مهارات وقدرات

بالإرادة والتصميم... عادت إلى الحياة!
إعداد: ندين البلعة خيرالله

تحدّث شاهد عيان عن هبوط طوافة «مجهولة» الهوية في مهبط وزارة الدفاع لفترةٍ من الوقت، حيث توجّه إلى المكان موكب من السيارات العسكرية وسط طوق أمني مشدّد، قبل أن تغادر الطوافة المكان باتجاه البحر! واللافت أنّ ألوان الطوافة شبيهة بترقيطة البزّة العسكرية...

 

الطوافة «المجهولة» هي الـAugusta Bell 212 الثانية، التي حلّقت فوق وزارة الدفاع الوطني في اليرزة، في طيرانها التجريبي، لتؤدي التحية لقائد الجيش العماد جوزاف عون، بعد توقّفها عن الطيران لأكثر من 33 عامًا!
بالإرادة والتصميم عادت إلى الحياة... القوات الجوية في الجيش اللبناني، بكل ما يملك عناصرها من مهارات ومعارف اكتسبوها بقدراتهم وجهودهم ورغبتهم الخاصة، أعادوا الحياة إلى الطوافة! إنجاز نوعي آخر أُضيف إلى سجل القوات الجوية، واستحق مرة جديدة تقدير قائد الجيش الذي عاين هذا العمل «الجبار الذي يفوق الطاقة والوصف»، وتعرّف إلى كل من أنجزه.

 

حديث من القلب
تقدّم العماد عون إلى مكان هبوط الطوافة، حيث كان بانتظاره قائد القوات الجوية العميد الركن الطيار زياد هيكل، والفرق الفنية والطيارون. حديثه معهم واهتمامه لإنجازاتهم، كانا كفيلين بأن يُنسياهم التعب والجهد الذي يبذلونه. أما ردة فعله وكلماته المشجّعة فزادتهم فخرًا وجعلتهم يلمسون ثقته المطلقة بهم وتقديره لما أنجزوه!
في حضرة القائد، شُرح المشروعان اللذان اتّخذت قيادة القوات الجوية بدعمٍ من قيادة الجيش، القرار بتنفيذهما: صيانة الـP4 لسرب الـPuma، وإعادة تشغيل طوافات AB212. تحـدّث المشـاركـون كـل ضـمـن اختصاصـه: Hydrolic ،Air Frame ،Auto Pilote ،Flight ControlهRadios ،Electrical System... من أكبر قطعة إلى أصغر برغي، يتم فكّها جميعًا ونزعها وتصليحها أو معالجتها أو تغييرها وإعادة تركيبها.

 

«هل أنتم قادرون كطاقمٍ فني على العمل على طوافتَين في الوقت عينه»؟
يسأل العماد عون متعجّبًا، ويبدي تقديره لمثل هذا المجهود الجبّار عندما يجيبه العميد الركن هيكل بأنّه يُنظِم العمل ويُقسِّم الفرق لتتدخل بالتتالي والتوازي، كل حسب اختصاصه لضمان جهوزية السرب وإنجاز العمل المطلوب بأسرع وقت ممكن، والوقت المُقدَّر لكل طوافة يراوح بين 9 و11 شهرًا كحدٍّ أقصى.
سألهم عن اختصاصاتهم وأُعجب بمعارفهم وثقافتهم وحرفيتهم، كما تحدّث إلى العسكريات الإناث اللواتي عرضن بدورهنَّ العمل الذي أنجزنه والخبرات الإضافية التي اكتسبنها. لقد أبدَين تقدّمًا ملحوظًا في النتائج المميزة والمستوى المتقدّم الذي بلغنَه.

 

أمام الـPuma سأل القائد: «بعد الـP4 إلى كم ساعة طيران تجريبي Test Flight تحتاج الطوافة»؟
فأجاب العميد الركن هيكل: الأولى (918) تطلّبت ثلاثة أسابيع تقريبًا (12 ساعة طيران)، أما الثانية (917) فلم تحتج لأكثر من 4 ساعات، ويعود ذلك إلى الخبرة التي اكتسبتها الفرق الفنية من الأولى وقدرتها على تطوير مهاراتها وقدراتها أكثر. من يأتون من الشركات الخاصة المتخصصة «يبصمون بالعشرة» ويتركون شهادة إيجابية جدًا حين يدقّقون بتفاصيل العمل.
ويندفع أحد الشباب قائلًا: «خلّيهم يجيبولنا طيارة من عندهم منعملا»!
وأمام الـAB212استمع القائد إلى شرح مفصّل عن هذه الطوافة التي تشبه الـHuey II الموجودة لدى الجيش. وهذه هي الطوافة الثانية التي تعود إلى الحياة بفضل الفنيين والطيارين في القوات الجوية، وقد كان الهدف إنهاء صيانتها بأسرع وقت، وقد بدأ العمل الفعلي على إصلاحها في الشهر الأول من العام 2020. لكن كورونا وانفجار المرفأ وظهور أعطال في بعض القطع المستوردة وردّها (مع العلم أنّ هذا الأمر يتخطى مجال اختصاص الفنيين اللبنانيين عادة)، أخّر انتهاء العمل.

