إنتخابات ٢٠٢٢

بقوة الالتزام والمسؤولية... نجحنا
إعداد: ريما سليم ضوميط

الزمان: صباح الأحد في الخامس عشر من شهر أيار.

المكان: شوارع لبنان في مختلف مدنه وقراه.

المهمّة: حفظ أمن الانتخابات النيابية.

مهمّةٌ نفّذها عناصر الجيش اللبناني إلى جانب القوى الأمنية الأخرى بدءًا من ظهر السبت حتى صباح الإثنين، وقد تكلّلت بالنجاح. هذا النجاح كان مبيّنًا إدراك العسكريين بمختلف رتبهم لمسؤوليتهم الوطنية، وعلى الجهوزية التامة والمناقبية والانضباط إلى جانب الدقة والاحترافية في تنفيذ تعليمات القيادة.

 

منذ مساء السبت، بدأ الجيش اللبناني تعزيز انتشاره في مختلف المدن والقرى اللبنانية لحفظ أمن العملية الانتخابية وضمان سلامة إجرائها. وقد زرعت الآليات العسكرية الشوارع والساحات، فيما باشر العناصر تحرّكهم الميداني. وبعد ليلةٍ افترش خلالها العسكريون أرض المراكز الانتخابية، كان عليهم النهوض فجرًا وإخلاء المباني التي شغلوها، استعدادًا للانتشار في الخامسة صباحًا ضمن مسافة 50 مترًا من مراكز الاقتراع.

 

بنشاطهم المعهود انتشروا، ومن تسنّى له مشاهدة اندفاعهم الصباحي وحماستهم لتنفيذ مهمتهم، ظن أنهم آتون من منازلهم بعد نومٍ عميق في أسرّتهم الدافئة، ولم يكن ليصدق أن عيونهم بالكاد عرفت النوم في الليلة السابقة وأنّ أجسادهم لم تعرف الراحة.

 

المهمة التاريخية

على أي حال، فإن الراحة ليس لها معنًى في قاموسهم، المهم بالنسبة إليهم أن ينجحوا في تنفيذ المهمة المسندة إليهم. وهذا النجاح لا يمكن أن يتأمن إلا من خلال الانضباط الكامل، والتزام التعليمات الدقيقة والواضحة التي أعطيت لهم. فكل واحد منهم يدرك أنّ دوره يؤثر على أدوار سائر من في المؤسسة، وأي خلل قد يطيح بجهود المجموعة. كما يدرك كل واحد منهم أهمية مهمة حفظ الانتخابات النيابية وحساسيتها خصوصًا في الظروف التي يمر بها لبنان، وأنّ الرهان محليًا ودوليًا معقود عليهم لإنجاح هذا الاستحقاق. لكل ذلك الخطأ كان ممنوعًا، ليس فقط بقوة القانون العسكري الصارم، وإنما بقوة الالتزام والمسؤولية الوطنية. وهذا ما عكسته أجوبة من تحدّثنا إليهم.

 

شهادات عسكريين

يتحدث المؤهل حجار بفخر واعتزاز عن مشاركته في هذه «المهمة التاريخية، مهمة استثنائية بكل المقاييس» حسب قوله. ويضيف بنبرة واثقة: «وحق الرب عسكرنا ما في متلو. ما شفت واحد تعبان، كلّو سنكة طق، نايمين السبت بمراكز الانتخاب، الأحد الصبح كلّو حالق دقنو مرتب، هندام كامل، وقفة بترفع الراس. خلص الأحد وخلص التنين وكلو ذات الجهوزية والترتيب والبسمة على وجو. نحنا بحقّلنا نفتخر بعسكرنا».

 

نسأل المعاون أول صليبا عن تجربته في هذه المهمة الطويلة والحساسة، خصوصًا أنه من عديد قطعة إدارية فيجيب: «في النهاية نحنا عسكر، العسكري ما بيسأل، بيعمل واجباتو تجاه وطنو، هيك تربّينا. الوضع المادي صعب صحيح، لكنه صعب على الجميع مش بس عالعسكريين. نحنا منعرف إنو الشعب حاطط أملو وثقتو فينا، ومش ممكن نخيّب أملو. رفاقنا حميو لبنان بدمن، مش كتير نتعب تا نعمل واجبنا. الناس بتحبنا وبتقدرنا، كل النهار ونحنا نسمع منن كلام بيخلينا نفتخر ونندفع اكتر. ولمن خلصت الانتخابات وسمعنا القائد عم يهنينا نسينا كل التعب».

 

للمعاون سماحة كلمة أخرى يختصر بها تعب ثلاثة أيام تقريبًا إذ يقول: «إذا ما ضحينا كرمال لبنان مين بدو يضحي؟ نحنا حالفين يمين... بكل الأحوال نحنا معوّدين، ضلّينا شهور بالشوارع نحمي أمن المظاهرات وما قصّرنا، مش ممكن نقصّر بمهمة كل العالم عم يراقب إذا رح فينا نقوم فيا».

 

كانوا وسيظلّون أوفياء

طوال انتشارهم أمام مراكز الاقتراع، كانوا يراقبون الشاردة والواردة للتأكّد من عدم حصول أي خللٍ. وكانت عيونهم ترصد كالصقور صفوف المقترعين الطويلة غير غافلةٍ عن أبسط التفاصيل التي يمكن أن تؤثر على سلامة الانتخابات. وفيما كانوا يراقبون الحشود، أصبحوا هم أيضًا محط أنظار الناخبين، وقد سمعوا الكثير من التعليقات التي تؤكد ذلك: «يعطيكم العافية»، «الله يقويكم ويديمكم بهمتكم»، «إنتو فخر هالوطن» وهي عبارات اعتادت آذانهم على سماعها، ومع ذلك فهي لا تزال تفعل فيهم فعلها السحري، ربما لأنّها تذكّرهم بأنّ أبناء الوطن كانوا وسيظلون أوفياء لحُماته، الأمر الذي يزيدهم زخمًا واندفاعًا لتأدية الواجب.

 

ما بين مساء السبت وليل الأحد، ساعات طوال قضاها العسكريون في السهر على أمن الانتخابات النيابية. لا الظروف الاقتصادية السيئة حدّت من همتهم، ولا الشمس الحارقة والازدحام الشديد تسببا لهم بالتلكؤ. كان اندفاعهم ومناقبيتهم وإخلاصهم للقَسَم العناوين الرئيسة لمهمتهم، وكانت محبة الناس لهم السلاح الأقوى ضد الإرهاق والتعب. وفي آخر النهار، الذي شهد تعاونًا تامًا بين العسكريين والمواطنين، وبعد أن تأمنت سلامة انطلاق صناديق الاقتراع بالآليات العسكرية، عاد عناصر الجيش إلى الثكنات والمنازل بانتظار غدٍ جديد ومهماتٍ جديدة يثبتون من خلالها وفاءهم للقَسَم وتفانيهم في خدمة الوطن.