مقابلة

باولو سيرّا قبيل انتهاء مهمّته
إعداد: تريز منصور

تجربتي في لبنان كانت مذهلة

 التضحيات التي يقدمها الجيش اللبناني يجب أن تكون مدعاة فخر لكل مواطنيه

تعرّف اللبنانيون إلى «القبعات الزرقاء» العام 1978، حيث انتشرت قوات اليونيفيل في الجنوب عقب صدور القرار 425.
مع صدور القرار 1701 عقب حرب تموز 2006، وضعت أسس جديدة لعمل قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، والتي تربطها علاقة تعاون بالجيش اللبناني. كما تربطها بالجنوبيين علاقات واسعة يعززها اضطلاعها بنشاطات مختلفة وتقديمها العديد من الخدمات للسكّان.
قائد قوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان الجنرال باولو سيرّا خصّ مجلة «الجيش» بحديث في نهاية ولايته في لبنان، تحدّث فيه عن علاقته بالجيش اللبناني وعن أبرز النشاطات التي تقوم بها قوات الأمم المتحدة في الجنوب، موضحًا وجهة نظره حول الخروقات الإسرائيلية المتكررة، والتدابير المتخذة للحدّ من الخروقات ولتثبيت الأمن والاستقرار...


علاقة استراتيجية
• كيف تصفون العلاقة بين الجيش اللبناني وقواتكم؟
- يمكنني أن أختصر طبيعة هذه العلاقة بكلمتين: إنها «علاقة استراتيجية». نحن مسرورون لمساعدة شركائنا في الجيش اللبناني، وإننا نعمل جنبًا إلى جنب كرفاق سلاح بشكل يومي. ولقد أكدت في تصريح إعلامي سابق في الجنوب أن الجيش اللبناني مميّز للغاية، لأن وحداته قادرة على تأدية المهمات العسكرية، وهي ملتزمة في الوقت نفسه مساعدة السكان، وبالتالي من المهم جدًا التعاون مع الجيش اللبناني، لأنه يشكّل لنا بوابة عبور إلى سكان الجنوب. هذا التعاون لا يحصل فقط من خلال تعزيزنا قدرات الجيش اللبناني العملانية، بل عبر التدريبات حيث تنشأ علاقة جيدة بيننا، لأننا نعمل معًا ونصبح أصدقاء، فالمشاركة بالمهمات العسكرية والدوريات ليلًا، تعزّز الصداقات وتنمّي روح المشاركة بالعمل نهارًا.

 

التعاون مع الجيش
• تحت أي بنود يندرج التعاون بينكم وبين الجيش اللبناني، وخصوصًا خلال ولايتكم، وما هي اقترحاتكم للمستقبل؟

- أحد أهم الانجازات التي حققناها مع الجيش اللبناني، كان توقيع خطة الحوار الاستراتيجي مع قائد الجيش العماد جان قهوجي التي بدأت العام 2012، وإننا نعمل معًا لتنفيذ هذه الخطة عبر مؤتمر المانحين ومجموعة الدعم الدولية. ستمنح هذه الخطة الجيش اللبناني القدرة على القيام بجزء من المسؤوليات التي تقوم بها اليونيفيل حاليًا. والآن هناك مركز التدريب «TITALY» الذي سيبدأ بناؤه قريبًا في الجنوب. إنه ليس مركزًا إيطاليًا إنما هو مركز تدريب للجيش اللبناني، ولكن بمساعدة من الايطاليين. أظن أن هذه الخطوة جيدة جدًا للعمل مع الجيش اللبناني الذي يقوم بدورٍ فعال في الجنوب، على اعتبار أن وحداته تعرف المنطقة، وجنوده يعرفون السكان جيدًا، ما يسهّل عليهم تحقيق نتائج يصعب علينا تحقيقها، ولكنهم بحاجة إلى بنية تحتية جيدة ويحتاجون إلى مركز قيادة وإلى قدرات عملانية وآليات وأسلحة لتنفيذ كل أفكارهم الجيدة. وآمل خلال السنوات القادمة، أن نتمكن من رؤية تقدّم ملموس، بفضل الحوار الاستراتيجي وبفضل مجموعة الدعم الدولية والنشاطات المكرّسة للجنوب.

