في الميدان

بين الناقورة وجرود عرسال: صورة لا يعرف تفاصيلها كثيرون

من الناقورة إلى جرود عرسال، أعادت جولتا وزير الدفاع الوطني الياس بو صعب وقائد الجيش العماد جوزاف عون تظهير صورة تغيب تفاصيلها الحقيقية عن بال الكثيرين.
ففي إشارة الوزير بو صعب إلى أنه لم يستطع الوقوف أكثر من دقائق في أحد المراكز، وتساؤله كيف يستطيع العسكريون المكوث هناك، دلالة على قساوة الظروف التي يواجهونها لتأدية مهمّاتهم على طول الحدود.

 

في الجنوب، ركّز الوزير بو صعب على الارتباط بين الاقتصاد والأمن، مشدّدًا على ضرورة تعزيز قدرات الجيش بالعديد والعتاد للدفاع عن كل شبر من الأراضي اللبنانية. أما في جرود عرسال فقد تسنّى له أن يعاين ويلمس بالفعل ما معنى انتشار الجيش على الحدود الشمالية الشرقية. وما معنى أن يقاتل هناك... وأن يسدّ منافذ التسلل والتهريب، ومرة أخرى نعود إلى المثل: «الحكي مش متل الشوفي» لم نستطع الوقوف أكثر من خمس دقائق... قال الوزير بو صعب، مشيرًا إلى أنّ الصقيع فعل فعله في حنجرته...

 

نفتخر بما تقوم به وحدات الجيش
أولى محطات زيارة وزير الدفاع الوطني الجنوبية كانت في مقر قيادة قطاع جنوب الليطاني، حيث استقبله قائد الجيش العماد جوزاف عون. وبعد عرض تعرّف من خلاله إلى مهمات القطاع والوحدات المنتشرة في الجنوب وآلية التنسيق مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، توجه الوزير بو صعب إلى الضباط والعسكريين بالقول: «نفتخر بما تقوم به وحدات الجيش المنتشرة في كل المناطق اللبنانية، لا سيّما في الجنوب، من أجل المحافظة على الاستقرار»، معتبرًا أنّ الاقتصاد يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن، ما يعني أنّ الجيش يُسهم مباشرة في تحسين الاقتصاد الوطني.
ثم انتقل الوزير بو صعب والعماد عون إلى مقر قيادة الـ«يونيفيل» في الناقورة، حيث كان في استقبالهما قائدها الجنرال Stephano Del Col، وعقد الجانبان لقاءً تناولا فيه الوضع الأمني في المنطقة، والاجراءات التي يقوم بها الجيش بالتعاون مع هذه القوات لضمان الاستقرار في الجنوب، وخصوصًا عند الخط الأزرق. ونوّه الجنرال Del Col خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الوزير بو صعب، بالعلاقة التي تربط الـ«يونيفيل» بالجيش اللبناني، واصفًا إياه بالشريك الاستراتيجي.
من جهته، أثنى وزير الدفاع على مستوى التعاون بين الجيش والـ «يونيفيل» للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، مذكّرًا بخروقات العدو الإسرائيلي المتكررة للقرار 1701 برًا وبحرًا وجوًا، ومشيرًا إلى التزام لبنان القرارات الدولية. وأشاد الوزير بو صعب بالجهود الجبّارة التي يبذلها الجيش والقوات الدولية في جنوب لبنان، مشدّدًا على ضرورة تعزيز قدراته بالعديد والعتاد للدفاع عن كل شبرٍ من الأراضي اللبنانية.


