيهات. وقبل أن يغادر المنطقة، التقى قائد الجيش القادة الميدانيين، ثم كانت له التفاتة شكر وتقدير للأهالي في وقفتهم إلى جانب جيشهم، فزار «المطبخ العسكري» الذي استُحدث في رأس بعلبك، وحيّا جهود المتطوعات اللواتي استقبلنه بالزغاريد وبنثر الورود.
ميدانيًا، أوجزت قيادة الجيش – مديرية التوجيه وقائع اليوم الثاني للمعركة، فأعلنت في مؤتمر صحفي، أنّ وحدات الجيش حقّقت تقدّمًا واسعًا، وذلك على محورين ووفق الأهداف المحدّدة:
 

• محور سهلات خربة داوود:
سيطرت قوى الجيش على مناطق: مرتفع ضليل أم الجمعة (1604)، قراني مقيل فرح (1601)، قراني العقاب (1563)، ورأس دليل الحصيد (1545). كما سيطرت بالنار على وادي حورتا والمرتفعات المحيطة به، والقريبة من الحدود اللبنانية – السورية.
 

• محور ضهور وادي التينة:
تمت السيطرة على جبل وادي الخشن (1585) وقرنة حقاب الحمام (1509)، ما حقّق السيطرة بالنار على مراح درب العرب.
بلغت المساحة التي حرّرها الجيش حوالى 30 كلم2، وبالتالي بلغت المساحة المحرّرة منذ بدء معركة «فجر الجرود» وعمليات تضييق الطوق نحو 80 كلم2 من أصل 120 كلم2.
استشهد خلال العمليات العسكرية ثلاثة عسكريين من الجيش، وأصيب عسكري رابع بجروح بليغة نتيجة انفجار لغم أرضي بآلية عسكرية، كما أصيب عسكريان بجروح غير خطرة في أثناء الاشتبكات. وقد أسفرت هذه العمليات عن مقتل نحو 15 إرهابيًا وتدمير 12 مركزًا تابعًا لهم تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتصال وتحصينات وأسلحة مختلفة.
كذلك، فجّرت قوة من الجيش سيارة ودرّاجة نارية مفخختين تقلّان انتحاريين على طريق وادي حورتا ومراح الدوار في جرود رأس بعلبك، في أثناء محاولتهما استهداف عناصر الجيش.
شهد هذا اليوم حالة تشتّت وهلع وانهيار في صفوف الإرهابيين، بينما كانت بعض وحدات الجيش تتابع تقدّمها السريع، ووحدات الهندسة تنظّف طرقات المواقع المحرّرة، وتشق طرقات جديدة.
في ختام عرض وقائع اليوم الثاني للمعركة، أكّد العميد قانصو أنّ قيادة الجيش تشدّد على: تقيّد الوحدات العسكرية المشاركة في العملية بالقانون الدولي الإنساني، لا سيما المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف (1949)، والتقيّد بقواعد إدارة العمليات العسكرية لجهة التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية.
 

قُتلوا.. فرّوا.. وضُبطت أسلحتهم
لعلّ العنوان الأبرز في تطورات اليوم الثالث من المعركة (21 آب)، كان ما آلت إليه عمليات البحث والتفتيش في المناطق التي حرّرها الجيش. ففي داخل المراكز والمغاور والخنادق التي قتل فيها عددٌ من الإرهابيين وفرّ منها الباقون، ضبطت الوحدات المتقدّمة كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات والأعتدة العسكرية. شملت المضبوطات: مدافع هاون، رشاشات متوسطة وثقيلة، بنادق حربية، قنابل يدوية، قاذفات مضادة للدروع، صواريخ مضادة للطائرات، عبوات ناسفة، ألغام مضادة للأشخاص والآليات، وقذائف وذخائر من عيارات مختلفة، بالإضافة إلى كميات من أجهزة الاتصال والتصوير ومعدات عسكرية متنوعة وأدوية ومنشطات.
إلى ذلك، تابعت قوى الجيش استهداف ما تبقّى من مراكز الإرهابيين بالمدافع الثقيلة والطائرات، محقّقة إصابات مباشرة في صفوفهم وآلياتهم. وتابع فوج الهندسة أعمال إزالة الألغام والأفخاخ والنسفيات من محاور التقدّم. في هذه الأثناء كانت أوضاع العسكريين الجرحى محطّ متابعة.

 

الرئيس عون: هذا هو جيشنا وهؤلاء هم أبطالنا
تفقّد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الجرحى العسكريين الذين أصيبوا في المعركة، وبعد أن سأل كلًا منهم عن وضعه الصحي وظروف إصابته، أعرب عن تمنّياته لهم بالشفاء العاجل، محيّيًا تضحياتهم ومقدّرًا استشهاد رفاق لهم في سبيل تحرير الأراضي اللبنانية الحدودية من الإرهابيين.
بدورهم، عبّر العسكريون الجرحى عن امتنانهم للزيارة التفقّدية التي قام بها رئيس الجمهورية، متمنّين لو انّهم ما زالوا إلى جانب رفاقهم في أرض المعركة، فردّ الرئيس عون قائلًا: «أنتم قمتم بواجبكم، ورفاقكم يكملون الآن المهمة». وقدّر الرئيس عون المعنويات العالية التي لمسها لدى العسكريين الجرحى، وقال لهم: «كلّ عسكري يذهب إلى الجبهة يضع احتمالات النصر كما الاستشهاد، لأنّه مؤمن بأنّ ما يقوم به هو مهمّة وطنية سامية. وهذه الروح العالية والإيمان القوي والوفاء للقَسَم، كلّها عوامل تصنع الانتصارات، وما فعلتموه مع رفاقكم خير دليل على ذلك».
وأضاف: «لم تفاجئني معنوياتكم حين تمنّيتم أن تشفوا سريعًا لتعودوا إلى الجبهة، فهذا هو جيشنا، وهؤلاء هم أبطالنا».

