دراسات وأبحاث

بحر قزوين كعكة الذهب الأسود والألماس الأسود
إعداد: د. أحمد علو
عميد متقاعد

بعيد سقوط الإتحاد السوفياتي السابق في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وانفراط عقد الجمهوريات التي كانت تشكّله، وبروز جمهوريات جديدة على المسرح الدولي، وبخاصة تلك الواقعة في آسيا الوسطى والقوقاز، ظهرت أهمية بحر قزوين كمركز جذب ونزاع: إقليمي، بالنسبة الى الدول المحيطة، ودولي، بالنسبة الى دول أبعد، وذلك بسبب ما يحتويه هذا البحر من موارد وثـروات متنـوعة للطاقة، تسعى دول العالم اليوم للحصول عليها، لما لها من أهمية بالنسبة الى اقتصـادات هـذه الدول ونموّها وأمنها الإستراتيجي والإقتصادي.

 

الموقع والحدود والتسمية
بحر قزوين مسطّح مائي واسع ينخفض عن سطح البحر العام بنحو 28 م، ويقع على الطرف الغربي لقارة آسيا، وعند نقطة التقائها بشرق أوروبا من خلال منطقة القوقاز التي تفصله عن البحر الأسود بنحو 700 كلم.
يبلغ معدل طول هذا البحر حوالى 1200 كلم، ومعدل عرضه 300 كلم تقريباً، أما عمقه فيراوح ما بين عدة أمتار في الشمال وحوالى 1025م في الجنوب، ومياهه مالحة بنسبة الـ3/1 من ملوحة مياه البحار والمحيطات المفتوحة.
بحر قزوين بحر مغلق، لا يتصل بأي بحر آخر أو محيط، لذلك اختلف حول توصيفه ما بين بحر أو بحيرة، وإن كان البعض يعتبره أكبر بحيرة في العالم بمساحة تقدر بحوالى 371كلم2، وتشاطئه الدول الآتية: روسيا من الشمال الغربي، أذربيجان من الغرب، كازاخستان من الشمال والشرق، تركمانستان شرقاً ايضاً، ويليها إيران من جهة الجنوب بحدود تبلغ حوالى 500كلم من مجموع طول شواطئه التي تزيد على 5000كلم.
يتغذى هذا البحر من مياه الأمطار والأنهار التي تصب فيه وأهمها نهري الفولغا والأورال في الشمال وعدة أنهار أخرى في الشرق والغرب والجنوب، وهو يمتاز باستمرار انخفاض منسوب المياه فيه وذلك لشح الأنهار التي تغذيه.
لقد تعددت الأسماء التي أُطلقت على هذا البحر بتعدد العصور ولاختلاف العهود وتبعاً للجهة التي تطلق عليه الإسم، ولكنه كان يرتبط بإسم الشعوب والقبائل التي سكنت حوله، فهو تارة بحر الفرس، أو مازندران، أو بحر الخرز، أو التركمان أو القوزاق، أو غيرها.ويقال إن العرب قديماً أطلقوا عليه إسم بحر Qazvin نسبة الى بعض القبائل الفارسية التي كانت تقيم على شواطئه الجنوبية والشرقية Caspii، ومنه اقتبس الإسم الأشهر بينها الآن، وهذا البحر معروف عالمياً اليوم بهذا الإسم أو «بحر قزوين» (Caspian Sea).

 

موارد بحر قزوين
تعتبر منطقة بحر قزوين منطقة غنية بموارد الطاقة: النفط، والغاز كما يضاف اليهما مورد طاقة آخر، ولكن للبشر، هو «الكافيار» أو بيض السمك، وذلك كما يأتي وفق آخر التقديرات:
• النفط: إكتشف النفط في منطقة بحر قزوين منذ قرون عديدة. إلا أن أذربيجان الدولة المشاطئة تم إكتشاف النفط فيها منذ العام 1846، وحتى مطلع القرن العشرين كانت حقول نفط باكو في أذربيجان تؤمن أكثر من نصف الإنتاج العالمي. وتشير آخر التقديرات الى وجود أكثر من 250 مليار برميل من النفط القابل للإستخراج من منطقة حوض البحر، يضاف اليها حوالى 200 مليار برميل من الإحتياط المحتمل.
• الغاز الطبيعي: يقدر إحتياط دول منطقة بحر قزوين بحوالى 232 تريليون قدم مكعب من الغاز، ويحتل البحر المرتبة الرابعة بعد روسيا وإيران وقطر بحجم إحتياطه من هذه المادة التي تشكّل مع النفط الخام نقطة جذب وفاتحة شهية لكثرة من الدول الكبرى وشركات البترول التي تسعى الى استخراجه واستثماره وتمديد خطوط الأنابيب لنقله الى الخارج، وهذا ما يشكّل نقطة صراع وخلاف بين دوله والدول الأخرى المستوردة أو المستثمرة وخصوصاً روسيا والصين، وتركيا، وإيران، وأوروبا، والولايات المتحدة الأميركية.
• الكافيار: ويعرف «بالألماس الأسود» أو «اللؤلؤ الأسود»، وذلك نظراً الى لونه وارتفاع ثمنه.
يستخرج الكافيار، وهو بيض سمك الحفش «Sturgeon» من أنواع محددة من هذا السمك، ويوجد حوالى 25 صنفاً منه ثلاثة منه تنتج الكافيار وهذه الأصناف الثلاثة تعيش في بحر قزوين، خصوصاً قرب مصب الأنهار في الشمال على الفولغا والأورال، وفي الجنوب على النهر الأبيض (سفيد رود) الذي ينبع من جبال كردستان الإيرانية، ويصب في هذا البحر.
وأشهر هذه الأنواع هي:
 

