شعراؤنا

بين «أغنار» و«فتافيت حب» عشرات السنين والكتب
إعداد: الجندي أمير هليّل

موريس عوّاد ما زال يضيء قناديل السفر ليكمل ما بدأه صبيًا

 

هو في «كفرغربي»، ضيعته الحالية كما يسمّيها. ما زال «يمورس» على الرغم من العمر الطويل (77سنة)، والفقر والقهر والغربة القاتلة في وادي الدموع.عليه أن يكتب كل يوم، أو يموت، إذ ليس بالخبز وحده يحيا الانسان. والشِعر، تلك المائدة الالهية، يجلس إليها كما طفل بين ألعابه. ماذا يتذكّر الشاعر موريس عوّاد عن حياته المترنّحة بين الشِعر والشِعر؟!

 

لم يكن يعرف أنّه سيصبح موريس عوّاد. ولكن لا موريس عوّاد سواه.
هو الذي ولد في شتاء قارس في 20 شباط 1934 في بيت سقفه التراب والعاصفة. وربّما هذا ما جعل منه الشاعر العنيف الذي ترى على وجهه قسمات البرد والمطر والدفء الضائع. يقول: أنا العام 1954 ما كان قدري إتجزوت (الانتساب إلى الرهبنة الجزويتية)، كان كل شي فيّي عم ينده للمغامرا، وفلّيت من الدير.
العام 1964 كتب مسرحية «وادي الغزّار» لمهرجان بيت الدين. بعد عامين تقمّصت المسرحية وأصبحت «دواليب الهوا» للأخوين رحباني. ثم أكمل العام 1967 وكتب لمهرجان بعلبك «الليالي اللبنانية»، وكذلك العام 1968 لبعلبك في «القلعة».
أتى إلى الشِعر في ديوانه الاول «أغنار» العام 1963 مبشراً بتيّار شعري جديد. يقول: أنا بأوّلتي تأسّرت بميشال طراد و«مجدليّة» سعيد عقل، وعَ الطريق صار التوب يضيق عليّي، شلحتو ولبست موريس عوّاد، وبعدني ماشي فيّي.

وكرّت الاعمال وتنوّعت. دواوين شِعر، ترجمات، مسرحيّات، روايات... وكأنّه يريد أن يؤكد أنه قادر على كتابة كل شيء باللغة اللبنانية المحكية، وهذا ما أوصله إلى فرض نفسه الشاعر الذي تُرجم من اللغة المحكية إلى ستّ لغات اخرى، ابرزها الفرنسية والبولونية والايطالية. قدّم مسرحية «أماريس» على مسرح كازينو لبنان العام 1989 واوقفتها الحرب. غير أنه لم يستسلم، هو الناسك في دير الحبر، وعلى شفتيه ترتسم الصلاة المقدّسة: يا ويلي إزا ما لبننت، أنا وطني اللغا اللبنانيي...
يقول في ديوانه «سنين مالحا» العام 1987:وشاعر بنصّ المجد واقف ونسكَب شِعرو لبكرا، اللي مرق حدّو جايي وما بدّو من الدني غير القبب وغير الوتر مشدود ما بدّو.

دائم التطلُّع إلى فوق، مع إعترافه بالواقع المرير. واقعيته تجعله يفتّش عن الحلول النهائية. غير ان مغامرة التفتيش لا تخلو من الشوك وخطر الوقوع في الفراغ الهائل. خلاصه في الشِعر، في ريشة يشد اصابعه عليها، إنها اداة النجاة.
ونسأله: استاذ موريس، يقول عنك الكبير سعيد عقل: أنا شايفلَك أكبرُن موريس عوّاد.  هل أنت أكبرُن؟
أنا تعزّبت كتير تَ كسّر صنم سعيد عقل جوّاتي. ما بنكُر فَضلو عليّي بإنّو بلّشلي. بس كان لازم إتخلّص من تأسيرو عليّي، وهيدي صارت مع كتير شُعرا بأوروبا.
بين كلوديل ورامبو في بنوّي روحيّي. وهون بلبنان كل الشعرا إنبيا وآلها وملوك. أنا بعدني عم كمّل موريس عوّاد اللي بلّشتو أنا وصبي.

كتبت جريدة اللواء العام 1973 عن كتاب; «حكي غير شكل»: شاعر فذّ، يتمتّع بحسّ تاريخي مذهل، وكتب عبدو لبكي يقول: موريس عوّاد الشاعر اللي بيمسح ريشتو بمشالح الملوك. ماذا تشعر عندما نقرأ هذا الكلام أمامك؟
بحسّ إنّو المسافي اللي قطعتا أنا وعم بعمل موريس عوّاد مِش قليلي.
صحيح انا ما وصلت بعد، ولا بسترجي أوصل. بحسّ بعدني عم بمشي «وشيل شِعر».

«تشيل شِعر»؟ هذه جديدة. ألا تنظم وتكتب الشِعر كبقية الشعراء؟
كلمة بيكتبو قليلي عَ الشِعر، بدنا نقول بيشيلو شِعر، متل مَ بيشيلو نبيد وعرق. النبيد بيعاني تخميرو وتطييبو بالسكوت والنَطرا الحنوني. وهيك الشِعر، بينشال نقطة ونقطة عَ الورق.
تأخذ المرأة حيزاً كبيراً في شِعـر موريــس عـوّاد، ويخصّص لها أكثر من ديوان وروايـة بثلاثة أجزاء هـي: «بوسي بوستين تلاتي» العام 1972، «زهرة النكتار» العام 2000، و«طعمة الخبز والمرا» في جزءين، العامان 2004 و2009. هـو المدافــع الاول عـن حقّهـا بالتـصرّف معهـا كشخـص بشري، وليـس كسلعــة أو غـرض مـن أغراـض البيـت. يقـول في «زهرة النكتار»:
دخيلـَك حاصرنـي
ببوساتَك، وغمرني
بأكتر من إيديك
وغطيني بعينيك.

