تبييض الأموال جريمة جزائية مصرفية وتبعية

تبييض الأموال جريمة جزائية مصرفية وتبعية
إعداد: الدكتورة جنان الخوري
رئيسة القسم الحقوقي في مركز المعلوماتية القانونية في الجامعة اللبنانية

يمثّل القطاع المالي أحد الأعمدة الرئيسة والجهاز العصبي للنظام الاقتصادي المحلي والدولي وأهم أقسامه، له دور محوري في مجال تقديم الخدمات المالية. تعتبر علاقتهما علاقة الجزء بالكل. يُعتبر انعكاسًا أو مرآة للوجه الآخر للعلاقات الاقتصادية الحقيقية بين الدول[1]، وحدةً للحساب أو مقياسًا للقيم ووسيطًا للمبادلة وأداة لاختزان القيم وقاعدة للمدفوعات المؤجلّة المحلية والدولية.

لذلك كان أهم أهداف النظام الاقتصادي الدولي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وضع أسس لنظام دولي جديد على الصعيدين الاقتصادي (في مؤتمر "بريتون وودز" المنعقد في تموز /  يوليو 1944) والمالي (مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) [2]؛ فانصبّت الجهود على استقرار النقد وتوفير قابلية العملات للتحويل نظرًا إلى ما للنقود من أهمية في دورة الاقتصاد المحلية والدولية وعلاقات التبادل[3].كما أن الاستثمار المالي عنصر مهم ومسؤول عن النموّ الاقتصادي السريع، بل من أهمّ عناصر النموّ على الإطلاق[4] وشرط لاستمرار النشاط الاقتصادي المحلي والدولي وتنميتهما[5].

لكن في ظل تدويل الاقتصاد العالمي وعولمته، نموّ أسواق المال الدولية، البدء باستخدام البورصات الإلكترونية، الحوالة الإلكترونية وتنفيذ الصفقات والمعاملات المالية عبر الانترنت، أصبح انتقال رؤوس الأموال عبر الدول أكثر يسرًا، وكعادتهم وفي خضمّ هذه الثورة، إستفاد المجرمون من ثورة الاتصالات ومنتجاتها ولاسيما "شبكة الاتصالات الدولية" Internet لتحويل نظام الحوالة المالية واستخدامه في دعم الأنشطة غير المشروعة ولخرق أنظمة قوانين النقود المحلية والدولية، مستغلّين التغطية التي يؤمّنها هذا النظام باعتباره قائمًا أصلًا على عدم ترك أوراق أو مستندات لتعقّب حركة نقل الأموال واقتفاء أثرها بهدف إبراز الأدلّة لدى حصولها عند الاقتضاء، مما يجعلهم مجهولين، ويبقيهم خلف الستار[6].

 

تبييض الأموال

من المعترف به أن المجرمين يميلون دائمًا إلى أن يكونوا على بعد خطوة أو أكثر من خصومهم، أي من سلطات التحرّي، التحقيق والمحاكمة، عبر إيجاد الثغرات في التشريعات الداخلية والدولية، وتحويل شكل الأصول من دون ترك سجلاّت للمعاملات المالية، بهدف افتعال صعوبات شديدة أمام المحقّقين الذي يريدون تتبّع التدفّقات المالية والحصول على الأدلّة بشأنها[7].

وقد أدّى ذلك إلى وضع سلعة البنوك الرئيسة (النقود) والمؤسسات المالية على أعتاب العصر الرمزي والإلكتروني والسوق الكوني أمام تحدّيات هامة ولاسيما عبر الوسائل الإلكترونية والتحويل والتوقيع الإلكترونيان[8]، إنما الأهم الاستحداث الإلكتروني لتبييض الأموال، فبرز ما يسمّى الغسيل الرقمي وصعوبة الرقابة على المتعاملين به في ظل التزام سرية المعلومات المصرفية. فغدت هذه الظاهرة محطّ الأنظار والشغل الدائم للدول، مبعثَ قلق واستنفار للمستهدفين وتحدٍّيًا دائمًا لإيجاد أساليب تفي بالغرض[9]، وإحدى الظواهر التي تمّ تداولها حديثًا في المحافل المحلية كلّها، الإقليمية والدولية المتخصّصة بالجرائم الاقتصادية، وبالأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي.

