من هنا و هناك

برج ايفل يكشف سر معادلته
إعداد: رويدا السمرا

لماذا أعطى غوستاف ايفل لبرجه الشهير، شكله المميز؟ ما هي الأسس الفيزيائية أو الحسابية التي اعتمدها في إنشائه؟ وأخيراً، هل يمكن بناء نماذج من هذا البرج، وفقاً لمعادلة حسابية معينة؟
منذ مئة وستة عشر عاماً، وبرج ايفل، الذي يرتفع بوسط باريس إلى علو ثلاثمئة متر، يحيّر علماء الرياضيات ومهندسي العمارة. واليوم، وجد المهندس الأميركي باتريك ويدمان من جامعة كولورادو الأميركية، الصيغة التي أعطت لبرج ايفل شكله المميز، وبقي حلّها مستعصياً لمدة طويلة على المهتمين بهذه التحفة المعمارية. ومن الأشخاص الذين سحرتهم تركيبة هذا البرج، المهندس الفرنسي كريستوف شوار الذي بقي يحاول اكتشاف الصيغة أو المعادلة التي اعتمدها غوستاف ايفل في إنشائه.
وتوصلت أبحاث المهندس شوار، التي استمرت طويلاً، إلى إيجاد معادلة تنطلق من مبدأ فيزيائي بسيط: إن مجموع القوى الناتجة عن الرياح التي تعترض هيكل البرج الحديدي، لا بد أن تعـادلها القوى التي يمثّلها وزن البرج والتي تثبته على الأرض. لكنه اتّضح لشوار في نهاية الأمر، أن معادلته كانت مستحيلة، إذ إن نتائجها العملية، جاءت بعيدة عن الواقع. وهنا، قرّر كريستوف شوار أن يخصّص لمعادلته، موقعاً على الانـترنت، آملاً بأن يتولّى أمرها علماء الرياضيات في أنحاء العالم.


اتجاه ركائز البرج

يقـول باتريك ويدمن في هذا المجـال: «عملـت لمدة أربعة شهـور على حلّ معادلة شوار، ولكن من دون جدوى، فقد كان ذلك مستحيـلاً. والواقـع - يتابع ويـدمان - كان لا بد أن تكون المعادلـة خاطئة من أساسها». ولم يكتـف ويدمان باستـنتاجه، بل توجـه إلى ايوزيـف بينيـلز، البروفسور في التكـنولوجيا في جامعة ميشـغن، والخـبير في تحـليل علـم الرياضيـات، فجاء تأكيـده كالآتي : إن كـل الحلول الممكـنة، للمعادلة التي وضعها شوار، تؤدي إلى بناء يأخـذ شكـلاً مقعّراً، بينمـا الشكـل المعـروف لبرج ايفـل هو محدّب.
وقـرّر ويدمان أن يراجـع مخطـوطات غوستاف ايفل ويدرسـها بعمق. وخلُص في نهاية المطاف، إلى أنه، عندما وضع كريستوف شوار معادلته فهو لم يرتكز على المبادئ الفيزيائية التي اعتمدها ايفل. ويقـول ويدمان: وهكذا تبين لي أن اعتماد غوستاف ايفل اتجاهاً معيـناً في إنشـائه ركـائز البـرج الشهير، هو الذي عادل قوة الرياح، وليـس وزن البرج، كما كان يعتـقد شـوار. وقد أوضح ايفل في مذكراتـه أنه قام بحساب منحنيات الحروف الأربعة لركائز الـبرج وفقاً لقـوة الرياح. ويكون بذلك قد اعتـمد في عملـه طـرقاً حسابية متطـورة جداً. وسـوف نـحاول في هذا المجال إعطـاء تفسير مبسّط للمبدأ الذي سـار عليه ايفل في إنشـاء تحـفته المعـمارية:
لنأخذ ارتفـاعاً معـيناً من البرج. فوق مسـتوى هذا الارتفاع، يتغير تأثير قوة الرياح وفقـاً لمساحـة السطح المـعدني الذي تتـعرّض له هذه القوة. والمعروف أنه يمكن فيزيائياً، حساب حصيلة هذه القوى مجتمعة. فإذا كان اتجاه حروف الركائز المتقابلة - ودائماً على مستوى الارتفـاع الذي اعتمدناه - يتلاقى مع مستوى تطبيق حصيلة القوى الناتجة عن الريح، تنعدم قوة الرياح التي تجعل البرج يتمايل معها. وهكـذا، وجد ايفل أنـه يمكن أن يُلغي التأثير الأفقي لقوة الرياح، عن طريق عمليات حسابية، تبيّن له اتجاه الركائز الذي يجب اعتماده للوصول إلى تحقيق ذلك.
من هنا، كان ابتعاده عن كل العناصر القطرية (éléments diagonaux) في عملية البناء. وبالتالي، تمكّن ايفل من خفض مساحة المواد المعرّضة للرياح، والتخفيف من هيكلية البرج. ويقول ادريان بجّان، البروفسور في الهندسة الميكانيكية في جامعة «دوك» - الولايات المتحدة، أن غوستاف ايفل قد سبق عصره. فالمهندسون في تلك الفترة من الزمن، كانوا يجهلون تداخل هيكلية البناء مع قوة الرياح، إذ إن علم الهيدروديناميكا كان لا يزال في أول عهده، كما أن الطائرة لم تكن قد وُلدت بعد!

 

وقائع وأرقام

احتاجت عملية إنشاء برج ايفل الذي أصبح رمزاً لمدينة باريس، فترة سنتين وشهرين وخمسة أيام من العمل الشاق. وشارك في البناء خمسون مهندساً، وأكثر من مئتي عامل. ويصل ارتفاع برج ايفل الذي بقي لغاية العام 1930 أعلى برج في العالم، إلى ثلاثمئة وأربعة وعشرين متراً (مع الهوائي على قمّته). ويزن البرج عشرة آلاف طن. وهو يحوي مليوني ونصف مسمار مثنّى، مزروعة في هيكله، وفيه ألف وستمئة وخمس وستون درجة. يُعاد طلاء البرج، كل سبعة أعوام، وهي عملية تتطلّب في كل مرة، ستين طناً من الدهان. ومنذ افتتاح هذا البرج الشهير في العام 1989، استقبل أكثر من مئتي مليون زائر.

 

Science & Vie - Mars - 2005