تايوان بين الستراتيجيتين الصينيّة والأميركيّة

تايوان بين الستراتيجيتين الصينيّة والأميركيّة
إعداد: د. كمال حمّاد
محاضر في كلية القيادة والأركان. - أستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.

جرت الانتخابات الرئاسيّة في تايوان في 18 آذار 2000 وفاز فيها مرشح الاستقلال عن الصين, إلاّ ان الحرب لم تبدأ بين البلدين وربما لن تبدأ أبداً. وربما كان الهدف من المناورات العسكرية الصينية قبالة السواحل التايوانية والتهديد بالحرب في حال إعلان الاستقلال عن الصين, هو تذكير التايوانيين أوّلاً وأخيراً بأنّ تايوان هي أرض صينية وستعود إلى الأرض الأمّ مهما طال الزمن.
وإذا راجعنا التاريخ الصيني الحديث والقديم, نرى أنّ حدود الصين ضاقت ضمن حوض النهر الأصفر, قبل عهد سلالة تشو (1028 -­ 256 ق.م.) واتّسعت في عهد سلالة تشو غرباً وجنوباً وشملت حوض النهر الأزرق أيضاً.
وفي عهد أسرة تشن (256 ­-  206 ق.م.) حاول الأباطرة توحيد بلاد الصين توحيداً حقيقياً. ومن أجل تأمين سلامة الأمبراطورية وردّ الغزاة عنها, قامت الحكومة ببناء السور العظيم, الذي ساعد, بالإضافة إلى ردّ الغزاة, على تقوية الشعور بوحدة المصير بين الصينيين.
وفي عهد سلالة هان (206 ق.م. - ­ 220م.) عندما استولت على الحكم, قامت بسلسلة من الفتوحات وضمّت إلى الصين كوريا ومنشوريا في الشمال, وهضبة التيبت والهند الصينية في الجنوب, كما مدّت سيادتها غرباً داخل القارة حتى الحدود مع أفغانستان.
وبعد زوال سلطة هان سنة 220م. دخلت الصين في دور من الانحطاط. وكان ذلك نتيجة الفوضى التي عمّت البلاد في الداخل والأخطار التي كانت تهددها من الخارج. فقد ضعفت الحكومة المركزية وأعلن عدد من حكّام الأقاليم استقلالهم. كما ان قبائل المغول هاجمت الصين واحتلّت القسم الشمالي منها. كذلك كانت جموع البرابرة قد أخذت تهاجم الأمبراطورية الرومانية في الغرب.
في سنة 618م. وصلت إلى الحكم سلالة تونغ (618 - ­ 906 م.) فاستطاع الأمبراطور (تاي تسونغ) أن يعيد إلى الصين استقلالها السياسي ووحدة أراضيها ونشاطها الحضاري.
ومـا ان تسلّمت سلالة سونغ الحكم حتى هــاجمت قبـائـل التتر الصين واحتلت القسم الشمالي منها, أما القسم الجنوبي فقد ظلّ خاضعاً لحكم ملوك سونغ. وفي أوائل القرن الثالث عشر الميلادي, هاجمتها قبائل المغول بقيادة جنكيزخان وانتزعت القسم الشمالي من أيدي التتر. وفي سنة 1260, هاجم حفيد جنكيزخان واسمه كوبله خان جنوبي الصين وضمّه إلى أمبراطوريته فأصبحت الصين كلها خاضعة للحكم الأجنبي.
وما أن أطلّ القرن السادس عشر حتى كانت الصين قد أمس في حالة من الضعف والانحلال. وبقيت كذلك حتى شقّت الدول المستعمرة طريقها إليها بالقوة في القرنين التاسع عشر والعشرين, فزاد ذلك حالتها سوءاً وتأخّراً. (“حضارات العالم في العصور القديمة والوسطى”, تأليف شفيق جحا وغيره, بيروت 1969, ص 424 ­-  429).