وتتكوّن عناصر عملية غسيل الأموال من الغاسل (الفرد)، الغسول (المؤسسة المالية) المغسول (الأموال). يتناول التبييض سلسلة من العمليات المتعدّدة التي تُستخدم لإخفاء مصدر الأرصدة المالية، ويمكن تصنيف هذه العمليات في فئات ثلاث: الإيداع (placement) أي وضع الأموال التي جُنيت بطرق غير مشروعة في أحد المصارف أو المؤسسات المالية، تراكم العمليات (L’empilage) وهي عملية إخفاء آثار عائدات العمل الجرمي وفصلها عن مصدرها غير المشروع من خلال استخدام تراكم العمليات المالية المعقّدة، ثم الدمج أو التكامل أو الانصهار (L’intégration) الذي يمثّل المكافأة الكبيرة للمجرم حيث يعاد ضخ الأموال التي تم غسلها في الاقتصاد مرة أخرى تبدو معها وكأنها ناتجة من نشاط تجاري مشروع يستثمر الأموال في نشاطات إقتصادية عادية، وبصورة نموذجية[10]. أما اللافت في هذه الأموال، فإنها في الغالب، تكون خارج حدود سريان القوانين المناهضة للفساد المالي، ثم تحاول العودة، مرة أخرى، بصفةٍ شرعية، فتعترف بها القوانين ذاتها التي كانت تجرّمها وتحظّرها[11].

في الواقع، يمكن أن تؤثر عملية غسيل الأموال على أداء مجمل مكوّنات الاقتصاد الكلي، خصوصًا إذا ما واكبها وجود إقتصاد خفي يتضمّن أنشطة إقتصادية غير مشروعة تؤدّي إلى تآكل إقتصاد البلد الذي يحصل فيه هذا الجرم، ورويدًا رويدًا الاقتصاد العالمي، ويمكن تأكيد ذلك عبر المخاطر الاقتصادية لتبييض الأموال وفق ما يلي:

 

الفرع الثاني: المخاطر الحالية والمستقبلية

 

أ- التشوّه الاقتصادي وعدم الاستقرار

يتم خلال تشويه القرارات التي ينبغي على مؤسسات الأعمال اتخاذها، ازدياد خطر إرتباك المصارف حيث لا يهتم مبيّيضو الأموال بالحصول على عائد مرتفع لأموالهم التي يريدون غسلها ولكنهم يسعون فقط إلى حماية عائدات أعمالهم الجرمية ومجرّد استثمارات تمكّنهم من إضفاء صفة الشرعية على أموالهم[12]، من دون ضرورة أن تكون مفيدة للبلد الذي تودع فيه تلك الأموال، أو جذب الاستثمارات السليمة بما يتلاءم الاقتصاد غير المشروع أكثر من الاقتصاد المشروع مع تطوّر وسائل الدفع[13].

يقدّر صندوق النقد الدولي أن حجم تبييض الأموال على المستوى العالمي يراوح بين 2 و5 % من إجمالي الناتج المحلّي والعالميّ، إلى ما يقارب 600 مليون دولار حدًّا أدنى، أي ما يعادل إنتاج البترول بكامله. حديثًا، قدّره إتحاد المصارف العربية بـ"5 %" من إجمالي الناتج العالمي و8 % من حجم التجارة الدولية. بينما قدّرت الأمم المتحدة أن الإنتاج الجرمي الصافي وحجم غسيل الأموال سنويًا عبر المراكز المالية العالمية يشكّل حوالى 15 % من التجارة العالمية، أي حوالى ألف مليار دولار أميركي سنويًا.

