مبدعون من بلادي

باحث وأكاديمي وعازف
إعداد: تريز منصور

نداء أبو مراد الصوفي الحالم

كمانه جسر بين الله والبشر وتجاربه دعوة للتجدد انطلاقاً من التراث

مبدع يعانق اللحن والأوتار، يطلق لأحلامه العنان، يغمض عينيه تاركاً لأنامله حرية التصرف بالآلة الرقيقة الناطقة التي تستطيع أن تغني بإحساس، وأن تحلّ محل الصوت البشري نفسه. إنه الباحث الأكاديمي في العلوم الموسيقية الدولية والمؤلف الموسيقي وعازف الكامن الدكتور نداء أبو مراد (الطبيب سابقاً), الذي يحيي في تلحينه المدرسة التقليدية ويجـدد فيها، وينهج في عزفه نهج عازف الكمان المشهور سامي الشوا.

 

سيرة حياة

ولد الدكتور نداء أبو مراد في 13 آب 1959 في تونس من أبوين لبنانيين (مفيد أبو مراد واسبيرانس رزق) . تلقى أصول العزف على آلة الكمان الأوروبي الكلاسيكي، مع عازفة الكمان المرحومة جيزال سابا، في المعهد الموسيقي الوطني اللبناني، منذ العام 1969 وحتى العام 1978. ثم تابع دراسة الكمان الأوروبي في عصر الباروك وفي العصر الوسيط في معاهد أوروبية عديدة، منها معهد سكولا كانتوروم في مدينة بازل السويسرية. كما درس موسيقى العصر الوسيط مع ماري نويل كوليت ودومينيك فيلار في معهد الموسيقى الوسيط في باريس حتى العام 1986. وكان في الفترة ذاتها تقريباً يتلقى دراسة التأليف الموسيقي الغربي. بدأ نداء أبو مراد منذ العام 1985 يتلقى أصول الأداء الموسيقي على الكمان بحسب تقليد الموسيقى الفصحى العربية مع الأستاذ فوزي السايب في باريس، فكانت انطلاقته من أوروبا حيث عزف كموسيقي يصوغ تجاربه الشخصية مرتكزاً الى التراث العربي الأصيل، وخصوصاً موسيقى عصر النهضة العربية. في أواخر العام 1993 عاد الى لبنان وأسس فرقة الموسيقى الفصحى العربية المشرقية. كما اضطلع بمهام أكاديمية عديدة منذ العام 1998. فهو باحث وأستاذ جامعي في العلوم الموسيقية، ومدير الدروس في المعهد العالي للموسيقى في الجامعة الأنطونية ومدير مركز التقاليد الموسيقية في المشرق العربي وحول البحر المتوسط ¬ المعهد العالي للموسيقى في الجامعة نفسها، وأستاذ زائر في كلية التربية ¬ الجامعة اللبنانية.

 

معتقدات ونهج

يرتكز اهتمام تخت نداء أبو مراد على إحياء الموسيقى العربية بأشكالها التراثية: السماعي، البشرف، التقاسيم، الموال، الموشح، الدور والقصيدة... وهو يرى أن الموسيقى العربية عرفت نهضتها الحقيقية خلال الفترة الممتدة من أوائل الستينات في القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية الأولى في أواخر العشرينات من القرن العشرين، خصوصاً مع العملاقين محمد عثمان (رحل في كانون الأول 1900) وعبده الحمولي (رحل في نيسان 1901)، ومع أرباب الفترة القصيرة التي تلتهما. وقد تطوّرت الموسيقى العربية آنذاك من الداخل، أي بدون الاعتماد على المبادئ والصيغ المستوردة، وكان لرعاية خديوي مصر دور كبير في ذلك، خصوصاً على صعيد تسهيله الإطلاع على المستوى الذي وصلت إليه الموسيقى التركية، من خلال البعثات الفنية التي كان يرسلها الى تركيا. المبدآن اللذان ارتكزت عليهما تلك النهضة، برأيه، هما مبدأ الغوص في المقامات الموسيقية العربية على أنواعها، ومبدأ الإرتجال اللحني. والإرتجال، نشأ في الموسيقى العربية قبل ظهور عصر التدوين الموسيقي (النوتة)، وقبل ظهور عصر الأسطوانة. فالفنان كان يرتجل بسبب عدم التزامه بحرفية اللحن غير المدوّن من جهة، ومنعاً لوقوع مستمعيه في الملل الذي يسبب التكرار من جهة أخرى. تأثر نداء أبو مراد بمدرسة سامي الشوا كثيراً، وهو كان وما يزال يغوص في أعماق هذا العالم الذي يعتبره كنزاً تراثياً في الموسيقى العربية، محدداً التراث بأنه ما نرثه عن الماضي وهو بحكم الصيرورة، نتاج آني لمعادلة ثقافية ما. وحول مسألة الإبداع في إطار التراث، يعتبر أبو مراد أن حبة الحنطة الموسيقية، بعد زراعها وموتها في أرض الموسيقي، تنبعث سنبلة نغمية جديدة. والزواج بين مقومات النصوص التراثية والخصائص الشخصية للموسيقي تحمل أجنحة العملية الإبداعية الى الأعالي.

