هكذا نعمل

بين أيلول وتشرين الأول: مِنْ مسح الأضرار إلى دفع التعويضات
إعداد: ليال صقر الفحل

تشكل المنهجية التي اعتُمدت في عمل لجان مسح الأضرار نموذجًا للتنظيم الدقيق الذي يتيح الفاعلية القصوى، ويحقق الإنجاز الأسرع. ففي حين كان إنجاز مسح الأضرار الناجمة عن انفجار المرفأ يقتضي تسعة أشهر من العمل، تمكن الجيش من مسح 85744 وحدة متضررة خلال 15 يومًا فقط. بعد نحو شهر أُسندت إلى الجيش مهمة توزيع 100 مليار ليرة على المتضررين، هذه المهمة كانت نتيجة الثقة بالمؤسسة العسكرية، ثقة بالشفافية والتنظيم والدقة.

 

كيف استطاع الجيش إنجاز مسح الأضرار بهذه السرعة، وما هي الآلية التي اعتمدها لدفع التعويضات؟ أتى الجواب عن الشق الأول من السؤال في 19 أيلول الماضي عبر مؤتمر صحفي عُقد في قاعة العماد نجيم في وزارة الدفاع الوطني، تحدّث خلاله رئيس قسمَي الصحافة والعلاقات العامة والحرب النفسية في مديرية التوجيه العقيد الركن الياس عاد، وبعد نحو شهر عقد مؤتمر مماثل للإعلان عن كيفية دفع التعويضات وتحديد الفئات التي ستستفيد من المئة مليار ليرة التي تمّ تحويلها إلى خزينة الجيش.

 

أسبوعان اختصرا مهمة الأشهر التسعة

تولت العمل في مسح الأضرار250 لجنة ضمّت ما يزيد عن 1000 ضابط ورتيب يعاونهم 500 مهندس مدني، ونجحت في مهلة وجيزة في مسح 85744 وحدة متضررة توزعت وفق الآتي: 60818 منزلًا ووحدة سكنية، 14073 مؤسسة تجارية، 962 مطعمًا، 5042 شركة تجارية، 12 مستشفى، 77 دار عبادة، 82 مؤسسة تعليمية، و1137 وحدة أثرية.

قسمت اللجان المناطق المتضررة إلى ثمانية قطاعات، وقُسّم كل قطاع إلى 15 مجموعة عمل، في كل منها عمل 16 فريقًا أنجزوا المهمة في يوم واحد. وجّه الضباط الذين وصل عددهم إلى 176 ضابطًا اللجان إلى الأحياء والشوارع والمباني، وأُعطي كل مبنى رقمًا خاصًا يكفي الدخول إليه للحصول على رقم العقار واسم صاحبه ورقم هاتفه للتواصل معه مباشرة.

عُبّئت الاستمارات المختلفة بحسب نوع الوحدة المتضررة (وحدة سكنية، أقسام مشتركة، شركة، مستشفى، مدرسة، فندق...) وتضمّنت كل منها معلومات دقيقة وشاملة تتعلق بنوع الأضرار وحجمها (أبواب مدخل، واجهات زجاجية، دفاعات حديد، أسقف مستعارة، جدران متصدعة، أثاث...).

 

منهجية المسح

دعت المؤسسة العسكرية المتضررين إلى التواجد في منازلهم ومؤسساتهم في أيام محددة للحصول على كامل المعلومات منهم شخصيًا، وأنهت أعمال المسح في الوحدات الواقعة ضمن 2.5 كلم من موقع الانفجار وهي البقعة الأكثر تضررًا خلال ثمانية أيام، أما الوحدات الواقعة ضمن نطاق 7.5 كلم فأنهت المسح فيها في سبعة أيام وهي بطبيعة الحال أقل تضررًا.

وقد عممت قيادة الجيش عبر وسائل الإعلام، وصفحاتها الإلكترونية أنّ على المتضررين الذين لم يقم الجيش بمسح الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم، التواصل معها من خلال رقم هاتفي خُصص لهذه الغاية، على أن يرسل كل متضرر عبر تطبيق Whatsapp رسالتَين، تضم الأولى Share Location، فيما تحمل الثانية رقم هاتف الشخص المتضرر، وعند تلقّي الجيش المواقع كانت الفرق تتجه إليها لمعاينة الأضرار وملء الاستمارات.

أُنجزت أعمال المسح الكامل للقطاعات بالإضافة إلى طلبات تطبيق Whatsapp في الثامن عشر من أيلول، كما انتهت في الوقت عينه أعمال مكننة الاستمارات وتأليلها. وأكّد العقيد الركن عاد أنّ أعمال اللجان وُضعت في متناول الجهات المانحة من خلال التواصل مع قيادة الجيش، كما أوضح أنّ عمليات المسح المنفّذة كافية ووافية ولا داعٍ لقيام أي جهة بأي مسح إضافي. وإذ شكر باسم القيادة كل من تطوع لإنجاز عمليات المسح، أعلن أنّ المؤسسة على استعداد دائم للتعاون مع الأيادي البيضاء من جهات مانحة ومؤسسات غير حكومية وجمعيات وأفراد لتسلّم مهمات إعادة الترميم والإعمار، وتسهيل أمور المتضررين وإعادتهم إلى منازلهم وأشغالهم في أسرع وقت ممكن.

