ستراتيجيا عسكرية

بعد مرور عام على سقوط العراق
إعداد: كمال مساعد

ما هو تأثير الحرب الأميركية على الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية؟

شكلت الحرب الأميركية على العراق سبباً لتبديل في العقيدة القتالية الإسرائيلية، ومناسبة لإجراء تعديلات جديدة على النظرية الأمنية والإستراتيجية العسكرية المعتمدة فيها. وذلك تماشياً مع المستجدات التي طرأت على الوضع الإقليمي بشكل عام والإسرائيلي بشكل خاص، حيث أن التطوّر التكنولوجي الذي تشهده نظم التسلح، وتأثيره على طبيعة الحرب الحديثة وشكلها وفنون وأساليب التخطيط وإدارة أعمال القتال، أضاف بعداً جديداً على مسرح العمليات شمل عمق الدولة وبنيتها الأساسية والعسكرية بما تحتويه من مراكز اتصال وسيطرة، وعقد مواصلات. وتركزت أهم اتجاهات التطوّر العسكري الإسرائيلي في مجالات رئيسية، ذات طابع يفترض أنه يحقق الردع الإستراتيجي البعيد المدى.

 

المتغيرات الطارئة

 ترتكز المتغيرات الى أمرين أساسيين هما:

 -­ تجربة الجيش الأميركي في الحرب واحتلال العراق. ­

- تغيّر دوائر الخطر الكلاسيكية التي تهدد أمن إسرائيل.

تتفق معظم الآراء الإسرائيلية على أن أهم التغيّرات في الرؤية الأمنية الجديدة التي تبلورت في الجيش الإسرائيلي، كان في قبول التوجه بأن دائرة التهديد الأولى الكلاسيكية إزاء الدول ذات الحدود المشتركة مع إسرائيل قد فقدت أهميتها. لذلك ثمة توجه الى إقامة جيش أصغر حجماً ولكن أقوى بكثير ومزوّد بشكل أكبر بالتكنولوجيا ومتلائم أكثر مع التهديدات، إضافة الى زيادة حجم الإنفاق العسكري، خصوصاً في مجالات الأبحاث التكنولوجية المتطوّرة والتصنيع الحربي كما في المجالات الإلكترونية واستخدامات الطاقة الفائقة القدرة والاستخدامات العسكرية للفضاء. أما تطوير نظم التسليح، فيرتكز الى الاستفادة بأقصى درجة من بعض عناصر مشروع الثورة في الشؤون العسكرية "RMAس الأميركي من خلال تفعيل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية" مع الولايات المتحدة الأميركية. وتشمل هذه النظم قواذف الليزر العالي الطاقة التكتيكيةTHEL  ، والقذائف والذخائر الدقيقة التوجيه PGM، وصواريخ الكروز ذات أنظمة التوجيه المتعددة، والصواريخ المضادة للصواريخ، والأقمار الصناعية العسكرية ذات المهام المتعددة. في هذا الإطار لا بد من التوقف عند أهم التطوّرات في مجالات التسليح والتصنيع الحربي، بالنسبة للقوات البرية الإسرائيلية، فهي تقوم بالتصنيع الكامل لدبابات "ميركافا" بأجيالها المختلفة حتى (ميركافا4 ) باعتبارها دبابة القتال الرئيسية للجيش الإسرائيلي، وأنظمة المدفعية الذاتية الحركة، ومركبات القتال المدرعة، وكل أنظمة التسليح والذخائر، بما في ذلك صواريخ المدفعية الثقيلة.

