عادات وتقاليد

تبادل الهدايا: عنوان للود والتكريم في كل زمان ومكان
إعداد: باسكال معوض بو مارون

من أين أتت هذه العادة؟
تزرع الابتسامة أينما حلّت، عمرها من عمر البشرية نفسها، ولها موقعها الخاص لدى جميع شعوب الأرض، فهي شكل من أشكال التلاحم والتماسك الاجتماعي، ووسيلة لتوطيد العلاقات وتكوين الصداقات على مستوى الأفراد والجماعات والدول... إنها الهدايا التي نشأت عادة تبادلها منذ القدم وما زالت.

 

جزء من نظام المقايضة!
الإنسان اجتماعي بطبيعته، يسعى إلى الاتصال بمن حوله، وإلى ترسيخ العلاقات والروابط التي تجمع بينه وبين الآخرين؛ وعلى الرغم من أنّ لكل مجتمع مجموعة من العادات والتقاليد التي تميزه، إلا أن عادة تبادل الهدايا تشمل جميع المجتمعات.
في الماضي كانت الهدايا جزءًا من نظام المقايضة، إذ يقدّم شخص سلعة لديه مقابل حصوله على سلعة أخرى، كأن يعطي كمية من القطن ليحصل في مقابلها على كمية من القمح. وهي في هذا الإطار كانت وسيلة تتيح للإنسان إشباع حاجاته الأساسية. كذلك شكّلت الهدايا عنصرًا من عناصر الشعائر الدينية لدى الشعوب، فالقرابين هي هدية البشر للآلهة لتكريمها وللحصول على الأمان والسلام.
وتعتبر الهدية عنصرًا لبناء المحبة والمودة ومفتاحًا لعلاقات جديدة ومتينة، وللقضاء على العداوات والأحقاد. وهي تعبّر عن الصفاء بين شخصين، كما تؤدي وظيفة بالغة الأهمية في التماسك الاجتماعي، فقد تزيل تاريخًا من الخلافات، وتؤسس صفحة جديدة بين شخصين أو عائلتين أو قبيلتين.

 

قوة روحية
كان لدى الكثير من المجتمعات البدائية اعتقاد بأن في الهدايا قوة روحية تتسبّب في رجوعها إلى معطيها الأصلي، وقد اعتبر تبادلها أمرًا مقدسًا وإلزاميًا في هذه المجتمعات؛ فقبول الهدية يعني الرضا بقبول العلاقة مع المهدي والدخول معه في حلف وصداقة أو قرابة؛ أما الرفض فيعني إشهار عدم قبول هذه الصداقة أو التحالف.
تحتلّ الهدية مكانة مهمة في المجتمعات العربية كعنوان للسلام والمحبة بين الناس. وقد عرفت الهدية المتداولة في الأعياد (عيدية) منذ العصر الفاطمي، حيث كان الخليفة المعزّ لدين الله يمنح أمراء الدولة «صرّة من الدنانير» في المناسبات، ويقدم منحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات.
وقد خصّص الفاطميون في مصر هدية لكل مناسبة دينية، حيث كان الخليفة يطلّ صباح يوم العيد من شرفة باب القصر، ليوزّع الدراهم والدنانير التي عرفت باسم العيدية نظرًا لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد.
مع مرور الزمن خضعت ظاهرة تبادل الهدايا كسواها من الظواهر الاجتماعية للتغيّر والتطوّر، بحيث اكتسبت أشكالًا وصورًا ودلالات متعددة، لكن، ومهما كان نوع الهدايا أو شكلها والمناسبات التي تقدم فيها، فهي تبقى رمزًا للتكريم والمحبة ومصدرًا للفرح... وفي عصرنا، وسيلة لإنعاش الأسواق.