قضايا معاصرة

بين الماضي والحاضر وصولًا الى المستقبل
إعداد: المقدم المهندس علي مسلماني

ما هي أبعاد التنمية المستدامة وكيف تحقّق أهدافها؟

 

يشير مصطلح التنمية إلى ارتقاء المجتمع والانتقال به إلى مستوى أعلى وأفضل، من خلال استغلال الطاقات التي تتوافر لديه وتوظيفها على النحو الأمثل.
أما المقصود بالتنمية المستدامة فهو تلبية احتياجات البشر الراهنة من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تحقيق أهدافها.


ظهور مفهوم التنمية المستدامة
يعتبر مصطلح «التنمية المستدامة» واحدًا من المصطلحات المعاصرة (العولمة، صراع الحضارات، الحداثة، ما بعد الحداثة، التنمية البشرية، الجينوم، والمعلوماتية...) وقد بدأ استخدامه في أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم. قبل ذلك كان المفهوم السائد في هذا المجال، هو «التنمية» بمعناها التقليدي، والذي برز بعد الحرب العالمية الثانية وحصول مجتمعات العالم الثالث على استقلالها السياسي. حينها بدأت الدول الرأسمالية الكبرى تروّج مقولة مفادها أنّ ما تعانيه دول العالم الثالث من فقر وجهل، إنما هو نتاج لتخلّفها «وليس نتيجة لخضوعها للاستعمار لسنوات طويلة». ومن ثم طرح مفهوم التنمية كأداة تستطيع من خلالها دول العالم الثالث أن تتجاوز حالة التخلّف وتلحق بالدول المتقدمة.
وردت أول إشارة رسمية إلى مفهوم التنمية المستدامة في تقرير «مستقبلنا المشترك» الصادر عن اللجنة العالمية للتنمية والبيئة في العام 1987، والتي شكّلت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة (كانون الأول 1983).
وقد عرّف التقرير التنمية المستدامة بأنّها «التنمية التي تلبّي احتياجات الحاضر من دون أن تعرّض للخطر قدرة الأجيال التالية على إشباع احتياجاتها». أعقب ذلك انعقاد مؤتمر «قمة الأرض» (ريو دي جينيرو 1992) الذي صدرت عنه مقررات تتعلّق بالتنمية المستدامة.
انطلقت هذه المقررات من الواقع السائد حيث يعيش جزء كبير من سكان العالم تحت خط الفقر، في ظل تفاوت واضح في استخدام الموارد بين الدول الغنية وتلك الفقيرة، إضافة إلى معاناة النظام البيئي العالمي ضغوطًا حادة. هذا الواقع استدعى ضرورة إعادة توجيه النشاط الاقتصادي بغية تلبية الحاجات التنموية الماسّة للفقراء ومنع تعرّض البيئة العالمية للأضرار. وقد اقترحت البلدان النامية صياغة عهد جديد من النمو لمعالجة قضايا الفقر والمشاكل التي تعانيها الدول الأكثر فقرًا. وارتأت الدول الصناعية، ضرورة بذل الجهود من أجل زيادة الطاقة والموارد الفعالة والكافية، في موازاة إحداث تحوّل في النشاط الاقتصادي، يخفف من حدّة استنزاف البيئة.

 

الأبعاد والأهداف
انطلاقًا من التعريفات السابقة للتنمية المستدامة، يمكن استخلاص أبعادها وأهدافها، وإيجازها على النحو الآتي:
 

• البُعد البيئي:
تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق العديد من الأهداف البيئية، والتي تتمثل في: الاستخدام الرشيد للموارد غير المتجددة، بحيث يتاح للأجيال القادمة العيش في بيئة غير مستنزفة، وضرورة التحديد الدقيق للكمية التي ينبغي استخدامها من كل مورد من الموارد غير المتجددة، والتوفيق بين التنمية الاقتصادية والمحافظة على البيئة، مع مراعاة حقوق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية. ويضاف إلى ذلك، مراعاة القدرة المحدودة للبيئة على استيعاب النفايات.
 