 

بتنا نفهم الجنوبيين أكثر
• كيف تصف علاقتكم بالجنوبيين؟ وما هي أبرز النقاط الاستراتيجية التي اعتمدتها قواتكم لإقناع السكان بدورها في الجنوب؟

- يمكن وصف العلاقة مع الجنوبيين بالممتازة والمثمرة جدًا. فاليونيفيل منتشرة في جنوب لبنان منذ العام 1978، لذا ثمّة تاريخ مشترك بيننا، كما أن عائلات نشأت مع اليونيفيل، وتمّ التزاوج بينهما، هذا بالإضافة إلى أن أبناء الجنوب معتادون على رؤية آلياتنا تقوم بدوريات على طرقاتهم، ونحن بالمقابل، نحاول احترام عاداتهم وتقاليدهم إلى أقصى الحدود. وشيئًا فشيئًا بدأنا نفهم اللبنانيين الجنوبيين أكثر فأكثر، وهذا أمر ساعدنا على المحافظة على علاقة جيدة. هذا لا يمنع من أننا نواجه في بعض الأحيان سلوكًا غير ودود أو غير مُرحّب، ولكن حاليًا، ونظرًا إلى عدد النشاطات الكبير والدوريات المكثّفة، أعتقد أن النسبة المئوية من الحوادث أصبحت مقبولة. ويشكّل دعمنا للجنوبيين قاعدة من القواعد الأساسية لتفويضنا. إن مهمّتنا تفرض علينا الرصد وتقديم الدعم والمساعدة، ونحن نراقب ونرصد وقف الأعمال العدائية، ونقدّم الدعم للسكان المحليين، ونساعد الجيش اللبناني والحكومة على القيام بعملهما في الجنوب. لذا نحن نحاول التقرّب أكثر وبقدر الإمكان من السكان المحليين ولهذه الغاية أنشأنا «سيميك» (CIMIC) أو التعاون العسكري – المدني، الذي تتواصل قواتنا مع السكان المحليين وحتى مع المدارس من خلال نشاطاته، ومنها ما يتعلّق بتوعية التلامذة من مخاطر حقول الألغام والقنابل العنقودية. ونسعى أيضًا إلى التواصل مع فئات مختلفة من المجتمع، إذ نقدم مساعدتنا في مجال العناية الطبية ونحاول بناء علاقات مع إدارات المستشفيات، كما نتشارك المعارف الطبية في مجال الطب البيطري خصوصًا بهدف مساعدة المزارعين في القرى النائية. يضاف إلى ذلك الكثير من النشاطات المتعلقة بمساعدة البلديات المحلية. وبخلاصة، إننا ننفق سنويًا في الجنوب نحو 2.5 مليون دولار، لمساعدة السكان المحليين. وبالتالي إن أموال اليونيفيل تعود بالفائدة على هذا البلد، والأعمال التي نقوم بها تتضمن تقديم خزانات للمياه ومشاريع ضمن تأهيل البنى التحتية (مجارير، أسقف للمدارس، أجهزة كومبيوتر لأغراض دراسية...).

 

• ماذا عن آراء سكان الجنوب وتعليقاتهم حول نشاطات قواتكم؟
- نحن مسرورون وراضون جدًا عن عملنا، وكذلك عن ردّات فعل السكان المحليين وتجاوبهم مع هذه النشاطات. إن الكثير من الفتيان يلوّحون لنا خلال دورياتنا في الجنوب، لأنهم يعلمون أننا سنزور مدرستهم بعد بضعة أيام وسنقدم لهم عرضًا مفيدًا بواسطة الدمى، ونشرح لهم بشكل قصة، كيفية ضبط أنفسهم وعدم الإقتراب من الخط الأزرق.

