من واقع الحياة

بعد الهواء والمياه والطعام...
إعداد: روجينا خليل الشختورة

هل يخطر ببالنا أن ما نرتديه قد يكون أيضًا مصدر أذى؟

تعتبر صناعة الملابس إحدى الصناعات الكبرى في العالم. وتشمل الملابس النسائية، والرجالية، وملابس الأطفال، والفتيات، بالإضافة إلى صناعة الفراء، والتطريز، والقبعات، والحلي، واللآلئ، والأحذية، وحقائب اليد النسائية، والقفازات، والأزرار، والمشابك، والزمامات السحابة، والملابس الداخلية، وملابس النوم، والملابس الرياضية وغيرها... فهل يمكن أن تكون هذه الصناعة سببًا لأمراضٍ عديدة قد تصيبنا؟

 

بثور وحكاك وبقع حمراء
إذا انتشرت في ثنايا ذراعيكَ فجأةً بثور حمراء تثير شعورًا بالحكة، فربما كانت سترتك الجديدة هي السبب. وإذا رأيت بثورًا تظهر وتتكاثر في منطقة الفخذ والأرداف بعد ساعات قليلة من ارتدائك سروالًا جديدًا، فلا بدّ أنه هو السبب. كذلك، إذا شعرت بحكة في راحتي قدميك ووجدت بقعًا حمراء منتشرة، فلا بدّ أن تكون جواربك الجديدة هي السبب.
يحتوي عدد من المنسوجات على مواد كيميائية كالبوليستر، الأكريليك، الأسيتات، والنايلون وهي مواد خطرة ومحظورة، يمكن أن تسبب حكة الجلد والحساسية إن لم تكن مثبتة بقوة في ألياف المنسوجات. تستعمل هذه المواد لتلوين الملابس، وتلافي تجعّدها بعد الغسل، وتسهيل كيّها.

 

نسبة عالية من مسببات السرطان في بعض الثياب
لتبيان هذه الحقيقة، قامت منظمة السلام الأخضر الدولية «غرين بيس» بتحقيق حول المواد الكيميائية الخطرة المستخدمة في الأزياء من ماركات عالمية معروفة.
وبعد نجاحها بالتوصل إلى الروابط بين مرافق تصنيع المنسوجات باستخدام المواد الكيميائية السامة وتلوث المياه، وسعت تحقيقاتها التي شملت 20 علامة تجارية مشهورة في مجال الأزياء.
لهذه الغاية تم شراء مجموعة من 141 قطعة من الملابس في نيسان الماضي من بائعين معتمدين في 29 بلدًا ومنطقة في العالم، بحيث أظهرت نتيجة التحليل وجود نسبة عالية من أمينات مسببة للسرطان في بعض الأثواب وبعضها يعود لاستخدام أصباغ «الأزو» (Les colorants azoïques)، كذلك تبين وجود أنواع عديدة ومختلفة من المواد الكيميائية الخطرة في المنتجات التي تم اختبارها.
وأشار التقرير إلى أنه من غير المقبول استخدام المواد الخطرة بطبيعتها، كالـ«الفثالات» (Phtalates) أو أصباغ «الأزو» التي قد تسبب السرطان من خلال إفراجها عن الأمينات.

 

آثار الاحتكاك
يتّسم التهاب الجلد الناجم عن الاحتكاك بالمنسوجات عادةً بأعراض متأخرة، مثل احمرار الجلد وانتفاخه وتقشره والاكزيما (مرض جلدي). فعادة ما تظهر هذه الأعراض بعد ساعات، بل وأيام أحيانًا، من احتكاك الجلد بهذه المواد.
وتزداد حدة الحساسية بفعل احتكاك الألياف بالجلد والعرق. ويمكن معالجة هذا النوع من الالتهابات الجلدية بصورة عامة، من خلال المرطبات أو المراهم التي تحتوي على «كورتيكوستيرويد». ويستلزم الشفاء منها حوالى ثلاثة أسابيع، وقد تعود هذه الحساسية إلى الظهور في حال احتكاك الجلد من جديد بهذه المواد.

أعراض تستدعي إجراءات سريعة
أمّا الحالات التي تظهر فيها أعراض الحساسية سريعًا فهي أقل شيوعًا، حيث أنّ هذا النوع من الأعراض يشمل ظهور البثور على الجلد والاحمرار والطفح الجلدي وحدوث مشكلات في الجهاز التنفسي والدوري، بل والإصابة بصدمة فرط الحساسية. وينصح الاختصاصيون باتخاذ إجراءات سريعة في حال ظهور تلك الأعراض، كخلع الرداء على الفور، وغسل الجلد جيدًا وتناول دواء مضاد للحساسية (بعد استشارة الطبيب المختص طبعًا)، وفعال في مقاومة حمى القش والطفح القراصي.

 

النساء معرضات أكثر
الجدير بالذكر أنّ المنسوجات التي تتسبب في التهاب الجلد هي أكثر انتشارًا بين النساء مقارنة بالرجال، نظرًا لارتدائهنّ ملابس ضيقة وملونة في أغلب الأحيان.
كيف نعرف إذا كانت الملابس التي نشتريها تحتوي على مواد سامة أم لا؟
غالبًا ما لا تتضمن العلامة التجارية لقطعة الثياب دليلًا عن محتوياتها، إذ أنّها تذكر البلد حيث تمت خياطة القطعة وليس ما يحتوي عليه القماش الذي صنعت منه.
وكلفة المنتج العالية ليست دليلاً قاطعًا على جودته وعدم احتوائه المواد السامة (كون كلفة استعمال الألياف الطبيعية في نسج القماش عالية). فقد بينت دراسة قامت بها الغرين بيس على خمسة عشر دار أزياء فرنسي وإيطالي، أنّ الماركات المعروفة والأكثر أناقة هي الأقلّ اهتمامًا باستمرارية الإقبال على منتجاتها. من هذا المنطلق، يُنصح باختيار الملابس المبيّن على علامتها التجارية أنها تحتوي على مواد غير سامة حتى لو كانت نادرة، كما ينصح بغسل الملابس الجديدة قبل ارتدائها علمًا أنّ ذلك لا يضمن تعريض بشرتنا للمواد السامة.