 

- بيلوغا (Beluga): ويصل وزن السمكة منه الى نحو 100 كلغ، وطولها الى مترين، وتنتج حوالى 20 كلغ من الكافيار ذي اللون الرمادي الغامق أو الفاتح.

 

- آسيترا: أو (أسيبيسرا إس دي) ويصل وزن السمكة عند البلوغ الى 20 كلغ تقريباً وطولها 1.5م، وتنتج من 4 الى 7 كلغ من الكافيار الرمادي أو الذهبي وطعمه لذيذ جداً.

 

- سيفروغا: (أسيفينسر ستيلاتوس) ووزن السمكة الأنثى حوالى 10 كلغ وطولها من 1 الى 1.4م وتعطي حوالى 3 كلغ من الكافيار الرمادي الغامق.
يعتبر الكافيار من أغلى المواد الغذائية في العالم ويطلق عليه لقب «طعام الأثرياء»، وهو يستخرج من أسماك «الحفش» أو «السلمون» التي يمتاز بيضها بلونه الأحمر، إلا أن الكافيار الأسود هو أغلاها وقد يصل سعر الأونصة الواحدة منه الى 300 دولار أميركي ،لذلك فإنتاجه يشكّل ثروة لا يستهان بها للدول التي تنتجه وخصوصاً روسيا وإيران حيث يتوافر أجود أنواعه، ويقدّر حجم تجارته السنوية بمئات ملايين الدولارات، وهذا ما دفع البعض الى تسميته بـ«اللؤلؤ الأسود» و«الألماس الأسود». والكافيار هو غذاء مفيد لجسم الإنسان ومولّد فعّال للطاقة البشرية كما يقول علماء التغذية في العالم.

 

الخلاف حول توصيف بحر قزوين
ولّد واقع وفرة الموارد والثروات التي يحتويها هذا البحر صراعاً على تقاسمه ما بين الدول المطلة عليه. وقد ظهر هذا الخلاف بعيد سقوط الإتحاد السوفياتي واستقلال دوله وبخاصة أذربيجان، وكازخستان، وتركمانستان، وهي الدول المطلة عليه مع روسيا الإتحادية وطبعاً إيران التي كانت تقتسمه سابقاً مع الإتحاد السوفياتي بنسب معينة، وفق معاهدات 1920 و1940، ولكن هذه الدول المشاطئة لم تستطع حتى اليوم إيجاد صيغة مقبولة من الجميع حول طريقة اقتسامه أو تحديد حصة كل منها، حتى أنه لم يتم إتفاق حول تحديد طبيعة هذا المسطح المائي «أبحرٌ هو أم بحيرة؟» لأنه «وفق القانون الدولي»، إذا اعتبر «بحراً» فلكل دولة حصة فيه حسب طول شواطئها، وإذا اعتبر «بحيرة» فإنه يتم تقاسم ثرواته بنسبة طول شواطئ كل دولة، وحسب قانون البحيرات الدولي فإنه لو تمّ استخراج النفط من أمام شواطئ أذربيجان فإن لبقية الدول المشاطئة حصة فيه، وهكذا...

 

قزوين في قلب الصراع العالمي حول الطاقة
مع تزايد أهمية حوض قزوين كمنطقة ذات ثقل سياسي واقتصادي، ازدادت حدة المنافسة العالمية السياسية والتجارية بين الدول الكبرى لإيجاد موطئ قدم، للسيطرة على هذه الموارد والثروات.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي سعت الولايات المتحدة الأميركية للإستحواذ على هذه المنطقة لإيجاد مصادر طاقة بديلة عن نفط الخليج أو لتقليل الإعتماد عليه، كما أنها تسعى لإيجاد مواطئ أقدام ونفوذ في دول آسيا الوسطى بمساعدتها على استخراج هذه الموارد ونقلها، وبذلك تقطع الطريق على عودة الهيمنة الروسية على هذه الدول، وتتحكم بإنتاج الطاقة وأسعارها في وجه دول منظمة «أوبك» النفطية، كما أنها تقطع الطريق على الصين الصاعدة إقتصادياً والمتعطشة لكل نقطة نفط، أو غاز لتنمية صعودها. كذلك تمنع إيران من مدّ نفوذها الى دول آسيا الوسطى وتقطع طريق إتصالها بروسيا.