 

...ووزير الدفاع الوطني وقائد الجيش
كذلك، زار وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصرّاف العسكريين الجرحى واطّلع على الوضع الطبي لكل منهم، متمنّيًا لهم الشفاء العاجل.
من جهته، تابـع قائد الجيش العماد جوزاف عون أوضاع العسكريين الذين أصيبوا في المعركة، وخلال زيارته لهــم أعــرب عــن فخــره بشجاعتهــم وتضحياتهــم، مؤكّــدًا أنهم سيتلقّون أفضـل العلاجات ليتماثلوا إلـى الشفاء بسرعة.


مبادرة وشكر
زار العميد الركن وسيم الحلبي رئيس مكتب العماد قائد الجيش، راعي أبرشية بيروت للروم الأرثوذكس سيادة المطران الياس عودة، وقدّم له كتاب شكر ودرع الجيش باسم العماد جوزاف عون. الزيارة جاءت تقديرًا لموقف المطران عوده الوطني والإنساني ولتضامنه مع المؤسسة العسكرية، من خلال وضع مستشفى القديس جاورجيوس، بتصرّفها لمعالجة العسكريين الجرحى في عملية « فجر الجرود».

 

الإجهاز على ما تبقّى
صباح 22 آب بدأت المرحلة الثالثة من عملية «فجر الجرود». تقدّمت وحدات الجيش تحت غطاء جوي ومدفعي كثيف لتجهز على ما تبقّى من الإرهابيين.
الهدف المحدّد لذلك النهار كان يقضي بالسيطرة على كامل البقعة الشمالية لجبهة القتال حتى الحدود اللبنانية السورية، والقوى المكلّفة بتحقيقه قامت بمهمتها على أكمل وجه.
وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده مدير التوجيه عصر 22 آب، أعلن أنّ قوى الجيش شنّت هجومها على محورين، دمّرت جميع مراكز الإرهابيين وتحصيناتهم وأسلحتهم في البقعة المحدّدة، وقضت على أعداد كبيرة منهم، فيما لاذ الباقون بالفرار.
وأوضح العميد قانصو أنّ الجيش دمّر تسعة مراكز للإرهابيين تحتوي على مغاور وأنفاق وخنادق اتصال وتحصينات وأسلحة، وأوقع في صفوف العدوّ حوالى 10 قتلى سقطوا بنتيجة الاشتباك المباشر أو القصف المدفعي والجوي. كما ضبط كميات من الأسلحة والذخائر والمتفجرات.
المساحة التي سيطر عليها الجيش نتيجة العمليات في ذلك النهار، بلغت نحو 20 كلم2، وبذلك أصبحت المساحة المحرّرة منذ بدء المعركة والعمليات التمهيدية التي سبقتها حوالى 100 كلم2 من أصل 120 كلم2، ولم يبقَ أمام الجيش سوى 20 كلم2 في منطقة وادي مرطبيا.
وفي حين عملت فرق الهندسة على شق الطرقات وإزالة الألغام وفتح الثغرات وتفتيش البقع المحرّرة وتنظيفها من الألغام والأجسام المشبوهة، كانت الوحدات القتالية تستعدّ لمتابعة تنفيذ العملية.
كذلك، أعلن العميد قانصو سقوط شهيد للجيش وأربعة جرحى نتيجة انفجار نسفية مفخخة بآلية عسكرية، وشدّد على احترام الجيش المعايير والمبادئ التي يحدّدها القانون الدولي الإنساني خلال القتال، مؤكّدًا أن الجيش لن يعرض صور جثث الإرهابيين، ولن يوزّعها احترامًا لهذا القانون، وأنّ المجتمع الدولي يرحّب بما يقوم به الجيش.

 

رأس الكف ومواقع أخرى
قبل الانتقال إلى وقائع المرحلة اللاحقة، نشير إلى أن اللبنانيين سمعوا كثيرًا بـ«رأس الكف»، يوم 22 آب، وهو أحد أصعب المراكز التي سيطر عليها الجيش، أمّا المراكز الأخرى التي حرّرها في ذلك اليوم، فهي: تلة خلف (1546)، رأس ضليل الضمانة (1464)، قراني شعبات الأويشل (1500)، المدقر (1612)، مراح درب العرب (1400)، قراني خربة حورتا (1621)، مراح الدوار (1455) والدكانة (1494).