خطر الإرهاب يبقى قائمًا
وكان العماد قائد الجيش قد تفقّد مقر قيادة القطاع في صور، والتقى قائد القطاع وقادة الوحدات المنتشرة في الجنوب، واطّلع منهم على الوضع في المنطقة والإجراءات الميدانية المتّخذَة عند الحدود. وتوجّه العماد عون إلى الضباط والعسكريين بالقول: «بفضل جهودكم وحرصكم على تنفيذ مهمتكم بحرفيةٍ وتفانٍ، تمرّ فترة الأعياد بسلامٍ وأمان. أنتم تقومون بواجباتكم تجاه أهلكم ووطنكم، وتسهرون لِدَرء مخاطر العدو الإسرائيلي الذي ما زال يتربّص بنا شرًا، والإرهاب التكفيري الذي يبقى خطره الأمني قائمًا، وإن كنّا قد حققنا انتصارًا حاسمًا في الجرود الشرقية». ودعا العماد عون إلى عدم الانجرار خلف الحملات والشائعات التي تطال الجيش، والتزام تعليمـات القيـادة.

 

كونوا على قدر الثقة
في قيادة لواء المشاة الخامس في البياضة، إطلع العماد عون على سير العمل، وإذ نوّه بالجهود التي يبذلها الضباط والعسكريين توجّه إليهم قائلًا: «لقد أصبح الجيش محطّ أنظار العالم ومصدر فخرٍ وثقةٍ عند اللبنانيين، فكونوا على قدر هذه الثقة». ولفت العماد عون إلى أنّ جميع دول العالم تستثمر في الجيوش، داعيًا إلى تحصين الإنجازات الوطنية التي قُدّم في سبيلها الكثير من التضحيات.

 

في جرود عرسال: الثلج ما زال مقيمًا
يقع مركز قلعة الشروق في جرود عرسال على ارتفاع 2154 مترًا، وهو تابع لفوج الحدود البرية الرابع. وصل الوزير بو صعب إلى هذا المركز على متن طوافة عسكرية وكان قد سبقه إليه العماد جوزاف عون.
هناك حيث المكان أشبه بصحراء قاحلة، شاهد بأم العين كيف يتمركز الجنود، كيف يؤدون خدمتهم، كيف ينتقلون من مركزٍ إلى آخر، وكيف يتدبّرون أمور حياتهم اليومية.
يغطي المركز ثمانية معابر حدودية، تنفّذ عناصره مهمات المراقبة وتقوم بدورياتٍ أيًا كانت الظروف المناخية. في أيام الثلج – الذي ما زال مقيمًا ويحاصر عدة مراكز – تصبح الريح نعمة أحيانًا... حتى رؤية التراب هي نعمة غير متاحة دائمًا، خصوصًا إذا كان تراب الطريق الذي يسلكه العسكريون سيرًا على الأقدام أحيانًا، أو يستخدمون «الزحافات» لاجتيازه... ربما وجبت الإشارة إلى أنّهم يستخدمون الـ«سكيدو» حيث يمكن ذلك.
ماذا عن الآليات؟ أصلًا ثمة مسالك لا تستطيع الآليات السير عليها، أضف إلى ذلك، ليس الماء وحده ما يتجمّد شتاءً، فالمازوت أيضًا... إذا كان تذويب الثلج يحلّ مشكلة المياه، فماذا عن المازوت؟
حصار الثلج استمر شهرًا هذه السنة، أحد العسكريين لم يستطع مغادرة المركز لحضور دفن والده، آخر مرِض، إيصاله إلى أقرب مركز للمعالجة كان معاناة حقيقية، فأقرب منطقة مأهولة تبعد عن الموقع نحو 15 كلم.
كم يبعد مركز الخدمة عن بعلبك مثلًا؟ يأتينا الجواب: ساعة تقريبًا. بالطبع لا يأتي العسكريون جميعهم إلى هذا المركز من بعلبك، فهم يأتون من الجنوب، من عكار، من بيروت... إذًا كم ساعة يمضي العسكري لينتقل من مركز خدمته إلى بيته، وبالعكس؟! في أيام المعارك، كانت المأذونية للمقاتلين في الجرود ترفًا لا يخطر في البال أصلًا...

