رحلة في الانسان

بـــــــين الضعف والقوة خيط رفيع يمكن تخطيه بسهولة
إعداد: غريس فرح

الضعف كما هو معروف، حالة مرادفة للحزن والاكتئاب واليأس. إنه نقيض القوة المتمثلة بالسعادة والمقدرة على تخطي المصاعب. مع ذلك، نرى أن الفاصل بين الضعف والقوة لا يتعدى كونه حيزاً غير مرئي بالإمكان تخطيه بسهولة فائقة. أما بالنسبة لكيفية تخطّي هذا الحاجز بنجاح، فما علينا سوى التعرّف الى مكامن نفوسنا، وتلمّس طريقنا عبر تفاعل معالم شخصيتنا مع البيئة من حولنا.

لإلقاء المزيد من الضوء على هذه الناحية الإنسانية البالغة الأهمية، كان من الضروري الإطلاع على ما تقوله الدراسات في هذا العدد ومنها ما جاء في كتاب "السعادة الأصيلة" للمعالج النفسي، وأستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا الأميركية مارتن سليغمان، إضافة الى معلومات مستقاة من آخر الدراسات التي أجريت في هذا المجال.

 

 معالم الشخصية هي الأساس

المعلومات التي بحوزتنا، والتي جمعت نتيجة أبحاث أجريت على مجموعات بشرية مختلفة، تؤكد أن الضعف والقوة، وبالتالي الحزن والسعادة، ما هما سوى وجهان متناقضان لكيان واحد. بمعنى أنهما يكملان بعضهما ضمن وتيرة التفاعل النفسي ­ الإجتماعي. من هنا الإعتراف السائد بأن طعم القوة يصبح أكثر لذّة إذا ما سبقه الإحساس بالضعف. وأن وهج السعادة يشع من سواد الحزن.

التجارب الحياتية إذن بشقيها الحلو والمر هي الركيزة الأساسية لبناء معالم الشخصية القوية. المهم أن نستفيد من هذه التجارب ونتفاعل مع معطياتها بإيجابية تؤمن نجاح القفز من الضعف الى القوة، ومن الحزن الى السعادة. يبقى السؤال: كيف نتخطى الضغوطات الإجتماعية والنفسية لنبني معالم الشخصية القوية؟

 

 الفضائل تمنحنا القوة

إن الإقتناع بفلسفة الدمج بين الضعف والقوة، وبالمقدرة على الإستفادة من الفشل للوصول الى النجاح، يمكّننا، في حال اتخذنا القرار بتجديد بناء شخصيتنا من أن نكتسب تدريجاً طرق عيش جديدة، وأن نتبنى بالخبرة والممارسة فضائل تمدنا بالمناعة ضد المصاعب وضغوطات الحياة. لقد حددت الفضائل المرادفة للشخصية القوية بصفات أهمها: الحكمة والمعرفة وضبط النفس والمحبة، لذلك فإن بناء هذه الشخصية يصبح مرتبطاً بتقنية بناء العلاقات الإجتماعية الإيجابية، وذلك بعيداً عن الجهل والإنفعال والحقد. والأهم التحلي بصفة عرفان الجميل وبالمقدرة على تبادل الود. أما السبب، فيعود الى أن المتحلين بهذه الفضائل، يجدون سهولة بالتقرّب من الناس وبالتالي بناء الصداقات، الأمر الذي يميّزهم عن سواهم، ويزيد من قوتهم وتأثيرهم في المجتمع.

واللافت أن مجمل الفضائل المشار إليها، والتي تتغلغل في النفوس بنسب مختلفة، تبدو للعيان من خلال صفات واضحة، تمنح أصحابها قوة استدراج الدعم الذي يحتاجونه لمحاربة لحظات الضعف.

فالمحبة مثلاً، تتجلى من خلال اللطف واللياقة والذكاء الإجتماعي. أما الحكمة فتنعكس عموماً بالتروي وضبط النفس إضافة الى المنطق والفكر التحليلي.

الى ذلك، قسّمت الدراسة المشار إليها المجموعات البشرية التي أخضعتها للتجارب، الى فئات منها الأطباء والصحافيين والفنانين وسواهم. وقد تبين أن الأقوياء والناجحين من كل فئة منهم يتميزون بصفات متشابهة.

فالإعلاميون مثلاً، تميّزهم الحشرية المهنية والإندفاع وحب الحياة. بينما يتصف الفنانون بحب المنطق والجمال والإنفتاح الإجتماعي. كما ثبت أن المقدرة على التعبير عن المشاعر والأفكار تشكل مصدر قوة وسعادة للأكثرية الساحقة.