 

«وكم كانت ستتطلب من الوقت لإعادة تشغيلها لو أُرسلت إلى الشركة المصنّعة»؟
يسأل القائد، فيجيبونه «أكثر من سنة»، ويتعجّب لشعورهم بالذنب لإنهائها خلال فترة لا تتعدى السنة، رافعًا معنوياتهم ومقدّرًا جهودهم.
يشير العميد الركن هيكل إلى أنّ هذه الطوافة حازت إعجاب الإيطاليين في قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان حين حطّت في الناقورة، فهم يستخدمون النوع نفسه، وقد أبدوا اندهاشهم بالعمل الفني المُتقن الذي نُفِّذ عليها.
قائد الجيش الذي ما كفّ عن التعبير عن فخره بعناصر القوات الجوية وإنجازاتهم، توجّه إليهم، ضباطًا ورتباء وأفرادًا، بكلمةٍ من القلب، قائلًا:
«للأسف، حالت الظروف في السنة الماضية دون أن نقيم احتفالًا يعطيكم حقكم لإطلاق مشروع إعادة الترميم، ولكن إنجازاتكم هي التي تتحدّث عنكم. وكما قلت لكم في حينها إنّه أمام الإرادة تُذلَّل الصعوبات، أعيد وأكرّر لكم أنّ الفقر المادي لسنا نحن المسؤولين عنه، فهو واقع يفرضه علينا وضع البلد، ولكن فقر العقل هو مسؤوليتنا. وما تقومون به يدل على أنّ التصميم والإرادة هما أقوى سلاحَين، والدليل نراه أمامنا اليوم!
نهنّئكم ونهنّئ الجيش اللبناني بعناصر مثلكم لديهم إيمان بقضيتهم وبهذه البزّة وبسلاحهم... نسور الجو تبقى في الجو ونحن دومًا أمامكم!».
الظروف السيئة التي يمرّ بها بلدنا على مختلف المستويات لا تستطيع أن تُخضِع عسكريينا ولا أن تثنيهم عن التزام الثوابت التي نشأوا عليها في هذه المؤسسة. فالاهتمام بالعتاد وتطويره هما من الأولويات التي تحافظ على الجهوزية الدائمة لتنفيذ المهمات، وبالمهارات الاستثنائية والإرادة الصلبة التي لا تعرف الاستسلام، يجدون دائمًا السبيل إلى تحقيق الإنجازات التي تثمّنها القيادة وتقدّرها حق قدرها، علّ هذا الوطن ينصفهم يومًا وينصف جهودهم التي لا تعرف حدودًا.


من السجلات
خدمت آخر طوافة من سرب AB212 لغاية 31 / 1 / 1990، بحيث صُوّرت على التلفاز متوقفة عن العمل. أُطلقت طوافةAB212-L559 في إيطاليا في أيلول 1980 وتسلّمها الجيش اللبناني في شباط 1981. وبحسب السجلات حلّقت هذه الطوافة لآخر مرة في 8 / 1 / 1987، وها هي تعمل من جديد. تجدر الإشارة إلى أنّ القوات الجوية أنهت في العام الماضي العمل على الطوافة AB212-L557 المتوقفة عن العمل منذ 9 / 5 / 1989.


مشروعان مختلفان
اتخذت القوات الجوية منذ عامَين تقريبًا، القرار بالسير في مشروعَين بالتوازي: إعادة تشغيل طوافات AB212 الخمس من أصل سبع طوافات من النوع نفسه، المتوقفة عن العمل منذ العام 1990، وإجراء كشف الصيانة الدوري P4 المستحق على سرب طوافات الـPuma.
المتطلبات العملانية معطوفةً على الوضع الاقتصادي المتردّي، دفعا بقيادة القوات الجوية إلى قبول هذَين التحديَين وتنفيذ المشروعَين بهدف رفع المستوى الفني للوصول إلى الكفاية الفنية الذاتية Self Sustainability من جهة والتوفير على الخزينة من جهة أخرى. فكلفة المشروعَين كانت أقل من نصف القيمة المقدرة في السوق، فضلًا عن توفير جهوزية جوية عالية مع طاقم متدرب وقادر على إصلاح أي عطل طارئ من دون الحاجة إلى إرسال الطوافة إلى الشركة المصنعة.


لماذا الـAB212؟
تُطرح بعض علامات الاستفهام حول الإفادة العملية من إعادة الـAB212 إلى العمل بينما يمكن شراء أخرى من السوق بالكلفة نفسها؟
يأتي جواب العميد الركن هيكل قائد القوات الجوية: «نحن كجيشٍ واجبنا الأساسي الحفاظ على العتاد ومساعفته وتصليحه. كما أنّ الطوافات التي يمكننا شراؤها من السوق بكلفة تصليح الـAB212 نفسها، تكون قد سجّلت أكثر من 10 ألاف ساعة طيران في حين أنّ AB212 سجّلت ألف ساعة طيران كمعدّلٍ أقصى قبل توقّفها عن العمل في الحرب، وهذا الأمر يصنّفها بالجديدة في عالم الطيران وتوازي قيمتها في السوق ضعف كلفة تصليحها.
أضف إلى ذلك، أنّ معظم قطع بدل هذه الطوافات والمعدات الأرضية المُستخدمة للكشف عليها موجودة لدى القوات الجوية اللبنانية كونها مماثلة لطوافة Huey II وبالتالي لا مصروف إضافي مخصّص للـAB212».