تايوان بين التهديد الصيني وإعلان الاستقلال
أعلنت الصين في 6 آذار 2000 انها سترفع الميزانية المخصصة للدفاع بنسبة 12,7 في المئة لعام 2000, وهو رقم قياسي يبلغ 14,56 مليار دولار, وذلك للمضي قدماً بتنفيذ برنامج لتحديث قواتها المسلحة وسط موجة جديدة من التهديدات لتايوان.
وهدّدت الصين قبيل انتخابات الرئاسة في تايوان التي جرت في 18 آذار 2000, بغزو الجزيرة إذا تقاعست طويلاً عن إجراء محادثات الوحدة. وتعتبر الصين تايوان إقليماً متمرّداً يجب أن يعود إلى الوطن الأم([1]).
وفي 21 شباط 2000, ومع بدء حملة الانتخابات الرئاسية في تايوان, شدّدت بكين حملتها على الجزيرة, محذّرة من نشوب حرب, إذا ما استمرّت (تايبه) في رفض إجراء مفاوضات للتوحيد مع البرّ الصيني. وجاء في كتاب أبيض أصدره مجلس الوزراء الصيني: “إنّ بكين ستضطرّ إلى اتخاذ إجراءات صارمة تشمل اللجوء إلى القوة العسكرية إذا أرجأت تايوان إلى أجل غير مسمى مفاوضات إعادة التوحيد مع الوطن الأمّ. ورأى ان إصرار تايوان على أن تتبع الصين أوّلاً نموذج الديمقراطيّة الغربية, ليس إلاّ ذريعة لإرجاء إعادة التوحيد”. وجاء أيضاً في الكتاب الأبيض: “للحفاظ على سيادة الصين ووحدة أراضيها والتوصّل إلى توحيد ضفتي مضيق تايوان, يحقّ للحكومة الصينية اللجوء إلى كلّ الوسائل الضرورية”. وأضاف ان الصين ترفض تعهّد عدم اللجوء إلى القوّة ضد تايوان([2]).
في 22 شباط 2000, ردّت وزارة الخارجية التايوانية على الكتاب الأبيض الصيني, قائلةً في بيانٍ مقتضب: “انها حقيقة معروفة لدى الجميع ان كلاً من جانبي مضيق تايوان يخضع لحكم منفصل منذ عام 1949”.
وفي لقاء والصحافيين, انتقد الناطق الرسمي باسم مجلس شوؤن الوطن الأمّ, التابع لمجلس الوزراء في تايوان, لين شونغ بين, بكين لعدم قبولها حقيقة أن تايوان, على رغم كونها جزءاً من الأراضي الصينية, لا تخضع لحكم جمهورية الصين الشعبية الشيوعية, وقال: “ان استمرار إنكار الشيوعيين الصينيين لوجود جمهورية الصين (تايوان) سيؤدي إلى مزيد من المشاكل في العلاقات بين جانبي المضيق ويزيد من حدّة التوتر”. وأضاف: “ان ذلك لن يساعد إطلاقاً على حلّ القضايا الحقيقية”.
وكان الرئيس التايواني, لي تينغ هوي, قد صرّح في حزيران 1999: “ان العلاقات بين الجانبين ما هي إلاّ علاقة خاصة بين دولة وأخرى”.
وفي هونغ كونغ التي عادت إلى الصين بتاريخ الأوّل من آب 1997, مع حفاظها على اقتصادها الحرّ وسياستها القائمة على الديمقراطية والحرية, أفادت تقارير ان بكين قد تُحدّد للمرة الأولى مهلة نهائية لضمّ تايوان إلى الصين. ونقلت صحيفة اSouth China Morning Post عن مصادر وثيقة الصلة بصانعي القرارات المتعلقة بتايوان في بكين, ان تحديد موعد نهائي قد يكون في الفترة ما بين سنتي 2007 و2010, وربما كان الإجراء الأخير في عملية تصعيد الضغوط من أجل ضمّ تايوان إلى الصين. وقالت ان بكين غير قلقة من إمكان إثارة غضب الولايات المتحدة بسبب تايوان, وأعربت عن اعتقادها بأن سياسة القوة تؤتي ثمارها أحياناً”([3]).

لمحة في تاريخ تايوان
تشكّل تايوان 270/1 من مساحة الصين و55/1 من سكانها.
عرفت تايوان لأوّل مرّة لدى الغرب في القرن السادس عشر باسمها البرتغالي (فورموزا) وتعني بالعربية (الجميلة). وفي القرن السابع عشر, سيطر الإسبان والفلمنكيون على أجزاء من الجزيرة. وتمّ دحر الفلمنك عام 1661 على يد القرصان Koxinga) ) الذي جعل من تايوان ملاذاً لمؤيدي السلالة الملكية المخلوعة Ming) ) .
في عام 1683, استسلمت تايوان إلى السلالة الملكية ing) ‘Ch) وأصبحت جزءاً من مقاطعة Fukien) ) الصينية.
في عام 1895, ضُمّت تايوان إلى اليابان وذلك بعد الحرب اليابانية الصينية الأولى, وطوّرت على أساس مستعمرة يابانية.
عادت تايوان إلى السيادة الصينية في عام 1945 وذلك بعد الحرب العالمية الثانية.
وأصبحت في عام 1949 ملاذاً لحكومة جمهورية الصين الوطنية بعد أن سيطر الشيوعيون على مقدرات السلطة في الصين.
تقع جزيرة تايوان على بُعد 185 كلم من السواحل الجنوبية للصين, وتتألف من 15 جزيرة قريبة تشكّل مجموعة جزيرة تايوان الأساسية, بالإضافة إلى 64 جزيرة صغيرة في منطقة Penghu Island) Pescadores ) , ومن بين الجزر الستراتيجية المهمة:

 Quemoy و Matsu وتقعان بالقرب من الساحل الصيني.
من قاعدتهم في تايوان, استمرّ الصينيون الوطنيون بزعامة Chiang Kai-shek بالإدّعاء بالسيادة على كل الصين, وكافحوا بكل الوسائل لاسترجاع الأرض الأمّ ولكن من دون جدوى.
وقد ساعدت الولايات المتحدة الأميركية إدّعاءات تايوان في الصين وفي الأرض الأمّ, ووقّعت معها عام 1954 ميثاق أمني مشترك للدفاع عن تايوان ومجموعــة الجزر المحيطة بها.
وفي عام 1975, مات Chiang Kai-shek, وخلفه في الرئاسة نائبه Yen Chia-kan, ولكن مقاليد السلطة الحقيقية كانت بيد إبن الرئيس السابق البكر Chiang Ching-kuo.
في عام 1971, فقدت تايوان مقعدها في الأمم المتحدة لصالح جمهورية الصين الشعبية, وفقدت أيضاً تأييداً دولياً إضافياً في عام 1989 بسبب إلغاء الولايات المتحدة من طرفٍ واحد الميثاق الأمني المشترك مع تايوان, بالرغم من استمرار الروابط غير الرسمية بين البلدين.
وقد أسهم ازدهار الاقتصاد التايواني في الاعتماد على السياسة الليبرالية. وكان الرئيس التايواني Chiang Ching-kuo الذي انتخب مرتين في أعوام 1978 و1984, قد شرع في سياسة الإصلاح الديمقراطي التدريجي. وكان قد ألغى الحكم العرفي المعمول به في الجزيرة منذ عام 1949 وذلك في 14 تموز 1987, وأيضاً سهّل معاملات السفر إلى الصين والتجارة معها.
وبعد وفاة الرئيس Chiang Ching-kuo, انتخب Lee Teng-hui المولود في تايوان رئيساً لتايوان وتابعاً عملية السياسة الليبرالية التي انتهجها سَلَفه. وفي عام 1991 ألغى الرئيس الجديد سياسة الطوارئ المعمول بها في تايوان منذ عام 1949, ووقّع على وثيقة تنهي 40 سنة من الحرب الأهلية بين تايوان والصين.
وقد أجرت الصين وتايوان في عام 1993, أوّل محادثات بينهما على أعلى مستوى. ولكن حالة التوتر عادت وبقوة, مسيطرة بين البلدين حتى يومنا هذا, وذلك بسبب زيارة الرئيس التايواني إلى أميركا عام 1995, وما رافقها من أجواء سياسية ومناداة بالانفصال عن الوطن الأمّ([4]).