 

 المهم أن نكتشف مصدر القوة

في هذا الإطار، يؤكد الدكتور مارتن سليغمان في كتابه "السعادة الأصيلة"، أن لكل منّا مصدر قوة قابع في نسيج طباعنا الفطرية، وفي إطار شخصيتنا الخفي. لذا من المهم أن نغوص في أعماقنا ليسهل علينا اكتشاف هذا المصدر وتسخيره من أجل بلوغ السعادة بنسب مختلفة.

والسعادة كما يراها ثلاث أنواع هي: السعادة الآنية النابعة من النشاطات المرحلية المقترحة، والسعادة المقرونة بالرضى عن وتيرة الحياة اليومية، والسعادة العميقة أو "الأصيلة"، وهي المعنية بالإهتمام، كونها شعور إيجابي تعمّقه التوجهات الذاتية المثمرة والمفاهيم الحياتية الثابتة.

ويلفت سليغمان الى دور الجينات الوراثية في تكوين الطباع، وإضفاء صفة المرح والتفاؤل والقوة على البعض، والحزن والتشاؤم والضعف على البعض الآخر. إلا أن ذلك برأيه لا يعني أن المتشائمين يتسمون عموماً بالضعف والحزن والتخاذل، بل على العكس أحياناً. فهؤلاء قد يستمدون من تشاؤمهم قوة حماية طبيعية لمواجهة المصاعب. بمعنى أن قلقهم قد يكون حقاً طبيعياً ومنبع قوة، شرط أن لا يصل الى حد المبالغة المرضي، أو الرؤية السوداوية الدائمة.

على كل، فالتجارب الصعبة، والتي تثير فينا الخوف والحزن، تكون كما سبق وذكرنا، ضرورية لبناء الشخصية الإجتماعية القوية. فهي بالرغم من أنها تشحننا بالأفكار السلبية أحياناً، فقد تتحوّل في اللاوعي الى آلية تحدٍ تهيئنا للانطلاق من جديد بعزم أكبر. اما في حال شكّلت عقبة تمنع البعض من متابعة المسيرة، فهذا يدل على أن المعنيين بالمشكلة يحتاجون الى دعم إجتماعي إستثنائي، أو الى مساعدة إختصاصيين في الحقل النفسي.

نعود هنا لنشدد على أهمية بناء شبكة العلاقات الإجتماعية، وذلك من منطلق معالم شخصية نعيد حبكها بقوة الإرادة. وهذا لا يتم إلا من خلال ممارسة أساليب حياة تربطنا بعمق ذواتنا، وتمدنا بالسعادة الحقيقية الأصيلة. وغني عن القول أن هذه الأساليب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحـب العمل والعـطاء والإنتاج، بالإضافة الى المقدرة على الإنفتاح والتعبير عن المشاعر، من أجل التخلص من سلبـيات الكبت والحقد والحزن. عندها نتمكن من رؤية النصف الملآن من الكأس بدلاً من النصف الفارغ، ونصبح جديرين بالاستمتاع بقوة السعادة وسعادة القوة.

 

 سلامة البيئة

إعداد: الدكتور إلياس الشويري رئيس لجنة النقل البري في منظمة السلامة العالمية وممثل المنظمة لدى الأمم المتحدة

 

 بانتظار وصولها الى بلادنا فلنهتم بصيانة فلتر الهواء

 "سيجواي" درّاجة نموذجية قد تغيّر مفهوم النقل في المدن

 أثبتت دراسات عدة في أوروبا أن ركاب السيارة هم الأكثر عرضة ­ بمعدل يصل الى ثمانية أضعاف ­ لاستنشاق غازات ضارة وأتربة، مقارنة بالمارة في الشارع. ونصحت هذه الدراسات بعدم إهمال تغيير الفلتر الذي يمر من خلاله الهواء الى داخل السيارة كل  20 ألف كيلومتر على الأكثر، أو  10 آلاف كيلومتر في المدن المزدحمة والتي تُعدّ أكثر تلوثا!ً

 يقوم الفلتر بتنقية الهواء الداخل الى السيارة عبر جهاز التهوئة أو التكييف من الذرّات الضارة العالقة بالجو، حيث يمنع تسرّب الغبار والرمال، وخصوصاً ذرات حبوب اللقاح التي تتطاير من الأزهار والتي تتسبب في أمراض الحساسية والسعال وإيذاء مرضى الربو.

 كما ينصح الخبراء أيضاً بتغيير فلتر الهواء، لأن العناصر الضارة والملوثة التي يحتجزها الفلتر تسبب في سد ثغراته الصغيرة جداً، مما يؤثر في كفاءة عمله، ومن المهم إجراء فحص له عند إجراء الصيانة الدورية للسيارة.

