دراسات وأبحاث

بين أخطار الحاضر وتحديات المستقبل
إعداد: الدكتور احمد علّو
عميد متقاعد

البشرية في القرن الحادي والعشرين

«إن التحدي الأساسي الذي تواجهه البشرية اليوم هو التأكد من أن العولمة ستصبح قوة إيجابية لكل شعوب العالم، بدلاً من أن تترك المليارات منهم خلفها في حالة مزرية».
كوفي أنان في خطابه بمناسبة ابتداء الألفية الثالثة

تواجه الحضارة البشرية في مطلع القرن الجديد تحدياً كبيراً، يتمثل في كيفية استخدام النظم السياسية الحالية، لعملية إدارة العلاقات الصعبة والمعقدة ما بين الاقتصاد العالمي، ونظم الأرض البيئية، لأنه إذا لم يتم بناء اقتصاد عالمي بيئوي مستدام، فلن يكون لأي منا المستقبل الذي يتمناه.

 

الأرض أمّنا
هناك علاقة جدلية ما بين الإنسان ككائن بشري إجتماعي، سياسي، إقتصادي، والأرض مصدر (موارد وبيئة) هذا الكائن وحاضنته، فهو الوحيد بين الكائنات على سطحها من يملك القدرة على استغلالها واستخراج مواردها وتغييرها، والتأثير في بيئتها ما قد يؤثر في استمرارها؛ وكذلك هي تضطلع بدور مهم في استمرار حياته فوقها ومنها.
إن «تأمين» حياة الناس هي «غاية نظرية» لكل أنظمة الحكم في الدول المختلفة، من القديم وحتى اليوم، ولكن الواقع التاريخي، والحاضر، لا يعكسان هذه الصورة الحية لمفهوم أمن الناس،  واستمرار بقائهم، فكثيراً ما يعمل بعض الدول، وأنظمة الحكم فيها، ضد أمن الناس، واستمرار بقائهم، من خلال السياسات التي تنتهجها على الأصعدة: الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والدينية، ودائماً تحت شعار المحافظة على أمن الدولة ومصلحتها العليا.
كذلك يعمد الكثير من المؤسسات والشركات الخاصة وبهدف جني الأرباح الوفيرة الى الإساءة الى أمن الفرد، سواء كان ذلك مباشرة، من خلال قوانين عمل تعسفية، أو من خلال الإساءة الى البيئة الطبيعية والجو حيث يعيش هؤلاء الأفراد، مما يهدد استمرار بقائهم، ويقوّض سلامة صحتهم.

 

الأمن الإنساني
«أمن الناس هو القانون الأعلى»
(شيشيرون)


• مفهوم الأمن الإنساني:
برز مفهوم الأمن الإنساني مؤخراً، كمحاولة لفهم المخاطر التي تواجه العالم، لأن مكونات هذه المخاطر تتحدى مفهوم الأمن التقليدي، وذلك بالتركيز على أن موضوع الأمن يجب أن يكون الفرد، بدلاً من الدولة، لأن اعتبار الفرد النقطة المركزية في الزمن، يساعد في ثبات الأمن الوطني، والأمن الإقليمي والأمن الدولي.
إن مفهوم الأمن الإنساني، كما ورد في تقرير التنمية الإنسانية الصادر عن الأمم المتحدة العام 1994، هو حجر الأساس في الدراسات التي تلت حول هذا الموضوع، والذي ما يزال يثير الجدل في أن تأمين الإنسان يتطلب تحريره من الحاجة (Free from want)، وتحريره من الخوف (Freedom from fear).
ويرى من يؤيد وجهة النظر هذه أن أجهزة الأمن التقليدي ووسائطه، إذا ركزت على حماية المواطن والمجتمع من الأخطار التي تهدد استمرار بقائه (survive)، أكثر من تركيزها على الأخطار التي تهدد الدولة - الأمة، فإن العالم سيكون مكاناً أكثر أمناً.