الستراتيجية الاميركية في تايوان ومنطقة جنوب شرق آسيا
بداية, لا ينبع الاهتمام الاميركي الواضح بتايوان من فراغ, وانما من اهميتها للمصالح الاميركية البالغة الاهمية في هذه المنطقة الستراتيجية من العالم.
فالموقع الجغرافي لتايوان, من مضيق تايوان وقناة باشي الممرين البحريين الرئيسيين اللذين يربطان شمال شرق آسيا بجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط, يشكّل أهمية خاصة لحلفاء واشنطن مثل اليابان التي تعتبر تايوان مهمة لأمن حدودها الجنوبية, كذلك الفيليبين في ما يتعلق بحدودها الشمالية. ولا ننسى ان كلّ دول المنطقة تقريباً تسيطر عليها المخاوف والهواجس عقب تنامي وتزايد نفوذ الصين. أضف إلى هذا ان واشنطن تعيد ترتيب أولويات سياساتها الخارجية ومصالحها الامنية عقب انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد هو التهديد والخطر الاساسي للمصالح الاميركية بل النزاعات الاقليمية, علاوة على اشتراك اميركا وتايوان بعدد من المصالح السياسية والاقتصادية, منها الرغبة الجامحة في فتح الاسواق اليابانية أمام أنشطتهما التجارية بغية تحقيق نوع من التوازن في اتبادل التجاري بين واشنطن وطوكيو والذي يميل بقوة لصالح اليابان.
كما ان الطرفين يرغبان في ان تنتهج بكين سياسة تتماشى مع اصطلاحاتها الاقتصادية والانفتاح اكثر على الغرب. واذا تحقق ذلك فان هناك احتمالاً ولو ضئيل في تغير نهج القيادة الصينية المتشددة تجاه تايوان التي ترفض الموافقة على صيغة دولة واحدة وحكومتي,ن أو بمعنى آخر ان يظل الوضع على ما هو عليه مع عدم اعلان تايبيه الاستقلال.
كما يهدف البلدان إلى تحقيق انتشار اوسع للأعمال والتبادل التجاري ومبادىء الحرية والديمقراطية في آسيا.
وإلى المصالح السياسية والاقتصادية, هناك مصالح ستراتيجية للولايات المتحدة في تايوان. ففي المرحلة (1985 ـ 1995) كانت تايوان قد أخذت قسطها الوافر من التغييرات الدولية التي هبت رياحها على العالم الشرقي نهاية الثمانينات, وأوّل تغيير طالت أبعاده الازمة التايوانية, كان نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي, وتلاشت كذلك الابعاد الستراتيجية للعلاقات الاميركية ـ الصينية. وصار التهديد الرئيسي للمصالح الاميركية يتجسد في النزاعات الاقليمية في مثل جزيرة تايوان, شبه الجزيرة الكورية, جزر بحر الصين الجنوبي ودول الهند الصينية, كذلك, تتمتع تايوان بموقع ستراتيجي يمتد من مضيق تايوان وقناة باشي, الممرين الرئيسيين البحريين اللذين يربطان شمال شرق آسيا بجنوب شرق آسيا والشرق الاوسط. ومن هنا تتضح أهمية وجود حكومة موالية أو على الأقل صديقة في تايوان بفتحها هذين الممرين أمام الولايات المتحدة. بعد مغادرة القوات الاميركية قواعدها العسكرية في الفيليبين.
كما ان تايوان تحظى بأهمية خاصة لدى الولايات المتحدة نظراً لأهميتها الستراتيجية لحلفاء أميركا في المنطقة مثل الفيلبين واليابان وكوريا الجنوبية.
وقد حضرت هذه المزايا والمصالح الستراتيجية في مباحثات الولايات المتحدة عام 1979 وهي تقوم بتطبيع العلاقات مع الصين, حتى نصت المعاهدة على ان تطبيع العلاقات الاميركية ـ الصينية يقوم على أساس ان تعيين مستقبل تايوان يجب ان يكون بالطرق السلمية فضلاً عن رعاية مبادىء حقوق الانسان([5]).
وفي تشير دراسة اميركية حول تايوان, اجريت بعد ان تأزمت العلاقات بين الصين من جهة والولايات المتحدة وتايوان من جهة ثانية, عقب زيارة الرئيس التايواني إلى الولايات المتحدة. وقد أعدّت الدراسة بطلب من مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك, جاء فيها: “... انه بالرغم من ان الوضع في مضيق تايوان لا يبدو على وشك التحول إلى وضع عسكري خطير, الا ان التهديد بحدوث زعزعة فجائية للاوضاع ما زال قائماً”. وقد اشارت الدراسة, “إلى انه من المهم اقامة اتصالات أفضل بين أميركا والصين”, “علماً ان هذا النزاع غير مدرج على جدول أعمال منبر “آسيان” الاقليمي أو اية منظمة أمنية أخرى, وذلك لأن الصين تصر على ان هذه القضية قضية داخلية”. “كما يشعر المحللون بالقلق ازاء وجود خطأ مزدوج في الحسابات فالبعض في تايوان يعتقد الولايات المتحدة تسارع إلى نجدتهم حتى وان اعلنوا استقلالهم. وبعض العناصر الصينية, تراهن من جانبها, على ان اميركا لن تتدخل حتى وان لجأت الصين إلى استخـــدام القوة. غــير ان الافتراضين ينمان عن خطر بالغ.
“فالتهديد الاكثر مباشرة للاستقرار انما يتمثل في حملة تايوان, البلد المزدهر اقتصادياً والداخل حديثاً في تجربة الديمقراطية, الرامية للحصول على وضع في المجتمع الدولي بما في ذلك منحها مقعداً في الامم المتحدة”, “غير ان بلايين الدولارات في شكل استثمارات تايوانية, خاصة في الصين, ووجود تبادل تجاري مزدهر بين الطرفين, وزيـارة سبعة ملايين فرد من تايوان إلى البر الصيني في كل عام؛ قد بدأ يقرّب الطرفين من بعضهما البعض, على الأقل نظرياً. أما من الناحية العملية, فان كافة هذه الامور انما يطغى عليها بروز المشاعر الوطنية التايوانية”, “كما ان الثوريين الصينيين بلغوا سن الشيخوخة وبدأت الايديولوجية التي يؤمنون بها لا تجد التأييد, في وقت بدأت تشهد البلاد تغيرات اقتصادية قاسية, فلجأوا هم أيضاً إلى مشاعرهم القومية للعمل على الاحتفاظ بالبلاد متماسكة. فالقضايا المرتبطة بالاراضي تُعتبر ذات حساسية خاصة, كما تُستخدم لاضفاء الشرعية على اللجوء إلى القوة. بالاضافة إلى ان السياسة الخارجية الاميركية التي تعـاني من فقدان الاتجـاه والتردد تجـاه الصين, قد أدت إلى تعقيد الصورة. هذا إلى جانب النزاع الدائر ما بين ادارة الرئيس كلينتون والكونغرس الذي تسيطر عليه الاغلبية الجمهورية, والتي تكن العداوة للصين وتميل باتجاه تايوان, مما يزيد أيضاً من تعقيد الوضع. ولقد تــوصل الزعماء الصينيون, بمن في ذلك المسؤولون العسكريون, إلى أن الرئيس التايواني (لي تينغ هو Lee Teng-hui) بالرغم من الادّعاء بخلاف ذلك, إنما يسعى في الخفاء للحصول على الاستقلال, وان الولايات المتحدة بالرغم أيضاً من انكارها, إنما تعينه في هذا الاتجاه. ويخشى الصينيون حدوث تآكل تدريجي لحقوقهم الخاصة بالسيادة على تايوان, كما يشعرون بالقلق من ان القوى التي تدعم استقلال تايوان قد تخرج عن نطاق سيطرة بكين.
وبالرغم من ان كافة الاطراف تتفق على ان التوسط الخارجي غير مقبول لدى الصين, الا ان للولايات المتحدة دوراً مهماً يمكن ان تلعبه في الحفاظ على التوازن بينهما. فكل من بكين وتايبيه تقران بهذا الامر, وذلك عندما يقوم كلّ منهما سراً بحثّ واشنطن للتأثير على الطرف الآخر. بالاضافة إلى ذلك, فان الولايات المتحدة تُعتبر القوة العسكرية المسيطرة في منطقة آسيا والمحيط الهادي ولديها المعدات العسكرية التي تمكنها من مساندة الاتجاه الذي يفضل اللجوء إلى السلام. كما انها ملتزمة معنوياً ـ على الاقل بعد الغاء اتفاق الدفاع المشترك بينهما ـ بتزويد تايوان بالوسائل التي تمكنها من الدفاع عن نفسها”.
وبناء على هذه الدراسة “أوصى مجلس العلاقات الخارجية” بأن تقوم الولايات المتحدة باعادة اجراء حوار بنّاء مع الصين واعادة التأكيد على أعلى المستويات, على سياستها القائمة على وجود صين واحدة التي تبنّاها الرؤساء الاميركيون الستة الآخرون... ورفض الزيارات المستقبلية التي يقوم بها كبار المسؤولين التايوانيين حتى يتم إعادة بناء علاقة واشنطن ببكين, وانه يجب ان تقر الولايات المتحدة بأهمية تايوان “كشريك تجاري وككيان ديمقراطي”. وذلك من خلال مساندة عضويتها في المنظمات الدولية التي لا تتطلب التمتع بصفة دولة, كما يجب ان تضمن بأن تايبيه تمتلك رادعاً عسكرياً يتميز بالكفاءة, خصوصاً في الوقت الذي ظلت فيه بكين تعمل على تحديث قواتها المسلحة.
غير ان على اميركا ان تحذر تايوان من مغبة اتخاذ خطوات إضافية تعمل على زعزعة الاطار الذي تمكنت تايبيه بواسطته من تحقيق أمور كثيرة... وان تذهب في ذلك إلى المدى الذي تعرف فيه تايبيه ان واشنطن لن تعترف بان اعلان الاستقلال يصدر عن جانب واحد”.

