تحقيق عسكري

بين العاصمة والجرود
إعداد: ندين البلعة خيرالله

فوج التدخل الثالث: مستعدّون دائمًا

هو من الأفواج الخاصة التي يُعتمد عليها، خصوصًا في الحالات الطارئة وفي الظروف الصعبة. وهو أيضًا فوج يشعر عسكريّوه بكثير من الفخر والمسؤولية. فمن هذا الفوج ضابط مقدام تدرّج في المسؤولية ليصبح عماد الجيش وقائده في واحدة من أخطر المراحل التي مرّ بها لبنان. ومن هذا الفوج أيضًا ضابط مقدام آخر كان له فضل التأسيس والرعاية ومن ثم مسؤوليات كبرى، إلى أن أضحى رمزًا للبطولة والتضحية.
الأول هو العماد جان قهوجي والثاني هو اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، وكلاهما تسلّما قيادة الفوج، فوج التدخل الثالث.

 

وسام
ما تقدّم هو بمثابة وسام على صدر الفوج وفق ما يقول قائده اليوم العميد الركن غازي عامر، الذي يضيف: «هذا الوسام يحفّزنا دائمًا على تحقيق الأفضل»، مشدّدًا على أنه «لا مجال للتخاذل في تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقنا».
قبل البدء بالتعريف بالفوج، كان لا بدّ من التطرّق مع قائده إلى المهمّة التي ينفّذها في الآونة الأخيرة في جرود رأس بعلبك، مؤازرًا القوى المنتشرة في المنطقة. فقد كُلِّف بتركيز سرية في جرود رأس بعلبك اعتبارًا من 26/1/2015 لتحصين المواقع على تلال الحمرا- أم خالد والجرش، والتصدّي للإرهابيين.

عن هذه المهمّة يقول قائد الفوج: «عند بدء الأحداث في هذه المناطق البقاعية، وقبل تكليفنا بالمهمّة، كنّا قد أعددنا العدّة لها، فنحن نعلم أنه قد يتمّ استدعاؤنا في أي لحظة لمؤازرة باقي القوى، خارج منطقة بيروت- بقعة انتشارنا. قمنا بتجهيز العسكريين وتدريبهم على ردّات الفعل في الدوريات وعند تعرّض المراكز لأي اعتداء، بالإضافة إلى أساليب القتال على الصعيدَين الفردي والجماعي. وبتوجيهات من قيادة الجيش، قمنا باستطلاع المناطق الجردية على الحدود اللبنانية- السورية للتعرّف إلى طبيعة الأرض ومناخها وصعوباتها وكيفيّة القتال فيها، ثم انتقلنا للتمركز في هذه الجرود في مهمّة قتالية».

 

تدريبات مكثّفة
بالإضافة إلى الدورات والتدريبات الاعتيادية، وتماشيًا مع متطلبات المهمات الاستثنائية التي تطرأ على الجيش عمومًا والتي توكَل إلى فوج التدخل الثالث خصوصًا، عملت قيادة الفوج على تسليح عسكرييها بالمهارات القتالية الضرورية من خلال دورات تمرّس شملت ردود الفعل من مستوى المقاتل الفردي إلى مستوى السرية. كما تابع العسكريّون دورات التمرّس الخاصة بالقتال في الأماكن المبنية ونفّذوا تمارين تكتية حول مداهمة إرهابيين في أماكن آهلة وتخليص رهائن بمشاركة قوى أخرى.
خضعت السرايا أيضًا بالتتابع لدورات تدريب على القتال في الأماكن المبنية مع فريقَي تدريب (أميركي وبريطاني) في مدرسة القوات الخاصة في حامات.
وأضاف قائلاً: «يخضع العسكريّون أيضًا لدورات تدخل في باقي الأفواج، وإلى دورات تخصّص بحسب توجيهات التعليم المعمّمة من قيادة الجيش».

 

مهارات تفوق التوقّعات
يشيد قائد فوج التدخل الثالث بمهارات ضباطه وعسكرييه، ويذكر في هذا السياق فريق الصيانة الذي قام، بإشراف عدد من الضباط، بتصميم مجسّم طوافة هيليكوبتر وتنفيذه، لاستخدامه في تدريب العسكريين من داخل الفوج وخارجه، على الهبوط من الطوافة ضمن التدريبات التي تتعلّق بمختلف أشكال الهبوط، وذلك للتخفيف من استهلاك طوافات القوات الجوية.
ويشير العميد الركن عامر إلى أنه بالتعاون مع ضباط الفوج، يتــمّ التركيــز على صقــل مهــارات العسكــريين وخبراتهــم العسكريــة في مختــلف المجالات (بحرًا وبرًا وجوًا)، تحسّبًا لأي طارئ.

 

قطاع دقيق
ينتشر الفوج في قطاع دقيق في رأس بيروت، يضمّ غالبية مؤسسات الدولة ومن ضمنها مجلس النواب والسراي الحكومي، بالإضافة إلى مراكز كبار الشخصيات السياسية والقيادية...
في هذا الإطار يشرح قائـد الفـوج: «تتّسم مهمّتنا بالدقّة في التنفيذ وتتطلب مستوى عاليًا من القيادة والسيطرة». وهو يشيد بمناقبية عسكريّي الفوج «الذين يتحلّون بقدرٍ عالٍ من الحسّ بهذه المسؤولية الكبيرة الموكلة إليهم».