 لكن التكنولوجيا تقدم مزيداً من الحلول للحد من مخاطر التلوّث الناجمة عن استعمال السيارة، ففي الولايات المتحدة الأميركية تمّ إبتكار دراجة حديثة صديقة للبيئة أطلق عليها اسم "سيجواي". سوف نعرض في التالي ميزات هذه الدراجة وخصائصها.

 تعتمد "سيجواي" على تقنيات الطيران، وتُعتبر وسيلة نقل نموذجية ! ومن المتوقع أن تُغيّر من فلسفة النقل داخل المدن ­ إذا ما نجح هذا المشروع ­ الذي من شأنه أن يخفف من استخدام السيارات ووسائل المواصلات الأخرى في المدن المزدحمة، لتحل محلها هذه الدراجة التي يمكن استخدامها فوق الأرصفة وداخل ممرات المشاة، لعدم تعريض مستخدميها للخطر إذا ما اختلطوا بالسيارات المسرعة في الشارع.

 "سيجواي" هي أحدث وسيلة نقل، سهلة، مريحة، وتُحقق الأمان لمستخدمها وتعتبر ثورة في عالم المواصلات، فهي لا تُشبه الدراجات العادية ولا الدراجة البخارية، لكنها وسيلة تنقل شخصاً واحداً، وتتميز بالسرعة المعتدلة التي لا تزيد عن سرعة الشخص العادي عندما يركض أكثر من ثلاث مرات. وتبلغ سرعتها القصوى 5.12 ميل في الساعة ووزنها  38 كيلوغراماً. وتعتبر صديقة للبيئة، فهي وسيلة نقل نظيفة تستخدم الطاقة الكهربائية ويتم شحنها لتسير لمدة ست ساعات كاملة. وقد تم تزويدها بجهاز يقوم بالتعرّف على "كود" الكارت المشفّر الخاص بصاحبها لمنع السرقة، ولا يمكن أن تسير بدونه.

 تتكون "سيجواي" من عجلتين كبيرتين ويد رأسية لتوجيهها، وترتكز هذه اليد على "شاسيه" ممهد للوقوف أثناء القيادة. ولمنع السقوط عنها، تم تزويدها بمحركين وبطاريتين وجهازي كمبيوتر وخمس وحدات توازن تُسمى "جيروسكوب" الذي يعتبر واحداً من أهم الأجهزة الملاحية المعتمدة جواً للإحتفاظ بالطائرة في وضعها الأفقي الموازي للخط الملاحي من دون إنحراف أو خطأ.

 وبفضل هذه التقنيات، يمكن التعامل مع "سيجواي" وكأنها امتداد طبيعي لجسم مستخدمها، فما عليه إلا أن يقف ويُمسك بيد التحكم، وبمجرد أن ينحني نحو الأمام تبدأ الدراجة في التحرك. وكلما زادت درجة الإنحناء للأمام تستشعر الموصلات الإلكترونية درجة الميل، ويقوم الكمبيوتر بتحديد السرعة المناسبة، وتعمل مجموعة "جيروسكوب" على حفظ التوازن. ووفقاً لوزن قائد الدراجة ودرجة الإنحناء يُعطي الكمبيوتر أوامره بالسرعة المناسبة التي لا تتسبب في السقوط، ويمكن توجيه الدراجة يميناً أو يساراً بعصا التحكّم، وهي تتوقف بمجرد الوقوف باعتدال دون إنحناء، وبمجرد الإنحناء للخلف وسحب عصا التحكّم تبدأ في السير للخلف.

 والجدير ذكره أنه تم تصنيع نموذجين من هذه الدراجة في الولايات المتحدة الأميركية، أحدهما للأفراد العاديين بمبلغ ثلاثة آلاف دولار أميركي، والآخر لرجال البريد والشرطة المحترفين وتُباع بسعر ثمانية آلاف دولار أميركي للدراجة.

 هل ستصل هذه "التقنية" يوماً ما الى بلادنا؟ وهل سنصل الي اليوم الذي تكون فيه "البيئة" من أولوياتنا فنسعى بشتى الوسائل الممكنة للمحافظة عليها للعيش بأمان وأخذ نفس عميق من دون خوف أو هلع من هذا الكابوس الفظيع الذي يدعى "التلوث"؟...

 

أفكار متنقلة

 عفوَك يا حمار!

