سياحة في الوطن

بيصور
إعداد: باسكال معوض بو مارون
تصوير: فادي البيطار

تشرق الشمس على لبنان وأول ما تفعله هو تقبيل وجنات بيصور... حيث تتسلل أشعتها بين أشجار الصنوبر الباسقة...
أما إذا قبّلت نهرها فهي تتلألأ على صفحة المياه ماساً وياقوتاً بآلاف الألوان البرّاقة...

الشمس تقبّل وجناتها ومياهها والصنوبر عين على البحر واخرى على الجبل

 

موقع وحدود

يقال أن أصل الاسم سرياني وهو بيت ياصر أي مكان الخزاف أو صانع الفخار الذي كان منتشراً في المنطقة منذ وقت طويل، وقد يعني الاسم السور، فالبلدة كانت محاطة ومسوّرة بأشجار الرمان التي اشتهرت بها.
ويعود تاريخ بيصور الى عهد التنوخيين وكان أحدهم قاضياً وهو زين الدين التنوخي الذي تفرّعت منه عائلة القاضي وهي أُولى العائلات التي سكنت بيصور.
بيصور بلدة في محافظة جبل لبنان تقع على سفح صنوبري يعلوها كالحاجب فوق العين على إحدى تلال سلسلة جبال لبنان الغربية، عين ترقب البحر غرباً وشموخ الجبال شرقاً. ويقال أن بيصور هي أول بلدة في لبنان تشرق عليها الشمس نظراً لموقعها الاستراتيجي شمسياً.
شتاء بيصور معتدل، صيفها لطيف ومنعش، ربيعها دافىء ومزهر وخريفها ورشة عمل دائم.
يحدّ بيصور من الشرق مجدليا ومن الغرب عيناب أما شمالاً فبلدتا كيفون وسوق الغرب وجنوباً بلدة قبرشمون.
وتزخر البلدة بالماء والينابيع ومنها: عين القميم، عين الضيعة، عين الشكارة، عين كريم، عين المجد، عين السمر، عين الجوانية، عين الوادي، عين السراج وعين بيت شمّا إضافة الى ينابيع خاصة عدة.
ومن آثار البلدة قاعتان قديمتان، إحداهما لمشايخ آل الضاهر يعود تاريخ بنائها الى ما يقارب الالف سنة، والاخرى قاعة بيت القاضي التي يعود تاريخها الى عهد التنوخيين وتحتوي على نقوش في الحجر كما تضمّ مجلساً من مقاعد حجرية عدة.


مزرعة تنوخية

على تلة في خراج البلدة مزرعة شطرة التنوخية القديمة والتي توارثها الأمراء التنوخيين كإقطاع لهم. وكانت هذه المزرعة ذات قيمة زراعية غنية في أسفلها. أما السفح حولها فكان يزرع فيه الزيتون والكرمة وبعض أنواع الفاكهة التي لا تحتاج الى وفرة في المياه.
غربي التلة منخفض تبلغ مساحته حوالى 4 آلاف متر مربع كان مستودعاً لمياه الشتاء، حيث كان يستعاض بهذه البركة عن قلة الينابيع، فالبركة كانت مشرباً للأبقار والماشية ومجمعاً مائياً لقضاء حاجة السكان والري.
أما مياه الشرب فكانت تنقل من بير شطرة وعين شطرة. ويقال بأن مياه هذه البركة كانت تستعمل لتنظيف الذهب من شوائب المعادن والأتربة، لأنه يقوم على جانبها مرتفع صخري فيه جلول تسمّى حتى اليوم "جلول الذهب".
وفي البلدة مثل شعبي يردده الأهالي عن أي إنسان لا يتطوّر في حياته، فيقولون: "متل عين شطرة لا بتزيد ولا بتنقص"، فهي لا تغزر في الشتاء ولا تشحّ في الصيف، وتقع هذه العين على طريق مجدليا، وتصب في بركة قديمة البناء.