وأخيراً جاء في التوصية “يجب ان تعبر الولايات المتحدة عن معارضتها الشديدة لاستخدام الصين للقوة أو اللجوء إلى الترهيب. أما في ما يتعلق بامكان تدخل الولايات المتحدة في حالة حدوث عمل عسكري, فعلى واشنطن أن تبقى خياراتها مفتوحة”.ويقول المجلس الاطلسي الذي اجرى دراسة عن تايوان حتى عام 2020, “ان دور الولايات المتحدة كأداة توازن سيظل مهماً, كما ان الدور المحتمل للولايات المتحدة يُعتبر مهماً للغاية في منع تفاقم هذا النزاع كما في حله”. “بيد انه يجب معالجة هذه القضية ضمن الاطار الاوسع بل والتحدي الاكثر أهمية الرامي إلى محاولة دمج الصين الصاعدة ضمن آسيا والنظم السياسية والاقتصاديةالعالمية. “الا ان الامكانات لا تعد واعدة اذا ما وضعنا في الاعتبار ميل واشنطن إلى الانشغال بالعوامل الجانبية القصيرة المدى وفشلها في تطوير ستراتيجية بعيدة المدى لخلق روابط مع الصين”.
ويرى المجلس الاطلسي أنه توجد فرص للقيام بخطوات ديبلوماسية خلاقة, منها على سبيل المثال: “ان تقوم الولايات المتحدة بتدعيم الثقة, ووضع اجراءات أمنية عبر مضيق تايوان. وهذه قد تشمل الاعلان عن المناورات العسكرية وتبادل المراقبين والاعلان عن البيانات وإقامة خطوط تلفون ساخنة بين المقرات العسكرية وتنظيم مؤتمرات أكاديمية لتقليل فرص سوء التفاهم. كما انه يجب على الادارة والكونغرس الاميركي محاولة التعاون في مجال السياسة الخارجية في ما يتعلّق ببؤر النزاع مثل النزاع الصيني ـ التايواني, لأن العكس من ذلك يمكن ان يؤدي إلى الاضرار بالمصالح الأميركية الحيوية وتقويض مصداقية أميركا في الخارج”([6]).

ستراتيجية الصين تجاه تايوان
يشير المعهد الدولي للدراسات الستراتيجية إلى ان الصين تتفوق عدة وعدداً, في حين تتفوق تايوان تقنياً وتكنولوجياً. وكانت هذه المعادلة إلى صالح بكين قبل الثورة الأخيرة في التقنية العسكرية التي شهدها العالم في حربي الخليج الثانية ويوغوسلافيا. لكن اليوم, وبعد ان ثبتت فاعلية الاسلحة الذكية, مثل الصواريخ الموجهة بالليزر وطائرات الشبح وأجهزة التنصت والرصد والتشويش الالكتروني, أصبحت المعادلة إلى صالح تايوان في مواجهة الاسلحة الصينية التقليدية التي تملك ترسانة من الاسلحة النووية. ويقول المحلل الستراتيجي (مايكل سوين) ان القيادة العسكرية الصينية تعمل بجهد كبير منذ حرب الخليج الثانية على تطوير العقيدة العسكرية لقواتها. ويضيف ان عملية عاصفة الصحراء ضد العراق أبطلت المفهوم الماوي للحرب الشعبية التي تعتمد على مبدأ حرب الاستنزاف. وعليه فان الهيكل الحالي للقوات الصينية وعقيدتها وتسليحها, غير صالح في حرب ضد جيش حديث.
ويؤكد (جيرار سيغال) في مجلة (الفورين افيرز) Foreign affairs) ) الاميركية في عددها خريف 1999, ان القوة العسكرية الصينية يمكن تصنيفها كقوة من الدرجة الثانية, وهي تمثل نسبة 4,5 في المئة من الموازنة العالمية للدفاع مقابل 33,9 في المئة للولايات المتحدة و25,8 في المئة من موازنة الدفاع لآسيا الشرقية واوقيانيا. ومن البديهي ان بكين تشكل خطراً على تايوان, الا ان المسؤولين عن برامج الدفاع التايواني لا يعتقدون حتى ان باستطاعة الصين غزو جزيرتهم. فحظر الصواريخ مبالغ به إلى حد بعيد, لا سيما إن اخذنا بالاعتبار النجاح الشديد التواضع والقليل الشأن للضربات الكثيفة التي شنتها قوات حلف الاطلسي على صربيا بصواريخ أكثر تطوراً. واذا ما أبدى التايوانيون الارادة نفسها في المقاومة كما الصرب, فإنه سيصعب جداً على الصين اخضاعهم”([7]).


أما موازين القوى فهي على الشكل الآتي([8]):


وسنلقي نظرة على أسباب تسلّح تايوان وأهدافه, ومن ثم قراءة في أسباب ارتداء الصين لقناع الاسد المفترس المستعد للانقضاض على فريسته والتهامها.