 

رئيس الحكومة يزور غرفة عمليات الجبهة ويعاين محاور القتال
قبل ظهر الأربعاء 23 آب، زار رئيس الحكومة سعد الدين الحريري غرفة عمليات جبهة جرود رأس بعلبك والقاع في ثكنة فوج الحدود البرية الثاني - رأس بعلبك، حيث كان في استقباله قائد الجيش العماد جوزاف عون وعدد من كبار الضباط وقادة الوحدات الكبرى المشاركة في عملية «فجر الجرود». وقد اطّلع الرئيس الحريري من العماد عون على آخر التطورات العسكرية في المنطقة وعلى التمركز الجديد لوحدات الجيش فيها.
بعد المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس الحريري في الثكنة، انتقل مع قائد الجيش إلى مرتفعات رأس الحمرا في الجرود، حيث عاين محاور القتال والمناطق التي حرّرها الجيش من تنظيم «داعش» الإرهابي، ثم التقى عددًا من الضباط والعناصر في مراكز ميدانية واطّلع على أوضاعهم واحتياجاتهم، منوّهًا بجهودهم وتضحياتهم، وبما حقّقوه في ميدان المعركة من إنجازات تشكّل محطّة مضيئة في مسيرة الجيش والوطن.
وحدات الجيش كانت قد باشرت اعتبارًا من فجر اليوم نفسه تنفيذ إعادة تمركز وانتشار في كامل البقعة التي حرّرتها خلال الأيام الماضية، وواصلت استعداداتها للمرحلة الرابعة من عملية «فجر الجرود». وفيما تولّى فوج الهندسة استحداث طرقات جديدة إضافة إلى أعمال التفتيش عن الألغام والأفخاخ والعبوات ومعالجتها، أعلنت قيادة الجيش أن لا وقف لإطلاق النار ضدّ المجموعات الإرهابية حتى دحرها بصورة نهائية.

 

على تخوم البقعة الأخيرة
مع حلول اليوم السادس (24 آب)، بدا أنّ تحرير المساحة المتبقّية والتي لا تتجاوز الـ20 كلم2، قد بات وشيكًا.
شهد ذلك اليوم كثافة هائلة لنيران الجيش الذي استهدف فلول «داعش» المحاصرين بالمدفعية الثقيلة والطائرات. تركّز القصف على وادي مرطبيا ومحيطه حيث يتحصّن الإرهابيون، وأسفر عن تدمير الأماكن المستهدفة وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف التنظيم الإرهابي. وكان سبق ذلك قصف مدفعية الجيش سيارتين رباعيتي الدفع في مرطبيا تابعتين لـ«داعش» ومحمّلتين بكمية كبيرة من المتفجرات والذخائر، وقد أسفر القصف عن إصابة السيارتين إصابة مباشرة.
في اليوم التالي، استشهد أحد العسكريين في جرود رأس بعلبك إثر تعرّض آلية للجيش لإطلاق النار من جهة الإرهابيين.
يوم السادس والعشرين من آب، والذي كان الثامـن في روزنامة «فجر الجرود»، عادت مدفعيـة الجيش وطائراتــه تدكّ من جديد المراكـز المتبقّية للإرهابيين في وادي مرطبيــا ومحيطــه، فدمّرتهــا، وأوقـعــت عددًا من القتلى والجـرحى في صفوف العدوّ.
 

الإرهابيون يطلبون وقف إطلاق النار
خلال مراحل مختلفة من المعركة، طلب الإرهابيون التفاوض للانسحاب، غير أنّ قيادة الجيش كانت قد وضعت شرطًا لا تراجع عنه: معرفة مصير العسكريين الذين اختطفهم إرهابيو «داعش» في آب 2014. فمصير هؤلاء كان أحد هدفي المعركة.
صباح الأحد 27 آب، أعلنت قيادة الجيش وقفًا لإطلاق النار اعتبارًا من تاريخه (السابعة صباحًا)، وذلك إفساحًا في المجال أمام المرحلة الأخيرة من المفاوضات المتعلّقة بمصير العسكريين المختطفين.

 

وزير الدفاع الوطني في رأس بعلبك
خلال النهار، زار وزير الدفاع قيادة الجبهة في رأس بعلبك حيث تفقّد الخطوط الأمامية وتحديدًا تلّتي حليمات القبو وقارة.
الوزير الصرّاف حيّا العسكريين على جهودهم في إنجاز النصر، مشدّدًا على أنّ ما حصل اليوم هو بمثابة تحرير جديد سطّره جنودنا الأبطال، وإنجاز يضاف إلى سجل الإنجازات المشرّفة لجيشنا الباسل.
وبعد أن وضع إكليلًا من الزهر على ضريح شهداء فوج الحدود البريّة الثاني، انتقل إلى مقرّ الفوج المجوقل حيث التقى قائد الفوج والضباط والعسكريين، ومجموعة من القوّة الضاربة وفرع مكافحة الإرهاب والتجسس.
 
