بالمجد والكرامة

بالمجد والكرامة

بالمجد والكرامة شيّعهم الجيش ولبنان.
ملء الوجدان والقلوب والبيوت هم.
من الساحل الى الجبل، من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى البحر، لبنان انحنى لشهدائه الأبرار.
احتضنهم ترابه.. فليكن كحلاً لأعيننا هذا التراب... وحدها أحضان أمهاتهم وزنود آبائهم تليق بأن تكون لهم مرقداً.
هاتِ يا أرز ظلالك، وليكن فيء أغصانك مظلّة رقادهم الى الأبد.
لُفّت بالعلم أجسادهم، تُرى أي حرير يليق بنضارة شبابهم؟! هاتي يا فيروز شلحات الحرير المغزولة بأيادي الصبايا، لا حرير بين أيدينا يليق بالأبطال كفناً.
وحدها خلجات القلوب تستحق أن تكون لهم محملاً وكفناً.
بالمجد والكرامة شيّعهم الجيش ولبنان.
في عكار بقُراها والدساكر. وفي طرابلس والضنية والقلمون والكورة والبترون... في الزهراني وشحيم وصيدا والنبطية وجزين... في رشميا والكحلونية والباروك وحمانا وقرنايل... في زحلة ودير الأحمر والقاع ودورس وعانا وعلي النهري ولبايا...
واحد صوت الحدا. وواحد عطر الغار، وواحد وقْع الألم المضمّخ بالاعتزاز والفخر.
فادي، خالد، روي، مارون، حنا، مصطفى، عبدالله، أحمد، علي، إيلي، أيمن، رامي، وسام، مازن، عياش..
وكل الأسماء المكلّلة بغار البطولة...
والتي تختصر لبنان بعائلاته وطوائفه ومناطقه.
أعرف الآن لماذا يخيّل اليّ كلما حدّقت في وجوههم أنني أعرفهم واحداً واحداً.
في كل واحد منهم ملامح من أبي وأخي وأهلي ومن أُحب.
في كل واحد منهم شيء من تعبي وأحلامي، والكثير الكثير من وطني، لا بل هو الوطن تختصره هاماتهم وسواعدهم وشجاعتهم ونبل عطاءاتهم. وإلا، وإلا، فكيف من أجلي، من أجل أولادي وأهلي وبيتي ومستقبلي يستشهدون، يتركون أمهات وزوجات وأولاداً وأهلاً ورفاقاً وبيوتاً؟!
بالمجد والكرامة شيّعهم الجيش ولبنان.
وحده دمهم غلب الانقسامات والتوترات والتمايزات، ووحّد الجميع.
وحده دمهم هو العطاء الصادق، والشاهد الحي على بقاء لبنان مهما اشتدت العواصف.
بالأمس كان لكل منهم أهل ورفاق يحرسونهم بالصلاة.
اليوم باتوا الأيقونة التي تحرس لبنان، وبخور الصلاة في ساحلنا والجبل.
إ. ن. ت.


مقلع الأبطال
يستبسل الأبطال في الدفاع عن الوطن حتى الشهادة، ويستبسل أهلهم في تحمل المُصاب ليرتقوا بصبرهم وعنفوانهم الى ما يحاكي الشهادة طهراً ونبلاً وكِبر.
كم كان مؤثراً أن نسمع والداً يقف في تشييع ولده الشهيد ويصرخ مشبعاً بالعنفوان: «عندي سبعة أولاد، أنا وأولادي جميعنا فدا الجيش، فدا لبنان...».
وكم كان مؤثراً أن يأتي عسكري من الجبهة الى بيت العائلة ليشارك في تشييع شقيقه الشهيد، فإذ بوالده المفجوع يعانقه ويقول: «مكانك ليس هنا يا بني. عد من حيث أتيت، وقاتل مع رفاقك من أجل لبنان، ووفاءً لدماء شقيقك ورفاقه».
وكم كان مؤثراً أن نسمع أمهات الشهداء في مواكب تشييع أولادهن يطلقن الدعاء: «الله ينصر رفاقك يا بني».
أيضاً وأيضاً، كم كان مؤثراً أن تمتزج دموع اللبنانيات واللبنانيين في رثاء الشهداء. فكل شهيد يخص لبنان كله...
من هذا المقلع هم هؤلاء الأبطال، مقلع الوطنية الحقّة، حيث الأم والأب يقدمان فلذة الكبد فداءً لأمهات الآخرين وآبائهم وأولادهم وزوجاتهم، وحيث الأبطال ملك لبنان بكل فئاته وطوائفه وعائلاته.