 

ب-إساءة استخدام النظم المالية: تعطيل تنفيذ السياسات المالية العامة وتقويض سلامة الأسواق المالية وفقدان السيطرة على السياسة المالية

حيث يتسبّب غسيل الأموال في معظم الحالات بإساءة استخدام النظم المالية القائمة، ويشكّل تهديدًا خطيرًا لسلامة هذه النظم والمؤسسات المالية، لكونها هدفًا لمزيد من الجرائم المالية، ثم تغرق في دائرة مفرغة. تواجه المؤسّسات المالية التي تعتمد على عائدات الأعمال الجرمية تحديات إضافية كي تتمكّن من إدارة أصولها، وخصومها وعملياتها بصورة مُرضية. الواقع، إنّ إفلاس عدد من البنوك في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك إفلاس "البنك الأوروبي المتحد" عُزي إلى أعمال جرمية. إضافةً إلى ذلك، فإن بعض الأزمات المالية التي وقعت في التسعينيات، مثل أعمال التزوير وتبييض الأموال وفضيحة الرشوة في "بنك الاعتماد والتجارة"، وانهيار "بنك بيرينغز" العام 1995، تضمّنت عناصر مُهمّة من الأعمال الجرمية وأعمال التزوير[14].

كما ينعكس غسيل الأموال، عن طريق التهرّب من دفع الضرائب، سلبًا على ميزان المالية العامة وبالتالي على موارد الدولة المتاحة لمقابلة التزاماتها وعلى أدائها الاقتصادي والاجتماعي ويؤدّي إلى خسارة الواردات الضريبية بحيث يخفّض الواردات الضريبية التي تجبيها الدول، وباختصار، يمكن لتبييض الأموال والجرائم المالية أن تسفر عن تغييرات يتعذّر تفسيرها، أو بسبب زيادة التقلّب في تدفّق الرساميل، أو في أسعار الفائدة وصرف العملات على الصعيد الدولي.

 

ج-عرقلة التنمية الاقتصادية

من خلال قيام أصحاب غسيل الأموال خصوصًا بتبييض أموالهم في البلدان النامية التي مازالت القطاعات المالية النظامية غير متطوّرة بشكل كامل ووسائل الرقابة فيها ضعيفة والقوانين والتشريعات المتعلّقة بالأموال يمكن اختراقها بسهولة، لذلك يقومون بتحويل هذه الأموال إلى تلك البلدان التي تكون فيها معدّلات الفائدة قليلة وأسعار الصرف غير مستقرّة مما يؤدّي إلى وجود مؤشرات إقتصادية مضلّلة خصوصًا ما يتعلّق بمعدّلات الفائدة وأسعار الصرف والمالية العامة.

 

د-تقويض مؤسّسات القطاع الخاص المشروعة

إنّ من أخطر الآثار الاقتصادية لتبييض الأموال تلك التي تطاول القطاع الخاص، غالبًا ما يستخدم مبيّيضو الأموال شركات التستُّر والوهمية[15] التي تقوم بخلط عائدات الأعمال الجرمية مع عائدات أعمال مشروعة من أجل إخفاء أصل الأموال غير المشروعة. هذا الأمر يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على مؤسّسات الأعمال المشروعة منافسة شركات التستُّر التي تحظى بدعمٍ في التمويل، الأمر الذي يمكن أن يؤدّي إلى جعل المنظّمات الإجرامية تُخرج مؤسّسات القطاع الخاص المشروعة من السوق، كما يؤشر إلى إعادة توزيع الدخل إذ ينتج عنه بروز مستثمرين جدد لهم قدرات كبيرة في مجالي الادخار والاستثمار والجرأة على ولوج مجالات الاستثمار المحفوفة بالمخاطر. فالمنظّمات الإجرامية والشركات المتعدّدة الجنسية، لديها من القدرة المالية ما يجعلها تفوز على الشركات المشروعة في المزايدات التي تُطرح لشراء مشاريع تملكها الدولة وتريد بيعها للقطاع الخاص مما ينعكس سلبًا على كبار رجال الأعمال والمستثمرين، من جهة، وعلى النمو الاقتصادي من جهة أخرى. بالإضافة إلى احتمال تفشي الاحتيال والاختلاس في الأسواق والمشاريع المربحة والسريعة النمو.