«رجعتم في المساء...»
في المساء، كان أهالي عسكريينا المختطفين يحاولون التمسّك بآخر بصيص من الأمل. وجعهم «المفلوش» في الضلوع وعلى الطرقات منذ ثلاث سنوات، تكوّم في الخيمة. في تلك الخيمة المنصوبة في رياض الصلح، أقام انتظارهم الطويل، وأقام خوفهم، وكذلك صبرهم وأملهم.
قبل أن يرخي الليل ستاره كاملًا، كان بينهم مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، المكلّف بمتابعة ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش الإرهابي... وفيما كان يجهد للتخفيف من وطأة الوجع الآتي بكلمات مؤثرة، كان الموكب المنطلق من محلة وادي الدبّ في جرود عرسال، يتّجه إلى المستشفى العسكري المركزي... هناك كان ينبغي إجراء فحوصات الـ DNA، والتأكد من هوية أصحاب الرفات الثمانية التي يحملها الموكب.

 

وسائل الإعلام في جولة ميدانية
صباح اليوم التالي (28 آب)، كانت وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية تجول في جرود السلسلة الشرقية التي حرّرها الجيش اللبناني، وطرد منها تنظيم «داعش» الإرهابي. الجولة التي نظّمتها مديرية التوجيه سمحت للمراسلين بالتعرف إلى الأرض وما شهدته من وقائع، كما أتاحت لهم الاطّلاع على التكتيكات التي اعتمدها الجيش في بعض المواقع الصعبة. «تلة العش» مثلاً كانت من المواقع الصعبة، فلها ثلاثة مداخل متواصلة يستفيد منها العدوّ. وقد شرح أحد الضباط أنّ وحدة من الجيش تقدّمت سيرًا على الأقدام في المكان الوعر. استردّت التّلة وقطعت على الإرهابيين طريق التواصل مع مواقع أخرى مهمة. عند معبر اللذابة قام الجنود بعمل رائع، فالموقع لا يبعد عن حليمة قارة سوى كلم شمالًا. نفُّذت المهمة وقضي على الإرهابيين الذين حاولوا عند اشتداد الضغط عليهم إرسال انغماسيين على دراجات نارية نحو الجيش، لكنه أفشل محاولتهم واستردّ المعبر.
في حقاب خزعل فوجئ العدو بضربة في خاصرته باغته بها الجيش منفّذًا عملية التفاف على الموقع، «تضعضع» الإرهابيون وتكبّدوا خسائر فادحة في الأرواح. استردّ الجيش الموقع، تموضع في التلال التي استرجعها، شقّ الطرقات، ولم يتبقَّ أمامه سوى المرحلة الأخيرة لتطهير الأرض حتى الحدود اللبنانية من رجس الإرهابيين. فرض طوقًا من النار على آخر معاقلهم مضيّقًا الخناق عليهم، إلى أن انهاروا وطلبوا التفاوض للخروج نهائيًا من الأراضي اللبنانية.

 

الراية تعلو تلالنا
مع حلول التاسع والعشرين من آب، كانت وحدات الجيش قد استكملت انتشارها في وادي مرطبيا ومحيطه، والتي تأكد خلوّها من عناصر تنظيم «داعش» الإرهابي. العسكريون أعلنوا نصرهم رافعين العلم فوق قمم: حليمة قارة، عقابة مرطبيا وحليمة القبو، وهي المرتفعات الأعلى في المنطقة.
قبيل إعلان رئيس الجمهورية والعماد قائد الجيش انتصار لبنان على الإرهاب، كان في الجرود عسكريون يبحثون عن جثمان أحد رفاقهم الذين اختطفهم «داعش» في العام 2014. وكان هناك أيضًا من لا يريد أن يهنأ الجيش بانتصار حقّقه أبطاله، وأن لا يهنأ الوطن بهذا الإنجاز الذي عجزت عن تحقيقه أكبر الجيوش وأفضلها تجهيزًا. أصحاب النوايا السود حاولوا بثّ سمومهم عبر تحليلات أو إشاعات، أكثرها سمّيةً إشاعة استقالة قائد عملية «فجر الجرود» من الجيش... تداولت الإشاعة مواقع الكترونية، فيما كان قائد العملية العميد الركن فادي داوود محاطًا بالمهنّئين من إعلاميين وأهالٍ...
قيادة الجيش التي أوضحت أنّ الخبر لا أساس له من الصحة، أعلنت في اليوم ذاته، العثور على رفات أحد الأشخاص في منطقة الرهوة – جرود عرسال. وكان سبق ذلك العثور على رفات أخرى في الجرود نفسها.

 

مواكب الأبطال: الرايات تعانق الشرائط البيض
كان الفرح يسري في عروق اللبنانيين الفخورين بجيشهم، والواقفين في الوقت نفسه بخشوع ورهبة أمام شهداء سقطوا في المعركة، وقد ارتفع عددهم في ذلك اليوم إلى سبعة نتيجة وفاة أحد الجرحى.
مواكب الشهداء كانت قد خرجت تباعًا من المستشفى العسكري إلى قرى في عكار والضنية والبقاع...
في الشوارع الواسعة وعلى الدروب الضيّقة، سارت مواكبهم الواحد تلو الآخر إلى وداع يليق بالأبطال.
أمطرت الأيادي وردًا وأرزًّا، خرجت الغصّة من الحناجر هتافات فخر وعنفوان، وارتفعت الرايات تعانق الشرائط البيض في ملاقاتهم. الرفاق كما الأهل كانوا يدركون أنّ وجهة الأحباء الذين يودّعون، واحدة: فهم إلى ربّهم يصعدون، أنقياء، مكلّلين بالعزّة، وواثقين أنّ أرضهم ستبقى محروسة بسواعد من يحملون نعوشهم، وأنّ من دمائهم الطاهرة سيطلع فجر وأمل.

