- En
- Fr
- عربي
أسماء لامعة
صاحبة اسم عالمي الشهرة في دنيا تصميم الأزياء، امتازت بإبداعاتها الخلاّقة، وشاركت في تنفيذ أعمال سينوغرافية مسرحية بالعشرات مع روميو لحود، الأخوين الرحباني، ريمون جبارة، شكيب خوري وشوشو... حيث ارتدت تصاميمها السيدة فيروز والشحرورة صباح وسواهما من المطربات.
فقد تولّت بابو لحود تصميم الأزياء الفولكلورية والمسرحية في المهرجانات، كما تركت بصماتها الإبداعية في مجال تصميم فساتين الأعراس والسهرات، لتشكّل بذلك ظاهرة في لبنان والعالم العربي، لم تتكرّر منذ سنوات طوال.
المصمّمة التي جعلت الزّي جزءًا من إيقاع العمل المسرحي وحركته «اللذيذة»
سيرة موهبة
ولدت أمل لحود (المعروفة بـ بابو) في حبالين قضاء جبيل بلدة والدتها. والدها روفايل لحود غادر لبنان إلى الأرجنتين واحتلّ منصب وزير إعلام فيها، ثم عاد إلى لبنان لينتخب نائبًا عن كسروان وجبيل.
أما والدتها فهي السيدة فرنسواز، التي كانت تعشق للمسرح والموسيقى وتمتلك ثقافة موسيقية واسعة، وتعزف على البيانو، وقد أثّرت مواهبها وثقافتها في أولادها.
بابو الإبنة الثالثة في العائلة المؤلفة من خمسة أولاد: روميو (المخرج المسرحي)، ألين، بابو، ناهي وناي.
تمتّعت بابو لحود بطفولة هادئة رائعة، أمضتها بين مدينة بيروت (فردان والأشرفية)، وعمشيت وحبالين، إلى جانب شقيقاتها وأشقائها، وبين «أبوين وأمّين»، فروميو وألين، اللذان يكبرانها بنحو 20 عامًا، منحاها الكثير من الاهتمام والحب.
أغوتها الخطوط والألوان منذ الصغر، فكانت تدخل إلى غرفة شقيقها روميو، فتعبث بنصوصه وترسم الأشكال والألوان. وكانت في المدرسة ترسم السيدات بفساتين جميلة، وقد نالت رفيقاتها في الصف القسم الأكبر من هذه الرسومات الخاصة بفساتينهنّ.
في سنّ الرابعة عشرة بدأت ترسم تصاميم الأزياء لصفحة خاصة في مجلة «الحسناء»، وتزوّد النساء إرشادات هامة وأفكارًا راقية حول كيفية اختيار الملابس المناسبة.
العام 1965 بلغت سنّ الخامسة عشرة، وكانت في صف الشهادة المتوسطة (البروفيه)، في ذلك الحين خاضت تجربتها الأولى والمميزّة في عالم الفن والشهرة، حين طلب منها روميو مشجّعًا، تصميم الملابس الفولكلورية لمسرحيته الأولى «الشلال» التي عرضت على أدراج قلعة بعلبك، وشاركت فيها المطربة صباح إثر عودتها من مصر. وكتبت الصحافة في حينها، بإعجاب كبير عن الشابة التي أدخلت تصميم الأزياء إلى لبنان والعالم العربي للمرة الأولى.
تلقّت بابو علومها في مدرسة راهبات الفرنسيسكان في منطقة الأشرفية، وحازت شهادة البكالوريا اللبنانية والفرنسية بتفوّق، ثم غادرت إلى فرنسا حيث تابعت دراستها في جامعة كومندو (COMONDO)، وحازت دبلومآ في الهندسة الداخلية.