 

تاريخ ومهمّات
أنشئ فوج التدخل الثالث بتاريخ 1/8/1992 وتمركز كاحتياط للقيادة في ثكنة الكرنتينا للمساهمة في حفظ الأمن. ثم تنقّل بين عاليه وبيروت والبقاع والشمال والجنوب، وهو حاليًا ينتشر في مدينة بيروت.
شارك الفوج منذ تأسيسه بعدّة مهمّات في بيروت والمناطق. فهو عمل على حفظ الأمن في عدّة فترات حرجة حصلت فيها تظاهرات كبيرة واعتصامات (1992، 1993، 2005...). كما شارك في تأمين عودة المهجّرين إلى الجبل وتدعيم مسيرة الوفاق الوطني (1994)، وفي حفظ أمن زيارة البابا إلى لبنان (1996 و2012)، والقمة العربية والقمة الفرنكوفونية... وكانت له مشاركة في المهمات الإنمائية حيث عمل على تنظيف الأماكن الأثرية في تواريخ مختلفة. وفي تموز 2006 كان من القوى التي تصدّت للعدوان الإسرائيلي، كذلك شارك في معركة نهر البارد ضدّ الإرهاب (2007)، وتدخّل لإنهاء معارك باب التبانة- جبل محسن في طرابلس (2008)...
إلى ذلك، وعلى أثر تعرّض بعض المراكز العسكرية في الشمال لهجمات إرهابية، نفّذ الفوج عدّة عمليات دهم واقتحام واشتبك خلالها مع مجموعات إرهابية ما أدّى إلى استشهاد عدد من عسكرييه وجرح آخرين. كما نفّذ الفوج تدابير أمنية مشدّدة في عدّة مناسبات وفي مناطق مختلفة (بيروت، بعلبك، الهرمل، طرابلس، البقاع الأوسط...) للحفاظ على الأمن ومنع الإخلال بالسلم الأهلي.

 

نشاطات مختلفة
يولي الفوج أهمية كبيرة للنشاطات الرياضية إلى جانب التدريبات والمهمّات، وقد شارك عسكريّوه في سباقات عديدة وأحرزوا نتائج ممتازة. وبينما يتمتّع فريق كرة اليد لديه بمهارات عالية، يعمل الفوج حاليًا على تشكيل فريق كرة قدم.

 

روح قتالية وإيمان
في ظـلّ المهمّات الكثيرة والمتـشعّبـة التي ينفّذها عسكريّو الفوج وبخاصة المهمّة الأخيرة التي أوكِلت إليهم في جرود رأس بعلبك، نسأل عن معنوياتهم، فيجيب قائد الفوج بثقةٍ تامة: «إن الروح المعنوية العالية موجودة أسـاسًــا في نفــوس عســكريّينا، ولكننــا نقوم بتغذيتها لمضاعفة اندفاعهم وحماستهم. وإلى الروح القتالية المتجذّرة في نفوسهم، هم مؤمنون برسالتهم الوطنية، ويتفانون في أدائها».
من ناحية أخرى، يعتبر قائد الفوج «أن العسكري المتطوّع لمصلحة الفوج هو أمانة، وبالتالي علينا تجهيزه نفسيًا وجسديًا وتدريبيًا ليصبح جنديًا مقاتلاً ومحترفًا، يعرف كيف يحمي نفسه ورفاقه. وفي هذه المرحلة أنا مطمئنّ إلى جهوزيّة عسكريي الفوج معنويًا وقتاليًا للتدخّل ولتنفيذ أي مهمّة توكلها إلينا القيادة في أي منطقة من لبنان».
وأضاف: «الدليل القاطع على التزام عسكريينا وحفاظهم على معنوياتهم العالية، هو صمودهم لأيامٍ في العراء، يواجهـون الصعوبات الحياتية والمناخية بإرادتهم الصلبة ومن دون أي شكوى أو تذمّر. لقد تعرّض مركزنا في تلّة الحمرا لقصف الإرهابيين، ولكنّنا صمدنا ولم نتكبّد أي إصابات بشرية ولا لوجستية، وذلك نتيجـة للتحصـين والتنظيم وتوزيع الآليات والأفراد بشكلٍ دقيقٍ ومدروس».
ويختم قائد الفوج الفخور بعسكريّيه لدرجة الاحترافية التي وصلوا إليها نتيجة التدريبات الحثيثة والمستمرّة قائلاً: «بتنا بحاجة ماسّة الى سلاح جديدٍ ومتطوّر ندرّب عسكريّينا على تقنية استخدامه. ومع ذلك، فإننا سنلبّي نداء الوطن والقيادة، أينما دعانا الواجب لنخدم...».

 

شعار الفوج وهيكليّته
شعار فوج التدخل الثالث سهم وسيف وبرق: فالسهم يرمز إلى التدخّل السريع وتحقيق الهدف مباشرةً، والسيف يرمز إلى الحزم والقوّة في حدّه الفاصل، والبرق يرمز إلى السرعة في تنفيذ المهمّات.
يضمّ الفوج إلى قيادته أربعة فروع وخامسًا للتأليل، بالإضافة إلى سرية للقيادة والخدمة وأخرى للدعم، أمّا سرايا التدخّل المؤلّلة فهي أيضًا أربع.