أوّلاً في أسباب تسلّح تايوان وأهدافه
تشترك تايوان ونظيراتها في شرق وجنوب شرق آسيا بنمو اقتصادي كبير ومتقدم. وتشير الارقام إلى ان نسبة النمو في تايوان وصلت إلى 5,9 في المئة والبطالة إلى 1,4 في المئة والتضخم إلى 2,9 في المئة والادخار 28 إلى في المئة واحتلت تايوان المرتبة الـ12 في تجارة العالم والـ20 في الانتاج القومي على المستوى العالمي. وفعلت القوة الاقتصادية فعلها المزدوج في تعجيل سباق التسلح الآسيوي, اذ تعتمد القوة الاقتصادية لتلك البلدان على القوة العسكرية وتحديداً البحرية, اذ تعتمد اقتصاداتها في الصادرات والواردات على سلامة الممرات البحرية وأمنها. ولما وضعت الحرب الباردة أوزارها زاد حماس دول المنطقة على الاكتفاء الذاتي في حماية ممراتها البحرية, بعد أن بدأت أساطيل وقواعد الدول العظمى بالانسحاب. وإلى جانب أمن الممرات المائية, تتزايد مخاطر النزاعات الاقليمية حول ثروات المياه المشتركة والجزر المتنازع, عليها مثل جزر سبارتلي وباراسيل, الارخبيلين الواقعين في بحر الصين الجنوبي, التي تتنازع على ملكيتهما واحتياطهما النفطي الكبير ست دول هي: تايوان, الصين, فيتنام, الفيليبين, بروني وماليزيا. ونقطة ثالثة تهدف إليها تايوان من تسلحها, هي الدفاع عن سيادة تايوان ضد الاعتداءات الخارجية بما فيها الصين الشعبية([9]).


أما عن تهديد تايوان من قبل الصين فأسبابه الآتية:
أولاً: تزايد ضغوط قادة الجيش الذين طلبوا مراراً وفي مناسبات مختلفة غزو تايوان وانهاء مشكلتها, وتحذيرات كبار الجنرالات المستمرة من سعي تايبيه للحصول على الاسلحة. وكان آخر الضغوط من المؤسسة العسكرية الصينية في 5 آذار 2000 على لسان الجنرال (جانغ وانيان) الذي القى كلمة الجيش في افتتاح الدورة السنوية لمؤتمر الشعب العام (البرلمان) ومما قال: “ان استقلال تايوان معناه الحرب” و”ان القوى الانفصالية في تايوان مصرة على المضي في طريقها... ففي تايوان يلقون الدعم من الخارج ويسممون عقول الناس ويمضون قدماً على طريق تقسيم الوطن”. وطبقاً لتقرير نشرته مجلة “يوأس نيوز اندورلد U.S. News and world) ) الأميركية, فان الرئيس الصيني يعتمد على ثلاثة جنرالات يقومون بالتخطيط والتجهيز للمناورات وهم: (زيانج) و(فوكوانيو) و(ووانج كي). ويتزايد نفوذهم وتأثيرهم بمرور الوقت. ونقلت المجلة عن مصادر مطلعة قولها ان تجارب وخبرات الجنرالات الثلاثة ارتبطت بمناطق نزاعات, مثل كمبوديا وفيتنام, وبالتالي فان ذلك يرجح فرضية تقبلهم فكرة خوض الحرب بغض النظر عن خسائرها البشرية والسياسية([10]).


ثانياً: ان بكين استوعبت دروس الماضي القريب بعدما أدت مواقفها المتشددة المتصلبة إلى هزيمة الحزب الوطني الحاكم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في تايوان في كانون الأوّل 1995, بينما حقق الحزب الجديد الموالي للصين مكاسب كبيرة وتضاعف عدد مقاعده ثلاث مرات قياساً بالدورة السابقة.
وقدصرّح رئيس الوزراء الصيني (شو رونغجي) في 5 آذار 2000 أمام البرلمان الصيني, مستبقاً الانتخابات التايوانية الرئاسية التي تجري في 18 آذار 2000, “ان الصين لن تقف مكتوفة اليدين وتراقب اي نشاط انفصالي خطير يستهدف تقويض سيادة الصين ووحدة أراضيها, اذا تحرّكت تايبيه في اتجاه الاستقلال أو ما يسمى بفكرة الدولتين كما أطلقها الرئيس التايواني (لي تينغ هيو)”([11]).
ولهذا لم يكن غريباً ان ترفع الصين شعار “صوت للرئيس لي هو صوت للحرب”, أو بمعنى آخر فانها, بطريقة مباشرة, تحاول التأثير على الناخبين الذين سيتعين عليهم الاختيار ما بين تلبية رغبة بكين في اسقاط الرئيس لي أو الحرب.