الإبداع والشهرة
إثر عودتها إلى لبنان العام 1973، أنشات مكتبًا للهندسة الداخلية في منطقة رأس بيروت، ولكن سرعان ما فرضت عليها موهبة الرسم مشيئتها، وتحوّل المكتب من الهندسة الداخلية إلى دار لتصميم ملابس المسرحيات التاريخية والفنية والفولكورية، لكبار المخرجين أمثال ريمون جبارة، شكيب خوري، روجيه عساف، أنطوان غندور، شوشو، نبيه أبو الحسن، وجورجيت جبارة. والعام 1979 صمّمت الملابس الفولكلورية لمسرحية «بترا» للأخوين الرحباني، وبعدها أزياء السيدة فيروز في حفل «أولامبيا» في إنكلترا، وكذلك الأزياء الفولكلورية التاريخية لمسرحية «صيف 840» للأخوين الرحباني... ولكن في الوقت عينه كانت تصمّم ملابس جميع مسرحيات روميو لحود، وكان آخرها مسرحية «ياسمين» التي أخرجها ريمون جبارة ومثّل فيها الممثل القدير أنطوان كرباج.
منحى التصميم عند بابو خارج الأعمال المسرحية، كان نتيجة الصدفة أيضًا، فقد عملت على تصميم فساتين السهرات والأعراس اعتبارًا من العام 1974، وذلك إثر طلب إحدى الفتيات، فستانًا مميّزًا لزفافها. وبعد ذلك كرّت سبحة تصميم فساتين الأعراس والسهرات، لنساء لبنانيات وعربيات(أميرات). لكنّ بابو لم تكتفِ بالتصميم فقط، بل توصّلت إلى تنفيذ تصاميمها بنفسها.
بيكار تصاميم بابو لحود توسّع ليشمل أزياء مضيفات ومضيفي وطياري الخطوط الجوّية الأردنية (عاليه)، والعراقية، والسودانية، شركتي طيران بروناي، والشرق الأوسط (MEA)، إضافة إلى ملابس مضيفات السياحة اللبنانية، لاعبي الألعاب الأولمبية (1997) وسيدات الأمن العام اللبناني، وكوادر عدد من الفنادق. كذلك صمّمت أزياء الحرس الجمهوري بطلب من الرئيس السابق أمين الجميل، حيث وضعت تصاميم تبرز الرجولية، مستوحاة من التاريخ والعسكر، لكن هذه التصاميم لم تعتمد بسبب الظروف الأمنية والسياسية، التي رافقت عهد الرئيس الجميل.
في كنف العائلة
تزوّجت السيدة بابو لحود من الدكتور بشير سعادة (جراح قلب وشرايين) وأنجبا ولدين، بشير (دكتور في العلوم الإقتصادية والسياسية، وأستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت)، ويارا (دبلوم في العلاقات العامة، وآخر في تصميم الأزياء وتنفيذها).
بعد غياب دام نحو أربعة عشر عامًا، لأسباب لها علاقة بحياة الأسرة ورعاية الأولاد، أطلّت علينا إبداعات السيدة بابو لحود مجددًا العام 2012 في تصاميم أزياء مسرحية «عا أرض الغجر» لغدي ومروان الرحباني مع غسان صليبا، وبعدها صممت أزياء لمسرحية «نقدم لكم وطن» لأنطوان غندور.
وهي تعدّ اليوم، تصاميم لمسرحية المخرج روميو لحود الغنائية الراقصة «طريق الشمس»، التي سوف تعرض قريبًا على مسرح كازينو لبنان.
نوستالجيا
عن علاقتها بالمسرح وبالملابس كلغة سينوغرافية، وما حملت اليها التجربة من عناصر ومؤثّرات، وعن مفردات الاتجاهات التشكيلية المعاصرة في الملابس قالت: «قد لا أكون في عمر تتفجّر فيه النوستالجيا بقوة وعنف. بالتأكيد كان زمنًا جميلاً وشكّل عدة ظواهر، تركت آثارًا لا تُنسى، ولا تتكرّر. دخلت الحياة، عشية الحرب الأهلية، ولم أكن في مرحلة من النضج. لذلك لا يمكن ان أتحدّث عن فيض نوستالجيا لمرحلة لم أعشها جيدًا، أو لم أكن في صلبها. لكن هذا لا يمنع من أن لدي حنينًا إلى أشياء جميلة أو عناصر من تلك المرحلة الذهبية. أتكلّم هنا كفنانة تعرّفت إلى أنواع مجتمعة من الفنون وعوالم من المسرح والموسيقى والرقص تحديدًا، من خلال مهرجانات بعلبك الدولية. كنت أشاهد برفقة روميو عروض تلك المرحلة، حيث استضافت بعلبك أفضل الفرق العالمية وأرقى الفنانين في العالم. كنا نعايش الفنانين في انطلاقتهم التجريبية على غرار انطلاقة موريس بيجار العالمية، حيث كانت بعلبك من ضمن مدارات انطلاقتهم. وهذا أمر غاية في الحساسية، أن تعاين أسماء «طازجة» في وهج انطلاقتها الاولى أو شهرتها. اذا عندي ذكريات أكثر من نوستالجيا. وكنت حينها في أيام المراهقة وفي بداية مرحلة وعي قيمة الموسيقى والفنون».