 

اللعبة الكبرى وحرب الأنابيب
ثلاث دول في حوض قزوين لا تملك منافذ على البحار الأخرى: أذربيجان، كازخستان وتركمانستان، فقط روسيا وإيران لديهما منافذ أخرى، لذلك فإن الدول الثلاث تحتاج الى مدّ أنابيب للنفط والغاز لإيصال إنتاجها الى الخارج، وهي حكماً تحتاج الى كل من روسيا وإيران، لكن روسيا وهي وريثة الإتحاد السوفياتي السابق تمتلك هذه الخطوط وتمرّ عبر أراضيها ومنها الى البحر الأسود أو الى أوروبا مباشرة وهي التي تتحكم بمرور الطاقة، وقد استفادت من ذلك كثيراً سواء من حيث الأسعار، أم من حيث فرض الشروط السياسية المناسبة لها على دول الإنتاج أو دول الإستهلاك وهذا ما دفع الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الى بناء شبكات أنابيب جديدة لا تمرّ عبر روسيا أهمها خط باكو - تبليسي - جيهان (في تركيا) ويصب في البحر المتوسط وقد بدأ يعمل العام 2006، كما أن العمل في مدّ خطوط أخرى ما زال قائماً. ومع أن أقصر الطرق من بحر قزوين، وأقلها كلفة تمرّ عبر إيران وصولاً الى الخليج العربي، إلا أن الولايات المتحدة منعت المستثمرين من اللجوء الى استخدام هذا الطريق لأسباب سياسية واقتصادية ضد إيران؛ ولعل في هذا التوجّه يكمن أحد جوانب الملف النووي الإيراني أو إحباط التوجهات السياسية والإقتصادية للنظام السياسي «لجمهورية إيران الإسلامية» ومنعها من تحقيق مكاسب ونفوذ داخل جمهوريات آسيا الوسطى، والحيلولة دون بروز قوة إستراتيجية كبرى ما بين بحر قزوين والخليج. وأمام هذا الواقع الروسي والإيراني ووقوف دول الغرب بوجه محاولة استحواذهما على خطوط النقل والأنابيب، سارعت تركيا الى محاولة اقتناص الفرصة ومدّ الأنابيب في أراضيها طمعاً في الحصول على قطعة من هذه «الكعكة الذهبية»، كما تسعى مع إيران الى مدّ أنابيب الغاز عبر أراضيها ايضاً لإيصالها من جهة نحو أوروبا، ونحو دول الشرق الأوسط كسوريا ولبنان والأردن وفلسطين من جهة ثانية.

 

طريق الحرير طريق الأنابيب والكافيار
هكذا يمكن القول إن منطقة بحر قزوين لم تعد حيّزاً جغرافياً إقليمياً فحسب،  ففي عالم اليوم، الذي تسوده الفوضى، وصراع المصالح، أصبح بؤرة للصراع على الثروة والموارد، وفضاء لنزاع الإستراتيجيات الدولية للحصول على الطاقة وتأمين نقلها. ومع مدّ الأنابيب يحضر العسكر لحماية هذه المنشآت، وخلف العسكر تحضر السياسة وفرض النفوذ، وهذا ما نراه في عدد من دول آسيا الوسطى والقوقاز من حضور للقواعد العسكرية الأميركية، ما بين البحر الأسود مروراً ببحر قزوين وصولاً الى حدود الصين، فيبدو الأمر وكأنه تطويق لروسيا والصين وإيران، وهذا ما يفسّر لعبة الصراع ما بين دول العالم الكبرى واللاعبين الإقليميين، وكأن الولايات المتحدة تعاود الرسم والسيطرة على طريق الحرير القديمة ولكن «بنسخة جديدة» هي طريق أنابيب النفط والغاز، ممزوجة مع القليل من الكافيار، وربما الكثير من الدماء... وما احتلال أفغانستان منذ العام 2001 وحتى اليوم واحتلال العراق العام 2003 وحتى اليوم وأحداث لبنان منذ العامين 2005 و2006 وحتى اليوم، وأحداث جورجيا في القوقاز العام 2008 وأحداث إيران العام 2009 وربما ملفها النووي، إلا محطات بارزة ودالة على وحشة هذا الطريق ودليل على تشابك المصالح وصراعها ما بين الدول الكبرى والإقليمية على مسار هذا الطريق وكسب النفوذ والسيطرة...

 

المراجع:
•Wikipedia/caspian Sea .
• الجزيرة نت.
• السياسة الدولية - ابريل 2010 - العدد 180 - موارد بحر قزوين.