 

على تخوم بيصور

معيسنون المتاخمة لبيصور قديمة العهد، فقد دخلها العرب في فتوحاتهم للشواطىء الشامية، وكانت على ما يذكر بعض المؤرخين مأهولة قبلهم.
وعند قدوم التنوخيين من حلب الى هذه المنطقة لحماية الثغور الشامية، وتمركزهم في جبال بيروت، في الموجة الأولى سنة 758 والموجة الثانية سنة 820 م. توزعت العشائر على قرى عدة في الداخل، منها ما كان خالياً من سكانه السابقين ومنها ما أقامته وأنشأته. وقد سكنت معيسنون جماعة من التنوخيين فأقاموا فيها ابنية جديدة، وكانوا على اتصال بتنوخيي المنطقة في علاقات اجتماعية متعددة.
وفي اوائل القرن الحادي عشر سكن معيسنون الأمير زعزاع بن معضاد من بني فوارس، وزوّج إحدى بناته الى ابن شيخ شملان، والثانية الى أحد أبناء فلجين مقر الأمير أبي الفوارس معضاد.
وكانت معيسنون ممراً هاماً جداً يصل الجرد بالشاطىء مختصراً المسافات، عدا أنها كانت مبركاً قرب الماء للجمال والماشية واستراحة للمسافرين.
ويرجح ان معيسنون لم تكن موجودة قبل الفتح الإسلامي لخلوها من أي أثر قديم يدل على وجود روماني أو كنعاني.
وقد ذكر أحد المصادر أنه جرت في معيسنون معركة بين القوات الإسلامية والروم ذهب ضحيتها عدد كبير من هذه القوات حتى سميت عين المنطقة ب "عين الشهداء".
وإذا كانت هذه المعركة حدثت حقيقة، فليس من الضروري أن تكون معيسنون مأهولة بالروم، وهو أمر مستبعد لأن الهجرات العربية الى المنطقة سبقت بقرون عديدة الفتح العربي.
تعرّضت معيسنون للتخريب مرات عدة، فقد كانت طريق القوافل والحملات أيام التنوخيين بعد تسلّمهم بيروت ومهاجمة جبالها وقراها من قبل الصليبيين، ثم أيام المماليك حين مرّت فيها القوات المملوكية الشامية بعد تدمير كفرعميه متجهة الى كفرة ثم كفرفاقود، ثم إبان الحملة العثمانية ضد الأمير علي علم الدين سنة 1638.
ويعتقد أن دمارها النهائي كان في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر أثناء النزاعات القيسية اليمنية. والتاريخ لا يذكر أسباب خرابها ولا تاريخها، لكن تراجع البلدة وتفككها بدأ بعد انقراض بني فوارس السياسي في منتصف القرن الثاني عشر، بعد ذلك توارثها التنوخيون حتى انقراضها التام.
عين معيسنون غزيرة وما زالت البركة القديمة البناء محافظة على أثرها، فيها بعض الحجارة المنقوشة، لا سيما باب مخرج الماء منها. والى جانب البركة أجران حجرية كانت تسقي المواشي مع الميزاب الحجري الأثري.
الى الجهة الغربية من العين، يقوم ميدان الفروسية حيث كانت تجري مباراة ركوب الخيل  واستعمال الجريد والسباق والتفنن بأشكال الفروسية. وهذا ما كان معروفاً جداً عن بني فوارس الذين سكنوا معيسنون. يبلغ طول الميدان حوالى 300 متر وعرضه حوالى 50 متراً.

كان أهالي معيسنون يعتمدون على أشجار الفاكهة والخضار لوفرة الماء فيها، علاوة على كروم الزيتون والتين والعنب التي كانت تزرع في جلول ما زالت ظاهرة حتى يومنا على السفوح. فالتربة الرسوبية في سهلها غنية كثيرة الغلال. ووفرة الأبنية المهدمة فيها، دليل على أنها كانت قرية عامرة بساكنيها. وسبب عمرانها أن أرضها الزراعية قريبة منها في السهل المنبسط من الشرق الى الغرب وعلى أطرافه.
وقد عرف التنوخيون قيمة المنطقة الزراعية والستراتيجية فأقاموا فيها منازلهم وحدائقهم وميدانهم الفروسي.

