ملف العدد

بين عرسال ورأس بعلبك

أبطال ينغرسون في الأرض كالصخور يقاتلون، يستبسلون، يستشهدون ويظلّ علمهم مرفوعًا

 

وزير الدفاع ينوّه بشجاعة الجيش
أثنى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الوطني سمير مقبل على «شجاعة الجيش وإقدامه وقدراته في صد أيّ هجوم ودحر المعتدين مهما حاولوا». وقال في هذا السياق: «الجيش كان ولا يزال الدرع القوي وصمّام الأمان في حماية الوطن، وما سجّله من بطولات وانتصارات رسّخ في أذهان الجميع، بأن أيّ إعتداء على تراب الوطن وجيشه مصيره الفشل المحتّم، ولبنان سيكون مقبرة للمعتدين». كما تقدّم الوزير مقبل بالتعزية من المؤسسة العسكرية وذوي الشهداء، متمنّيًا الشفاء العاجل للجرحى.

 

في فسحة ما بين العاصفة والمعركة، كانت لمجلة «الجيش» جولة بين عرسال ورأس بعلبك.في المراكز الممتدة بين جرد وآخر، وفي حضرة الثلج والصقيع، كانوا بكامل جهوزيتهم وشجاعتهم. هناك حيث الصقيع أشبه بمقص يفصل الأطراف عن باقي أعضاء الجسم، كانوا متأهبين يرصدون الخطر لحظة بلحظة. خلال نهار كامل انتقلنا بين مراكزهم لنستكشف أحوالهم ولنستطيع تكوين فكرة عن الظروف التي يؤدون فيها مهمّتهم المقدّسة. كان مجرد الوصول إلى حيث هم، مهمة شاقة اقتضت تدخلهم ومساعدتهم لنتمكن من متابعة السير... أما هم فلا يرون في كل ذلك إلّا مجرد واجب اختاروا أن ينبروا له بكل جوارحهم لأنهم أقسموا اليمين المقدس...
بعد بضعة أيام من زيارتنا لهم، حلّ القائد بينهم. شدّ على أياديهم، ثمّن تضحياتهم، وأكّد أنه لا خوف على لبنان، ما داموا «هنا، منغرسين في الأرض كالصخور»... (تفاصيل جولة قائد الجيش العماد قهوجي في مكان آخر من هذا العدد).
مرّ يومان، وفي صباح اليوم الثالث كانوا على موعد جديد مع الخطر والبطولة. الإرهابيون حاولوا التسلل إلى أحد المراكز. هذه المرة كانت تلة الحمرا في جرود رأس بعلبك هدفهم. هناك كان ثمة رجال يغلي في عروقهم دمّ الشجاعة والتضحية والشرف. رجال يتجمّد كل شيء من حولهم، لكن هممهم تبث الحياة والدفء في الجماد والصقيع.
قاتلوا، استبسلوا، استشهد منهم ثمانية، جرح آخرون. ظلّ علمهم مرفوعًا، محروسًا بهممهم وهاماتهم. أما الإرهابيون المجرمون، ففشلوا مرّة أخرى في تحقيق هدفهم، قتل منهم العشرات، ظلت جثث كثيرة لهم في ساحة المعركة، وانكفأ الباقون إلى أوكارهم...
من المعركة البطولية نبدأ، لنعود ونستعرض ما شاهدناه وسمعناه وخبرناه في جولة ستظل كل تفاصيلها في البال والقلب، ولنردّد مع كل شروق شمس وعتمة ليل: حماكم الله يا أبطالنا، ومن رأس بعلبك، إلى «رأس السماء»، أرواح شهدائنا الأبرار.