• مجالات الأمن الإنساني:
لفت برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة (UNDP) في تقريره للعام 1994 الذي أعده الوزير الباكستاني د. محبوب الحق، الإنتباه الى مفهوم الأمن الإنساني، وضرورة توسع مجاله ليشمل المضامين والمجالات الآتية:


- الأمن الإقتصادي: يتطلب تحقيق الأمن الإقتصادي تأمين دخل ثابت للفرد عبر عمله المنتج والمدفوع الأجر، أو عبر شبكة مالية عامة وآمنة، وبهذا المعنى فإن ربع سكان العالم فقط هم ضمن هذه الفئة، وكما تبدو مشاكل الأمن الإقتصادي أكثر جدية وخطراً في الدول النامية، فإن الدول المتطورة كذلك، تشكو من مشاكل البطالة التي تشكل عاملاً مهماً في تسعير التوتر السياسي والعنف الإثني.


- الأمن الغذائي: يتحقق الأمن الغذائي بحصول الفرد في كل وقت على غذائه الأساسي والضروري. وبالنسبة الى الأمم المتحدة، فإن توافر الغذاء ليس هو المشكلة، بقدر ما هي في توزيعه، ونقص القدرة الشرائية عند الأفراد، ومن هنا ترتبط معالجة هذه المشكلة بتأمين الدخل المناسب للفرد، وتأمين الأمن الإقتصادي.


- الأمن الصحي: يهدف الأمن الصحي الى ضمان الحد الأدنى من الحماية والوقاية من الأمراض وطريقة الحياة غير الصحية، ففي الدول النامية، يعود سبب الموت الى الأمراض المعدية والأوبئة، التي تقتل 17 مليون إنسان سنوياً، كما أن الأمراض التي تصيب الدورة الدموية في الجسم تقتل 5.5 مليون إنسان في الدول الصناعية سنوياً.
وبالنسبة الى الأمم المتحدة، فإن التهديد لصحة الإنسان، سواء في الدول المتقدمة أو النامية، يظهر عند الأفراد الفقراء، خصوصاً في الأرياف وبين الأطفال، وهذا يعود الى سوء التغذية، وعدم توافر العلاج الطبي والأدوية، والمياه العذبة النظيفة وايضاً الى عدم توافر الرعاية الصحية الضرورية


- الأمن البيئي: يهدف الى حماية الفرد من تخريب الطبيعة على المديين القصير والطويل، من قبل بعض الدول، ما يؤدي الى تدهور البيئة، كما يعتبر النقص في الوصول الى المياه النظيفة أحد أهم التهديدات للدول الصناعية، كما أن تلوث الهواء، والاحتباس الحراري الناجم عن البيوت الزجاجية، والمصانع، وغيرها يعتبران من أهم تهديدات البيئة وحياة الفرد.


- الأمن الشخصي: يتوجه الى حماية الفرد من العنف الجسدي، الواقع عليه من الدولة أو من خارجها، من أشخاص عنيفين، أو من أفراد تابعين للدولة. كذلك يهدف الأمن الشخصي الى حماية الفرد من الاعتداء الداخلي، أو من قبل بعض المنحرفين الراشدين، وبالنسبة الى أكثر الناس فإن أكبر مصادر القلق على الأمن الشخصي تتمثل بالجريمة، خصوصاً جرائم العنف.


- الأمن الإجتماعي: ويعني حماية الأفراد من فقدان العلاقات التقليدية، والقيم، ومن العنف الطائفي الإثني، فالمجتمعات التقليدية خصوصاً الأقليات الإثنية هي غالباً مهددة، ذلك أن نصف دول العام خاض نزاعات إثنية داخلية، والأمم المتحدة أعلنت العام 1993 «عاماً للشعوب الأصلية»، وألقت الضوء على أن هناك حوالى 300 مليون إنسان ما يزالون معرضين للخطر في حوالى 70 دولة، ويواجهون حلقة واسعة من العنف.


- الأمن السياسي: يهتم الأمن السياسي بتحقيق حياة الإنسان في مجتمع يحترم حقوقهم الإنسانية. وبالاستناد الى «لجنة العفو الدولية»، فإن القمع السياسي والتعذيب المنظم والمنهجي، وسوء المعاملة والإخفاء، ما تزال تمارس في حوالى 110 دول. كذلك فانتهاك حقوق الإنسان يصبح أكثر شيوعاً خلال فترة القلاقل السياسية، بالتوازي مع قمع الأفراد والجماعات، كذلك تلجأ الحكومات الى فرض الرقابة على الأفكار ووسائل الإعلام.