 

دماؤهم رسمت طريق النصر
استقبل وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصراف وفدًا من أهالي الشهداء العسكريين الذين كانوا أسرى لدى «داعش»، وقدّم لهم التعازي باستشهاد أبنائهم، معبّرًا عن فخره واعتزازه بهؤلاء الأبطال الذين رسموا بدمائهم طريق النصر، وباسمهم أعلن قائد الجيش معركة «فجر الجرود» التي تكلّلت بالنصر. وخلال اللقاء أبلغ الصرّاف الأهالي أنّ قضية أبنائهم هي قضية وطنية، وأنّ رئيسي الجمهورية والحكومة وقائد الجيش مصرّون على متابعتها حتى النهاية، مشدّدًا على وجوب إبعادها عن التسييس.


بدماء رفاقكم وعرق جباهكم...
30/8/2017، إنّه يوم إعلان النصر. قائد الجيش العماد جوزاف عون وجّه إلى العسكريين «أمر اليوم» معتبرًا «أنّ الإنجاز الباهر في مسيرة الجيش... قد طوى مرحلة أليمة من حياتنا الوطنية». وبعد وقت قصير، كان رئيس الجمهورية يطلّ من القصر الجمهوري في كلمة إلى اللبنانيين، أعقبها أيضًا كلمة لقائد الجيش.
استهلّ قائد الجيش «أمر اليوم» الرقم 10 بالقول:
 

أيّها العسكريون
اليوم، وبعد أن أنهيتم عملية «فجر الجرود» التي حقّقتم فيها انتصارًا حاسمًا على الإرهاب بطرده من جرود رأس بعلبك والقاع، ورفعتم علم البلاد خفّاقًا فوق قممها وتلالها، تعود هذه المنطقة العزيزة إلى كنف السيادة الوطنية، معمّدةً بدماء رفاقكم الشهداء والجرحى وبعرق جباهكم الشامخة.
إلّا أنّ ما يعزّ علينا في هذا الانتصار، هو النهاية الأليمة لرفاقكم الشهداء المخطوفين، الذين عانوا ما عانوه من وحشية إرهابٍ مجرمٍ حاقد، لا يقيم أيّ وزنٍ للشرائع السماوية والإنسانية والأخلاقية. فباسمكم أتوجّه بأحرّ مشاعر التعزية والتضامن لأفراد عائلاتهم، وأقول لهؤلاء الأبطال:
«لقد كنتم حاضرين في وجداننا وستبقون، لن ننساكم أبدًا».
وأضاف:
 

أيها العسكريون
إنّ هذا الإنجاز الباهر في مسيرة الجيش، الذي صنعتموه بكفاءتكم القتالية وبروح البطولة والشجاعة التي رافقت خطواتكم في الميدان، قد طوى مرحلةً أليمة من حياتنا الوطنية، كان الإرهاب يجثم خلالها في جزءٍ غالٍ من ترابنا الوطني. فتحيّتي المخلصة لكم ضباطًا ورتباءَ وأفرادًا، شاركتم في صنع هذا النصر، وتحيّتي للشعب اللبناني الأبيّ الذي التفّ حولكم بكلّ مكوّناته ومناطقه، ومنحكم ثقته التي لا تقدّر بأي ثمن، وتحيّتي الكبرى لشهداء الجيش وجميع شهداء الوطن، الذين استرخصوا دماءهم وأرواحهم في ساحات الشرف والبطولة، ليشرق فجر الانتصار.
 وفي الختام قال:
 

أيها العسكريون
إذا كانت الثقة بالوطن أصبحت أكثر جلاءً، والأمل بالانفراج الواسع بات أكثر وضوحًا، فلا تزال أمامكم مصاعب وتحدّيات، تتمثّل بالعدوّ الإسرائيلي الذي لا يزال يتربّص شرًّا بالوطن على الحدود الجنوبية، وبخلايا إرهابية قد تطلّ برأسها كلّما تهيّأت لها الفرص، لذا كونوا دائمًا بالمرصاد لهذه الأخطار، متأهّبين للقيام بكلّ ما يمليه عليكم الواجب العسكري، دفاعًا عن الحدود اللبنانية وعن كلّ شبرٍ من تراب الوطن.
 

رئيس الجمهورية مهديًا النصر إلى اللبنانيين:  أنحني أمام شهادة الشهداء

أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون انتصار لبنان على الإرهاب، وأهدى هذا النصر إلى «جميع اللبنانيين الذين من حقّهم أن يفاخروا بجيشهم وقواهم الأمنية».
كلمة الرئيس عون إلى اللبنانيين أعقبت لقاءً مع وزير الدفاع الوطني يعقوب رياض الصرّاف وقائد الجيش العماد جوزاف عون اللذين أطلعا الرئيس على مجريات انتهاء المعركة، والأوضاع في جرود رأس بعلبك والقاع، وتمركز وحدات الجيش وانتشارها في تلك المنطقة.