 

حاضر البلدة

عن بيصور البلدة اليوم تحدث رئيس بلديتها أمين ملاعب، فقال:
تشتهر بيصور بإحدى تلالها التي تُسمّى "محلة الرادار" وهي قمة عالية تشرف على بيروت وقمم جبال لبنان والجنوب، وتزخر بأشجار الصنوبر والسنديان العتيقة. هذه التلة أصبحت ملاذاً ومتنفساً طبيعياً لأهالي البلدة، لما تحويه من مناظر طبيعية خلابة وجلسات هادئة في الظلال.
أما في الناحية المنخفضة للبلدة فيجري نهر بيصور الذي يحافظ على غزارة مياهه صيفاً وشتاءً، وقد أُقيم على ضفافه مشروع سياحي ضخم يضمّ مطعماً ومنتزهاً وغرفاً للتخييم للعائلات وبركاً صغيرة للسباحة. كل ذلك في جوّ طبيعي ومناظر خلابة.
تشتهر البلدة بالزيتون وكروم العنب والتين،  وتنتشر فيها زراعة الفاكهة الصيفية على أنواعها.
صناعياً، بفضل زراعة الزيتون أصبحت البلدة مرتعاً لمعاصر الزيت المميز. أما تميُّز أبنائها الفنانين فقد جعلها تزخر بمعامل الحجر والنحت.
ومن الصناعات أيضاً، تقطير العديد من الأعشاب الطبية كالقصعين، وصناعة خل التفاح والعنب والزبيب والكشك والزعتر والفاكهة المجففة والمونة على أنواعها.
ومن الناحية الثقافية والتربوية تضم بيصور مدارس عدة منها: الهدى، النجاح، الحديثة، وتكميلية بيصور الرسمية، وثانوية بيصور الرسمية. وفي البلدة رابطة ثقافية رياضية تأسست في العام 1961 ولها نشاطات عدة.
وقد أقامت الرابطة مكتبة عامة على مساحة تبلغ 350 متراً وهي تضم صالة للمطالعة وقسماً للأدوات السمعية والبصرية وقسماً للكمبيوتر، إضافة إلى الكتب والمراجع والمصنفات في الاختصاصات والمجالات كافة.

 

البلدة وسكانها
ترتفع بيصور حوالى 850 م وحتى 950 م عن سطح البحر، وتبلغ مساحتها الإجمالية حوالى 7 كلم مربع، فيما يبلغ عدد سكانها حوالى 10 آلاف نسمة موزعين على العائلات الثلاث التالية: ملاعب، عريضي، القاضي.


أرقام قياسية
في البلدة نحاتون وفنانون ومنهم الفنان فارس ملاعب الذي دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية حين كتب حوالى 40 كلمة على شعرة، وكتب 160 صفحة على ورقة بقياس 5x7 سنتم وذلك بالحرف النافر.

 

مهرجانات بيصور
تقيم البلدة سنوياً مهرجانات بيصور السياحية المندرجة ضمن برنامج وزارة السياحة السنوي، ويحيي هذه الحفلات أهم نجوم لبنان والعالم العربي.
وتضم الرابطة الثقافية التي يقام المهرجان على مسرحها، فرقة موسيقية مؤلفة من أصحاب الاختصاص وخريجي الكونسرفاتوار الوطني وفرقة للدبكة تشترك في مهرجانات عدة، وجوقة زجل.
قبيل المهرجانات الفنية تجوب شوارع البلدة وضمن "كرنفال الفرح" عربات مزينة ومجسمات هادفة وعروض راقصة. ويشارك في الكرنفال روابط فنية وأدبية وبلديات المنطقة.

 

 

المرجع:
"التنوخيون ­ تاريخ وحضارة"
حافظ أبو مصلح ­ فارس ملاعب ­ أنيس يحيى