 

نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان
بالنظر الى هذه المجالات وتعددها، وأهميتها في تحقيق الأمن البشري أو الإنساني، أو ببساطة «أمن الناس»، وتأمين حياة إنسانية لائقة ومعقولة في حدودها الدنيا، نرى أن الأخطار التي تواجه إنسان اليوم وتهدد حياته يمكن إيجازها بما يأتي:


• الفقر: إذ يعتبر أن حوالى 1.3 مليار إنسان اليوم هم دون حد الفقر (1 دولار باليوم).


• الجريمة: بأنواعها المختلفة.


• النزاعات المسلحة: والتي يدفع الناس ثمنها من أرواحهم وأموالهم، ويعانون النزوح والهجرة عن أوطانهم.


• مجموعات العنف: التي تستخدم بعض الأفراد لتحقيق أهدافها الخاصة.


• الانتقال غير السلمي للسلطة: ما يجعل الناس يدفعون من حياتهم وأرزاقهم من دون أن يكون لهم دور في هذه العملية.


• الأمراض وبعض المشاكل الصحية العامة.


• الكوارث البيئية: الفياضانات - الجفاف - الزلازل - الأعاصير - الأخطار الفضائية - التلوث.


• التغير المناخي والبيئي البعيد المدى: الاحتباس الحراري - ثقب الأوزون - شح في الماء - التلوث الخ...


• الأزمات الإقتصادية: الناجمة عن الخلل في العرض والطلب والمنافسة والإحتكار بين الشركات العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة والمواد الأولية، والبطالة وهبوط الأسهم أو ارتفاعها، كذلك أسعار العملات والمعادن الثمينة.


• انعدام التربية والتعليم أو تردّيهما: يؤدي الى خلق بؤر وأفراد تساهم في تقويض الأمن الإجتماعي وتشكل تهديداً وخطراً على مستقبل المجتمع والإنسان، لذلك يعتبر البعض أن التعليم هو من أفضل الاستثمارات في الأمن.

 

مفترق طرق
بالعودة الى بعض الدراسات الصادر عن الأمم المتحدة، فإننا نجد أن الإنسان في عالم اليوم، يعيش على مفترق طرق، بين شمال غني وجنوب فقير، بين شرق محتاج وغرب مزدهر، وأن حوالى 20٪ من سكان العالم يملكون حوالى 80٪ من موارد الكوكب الأرضي ويعبثون فيه إفساداً، وتدميراً في بيئته، وأن نحو 80٪ من سكانه لا يملكون سوى 20٪ من موارده المتاحة، وأن نصف هؤلاء، يعيشون في مستوى خط الفقر، ويعانون نتائج التردي البيئي والتغير المناخي، ويدفعون ثمن هذا الاختلال الطبيعي أكثر من غيره.
إن البشرية تحتاج اليوم الى أكثر من عقد قمم عالمية (G8+5) لمعالجة المخاطر الكونية (نظرياً)، إنها تحتاج الى تنفيذ خطط مباشرة واستراتيجيات قريبة وبعيدة المدى، لمعالجة المشاكل البشرية الآنية والأخطار البيئية الملحة، كما تحتاج الى وقفة جدية، خصوصاً من أكبر دوله تقدماً في الصناعة والموارد، لأنها الأكثر إيذاءً لبيئة الأرض والفضاء، وبالتالي للإنسان القائم بينهما.
إن الجشع والطمع، والرغبة في الكسب السريع، وتخزين الأرباح الناتجة عن عدم التوازن الطبيعي، هي المسؤولة الأولى عن إنتاج هذه الأخطار التي باتت تهدد الإنسان، لذلك فإن التحدي الكبير في إنقاذ البشرية يكمن في الاستجابة لتأمين سلامة الإنسان وتأمين سلامة الأرض وفضائها، ولعل هناك من يسمع...

 

المراجع

• www.un.org/milennium/sg/report/cho
• State of the world 2000/worldwatch Institute.org
• www.human security gateway.com
• human security International - report 2005 - wikipedia
• Http://en.wikipedia.org/wiki/Human _ security
• www.adb.org - global poverty report - G8 summit July 2000
• UNDP.org - HDR2007 - 2008 - Human Development report