ثالثاً: بعث رسالة إلى الولايات المتحدة مضمونها الكف عن تزويد تايبيه بالاسلحة وعدم الانصات لطلبات مسؤوليها بالحصول على المزيد من الاسلحة. وهَمُّ واشنطن الأكيد حالياً ينحصر في كيفية تخفيف حدة التوتر بين العلاقات الأميركية الصينية والعثور على صيغة مناسبة لا تحظى برضى وقبول الطرفين. وعلينا ان لا ننسى ان الصين تملك قوة نووية لا يستهان بها, ومن الطبيعي اذن ان يكون لمثل هذه القوة النووية تأثيراتها السياسية والستراتيجية بل والنفسية البعيدة المدى على المستوى القاري والعالمي. وهناك خبراء في الشؤون الآسيوية والصينية تحديداً يركّزون على الاهداف الستراتيجية للصين من وراء دأبها المستمر على تدعيم مقدراتها النووية, وذلك في نطاق الاعتبارات التالية:
أ ـ الهدف المتعلّق بحماية الأمن القومي ضد الاخطار التي تهدده.
ب ـ الهدف المتعلّق بتحقيق مكانة عظمى للصين في المجتمع الدولي, وهو يركز أوّلاً على استعادة تايوان بعد ان استعيدت هونغ كونغ. والهدف الذي يتصل بالعمل على استرجاع المركز القيادي للصين في آسيا إما بواسطة الاستخدام المباشر للقوة العسكرية, أو عن طريق ملء الفراغ الذي سينتج عن تصفية النفوذ الأميركي بعد أن صُفّي بالفعل نفوذ الاتحاد السوفياتي بعد انهياره, في منطقة جنوب شرقي آسيا.
ج ـ الهدف المتعلّق بتحقيق زعامة الصين للعالم, وهو الهدف الاكثر تكلفة لهذه الستراتيجية النووية الصينية, ويستلزم بطبيعة الحال الارتقاء بامكانات الصين النووية إلى الحد الذي يجعلها أكثر من ند متكافىء للقوتين العظميين.
أما عن تأثير امتلاك الصين للقوة النووية في السياسة الدولية فيمكن ايجازه كالآتي:
انه على الرغم من ان قوة الصين النووية, فهي بالاساس قوة ردع, إلا ان التخوّف من هذه القوة قد يدفع بالعديد من الدول الآسيوية إلى توثيق علاقاتها بالولايات المتحدة أو بروسيا في سبيل البحث عن ضمانات تحميها ضد اخطار القوة النووية للصين. وهناك دول آسيوية أخرى قد ترضخ للزعامة الصينية من واقع احساسها بأن الصين قوة لا تُنازع في آسيا([12]).

السيناريوهات المحتملة للهجوم الصيني على تايوان
يتحدث الخبراء العسكريون عن سيناريوهين لهجوم صيني على تايوان:
الأول بأسلحة تقليدية والثاني بأسلحة نووية:
وفي السيناريو الأوّل:
يتوقع الخبراء ان تستخدم الصين قوة نيران مدافع سفنها وقاذفاتها تمهيداً لانزال بري على أحد سواحل جزيرتي تايوان الرئيسيتين, كيموي وماتسو, ومن ثم تعمد القوات الصينية إلى توسيع رأس الحربة على الشاطىء داخل عمق الجزيرة معتمدة على كثافة النيران والتفوق البشري. الا ان هذا السيناريو يواجه عقبات عدة أهمها انعدام التفوق الجوي للطيران الصيني, مما يجعل السفن والقوات الصينية عرضة للنيران الهائلة التي يمكن ان توجهها المقاتلات والقاذفات التايوانية. ويذكر ان المدمرات الصينية لا تملك وسائل دفاع جوي ضد طائرات على ارتفاع عالٍ, وهذا أحد أهم نقاط ضعفها. كما ان حجم القوة الصينية التي قد تقوم بأي انزال بري غير كافية لخرق الدفاعات التايوانية. لأنه حسب الخبير العسكري في شؤون الصين (لاري فروتزل), فان الصين لو استخدمت كلّ سفن الانزال البرمائية والدعم الذي لديها بالاضافة إلى أسطولها التجاري, فانها لن تستطيع نقل أكثر من جيش قوامه 40 ألف رجل, وهو لا يكفي لمواجهة قوات تايوانية محصنة ومدعومة جواً وبحراً.
وفي السيناريو الثاني: ان تستخدم الصين قنابل النيترون التكتيكية, وهي قنابل تصدر اشعاعات نووية كثيفة تقتل البشر وتبقي على الحجر والمعدات سالمة. ويمكن تحديد حجم وقوة الرأس الحربي للقنبلة النيترونية بحيث تقتل قوات الخصم في منطقة محددة. وبذلك يمكن أن تلقي القوات الصينية بضعة رؤوس نيوترونية على سواحل جزيرتي تايوان ومطاراتها العسكرية الرئيسية لشل دفاعاتها الساحلية والجوية تمهيداً لتشكيل رأس حربة على شواطىء جزيرتي تايوان والانتشار فيها. الا ان لهذا السيناريو عواقب سياسية واقتصادية وعسكرية كبيرة تهدد الأمن القومي والستراتيجي للصين ودول المنطقة. فمن جهة, ستجد الصين نفسها أمام مواجهة عسكرية ضد تحالف غربي تتزعمه الولايات المتحدة وهي غير مستعدة ومجهزة عسكرياً واقتصادياً للدخول في حرب بهذا الحجم. ومن جهة أخرى, سيدفع استخدام الصين لاسلحة غير تقليدية, دول المنطقة إلى التكتل ضدها خشية من مطامعها. وقد يعمد المنافس الاقتصادي الرئىسي لها في المنطقة, إلى بناء ترسانة من أسلحة غير تقليدية من أجل ايجاد عامل رادع ضد بكين.