قال الرئيس عون في كلمته:
«عندما انتقلت إلى قيادة الجيش في اليرزة يوم السبت في 19 آب، وخاطبت الضباط والعسكريين على الجبهة، قلت لهم إنّنا ننتظر إعلان الانتصار على الإرهاب. اليوم أعلن انتصار لبنان على الإرهاب، وأهدي هذا النصر إلى جميع اللبنانيين الذين من حقّهم أن يفاخروا بجيشهم وقواهم الأمنية.
أهنئ قيادة الجيش على هذا الإنجاز، وأحيّي العسكريين صانعي هذا النصر. أنحني أمام الشهداء الذين سقطوا في ساحة الشرف، وأولئك الذين كانوا لسنوات خلت طليعة الشهداء الذين سقطوا بغدر الجماعات الإرهابية نفسها. أقول للعسكريين خصوصًا، كم نتمنّى أن نحتفل مع رفاقكم المخطوفين، لكنّ عزاءنا الوحيد أنّنا وجدناهم، خصوصًا وأنّ معرفة مصيرهم كانت أحد أهم أهداف المعركة. سنكون معهم في وداعهم، ولبنان سيبقى وفيًا لهم ولشهادتهم. تحيّة إلى أهالي المناطق الحدودية الذين صمدوا أيضًا في أرضهم وواجهوا الإرهاب، ومنهم من ذهب ضحيته.
إلى أبناء هذه المناطق أقول، إنّ الاهتمام بكم سيكون مباشرًا، والإنماء سيكون هدفنا لتعزيز صمودكم وثباتكم بالأرض. اليوم أقول للّبنانيين وللعالم أجمع، لبنان انتصر على الإرهاب وكان نصره كبيرًا ومشرّفًا. هذه البقعة التي كانت بؤرة للإرهاب، ومنطلقًا للعمليات الانتحارية عادت إلى حضن الوطن بفضل الجيش. أثبت الجيش اللبناني في هذه المعركة النظيفة أنه الجيش القوي، الجيش الوحيد الذي استطاع هزيمة «داعش» وطرده من أرضنا، وتميّز بهذه المعركة بمستوى القتال المهني الذي لفت أنظار العالم. إلى اللبنانيين أقول، لا تدعوا أجواء التشنجات السياسية والتجاذبات والتراشق بالتّهم التي سادت في الأيام الأخيرة تنسيكم إنجاز الانتصار الذي تحقق.
إعلموا جيدًا أن جيشكم الوطني حقّق ما عجزت عنه حتى الآن جيوش ودول ما زالت تصارع الإرهاب والإرهابيين، ومن واجبنا جميعًا كمسؤولين وأحزاب وشرائح اجتماعية مختلفة، حماية هذا الانتصار، وتثميره بالتقارب الوطني، والبناء عليه للتطلّع إلى المستقبل، ومواصلة حماية لبنان من انعكاسات ما يجري من حولنا، والانكباب على المشاريع الاقتصادية والإنمائية، لملاقاة تطلّعات اللبنانيين وآمالهم».
 