موت حقيقي للفنون
عن تجربتها مع شقيقها المخرج روميو لحود تقول بابو: «عمل روميو على عدة مسرحيات، وأنشأ أول مسرح دائم في لبنان، وقد يكون آخر مسرح من نوعه. كان ذلك قبل الحرب حيث كانت العروض تستمر على مدار السنة بقصد تعريف العالم الى الفولكلور اللبناني، وكانت الأزياء الجميلة، جزءًا من إيقاع العمل واللعبة المسرحية ككل، مع غناء الموّال والميجانا والعتابا والحركة المسرحية اللذيذة.
تزامن ذلك مع مرحلة ازدهار ذهبية عاشها لبنان، وكنّا نرى السياح الأجانب والعرب في كل مكان، وكان لبنان يتغاوى في استقبال رؤساء الجمهورية، أما اليوم فالازدهار يتركّز في المعاملتين! كازينو لبنان كان يقدّم أرقى العروض، وكان كباريه نظيفة ورفيعة غير مبتذلة، أجمل من الليدو الباريسي. كل ذلك فقدناه في الحرب وتغيّرت الذائقة الفنيّة الجميلة وتردّت، لقد دخلنا في موت حقيقي للفنون ومعها الذوق الثقافي، والسلوكيات الرفيعة والعالية، كما دخلنا نفقًا طويلاً عريضًا من الإنحطاط».
وأضافت: «يقال إن الخمسينيات والستينيات كانت العصر الذهبي لبلورة الأفكار والاتجاهات الأدبية والفنية. وما أعرفه أنا وغيري أن هناك عهدًا كاملاً من الفن قد مات واندثر. أقصد المستوى النوعي الذي كان، وعلى الأقل في المسرح الغنائي الذي أعرفه، كما أن عهدًا من الألوان قد اختفى من المسرح الفولكلوري، الذي عملنا عليه. كان عهدًا جميلاً تفجّر فيه الجانب التشكيلي، حيث الرقصة تبدو لوحة فنية، تتمازج فيها الألوان بشكل جميل ومعبّر. صحيح إننا نتكلم عن مادة فولكلورية، يجب أن نذهب بها أو منها إلى الامام، لكن من غير الصحيح، أن لا يبقى لدينا أي فرقة تعمل على الفولكلور اللبناني. بعض الفرق الكبيرة المعروفة تذهب إلى الامام بعيدًا، لكن لحساب جماليات شكلانية ومجانية، وخليط من دون روح حقيقية لبنانية، وتعتمد سينوغرافيا، لا تشكلّ جزءًا أساسيًا من عملية المسرحة... هذا جانب من المشهد المحلي ونتحسّسه أكثر في الفولكلور، حتى أننا نراه بكل بساطة في مشاهدة الأفلام المصرية القديمة، والاستمتاع بالمستوى الراقي والأنيق، الذي كانت عليه الأمور مجتمعة والملابس تحديدًا.
أعود إلى مهرجانات بعلبك التي كانت تقوم على الفولكلور اللبناني، الآن إنتهى عهد الفولكلور والأمور تسير نحو الأسوأ، لم يعد أحد يرغب بالفولكلور أو يسمع الزجل، المعنّى أو العتابا والميجانا، هذه أمور ماتت، وماتت معها رجولية الراقصين على الخشبة. حتى أن بعلبك نفسها لم تعد تريد الفولكلور».
