البطولة ملء الساحات

بهاء البطولة

يظل الكلام كلاماً.. وتظل الصورة صورة، أمّا نبض المعركة الحقيقي فأمر آخر، أمر أين منه بلاغة الكلمة ووضوح الصورة؟
هناك حيث البارود والنار، حيث الغبار والحمم، وحيث الخطر مقيم في كل لحظة وحركة...
هناك الأيام بنهاراتها ولياليها تسير بإيقاع محموم واحد:
بطولـة، عرق ودم، ورجال للوطـن نـذروا أنفسهـم، زادهم العـزم والايمان والنخـوة. رجـال يحترفـون الشجـاعة والنبـل والتضحية.
في ساحة المعركة زند واحد وقلب واحد هم. مشاة، مغاوير بر وبحر، مجوقلون، رماة مدفعية، طيارون وبحارون، ضباط قادة، رتباء وجنود كلهم في الميدان سلاح واحد، رجل واحد.
بالعزم  إياه يسقط الشهيد ويقاتل المعافى منهم والجريح. وبالإقدام إياه يجوبون ساحات الوغى. الشجاعة لغة يتقنونها ودمٌ يغلي في عروقهم، وإذا تكلموا فبصوت واحد وصرخة واحدة: حياتنا فداء للبنان.
باهت أي كلام؛ ناقص أي وصف؛ ما تراه أو تسمعه في جنبات نهر البارد قرب أولئك الرجال، هو بهاء البطولة بعينها، هو سمو الرسالة ورهبة الايمان.
بأي كلام يوصف طهر شهيد كتب وصيته ومضى الى واجبه باسم المحيّا مرتاح  الضمير؟
بأي كلام يمكن وصف عسكري بلغه نبأ استشهاد شقيقه، فحبس دمعته وتابع القتال بطلاً صنديداً؟
هل للقلم أن يرتقي الى ما في قلوب هؤلاء الأبطال الذين كلما سقط في صفوفهم شهيد أو جريح باتوا أشرس وأصلب وأكثر ثباتاً؟
هل للمخيلة أن تلامس حدود اندفاع عسكريين يرفض الواحد منهم مأذونية نقاهة فـ«يتمرد» على أمر قائده ويظل في ساحة الخطر، أو يعود اليها فور تضميد جراحه؟ مئات العسكريين كانت هذه حالهم. الاستشهاد أهون لهم من ترك رفاقهم في ساحة المعركة.
وبعد، هل يمكن لجيش سوى جيشنا أن يلتزم مناقبيته العالية في أبهى تمظهراتها ووسط أحلك الظروف؟ المناقبية التي جعلت عسكريينا يدفعون غالياً ثمن التزامهم الحفاظ على حياة المدنيين وممتلكاتهم، وقد جعلهم الارهابيون دروعاً يحتمون بهم؟
هؤلاء المشتاقون الى عيالهم وأولادهم وقد اشتاقت لهم في البيوت مطارحهم، هؤلاء يرون في كل مدني وبريء وجوه أطفالهم وأهلهم ومن يحبون. إنهم مثال المناقبية.
هذه المناقبية التي لم تفسح مجالاً لسؤال أو تذمر أو شكوى.. وهذه المناقبية التي تجعل جيشنا في ساحة الواجب نموذجاً رائعاً للتماسك والتلاحم والتفاني بينما الوطن ساحات للتشرذم والانقسام.
عسكريونا الابطال الذين يعرفون الواجب الوطني ساحة وحيدة، ها هم هناك منذ أسابيع يتعمدون كل لحظة بالعرق والدم، لا حدود لتضحياتهم، ولا بطولة تضاهي بطولاتهم.

ا.ن.ت