قائد الجيش: أرواح العسكريين أمانة في أعناقنا
قائد الجيش استهلّ كلمته بالقول: «قبل أن أبدأ بشرح مسار العملية العسكرية، أعلن اليوم، باسم لبنان والعسكريين والشهداء الأبرار، وباسم أبطال الجيش اللبناني العظيم، انتهاء عملية «فجر الجرود». هذه العملية التي بدأت فجر السبت 19 الشهر الحالي، كانت من أجل تحقيق هدفين: الأول طرد الإرهابيين من الأراضي التي كانوا موجودين فيها في جرود رأس بعلبك والقاع والفاكهة، والثاني هو معرفة مصير العسكريين».
وأضاف: «بدأت المعركة بمرحلة تحضيرية شملت تضييق الخناق على المسلّحين، ثمّ كانت «الساعة صفر» يوم السبت. شملت المرحلة الأولى احتلال مجموعة من الأهداف. وكان الإرهابيون في وجهنا، فإمّا أن يقتلوا وإمّا أن يفرّوا باتّجاه الأراضي السورية. والمناورة التي قمنا بها من جهتنا كانت من الغرب باتجاه الشرق، بمعنى أنّ الحدود اللبنانية – السورية كانت تحت سيطرتهم، بينما لم تكن لدينا سيطرة عليها بالقوى. قمنا بتضييق الخناق عليهم من جهات ثلاث. ومع انتهاء المرحلة الأولى، انتقلنا إلى المرحلة الثانية مع مجموعة أهداف ثانية، ومنها إلى المرحلة الثالثة. وبقيت لدينا المرحلة الرابعة والأخيرة التي كنّا قد خططنا أن تبدأ يوم الأحد (27/8/2017) من خربة داوود إلى وادي مرطبيا. وكانت بالنسبة إلينا المرحلة الأصعب لأنّ طبيعة الأرض مختلفة، وكنّا نعلم أنّ الإرهابيين زرعوا فيها الكثير من العبوات، وأنّ قواهم إمّا هربت باتّجاه الأراضي السورية أو تجمّعت في هذه البقعة. وقد ظهر لنا عائق ثانٍ هو وجود عائلاتهم المدنية. ونحن كمؤسسة عسكرية نتقيّد بالقوانين الدولية وشرعة حقوق الإنسان، لذلك نعمل على تحييد المدنيين بقدر ما نستطيع».
وتابع قائلًا: «بدأنا هذه المرحلة يوم الخميس – الجمعة (24/8/2017) وشهد يوم السبت قصفًا مدفعيًا على أهداف مركّزة، كي نتمكّن قدر المستطاع من تحييد المدنيين وعدم إلحاق الأذى بهم. وصباح الأحد، عند السابعة، كان موعد انطلاق المرحلة الرابعة والأخيرة. اتصل بي اللواء عباس ابراهيم وأطلعني على موافقة الإرهابيين على كشف مصير العسكريين مقابل وقف إطلاق النار. فكنّا أمام خيارين: مواصلة المعركة وعدم معرفة مصيرهم، أو القبول. قرّرنا وقف إطلاق النار. يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ أرواح العسكريين على الجبهة هي أمانة في أعناقنا. وإذا كان بإمكاننا ربح المعركة من دون أن نخوضها نكون قد حقّقنا إنجازًا».
وقال قائد الجيش: «لقد سمعنا كثيرًا في الأيام الماضية، هذا التساؤل: لماذا لم يواصل الجيش المعركة؟ أنا أفهم عاطفة الناس وأقدّر محبتهم، لكن هناك مسؤولية في عنقنا...
وصلنا إلى هنا، وهناك رفات تم انتشالها. ونحن بانتظار نتائج فحوصات الـDNA، ليتحقق الهدف الثاني للمعركة، أي معرفة مصير العسكريين المخطوفين. لكنّ العمليات العسكرية، وفق المفهوم العسكري، قد انتهت. وأنا اليوم أعلن انتهاء هذه العمليات، خصوصًا وأنّ وحدات الجيش المنتشرة في المنطقة دخلت بالأمس إلى خربة داوود ووادي مرطبيا، وقامت بعمليات تفتيش وتأكّدت من خلوّها من أي وجود للمسلّحين».
وأوضح قائلًا: «من الناحية العسكرية، اشتركت في هذه المعركة عدّة قوى، من القصف الجوي إلى سلاح المدفعية والقوى التي تناور على الأرض. خطة المناورة التي وضعناها فاجأت الإرهابيين. كانوا يتوقّعون الهجوم من مكان فدخلنا عليهم من مكان آخر، وحشدنا من جهات ثلاث فلم يعلموا أين يتركّز جهدنا الرئيس. وعنصر المفاجأة هذا هو الذي جعلهم «يهرّون». لذلك لم تحصل توقيفات، فلا أسرى لدينا. المسلّحون قتلوا أو فرّوا باتّجاه الأراضي السورية».
وختم بالقول: أحيّي أرواح الشهداء الذين سقطوا على أرض المعركة، متمنيًا للجرحى الشفاء العاجل. بالأمس استشهد لنا عسكري كان يخضع للعلاج في المستشفى نتيجة إصابته بحروق، فأصبح عدد شهدائنا سبعة...أحيّيهم وأنحني أمامهم... على أمل الانتهاء من هذا الملفّ قريبًا إن شاء الله.
لقد حقّق الجيش الانتصار وبزغ «فجر الجرود».

 

قائد القيادة الوسطى الأميركية يهنّئ قائد الجيش
تلقّى قائد الجيش العماد جوزاف عون اتصالًا هاتفيًا من قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال Joseph Votel، الذي هنّأه على نجاح عملية «فجر الجرود»، وأداء الوحدات التي شاركت فيها، وأكّد له استمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني بالأسلحة والعتاد لتطوير قدراته.
بدوره شكر العماد عون الجنرال Votel وأكّد له أن المساعدة الأميركية التي قدّمت للجيش كان لها الدور الفاعل والأساسي في نجاح هذه العملية.


ماذا عن المأذونيات؟
 إعلان النصر في القصر الجمهوري كان سبقه إعلان عفوي من قبل المواطنين، خصوصًا أهالي المناطق الحدودية الذين ينتظرون منذ سنوات هذه اللحظة. المواطنون أعلنوا الانتصار بفرحهم وبتهافتهم إلى مواقع الجيش للتهنئة، ومواكبة آلياته بالتهليل والهتاف. لكن ماذا عن العسكريين الذين كان قد مضى على وجودهم في الجرود شهر من دون أي مأذونية؟
كان أمامهم «شغل كتير»، وها هم يواصلون عملهم، مصمّمين على ملاحقة من تبقّى من الإرهابيين المتوارين، والنتائج لم تتأخر في الظهور: ففي 31/8 أعلنت قيادة الجيش – مديرية التوجيه إلقاء القبض على السوري باسل محمد عبد القادر الملقّب بـ«أبو أنس السحلي»، أحد أكبر قياديي «داعش»، ومن المشاركين في الاعتداء على الجيش في 2 آب 2014. بعد ساعات (1/9)، كان عبادة الحجيري قد انضم إلى سواه من الإرهابيين الذين سبق أن أوقفهم الجيش. وفيما ظلّ حبل التوقيفات على الجرار، طلب رئيس الجمهورية من القضاء التحرك للتحقيق في ظروف خطف العسكريين في العام 2014.