 

محظوظون!
لا تبدو هذه التفاصيل كبيرة الأهمية بنظر العسكريين الموجودين في هذا المركز، يعتقدون أنّهم محظوظون نسبة لرفاقٍ لهم في مركز عش النسر أو في رأس وادي الهوا حيث يصل الارتفاع إلى نحو 2400 متر. وهم حين يرون علامات الدهشة على وجوه زائريهم يشعرون بشــيءٍ مــن الخجــل. «عــادي هــذه حياة العسكــر» يقــول أحدهــم، ويــردف رفيقــه «نحــن اخترنــا هــذه الحيــاة، ومــا نقــوم به ليــس ســوى واجبنــا».


حافظوا عليها
يتحدث قائد الجيش إلى العسكريين وهو من خَبِر وحشة الجرود وخطرها، يسأل عن كثير من الأمور فيجيبون وعلى وجوههم ابتسامة الثقة. يشير أحدهم إلى وجود دببة في المنطقة تظهر ليلًا. يطلب إليهم المحافظة على تلك الحيوانات البرية لأنّها ثروة بيئية، كما يوصيهم بالحذر الدائم والحرص على سلامتهم.

 

كل عسكري هو مشروع شهيد
من جهته، تحدث وزير الدفاع بعد اطّلاعه على المهمات التي يؤديها العسكريون في الجرود، والظروف التي يعيشون فيها. وإذ أشار إلى أنّ الجيش اللبناني ينتشر على طول الحدود وهو أمر لم يحدث منذ عقود، أكد أنّ «الجنود يقومون بضبط الحدود وحمايتها من أي تسلل قد تنفّذه مجموعات إرهابية، متحدّين الظروف المناخية القاسية للدفاع عن سلامة اللبنانيين»، مشيدًا بالجهود الاستثنائية التي تبذلها المؤسسة العسكرية.
وفي السياق نفسه، قال وزير الدفاع الوطني: «الجيش يكافح التهريب في المناطق التي ينتشر فيها». لافتًا إلى «الجهود التي يبذلها لاستكمال إغلاق المعابر غير الشرعية ومنع تهريب الممنوعات والبشر، عبر تكثيف الدوريات والكمائن، فضلًا عن المراقبة اليومية التي تتولاها المراكز الثابتة والأبراج».
واعتبر الوزير بو صعب أنّ «كل عسكري أقسم يمين الوفاء والذّود عن لبنان، هو مشروع شهيد»، لافتًا إلى أنّ الجيش لا ينتظر منّة من أحد ولا يهمّه سوى محبة الناس».
وفي ما يتعلق بالموازنة، «رفض الوزير بو صعب بشكل قاطع أي مساس بحقوق العسكريين لأنّ وجودهم ضمان للأمن، الذي هو في حد ذاته أحد أهم أسس الاقتصاد».
 

على الحكومة أن تغلق كل أبواب الهدر
وأضاف: «نحن في وزارة الدفاع وبالتعاون مع قيادة الجيش، ندرس الموازنة ونعرف أين يجب التقشف، وسنكون على قدر المسؤولية، ولكن من غير المقبول أن يتحمل الجيش مسؤولية الوضع الاقتصادي الذي وصلنا إليه اليوم، ولا يجوز أن نستسهل المس بحقوق العسكريين». مؤكدًا: «ندرس كل البنود من أجل التقشف... وعلى الحكومة أن تُغلق كل أبواب الهدر».
وإذ أوضح أنّ «راتب التقاعد يُحسم سلفًا من العسكريين»، لفت إلى أنّه «يحق للعسكري المتقاعد أن يعيش بكرامة بعد سنين طويلة من التضحية والعطاء». وحيّا العسكريين المتقاعدين واعتذر إليهم «لأنّهم يضطرون للنزول إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم».
انتهت الجولة، الزائرون وودّعوا العسكريين الذين عادوا إلى مهماتهم، عادوا إلى الصخر والوعر، إلى صقيع الثلج ولهيب الشمس والخطر...