التصميم والابتكار
عن واقع تصميم الأزياء في تلك الحقبة، مقارنة مع اليوم توضح لحود: «كان هناك سخاء في صرف الأموال على الطراز واللون والقماش والماكياج والاكسسوارات. والأهم كان هناك ذوق أكبر. كان العالم كله يقصد لبنان، على اعتبار أنه البلد الأول في العالم، الذي يتذوّق الموسيقى والرقص والابتكارات في الملابس. اليوم باتت الابتكارات لزوم مغنّيات الكباريات أكثر من ثياب السهرة، وكثر المصمّمون، ففي كل زاوية مصمّم، وكل يوم نسمع بإسم جديد. أذكر أنه حتى منتصف السبعينيات، لم يكن هناك من مصمّمي أزياء في لبنان والشرق الأوسط. فكرة مصممّ الأزياء استحدثها روميو في مسرحه. طبعًا سينوغرافيا الملابس والصورة والإضاءة أمور معروفة في جميع الاتجاهات المسرحية، أكانت قديمة أو حديثة، ولها علاقة بلغة الجسد وحركة الممثل والفضاء المسرحي. كان عندنا ما يسمى بخياطين لموديلات وقماشات وتطريزات، في تقليد لموديلات من الغرب، وكنت أول من أدخل هذا الحقل إلى المسرح، أي أن تكون الثياب جزءًا رئيسًا من السينوغرافيا المسرحية، وتشكّل أدوات تعبيرية بيد المخرج والممثل.
لدينا اليوم مصممّون دخلوا العالمية أمثال إيلي صعب، من دون أن أقلّل من شأن الآخرين. أتكلّم عن الذي أعرفه جيدًا، وأتطلّع من هذا الحضور العالمي، إلى اتجاهات وتيارات وأفكار جديدة. هذا هو المهمّ برأيي، وإلاّ نكون إزاء تسويق صورة «لوك» عالمي، لا يحمل ابتكارات، ولا ينشأ تيارات حديثة».
وتضيف بابو لحود «الأناقة ليست الموضة، ولا سيّما الجديدة منها التي هي ضد النساء، فالسيدة كأنها ليست سيدة، أحيانًا الموديل يصنّع ليبشّع المرأة لا ليجملّها، وليعرّيها من دون جمال. صحيح أن المرأة تمتّعت بحرية كبيرة، لكنّها لم تعدّ تلك السيدة الجميلة التي نعرفها. اعتقد أننا نحتاج إلى ديمقراطية في كل شيء، حتى في الملبس».
جذور وآفاق
بابو لحود مصمّمة ذات أسلوب راقٍ وأنيق، يدمج بين روحيّتي الشرق والغرب.
منحتها بيروت الإنفتاح على العلم والعالم، وعمشيت الجذور، وفي بعلبك (قريتها الثانية) كتبت أول حرف في مسيرتها الفنية.
تطالع الكتب الفرنسية التاريخية، وتبدي إعجابها بالمسلسل التركي «حريم السلطان»، حيث البذخ واضح بتصاميم الفساتين المميّزة والأقمشة الراقية، إضافة إلى المجوهرات الثمينة...
شاركت في عدة برامج تلفزيونية مثل «استديو الفن»، «زفّوا العروس»، إضافة إلى مسابقة «إنتخاب ملكات جمال لبنان».
وتكشف عن طموحها لإنشاء متحف وطني للأزياء في لبنان، يتضمن تاريخ الزيّ اللبناني، ويشارك فيه عدد من المصمّمين، وتأمل في تحقيق هذه الفكرة عندما تستقرّ الأوضاع.
* سنوغرافيا: المناظر: الأثاث، الأكسسوارات، الإضاءة، تصميم الملابس، الماكياج في العمل المسرحي.
جوائز وأوسمة
تقديرًا لإنجازاتها، حازت بابو لحود عدّة جوائز وأوسمة، أبرزها وسام الأرز اللبناني (1998) في عهد الرئيس الهراوي. كما نالت لقب «إمرأة العام في العالم العربي (2001 )» في تصويت عبر الإنترنت.