 

آمالنا معلقة عليكم

المواطنون المقيمون على جمر الانتظار في مساكن ينبغي أن يتم ترميمها قبل الشتاء، سئموا استقبال الجمعيات والجهات التي تكررت زياراتها إليهم من دون نتيجة ملموسة في معظم الأحيان. سمير يوسف مناسا أب لثلاثة أولاد من سكان منطقة مار مخايل، أصابت الأضرار منزله وسيارته وأيضًا باب رزقه، فمحل السمانة الذي يملكه تضرر بشكلٍ شبه كامل. مع ذلك ظل باب الأمل مفتوحًا أمامه. تبرّع بما بقي سليمًا من بضاعة في المحل لمن تضرر أكثر منه، وللأيادي البيضاء من متطوعين حضروا إلى المنطقة بعد الانفجار لرفع الأنقاض والتنظيف. كثيرون حضروا لمعاينة الأضرار لديه وفق ما يخبرنا ومن بينهم شركة التأمين التي أمّن لديها، ولكن حتى الآن لم يفِ أحد بوعده. سمير على ثقة تامة بأنّ الدعم سوف يأتي بعد أن قام الجيش بمسح الأضرار، إذ يقول «آمالنا معلقة عليه».

جورج بديع غانم من الأشخاص الذين لحقت بمنازلهم أضرار كبيرة، الأستاذ المتقاعد انتظر الفرج على يد الجيش أيضًا. السقف الذي يأويه وزوجته وابنه، يحتاج إلى ترميم قبل حلول الأمطار. وهو يؤكد: «أنا أعلم أنّ المساعدات ليست من المؤسسة العسكرية بحد ذاتها، ولكنّ الجيش قام بالمسح الشفاف تمهيدًا لإطلاع الجهات التي تنوي المساعدة عليه، أنا على يقين أنّ الخير لن يكون إلا على يده».

منزل آخر دخلناه في منطقة مار مخايل، وفوجئنا مع فريق التصوير بخوف السيدة فيكي حنكش ومن كان معها في المنزل من حضورنا. أبت إعطاءنا أي معلومة أو تصريح قبل أن نبرز لها البطاقات التي تؤكد أنّنا من قبل الجيش: «الآن وبعد أن تأكدت أنّكم من قبل الجيش، يمكن أن أستقبلكم وأجيبكم عن أي سؤال تريدون. أتى قبلكم كثيرون ممن كذبوا علينا و«شحذوا على ظهرنا» ولم نلمس أي مساعدة، لكم جزيل الاحترام وبكم كامل الثقة، بفضل الجيش سنحصل على حقوقنا وأكثر».

 

...والآمال تحققت

في الثالث والعشرين من تشرين الأول، أعلن الجيش أنّه سيقوم بتوزيع مبلغ المئة مليار ليرة لبنانية على أصحاب الوحدات السكنية التي تضررت جراء انفجار مرفأ بيروت وفق آلية تستند إلى تصنيف الوحدات السكنية المتضررة الذي أُنجز خلال مرحلة مسح الأضرار. أعطت هذه الآلية الأولوية للوحدات السكنية المصنّفة ضمن فئات العادية والمتوسطة، وتلك الأكثر قربًا من موقع الانفجار، لتمكين المتضررين من إنجاز إصلاح ما هو مُلح في منازلهم المتضررة (نوافذ، باب مدخل،...) قبل حلول فصل الشتاء. وأوضح العقيد الركن عاد أنّ أصحاب 10274 وحدة سكنية من أصل 62087 أي ما نسبته 16.5% من إجمالي الوحدات السكنية المتضررة التي تمّ مسحها سوف يستفيدون في هذه المرحلة، محددًا قيمة التعويضات نسبة إلى قيمة الخسائر (أنظر الجدول المرفق). كما أوضح أنّ الجيش سيبلغ المواطنين عبر اتصالات هاتفية بمواعيد تسلّم مساعداتهم، على أن يوقّع كل مستفيد تعهدًا باستخدام التعويض في عملية ترميم منزله. أما الذين أنجزوا إصلاح الأضرار فيتقاضون التعويضات المستحقة لهم.

انطلقت عملية توزيع التعويضات اعتبارًا من 26/10/2020، وعمدت القيادة إلى الإعلان عن منطقة التوزيع قبل يوم واحد عبر تعاميم تنشر في موقع الجيش الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي التابعة له وتطبيق LAF News، وعبر وسائل الإعلام.

يُذكر أنّه طُلب من كلّ مستفيد أن يبرز صورة عن الهوية أو أي مستند ثبوتي رسمي (إخراج قيد، جواز سفر،...) في أثناء تسلّم المبلغ.

 

بمبادرة من رئيس الجمهورية

طلب فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تخصيص مبلغ ١٠٠ مليار ليرة من احتياط الموازنة الموضوعة بتصرّفه للأمور الطارئة للتعويض عن الأضرار التي لحقت بالمنازل من جرّاء الانفجار وللمساعدة على إعادة الناس إلى بيوتهم قبل موسم الشتاء. وتمّت الموافقة على الموضوع في مجلس الوزراء وكُلّف الجيش استلام المبلغ وتوزيعه على المتضرّرين وفق آلية حدّدها الجيش.