 

الإرهابيون يحاولون فرض وقائع ميدانية
بين معركة عرسال مطلع آب الماضي، وبين مطلع العام الجديد، صدّ الجيش اللبناني العديد من محاولات التسلل باتجاه مراكزه على الحدود الشرقية الشمالية. فالإرهابيون كانوا يسعون باستمرار إلى خلق وقائع ميدانية جديدة على طول خط الحدود اللبناني الشرقي.
وفي إطار رصده تحركات الإرهابيين ومنعهم من التسلل باتجاه مراكزه، نفّذ الجيش ليل 23 كانون الثاني المنصرم كمينًا استهدف مجموعة مسلحين تحاول التقدّم باتجاه حاجز وادي حميد – عرسال حيث أوقع في صفوفهم أربعة قتلى بالإضافة إلى إلحاقه خسائر بمجموعاتهم في الجرود، علمًا أنه أحبط قبل يوم من ذلك محاولة نقل سيارة مفخخة إلى الداخل اللبناني.

 

على تلة الحمرا
فجر 23 كانون الثاني هاجمت مجموعات من التنظيمات الإرهابية مركز مراقبة متقدمًا جدًا للجيش في تلة الحمرا – جرود رأس بعلبك لجهة الحدود اللبنانية – السورية.
وتلة الحمرا تشرف على وادي سيل رأس بعلبك، وهي ذات موقع استراتيجي بالغ الأهمية لكونها تؤمن حماية القطاع بكامله مقابل التلّة. يتمركز الإرهابيون في موقع لا يبعد أكثر من كلم واحد (جبل المخيرمة)، وقد تسللوا ليلًا مستفيدين من طبيعة الأرض، خصوصًا أن تلة الحمرا واسعة جدًا، حيث يمتد رأسها على مسافة 3 كلم تقريبًا. عدد المهاجمين كان نحو 150 إرهابيًا، ما لبث أن تضاعف لاحقًا.
اشتبك الجيش مع المهاجمين المتسللين إلى أحد المواقع، استمرت الاشتباكات عنيفة عدّة ساعات، وانتهت باحكام وحداته السيطرة على التلة، وبطرد الإرهابيين الذين سقط لهم عشرات القتلى.
شاركت في المعركة قوات دعم قوامها وحدات من المدفعية، بينما تولت المروحيات والطوافات مهمة الدعم من الجو. أما قوى الهجوم الرئيسية فضمت وحدات من الفوج المجوقل وأخرى مؤللة من فوج الحدود البري الثاني.
كانت معركة شرسة خاضها العسكريون بثبات وشجاعة، هاجموا تحت وابل نيران الإرهابيين المتمركزين في الأعلى وسيطروا على جميع المواقع ببطولاتهم ودمائهم.
سقط منهم ثمانية شهداء، ضابط و7 عسكريين، وأصيب عدد آخر إصابات مختلفة. كثيرون من الجرحى تابعوا القتال. الدماء النقية عززت سياج الأمان وصدت مرّة أخرى الخطر. فسيطرة الإرهابيين على تلة الحمرا لو حصلت لكان من شأنها أن تهدّد منطقة رأس بعلبك بكاملها.
العسكريون كانوا مدركين لأهمية الموقع ولقدسية المهمة التي يتولونها، فاستبسلوا في تنفيذها، ووقعوا بالدم عهد الشرف والتضحية والوفاء.

 

أنجزوا المهمة
أنجزوا المهمة وهم يعلمون جيدًا أن ما بعدها مهمات كثيرة أخرى، وهم لها مستعدون.
قدّموا التضحيات الكبرى وهم متأكدون أنهم سيستمرون في تقديمها.
من استشهد منهم وفى بعهد قطعه لآخرين سبقوه، ومن يـواصل مسيرة التضحية، يؤكد أن الوفاء والشرف هو حبل الصرّة الذي يمتدّ بين الرفاق ليجعلهم كتلة واحدة منذورة لحماية الوطن.
بوركت شهاداتهم، بوركت شجاعتهم، أولئك الذين في رأس بعلبـك ارتفعـوا إلى السمـاء، ورفاقهم الذين ما زالوا يحـرسون التـلال والأوديــة وكل شبـر في لبنان.