 

تأهيل قوات البر وثورة المعلومات

يدور الحديث الآن في إسرائيل عن قوات برية خاصة يتم تأهيلها للعمل بشكل اندماجي مع طائرات مقاتلة، وسيتم التشديد بشكل أكبر على تطوير أسلحة موجهة بدقة وطائرات بدون طيار تحمل صواريخ وتقوم بالتصوير من الجو. وقد تبيّن أنه إضافة الى تطوير وسائط وأنظمة اتصالها، فسرّ الحرب الأميركية يكمن في القدرة على الدمج بين القوات في الجو وعلى الأرض، وتسهم في ذلك أقمار صناعية وأجهزة سيطرة ومراقبة... فالدرس الذي قدمته الولايات المتحدة في الحرب حول الأفضلية التي يمكن تحقيقها بواسطة قوة فعّالة، هو أن قوة بمستوى كتيبة تعمل باندماج مع طائرات بدون طيّار ومروحيات قتالية، أنجع بكثير من فرقة عسكرية. المسألة الأخرى المطروحة في عقيدة القتال الجديدة هي أهمية المعلوماتية وثورة المعلومات في ساحة المعركة. فقد لعبت ثورة المعلومات في العتاد العسكري المستخدم في الحرب على العراق دوراً أساسياً وحاسماً، وذلك باستخدام أكثر من واسطة في هذا المجال، ما حقق أهم المطالب العسكرية في ميدان المعركة، وهي: ­

- معرفة الموقف المعادي في اللحظة نفسها بالنسبة لكل هدف وكل سلاح. ­

-  القدرة على إصابة الهدف بدقة كبيرة. ­

- سيطرة أنظمة القيادة المؤقتة على معظم وسائط التأثير الناري بشكل آلي ومركزي.

­التوفير في استخدام القوات البرية والجوية واستخدام المطلوب لتدمير الأهداف فقط. حيث أن الهجوم الأميركي على العراق يعتبر الحرب الأولى في عصر الثورة العلمية وهو يجسد النقلة السريعة في الأسلحة الذكية والحرب الرقمية مع تغيّر دراماتيكي في إدارة المعلومات. لذلك سوف تعطي إسرائيل أهمية كبرى لمسألة ثورة المعلوماتية في العتاد العسكري خصوصاً أنظمة قيادة القوات. وقد بدأ نائب رئيس الأركان الجنرال غابي أشكنازي بوضع خطة هدفها جعل التكنولوجيا على رأس سلم الأولويات في الجيش الإسرائيلي. مع ذلك فإن هناك رأياً آخر، يعتبر أن الدرس الأكثر أهمية للجيش الإسرائيلي من حرب العراق، هو مدى أهمية القوات البرية، بحجة أن الخطوة الأساسية الأميركية الحاسمة قامت بها القوات البرية... وأصحاب هذا الرأي لا يرون أن الجيش الصغير والذكي هو المهيأ للدفاع عند اللزوم، لذلك يتوجب على الجيش الإسرائيلي أن يتجدد كلياً على المستويات كافة ولا بد من تغيير جذري في تنظيمه وتسليحه.

 

مهام سلاح الجو

في ما خص القوات الجوية الإسرائيلية شكل قائد سلاح الجو الجنرال دان حالوتس عشرة طواقم لاستخلاص العبر والدروس مما جرى في حرب العراق، وأكد أن دمج القوة الجوية بالقوة البرية يولد قوة أكبر حجماً. وأضاف: لم نخطئ في تقديرنا للقوة الجوية، وإننا في الإطار المناسب لحجمنا، نمتلك في ترسانتنا الوسائل الأميركية ذاتها، بل نمتلك وسائل أخرى بمفاهيم معينة تجعل مكانتنا غير بعيدة عن المكانة التي وصل إليها سلاح الجو الأميركي.
وترى قيادة سلاح الجو أن التهديد المركزي الأكثر خطورة في السنوات القادمة، سيكون الصواريخ الباليستية التي تملكها دول المحيط، والتي تتوقع أن يكون بعضها مزوداً برؤوس متفجرة كيميائية وبيولوجية، وفي المستقبل غير البعيد نووية أيضاً. على هذا الأساس، فإن الجهد الأساسي في التطوير والتجهيز، سيوجه لمجابهة هذا التهديد. لذا اشترى سلاح الجو طائرات أف 16 ذات مدى بعيد لكي يصبح ممكناً مهاجمة أهداف في باكستان وإيران، ولهذه الغاية أيضاً سيتم تطوير طائرات من دون طيّار، تحمل صواريخ مبتكرة لتدمير المنصات المتحركة للصواريخ الباليستية، وستكون هذه الطائرات ذات خواص مراوغة، مزودة بمحركات سيلون، مع قدرة مكوث 60 ساعة فوق مناطق الإطلاق. وستحمل كل واحدة منها 10 صواريخ جو ­ أرض ذات سرعة عالية جداً، التي يفترض أن تدمر المنصات بعد تحديد مواقعها. وللتغلب على صعوبة مواقع المنصات المتحركة، سيتم تطوير وسائل حديثة، منها: مجسّات متقدمة ستستخدم في الطائرات من دون طيار، طائرات تجسس متقدمة وأقمار تجسس صناعية، ستطورها إسرائيل بنفسها كي لا تكون مرتبطة بالأقمار الصناعية الأميركية.