حزن لم ينقص مقدار دمعة
أيام قليلة ويجتمع قائد الجيش بأهالي العسكريين الذين كانوا ينتظرون صدور نتائج الفحوصات التي تجري لتحديد هوية الرفات... تأكد المؤكّد، العماد جوزاف عون أبلغ الأهالي في الاجتماع (6/9) أنّ الرفات هي للعسكريين الذين كان «داعش» قد اختطفهم.
سنوات الانتظار لم تخفّف الحزن مقدار دمعة... ولم تفلح في إطفاء بصيص الأمل الخافت. تأكّد المؤكّد، أفلت الوجع من عقال الصبر والانتظار، راح إلى الخيمة التي أقام فيها ثلاث سنوات، تردّد صداه مدوّيًا في البيوت والقلوب والعيون.

 

7 أيلول:
قيادة الجيش تحضّر لمأتم رسمي لوداع الشهداء، العسكريون يواصلون تأدية مهماتهم، قوة من الجيش تدهم منزل المدعو مصطفى الحجيري المعروف بـ«أبو طاقية» المتورّط في أكثر من اعتداء على الجيش.

 

8 أيلول:
احتفال مهيب لوداع الشهداء الأبطال في اليرزة. ورئيس الجمهورية يترأس في قصر بعبدا اجتماعًا للمجلس الأعلى للدفاع.
وبنتيجة الاجتماع تمّ تكليف قيادة الجيش باتخاذ التدابير اللازمة لانتشار أفواج الحدود البرية عند الحدود الشرقية، ورفع الاقتراحات لتأمين المستلزمات العسكرية واللوجستية في أقرب وقت. كما أعطى المجلس التوجيهات للأجهزة الأمنية للبقاء على الجهوزية المطلوبة لتفادي أي أعمال إرهابية أو انتقامية تزعزع الاستقرار العام.
 

رئيس الجمهورية يستقبل قائد الجيش وقادة الوحدات المشاركة في المعركة
9 أيلول:
رئيس الجمهورية يستقبل قائد الجيش وقادة عملية «فجر الجرود»، ويجدد التهنئة بالانتصار، متمنّيًا على الضباط الحاضرين أن ينقلوا تهنئته إلى مرؤوسيهم من ضباط ورتباء وأفراد، وإلى كل من ساهم في تحرير الأراضي اللبنانية من الإرهابيين والعثور على جثامين العسكريين الشهداء الذين خطفهم الإرهابيون في العام 2014. وأطلق رئيس الجمهورية خلال اللقاء جملة مواقف تتصل بكشف ملابسات خطف العسكريين واحتلال الإرهابيين أجزاء من الأرض اللبنانية.
من جهته عرض قائد الجيش في مستهل اللقاء مراحل عملية «فجر الجرود»، ودور الوحدات التي شاركت فيها، وتوزيع المهمات في مسرح العمليات، إضافة إلى المؤازرة الجوية واللوجستية والفنّية التي مكّنت الجيش من تحرير الأرض في فترة زمنية قياسية، وتكبيد المسلّحين خسائر فادحة. كذلك، تحدّث قائد الجيش عن تطوير الوحدات المختصّة لعدد من الأسلحة المتوافرة لدى الجيش، وعن الحضور الإعلامي الذي أمّن مواكبة موضوعيّة للعمليات الميدانية.
 

ضبط أسلحة ومتفجرات... وحبل التوقيفات على الجرار
في اليوم نفسه (9 أيلول)، ضبطت مديرية المخابرات في وادي حميّد – جرود عرسال مخزنًا للذخيرة بداخله قذائف هاون، وصواريخ من عدة أنواع، وخمس عبوات ناسفة معدّة للتفجير. كذلك، أوقفت دورية تابعة لمديرية المخابرات رئيس بلدية عرسال السابق المدعو علي الحجيري، وذلك بناء على اعترافات أحد الموقوفين لديها.

 

12 أيلول:
دورية من مديرية المخابرات تضبط في محلة وادي حميّد – جرود عرسال، مخزن عبوات مجهزة للتفجير مع كامل أجزائها وجزئياتها والمواد المكملة لها. وهذه العبوات هي عبارة عن قذائف محشوة بالمتفجرات الموجّهة وأجهزة إشعال وفتيل صاعق، بالإضافة إلى عبوات أخرى بعدة أحجام وصواعق، ومواد بودرة الألمينيوم وبودرة للتفجير من عدة أنواع، وحشوات دافعة، وعدد من الأحزمة الناسفة.

 

13 أيلول:
مديرية المخابرات تتابع البحث عن مصطفى الحجيري (أبو طاقية) لتوقيفه وتدهم مجمّعًا تجاريًا وصناعيًا في وادي الحصن – عرسال، يعود إلى المطلوب المذكور. وقد ضبطت في المجمّع كمية من الأسلحة المتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى ذخائر وأعتدة عسكرية مختلفة.