 

البلدات والقرى ودّعت عرسان الشهادة
بمآتم رسمية وشعبية حاشدة شيّع الجيش ومعه لبنان الشهداء الأبرار. حيث حمل الرفاق رفاقهم الشهداء الى المثوى الأخير وسط مراسم التكريم التي تليق بالأبطال.
المناطق والبلدات والقرى تشاركت مشاعر الحزن والأسى، وبالورود والأرزّ وأصوات الحدا استقبلت عرسان الشهادة ورافقتهم في الوداع الأخير.
الآلاف ساروا خلف موكب كل شهيد، وازدانت الساحات بصورهم والشرائط البيض.
ووفقاً للتقاليد العسكرية، شيّع الأبطال بحضور ممثلين للعماد ميشال سليمان، وألقيت باسمه كلمات عاهدهم فيها على الوفاء لدمائهم الطاهرة.


كلمة والد شهيد
في تشييع ولده الرقيب الشهيد رامي حسن صعب، ألقى والد الشهيد كلمة مؤثرة قال فيها:
حضرة ممثلي الجيش والقوى الأمنية، حضرة المشايخ والمشيّعين الكرام.
درجت العادة في هذه المواكب أن ندلي بشهادة نعدد فيها صفات المتوفي الحميدة، لكننا اليوم نستقبل شهيداً بارّاً من شهداء الجيش اللبناني شهادته معه، شهادته منه وفيه، ونأمل بأقرب فرصة أن يخرج الجيش من هذه الواقعة المدمرة منتصراً فنهلل له. نحن قدمنا شهداء، ولا نزال مستعدين الى التقديم أكثر، هذه عبرة وليست خوفاً أو جبناً، عبرة نستلهم منها كي نستطيع تقديم المزيد من خلال هذه المؤسسة الوطنية في سبيل لبنان وشعبه.
نأمل ونرجو من حضرة ممثل العماد قائد الجيش، بما أنه كنا عسكريين وخضنا تجارب كثيرة، العمل من خلال هذا الالتفاف الشعبي والرسمي والسياسي حول الجيش، على حسم المهمة من دون أي مراجعة سياسية وبالطريقة التي يراها مناسبة، وعدم إعطاء أي فرصة للإرهابيين للتفلت من يد العدالة، والشعب كله معه.
نسأل الله الرحمة للشهيد ولكم من بعده طول البقاء.


... وهم أيضاً ملء قلوبنا والوجدان
ما يجمعم بالجيش أكثر من نداء الواجب، ثمة بينهم وبين العسكريين روابط نسيجها روح التضحية اللامحدودة وشغف العطاء الذي لا ينضب.
شباب وصبايا تقودهم الانسانية الى ميادين الخطر ليتولوا أعمال الإنقاذ والإسعاف وإخلاء الجرحى والمصابين.
جاهزون دوماً لتلبية النداء، وأحياناً كثيرة لا يتوقفون عند بذل العرق بل يتجاوزونه الى بذل الدم.
مسعفو الصليب الأحمر اللبناني، أبطال الى جانب أبطالنا في الجيش، كما سبق أن فعلوا من قبل كانوا هذه المرة في قلب المعركة وأهوالها، وعلى تخوم نهر البارد، سقط لهم شهيدان: بولس معماري وهيثم سليمان، هما أيضاً ملء الوجدان والقلوب، تماماً كما شهداء الجيش الأبرار.

 

الصليب الأحمر اللبناني وزّع نبذة عن كل من الشهيدين جاء فيهما:

• الشهيد بولس جوزف معماري، من مواليد الشيخ محمد - عكار في 5 / 9 / 1982.
تابع دروسه الثانوية في مدرسة القديس يوسف في منيارة. تطوّع في الصليب الأحمر اللبناني العام 2000 وتدرّج من مسعف الى كادر وثم الى رئيس فرقة.
في 22 أيلول 2004 كُلِّف رئاسة منطقة حلبا وكان من أصغر رؤساء المناطق، واستمر في موقعه حتى استشهاده. وقد كان نموذجاً يُحتذى به وسط زملائه.


• الشهيد هيثم ميشال سليمان، من مواليد الجديدة، الجومة - عكار في 4 / 4 / 1981.
تابع دروسه الثانوية في المدرسة الأرثوذكسية الوطنية في الشيخ طابا. نال إجازة في التربية البدنية من جامعة البلمند العام 2005. يعمل أستاذاً في التربية البدنية في مدرستي ليسيه عبدالله الراسي - الشيخ طابا، ومدرسة الراهبات - منجز.
تطوّع في الصليب الأحمر اللبناني العام 2003 وتدرّج من مسعف الى كادر وثم الى رئيس فرقة. تميّز باندفاعه لمساعدة الناس وحبّه لزملائه ورفع معنوياتهم.