 

خطة إنعاش

تخطط القيادة الإسرائيلية حالياً لتنفيذ مرحلة جديدة من مراحل تطوير الجيش أطلق عليها إسم خطة إنعاش الجيش الإسرائيلي، تبدأ مع بداية عام 2004 وتستمر لمدة خمس سنوات. وتأتي هذه الخطة لترافق المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة وللإستفادة من دروس الحرب الأميركية وأخذ العبر منها. وكانت بداية تأثير حرب العراق ظاهرة في هذه الخطة من خلال قرار الحكومة الإسرائيلية تخفيض ميزانية الدفاع للعام 2004 بمقدار مليار شيكل. وقد ذكرت مصادر إسرائيلية أن رئيس الأركان الإسرائيلي بدأ التفكير بإجراء إصلاحات في الجيش الإسرائيلي قبل قرار تقليص الميزانية وقبل معرفة النتائج في حرب العراق، حيث تم تشكيل أربعة طواقم لدرس عملية التهديدات الإرهابية وأسلحة الدمار الشامل ومخاطر التسلّح النووي وبنية الجيش الإسرائيلي والقوة البشرية. وخطة انعاش الجيش الإسرائيلي تواكبها خطة أخرى يبلورها رئيس شعبة الاستخبارات السابق اللواء عاموس ملكا لتغيير هيكلية الخدمة العامة في الجيش، ويبدو أنها ستشمل مجالاته كافة. أخيراً مما لا شك فيه أن نتائج الحرب الأميركية على العراق ومنطقة الشرق الأوسط لم تتبلور بالشكل الكافي لمعظم دول المنطقة، وكذلك لإسرائيل بشكل خاص. وهذه التجربة سوف تتطلب من الجانب الإسرائيلي دراسة استراتيجية قد تستغرق زمناً طويلاً، بحيث تؤدي الى توصيات على الصعيد العسكري والأمني والإقتصادي، لكي تعدّل في الخطط المستقبلية للدور الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط الجديد، وفي مقدمتها تحديث وزيادة قدراتها العسكرية بالمفهوم الحديث، من خلال السعي للتفاعل مع الثورة في الشؤون العسكرية بشكل جاد وعملي، ومتابعة المتغيرات الميدانية والعملانية وتبعاتها على الكيان الإسرائيلي مستقبلاً.

 

 المراجع

 ­ العمق الإستراتيجي والأمن لدى إسرائيل، مركز الدراسات العربية 2003، دراسة إبراهيم عبد الكريم. - هآرتس 8/ 5/ 2003.

- ­ معاريف 21/ 3/ 2003. ­ مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، ملف الأهرام الإستراتيجي، يناير 2004. ­ المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، لندن IISS، الموقع على الإنترنت.

-­ هآرتس 27/ 3/ 2004.

-­ يديعوت أحرنوت 25/ 4/ 2003. ­

- العميد الركن المتقاعد تيسير حمزة: دراسة حول نتائج الحرب الأميركية على العراق من وجهة النظر الإستراتيجية، وأثرها على الصراع العربي الإسرائيلي (دراسة غير منشورة ­ سوريا) .