 

استاذ موريس، من هي المرأة ؟
المرا إمّي التاني. إمّي الاولي جابتني ع الحياة وإمي التاني هيي بتقعد بحرجي، وبردلاّ شي من يلّي عطتني ياه. كل التحف المهمّي بالتاريخ نعملت ع وهج المرا، هيي الوحي الكبير.
تقرأ موريس عوّاد في النثر وتفرح معه بدهشة إيقاعية عالية. يتنقّل بين السطور وينقل لك الحالة بسلاسة كبيرة. طرافته تجعلك منحوت على الضحك، هو المتهم بأن نثره أجمل من شعره، ويعلّق قائلاً:
ما بيعرفو إنّو النثر هوّي محكّ الشِعر؟ كل الشعرا اللي شِعرُن حلو بيكتبو نثر حلو. وإذا كانت القصيدي هيّي العنقود الكامل، النثر هوّي العنقود ذاتو بس حبّاتو مفرفطين...
لا يهدأ موريس عوّاد. حركة يديه توحي وكأنّه يتكلّم بجسمه كله، شفتاه لا تكفيانه. والحديث معه سَفر إلى اللحظات الغريبة. ما زال يصحو كل يوم قبل الفجر ويبدأ بالكتابة:
النوم مِش عم ياخُد عليّي، وبدّي لحّق خلّص. عندي مخطوطات كتير.

يسابق الوقت، يركض في سهوله الواسعة. يبحث عن ظلّ شجرة، وها هو فوق أوراقه السريّة، يكتُب ويكتُب...حتّى يمتزج بالحبر، هو الحبر والحبر هو: قداسة عمرها من عمره.
في 22 أيلول عيد القدّيس موريس. عيد موت الشاعر كما يقول:
أنا بعيّد عيد موتي بأيلول. صرت حامل 77 سنة ع كتافي وبعدني ماشي. هلكني موريس عوّاد، وبعدو مِش عم يظبط معي. ولو تركت لحدا غيري يعملو، قولك كيف كان طلع معو؟!
بهذا السؤال يتركنا موريس عوّاد. يخرج ليتفقد مزروعاته المتنوعة، يهتم بها كأنها أطفاله الصغار. يغنّج أوراقها الناعمة، وتتخايله يغنّي لها لتكبر على أنغام صوته الحنون. أليس الحنان ايضاً من ينضج الانسان والنبات والاشياء الرائعة؟!
استاذ موريس ختاماً، قرّاء مجلّة «الجيش» ينتظرون منك إلتفاتة خاصة، فهل لنا بها؟
بتزكرلُن الغنية اللي كتبتا للجيش بالسبعينيات. نسيت شو بتقول كلاّ، بس بتبلّش هيك:
من سهلَك من فقش مواجَك
لَ دروبَك للسهل الاخضر
كان هبوب الريح سياجَك
ونْ شي مرّا الريح تأخّر
لا تخافو بيهبّ العسكر.

 

محطات في حياة
الشاعر موريس عوّاد

• 1954: غادر دير يسوعيّة غزير بعد ان قضى فيه اربع سنوات من طفولته.
• 1964: كتب مسرحية «وادي الغزّار» لمهرجان بيت الدين.
• 1967: كتب «الليالي اللبنانية» لمهرجان بعلبك.
• 1968: كتب مسرحية «القلعة» لمهرجان بعلبك.
• 1969: اقام له الشاعر خليل حاوي امسية شعرية قال له بعدها: في قصائدك عن الله تخطيت ميشال طراد، من اليوم الشِعر اللبناني لك.
• 1970: كتب مسرحية «الوهم» لمهرجان جبيل.
• 1975: افتتح «الحكي باللبناني» من اذاعة صوت لبنان ببرنامج «هون موريس عوّاد».
• 1979: تزوّج من نجاة أبي عبدالله، وله ولدان: ملكار وأدون.
• 1984: اصدر «كتاب صفحاته بيضاء للذين لا يقرأون».
• 2008: صدرت له اسطوانة موسيقية بعنوان «سوناتا الحب».

 

كتب العديد من الاغاني والاناشيد اللبنانية، نذكر منها:
• «لو أنا زهرة» لحنها وليد غلمية وانشدها جوزف عازار.
• «عرشك مرمر» لحنها وليد غلمية وانشدها جوزف عازار.
• «شو بدي اعمل قلي» لحنها وليد غلمية وانشدتها صباح.
• «شفتو بالقناطر» لحنها الياس الرحباني وانشدتها صباح.
• «شلحلي التفاحة» لحنها فيليمون وهبي وانشدتها صباح.

 

مؤلفات الشاعر موريس عوّاد
• أغنار 1963.
• قنديل السفر 1970 (ترجم إلى الايطالية).                
• حكي غير شكل 1973 (ترجم إلى الفرنسية).
• آخ  1974.
• رجال بوج الريح 1976.
• مقدمة مبارح كنا ولاد 1983.
• الانطولوجيا اللبنانيي للشِعر 1983.
• مبارح كنا ولاد 1984.
• سنين مالحا 1987.
• فقش الرمّان 1988.    
• أماريس 1988.
• وكان عمري سبعتعش 1993.
• زهرة النكتار 2000.
• الانجيل طبعة اولى العام 2001، وثانية العام 2003، وثالثة العام 2006.
• طعمة الخبز والمرا في جزءين، 2004 و2009.
• انا رايح 2005.
• فتافيت حب 2011.
وصدر عنه كتاب:
Maurice Awwad
Traduction et interprétation dirigé par
Arkadiusz Plonka 2010