• البُعد الاقتصادي:
تهدف التنمية المستدامة بالنسبة إلى البلدان الغنية إلى إجراء تخفيضات متواصلة في مستويات استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، والتي تصل إلى أضعاف ما تستهلكه الدول الفقيرة. مثلًا استهلاك الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم في الولايات المتحدة الأميركية يفوق مثيله في الهند بـ33 مرة.
 

• البُعد الاجتماعي:
تتضمن التنمية المستدامة تنمية بشرية تهدف إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم، فضلًا عن عنصر المشاركة، حيث ينبغي أن يشارك الناس في صنع القرارات التنموية التي تؤثر في حياتهم. يضاف إلى ما تقدم، الإنصاف والمساواة: إنصاف الأجيال المقبلة بالحفاظ على حقها في الموارد الطبيعية، وإنصاف من يعيشون اليوم من البشر ولا يجدون فرصًا متساوية مع غيرهم في الحصول على الموارد الطبيعية والخدمات الاجتماعية، فالتنمية المستدامة تهدف إلى القضاء على التفاوت الصارخ بين الدول في شمال الكرة الأرضية وفي جنوبها.
وتهدف التنمية المستدامة في بعدها الاجتماعي أيضًا، إلى تقديم القروض للقطاعات الاقتصادية غير الرسمية، وتحسين فرص التعليم، والرعاية الصحية بالنسبة الى المرأة.
 

• البُعد التكنولوجي:
تهدفُ التنمية المستدامة إلى تحقيق تحوّل سريع في القاعدة التكنولوجية للمجتمعات الصناعية، وجعلها أنظف وأكفأ، وأقدر على الحدّ من تلوث البيئة. كذلك تهدف إلى تحقيق التحوّل نفسه في البلدان النامية الآخذة في التصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التلوث البيئي الذي تسببت به الدول الصناعية. ويشكّل التطور التكنولوجي وفق مفهوم التنمية المستدامة، وسيلة هامّة للتوفيق بين أهداف التنمية وبين القيود التي تفرضها البيئة، بحيث لا تتحقق الأولى على حساب الثانية.

 

أنماط الاستدامة البيئية
توجد عدة أنماط للاستدامة تمثّل مكوّنات التنمية المستدامة، ويمكن إجمالها على النحو الآتي:
 

• الاستدامة المؤسسية:
تعني توافر الهيكلية التنظيمية التي تتيح للمؤسسات الحكومية أداء دورها في خدمة مجتمعاتها وتحقيق التنمية المستدامة، إلى جانب المنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص.
 

• الاستدامة الاقتصادية:
توصف التنمية بالاستدامة الاقتصادية عندما تتضمن سياساتها اعتماد أنشطة اقتصادية سليمة مـن الناحية الإيكولوجية. فالتنمية الزراعية والريفية مثــلًا تتّســـــم بالاستدامـــــة عندما تكون سليمة من الناحية الإيكولوجية، وقابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية، وعادلة من الناحية الاجتماعية، ومناسبة من الناحية الثقافية.
 

• الاستدامة البيئية:
يُقصد بالاستدامة البيئية الحدّ من التدهور البيئي إلى أقصى ما يمكن. ما يعني استخدام الموارد الطبيعية بشكل يسمح بتجديد التوازن البيئي، وعدم إلحاق الأضرار برأس المال الطبيعي كحدّ أدنى.
 

• الاستدامة البشرية:
إنّ العلاقة بين مفهومي التنمية البشرية والتنمية المستدامة، هي أشبه بالعلاقة بين الحاضر والمستقبل. فضمان حق الأجيال القادمة بمستوى معيشة أفضل يقتضي إرساء التوازن بين حاجات السكان وبين الموارد المتاحة، وبالتالي لا بدّ من ربط قضايا البيئة بالتنمية بشكل محدد ومستمر، حيثُ أنّه لا وجود لتنمية مستدامة بدون التنمية البشرية.