هنـاك نوعان من الحمـير. النـوع الذي يقـع في الحفرة و"يُتَنْحِر"، رافضاً الخروج منها، ربما حتى لا يقع فيها مرة ثانية، فيشمت به أحدُنا بالقـول: أرأيتـم هذا؟ ! حمار يقع في الحفرة ذاتها مرتين!!

وهنـاك النوع الآخر، النوع الأصيل، الواثق من "حمرنته"، الذي يخرج من الحفرة، ولا يقع فيها ثانية، طوال حياته.

وفــي كــل من النـوعـين، فإن الحـمار يحرص، من دون أن ينبهه أحد، على ألاّ يقع في الحفرة ذاتها مرتين.

فــيا عزيزي الحــمار. أقدّم اعــتذاري مـرتـين. منك ومـن بني جنسـك، عنّي وعـن بني جنـسي، لاتهامنـا إيـاك مـنذ أن ولـدت البـشرية، بأنك الأغبى. فقد كنـت تعلــم مـنذ البـداية، أن معـظمنا يقـع خمســين مـرة في الحـفرة ذاتهـا، حتى لـو بـقيت تصـرخ ­ لغـير الحـمير طبـعاً ­، إنتـبه ­ خـطر الوقـوع.

 

 الإصبع المرفوع

 في المجتمع المتخلّف، يرفع الفرد إصبعه، لا ليعترض أو ليستفسر، بل ليختبئ وراءها، أو في أحسن الأحوال، لكي ينصب فخاً للآخرين حتى يقعوا فيه أو... عليه.

 

 المسكين

 قالوا: "المسكين مات وهو وحيد". فهمست روحه وقالت: "مساكين، يعيشون وهم يشعرون بالوحدة". أن يكون المرء وحيداً لا يعني بالضرورة أنه يشعر بالوحدة. فالإحساس بالوحدة حالة نفسية، تولد من الفراغ العاطفي أو الفكري أو من الإثنين معاً، وقد لا تتأثر إطلاقاً بالوضع الإجتماعي للشخص. فكثيرون هم المبدعون الذين يعيشون باكتفاء ذاتي مع إبداعهم. وكثيرون هم الأشخاص الذين يحيطون أنفسهم بنصف سكان العالم ويتوقون مع ذلك الى النصف الآخر، علّهم يجدون فيه الشخص الذي يفهمهم ويصادق مشاعرهم، فيبعد عنهم ألم الإحساس بالوحدة. وفي اعتقادي، أن الوحدة المؤلمة هي التي تضرب نفوسنا، لا الجسد.

 

 المشهد

 يظـهر "مجتمعنا"، وقد أقعـده التـخلّف، وجعله مِسخاً أصمّ وأعـمى. ثم يتـقدّم بزهـو وكبرياء، وهو يرسم ابتسامة عريضة، على ما تبقّى له من شفتين، ويقول:

 ­- "بالحقيقة، أنا لم أخسر شيئاً، فالجهل لم يفقدني لساني، وهو الأهم". وفجأة، يصمت "مجتمعنا"، وكأنه نسي النصّ الذي أملوه عليه. ثم، وفي نقلة نوعية مباغتة، وبعد أن "ينكعه" العنفوان في ساعده، ليُصَحْصِحَ ويتابع دوره في الإعلان، ينتفض "مجتمعنا"، وينطق لسانه بصوت متمرّد:

 -"أنا ما زلت على موقفي السابق، من الفاشل، الجاهل، المتخلّف، عديم الأخلاق، الذي سرق مني مرّة أخرى، لقب أبرز شخصية لهذا العام"!!.

 وهنا، ينتهي المشهد مع "مجتمعنا"، لتظهر الدلّوعة الغنّوجة، المسحوبة من لسانها، فتعلّق بلسانها المعلّق بين فكّيها لمقتضيات الدلال، وتُعلن:

 ­-“لا بديل عن لسـان "مجتمعنا" ! لسـان "مجتمـعنا" صناعة وطنية. مقاوم للفكر والعقل، مضادّ للحوار، لا ينطق أبداً بالحق ! و... جديدنا لهذا العام... لسان لـ"مجتمعنا"، ينعقد تل... قا... ئياً أمـام الحقـيقة ! استـعمالاته متـعددة، يدور في الفـم بسـرعة قياسـية، تتـناسب مع آخر حلقـات النمـيمة، وجلـسات النقـيق والبقـبقة. متـوفّر بكميات كبيرة. فشـعارنا الـدائـم... أجـيالنا لسـان حالـنا".

 انتهى الإعلان.

 ونعود بعد هذه الوقفة الإعلانية، لنتابع سيداتي سادتي، أفكارنا المتنقلة.