 

العديد والمخاطر
• كم يبلغ عديد قوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان، وما هو عدد اللبنانيين العاملين معكم في لبنان؟
- ما زالت قوة اليونيفيل كبيرة في لبنان، لدينا 8 سفن و10 طائرات مروحية وما زلنا نشكّل قوة ردع جيدة. يبلغ عديدنا في لبنان حوالى 12 ألف جندي وبحار من 37 بلدًا. يعمل معنا 1300 موظف مدني 600 منهم دوليون، أما الـ700 الباقون فمن اللبنانيين.

 

• هل من مخاطر تواجهونها في لبنان، وما هي الاجراءات التي تتخذونها لمواجهة هذه المخاطر؟
- في الواقع، ما من تهديدات أو مخاطر مباشرة حتى الآن، لأننا قوة حفظ سلام، ما يعني أنه ليس لدينا أعداء، وهذا مفيد لتنفيذ المهمة بشكل مسالم. ولكن الوضع من حولنا في المنطقة دقيق جدًا والمنطقة عرضة لضغوط كثيرة، وبعض الخلايا الإرهابية تعتقد بأن اليونيفيل قد تكون هدفًا سهلًا، ولكننا قوة عسكرية قادرة على الدفاع عن نفسها.

 

التعامل مع التعديات الاسرائيلية
• من المعلوم أن إسرائيل ما زالت تخرق الخط الأزرق والمياه الإقليمية والأجواء اللبنانية، ما هي الخطوات التي تتخذها قواتكم للحدّ من هذه الخروقات، إن لم يكن ايقافها نهائيًا بالتنسيق مع الجيش؟
- إحدى المهمات الأساسية الواردة في تفويض اليونيفيل، هي مراقبة الأعمال العدائية. ومن المهم جدًا لليونيفيل القيام بالمراقبة وتقديم التقارير وضبط المخالفات المختلفة. وبالتالي، نحن نقدّم تقارير عن كل الحوادث إلى نيويورك، حيث يجتمع مجلس الأمن، ثم نعدّ التقرير، الذي يشكل ضغطًا سياسيًا كبيرًا على البلدان التي ترتكب هذه المخالفات. واحيانًا تكون هناك مخالفات من قبل الطرف اللبناني، ولكنها ليست مخالفات عدائية، بحيث أن مرتكبيها هم من الرعاة والصيادين.
كما أشرت، هناك اجراءات نتخذها كما هو الحال في القسم الشمالي من بلدة الغجر التي ما زالت تحت الاحتلال، إضافة إلى الخروقات الجوية التي يقوم بها الطرف الإسرائيلي. إن الدور الذي يمكن لليونيفيل تأديته في هذا الإطار مهم جدًا، فهو يقضي بمحاولة الحدّ من تأثير هذه الخروقات، والحؤول دون حصول تصعيد. العديد من هذه الخروقات يحصل من دون نوايا أو تخطيط مسبق، ويمكن أن تكون في بعض الأحيان خطرة جدًا، ومن المهم جدًا في هذه الحالة وجود قوات اليونيفيل في موقع الحادثة على الفور، لمحاولة تهدئة الوضع بين الطرفين وفهم ما يحصل، وللتأكّد من أن الجميع يعرف مسؤولياته. ولا بدّ لي هنا من التنويه بشجاعة جنودنا، لناحية الانتشار السريع بين طرفي النزاع، للحؤول دون حصول أي تصعيد.

 

• في الآونة الأخيرة، كان الوضع دقيقًا جدًا في الجنوب، ما هي الخطوات المباشرة التي تتخذ لاستتباب الأمن والإستقرار في جنوب لبنان، وبالتالي لتنفيذ وحماية القرار 1701؟
- الإستقرار والسلام هدفان نسعى إلى تحقيقهما في الجنوب، وفي هذا الإطار ثمّة أمور نقوم بها مع الجيش اللبناني للمحافظة على استقرار الوضع وابقائه تحت السيطرة.
 