الخيارات الصينية والاميركية
تجاه الوضع الراهن في تايوان ومنطقة المحيط الهادىء
يرى بعض الخبراء الاقتصاديين ان الصين ستحافظ على سياستها الحالية القائمة على الانفتاح الاقتصادي من أجل استمرار نسبة نموها السنوي المتصاعد منذ عقد من الزمن, والذي وصل سنوياً إلى عشرة في المئة, بالرغم من انها لم تتخلّ عن قواعد النظام الاقتصادي الاشتراكي, مما يؤهلها لتكون في الثلث الأوّل من القرن الواحد والعشرين أوّل دولة اقتصادية في العالم, مما يحقق حلمها وهدفها الرئيسي كي تتحوّل إلى قوة عظمى.
وقد ساعدتها سياستها الحالية القائمة على الانفتاح الاقتصادي على تطوير صناعاتها وتوسيع حجم استثماراتها في شتى المجالات والقطاعات بما فيها العسكرية. ويقول المحلل (سوين) ان الصين أدركت في نهاية الثمانينات ان التنمية الاقتصادية هي المفتاح للحصول على قوة وطنية شاملة, لذلك تتبع بكين ستراتيجية تقوم على تهدئة الأوضاع في المنطقة والانفتاح على واشنطن والغرب من أجل الحصول على الوقت اللازم لبناء نفسها اقتصادياً وصناعياً وعسكرياً وسياسياً لمستوى دولة عظمى. واذا أضفنا إلى ذلك تقدم الصين في التبادل التجاري مع الولايات المتحدة وابرام عقود تجارية ضخمة معها, ندرك تشابك العلاقات الاقتصادية وصعوبة وصول الجانبين إلى مواجهة شاملة نتيجة أزمة تايوان أو أي خلاف محتمل في منطقة المحيط الهادىء التي تحوّلت ساحة للتعاون والتنافس الاقتصادي الأولى في العالم. ومن المعروف ان المجلس الآسيوي ـ الهادىء للتعاون الاقتصادي يضم الولايات المتحدة والصين واليابان واستراليا وأربع عشرة دولة مجاورة, ويهدف إلى إزالة الحواجز الجمركية بين الدول الاعضاء في العام 2010([13]).
وتدرك بكين في الوقت نفسه, حسب المحلل (سوين), ان واشنطن ستحاول منعها من ان تصبح دولة عظمى لذلك تفرض عليها حظراً تكنولوجياً عسكرياً غير معلن.
ان تحول الصين إلى قوة عظمى سيحدث تغييرات جذرية في موازين القوى الدولية, وسيؤثر على سير الاحداث في منطقتي جنوب وشرق آسيا التي تنتشر فيها أزمات وصراعات عرقية ودينية واقتصادية, لذلك تتوقع مؤسسة (جينس) للدراسات الستراتيجية, ان تسرع الولايات المتحدة في بناء نظام الدفاع ضد الصواريخ النووية لحماية كلّ أراضيها ومصالحها في الخارج. وهو مشروع أقره الكونغرس حديثاً, كما أوردت المؤسسة نفسها ان عملية سرقة الصين للتكنولوجيا الاميركية لتصنيع قنابل النيوترون والصواريخ الباليستية قد أحدثت نقلة نوعية وزمنية كبيرة لمصلحة القوات الستراتيجية الصينية, كما انها قلّصت الفارق في ميزان القوى بين الصين وأميركا في مجال الاسلحة غير التقليدية.
وستحاول واشنطن التركيز في محادثاتها مع بكين على موضوعين أساسيين:
الأوّل: يتعلّق بالحد من انتشار الاسلحة النووية في منطقة شرق وجنوب آسيا ومنطقة المحيط الهادىء, خصوصاً مع احتدام النزاع بين الهند وباكستان حول كشمير. وقد تعمد واشنطن إلى تسهيل دخول الصين في منظمة التجارة العالمية مقابل بعض التنازلات. ما يمكن استخلاصه هو ان الصين لا تزال بحاجة إلى الوقت لتحديث وإعادة بناء قواتها وقطاعاتها المختلفة الاقتصادية والعسكرية والسياسية. كما انها تعاني من مشاكل عدة بسبب تفشي الفساد والبيروقراطية والتمسك بالشكليات والتزييف والكسب غير المشروع في الدوائر العامة وانتشار الفقر. (وقد أوردها رئيس الوزراء الصيني شو رونفجي في تقريره أمام البرلمان بتاريخ 5 آذار 2000). ويرى المراقبون ان الصين ستعمد من حين إلى آخر إلى توتير الوضع في تايوان من أجل تجييش المشاعر القومية والهاء المواطنين عن المشاكل الداخلية, وردع تايبيه عن الاستقلال, وجر
 

[1] السفير 7 آذار 2000.

[2] النهار, 22 شباط 2000.

[3] النهار, 23 شباط 2000.

[4] Grolier International Encyclopedia, U.S.A., 1998, p. 13.

[5] الحياة, 3 شباط 1999.

[6] وول ستريت جورنال, كانون الأوّل 1996.

[7] جيرار سيغال, فورين افيرز, عدد خريف 1999, ترجمة ايمان شمص, شباط 2000 (السفير).

[8] الحياة, 213 آب 1999.

[9] الحياة, 3 شباط 1996.

[10] U.S. News & World, March 1996.

[11] السفير, العدد 8544, 6 آذار 2000.

[12] د, اسماعيل صبري مقلد, “الستراتيجية والسياسية الدولية”, بيروت, 1979, صفحة 209 ـ 211.

[13] عدنان السيد حسين, النهار, 21 آذار 1996.