 

دعم التراث أهم من موضة التجدد

يـرى أبو مـراد أن دعـم التراث والتجدد من خلاله، هدف أهم بكثير من موضة التجدد للتجدد، الشائعة منذ زمن طويل والنابعة من حاجة الأنا لاثبات الذات، ومن مركّب النقص حيال الغرب، ومن الحاجة الإقتصادية الى مواكبة حركة السوق. فهذه الترهة هي التي تهدد التراث بالزوال. ويضيف: لقد قامت تجربة عبده الحمولي ومدرسته خلال عصر النهضة العربية على منهجية التجدد المتأصل. فلتكن قدوة ومثالاً لنا بعد قرن من الزمن، علّنا نحيا في نهضة موسيقية عربية جديدة. فانتهاج مسارات التربية الموسيقية الأوروبية يبدو حتى الآن وكأنه مشروع من مشاريع التثاقف المندرجة تحت عنوان العولمة التغريبية الثقافية المطروحة بالحاح على العالم العربي.

 

مؤتمرات ومحاضرات ومهرجانات

في إطار عمله وأبحاثه حول الموسيقى العربية الراقية وفي محاولة لتعريف الجمهور بها، عمل أبو مراد على إعداد وتنظيم المؤتمرات والمحاضرات الموسيقية منذ العام 1998 في لبنان وفي العديد من الدول الأوروبية والعربية، ومن أعماله في هذا المجال:
-  المؤتمر العلمي الدولي الأول "النهضة العربية والموسيقى" في معهد العالم العربي في باريس.
-  مؤتمر الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية.
-  مهرجانات السماع المقامي الأول والثاني والثالث بين العامين 1999 و2002.
-  مؤتمر الموسيقيات الدينية من المسيحية والإسلام في جامعة الروح القدس ¬ الكسليك في العام 1999.
-  المؤتمر العلمي الدولي الثاني حول "النهضة العربية الموسيقية" في جامعة الروح القدس ¬ الكسليك في العام 2002.

 

أبرز أعماله الفنية

للدكتور نداء أبو مراد أعمال فنية عديدة أحياها في العديد من الدول أبرزها: مقامات على الكمان، موسيقى النهضة العربية، بنت القدس، أوزيريس، عاشقة الله، سماع من ذكر الحبيب، سماع من ذكر ليلى، سماع من وحي الماء والأرض في مغارة جعيتا، سماع العاشقين، سماع من بشارة مريم، سماع نغمي ملاحي، استنارة الآلام والقيامة بحسب انجيل يوحنا، أناشيد الحب الإلهي، إحياء تراث صفي الدين الأرموي البغدادي من المدونات الموسيقية العائدة الى القرن الثالث عشر، وإحياء تراث ميخائيل مشاقة المدون في القرن التاسع عشر، وكانت آخر أعماله "ترانيم العهد الجديد" حيث التقت الطقوس السريانية والبيزنطية والموشحات والتجديد. وقد شارك في العديد من المهرجانات الفنية الدولية في: أسيزي، مصر، باريس، طهران، روما، المغرب، بون، ميونيخ، برلين، تونس، البحرين، والكويت... الى ذلك فهو صاحب مؤلفات وأبحاث في الموسيقى، وقد أشرف على إعداد وإصدار مؤلفات عدة في هذا المجال.