 

خروقات وإجراءات
• ما هو تعليقكم حول الصواريخ التي يتمّ إطلاقها من لبنان باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
- إنه خرق للقرار 1701 وهذا أمر مقلق للغاية، ليس فقط بالنسبة إلى اليونيفيل، ولكنه يشكل أيضًا مصدر قلق لسكان الجنوب، لأن أحدًا منهم لا يريد عودة الأعمال العدائية الخطرة للغاية، ومهمتنا في الجنوب محاولة منع أي أعمال عنف. ويسرّنا أن الجيش اللبناني والقوى الأمنية الأخرى استطاعوا ردع الخلايا الصغيرة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ خلال الأيام الماضية.


• هل اتخذتم إجراءات أو خططًا معينة لتجنّب هذه الأعمال العدائية؟ وكيف؟
- بالطبع، نحن نزيد من نشاطاتنا، وذلك من خلال زيادة عدد الدوريات والحواجز، والنشاطات التي نؤديها مع الجيش اللبناني، ليس فقط على الخط الأزرق، وإنما أيضًا في العمق الجنوبي، لذا نحن نتشارك هذه المعلومات بشكل أفضل للتدخل حين تدعو الحاجة.

 

• ما هي النصيحة التي تقدّمها لقائد قوات الأمم المتحدة الجديد في لبنان؟
- ما من نصيحة خاصة، أتمنى له التوفيق وآمل أن يستمتع بإقامته خلال الفترة التي سيمضيها في لبنان، وأنا متأكد بأنه سيحظى بالدعم نفسه الذي حظيت به من الجيش اللبناني ومن السكان المحليين، وسيرى كيف أن ولايته ستنقضي بسرعة كبيرة، تمامًا كما انقضت ولايتي.

 

تجربة مذهلة
• كيف تصف تجربتك في لبنان؟

- كانت تجربة مذهلة.


• أيمكنك مقارنتها مع مهمات أخرى في مناطق أخرى؟
- إنها مختلفة كثيرًا، لأنه في عمليات عسكرية سابقة أو تحت لواء حلف شمال الأطلسي، نحن نعمل كقوة عسكرية في الميدان فقط، أما في هذه المنطقة فنحن المسؤولون عن المهمة وقيادة الوحدة في الوقت نفسه. لذا نتمتع بالقدرة على تأدية دورٍ دبلوماسي وعسكري في الوقت عينه، وهذا أمر فريد للغاية، لذا من المهم جدًا المحافظة على هذه المهمة المزدوجة، لنتمكن من استخدام هذه القوة بكل الوسائل للمحافظة على الأمن في المنطقة.

 

الجيش مصدر فخر
• ماذا عن تجربتك الخاصة في لبنان، وعلاقتك الشخصية مع الجنوبيين؟
- لقد سررت جدًا في لبنان، وكان لدي علاقات جيدة جدًا مع سكان المنطقة، كان الأمر صعبًا جدًا في البداية، ولكن بعد الحوار، تمّ التفاهم في ما بيننا، ولقد عبّروا عن احترامهم لعملنا. وخلال هذه السنوات تشكّلت لديّ صداقات خاصة.

 

 • هل من رسالة معيّنة تودّ توجيهها الى لجيش اللبناني ولباقي الأفرقاء في لبنان؟
- أتمنى على الجيش مواصلة ما يقوم به من تضحيات وتعب في الجنوب، وهذه التضحيات يجب أن يفتخر بها كل لبناني، لأن جيشكم مناقبي ورائع بالفعل.
كما أنني أقدّر أيضًا ما يفعله الجيش في طرابلس وفي البقاع وفي جميع المناطق اللبنانية، فوجوده هام جدًا بالنسبة الى اللبنانيين.