 

- تشويه سمعة البلد والشفافية الدولية

لا يشكّل تبييض الأموال خطرًا على الأسواق المالية الرئيسة في العالم وعلى المراكز المالية التي تعمل خارج بلدانها (أوف شور) فحسب، بل على الأسواق الناشئة أيضًا وعلى أسعار العملات والفائدة في هذه الأسواق، وعلى اقتصادات بلدان بكاملها وعملاتها، وتشكّل أيضًا تهديدًا أمنيًا جدّيًا على الصعيدين الوطني والدولي. وفي الواقع، فإن أيّ بلد يعتبر جزءًا من النظام المالي الدولي هو معرّض للخطر.

تفُوق عائدات الأعمال غير المشروعة، في بعض بلدان الأسواق الناشئة، بكثير موازنات الحكومات، ما يؤدّي إلى فقدان تلك الدول السيطرة على السياسة الاقتصادية للبلاد. كذلك تعرّض سمعة البلدان المعنية لتحمّل تشويه سمعتها وسمعة مؤسّساتها المالية بسبب أي علاقة لها بتبييض الأموال، خصوصًا في جوّ الإقتصاد العالمي السائد اليوم. أضف إلى ذلك السمعة السيئة للجرائم المالية والفرص الاقتصادية العالمية المشروعة والنمو القادر على الاستمرار، في حين تَجتذب المنظمات الإجرامية الدولية بما لها من سمعة سيئة وأهداف قصيرة الأجل. كما تحجب الأموال التي يتمّ تبييضها النشاطات غير المشروعة التي تتمّ بواسطتها، ومن خلال هذه النشاطات يقوم المجرمون بالتلاعب بالأنظمة المالية لاسيما بفضل التكنولوجيا[16]، ويمكن للمعاملات غير القانونية الناتجة عن غسيل الأموال أن تضرّ بالمعاملات القانونية من طريق العدوى، إذ إن خرق أحد القوانين يجعل من السهل للآخرين خرق القوانين الأخرى.

كما يرتّب تبييض الأموال على البلد المعني تكاليف ومخاطر إجتماعية مهمة ومنها: تغذية الإجرام الاقتصادي، الإجرام المنظّم والإرهابي، الجاسوسية السياسية والاقتصادية وغيرها من التي تحتاج إلى التمويل اللازم لعملياتها حول العالم للقيام بالأعمال غير المشروعة وتوسيع نطاقها، مستندين إلى تبييض أموالهم لإخفاء عائداتهم الاجرامية.

كما وتؤثّر عمليات غسيل الأموال على دخل فئات المجتمع إذ تتحوّل الفئات المنتجة التي تحقّق دخلا مشروعا إلى فئات غير منتجة. هذا إذا قارناها مع الثروات الطائلة الناتجة عن تبييض الأموال مما يزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ويضاعف الخلل الاجتماعي في البلد المعني.

كما أنّ من شأن ما سبق، زيادة نفقات الدولة نظرًا إلى الحاجة لزيادة نفقات وضع القوانين وتنفيذها. على العموم، يطرح تبييض الأموال على المجتمع الدولي تحديًّا ديناميكيًّا بالغ التعقيد، ومعايير عالمية للتعاون الدولي.

قبل الختام، ولأن لدى المجرمين دافعًا قويًا لإخفاء نشاطاتهم، لا يعرف بالضبط حجم غسيل الأموال، ومجموع الأموال التي يجري تبييضها، فتبييض الأموال بطبيعته الخاصة خارج الحقل العادي الذي تحيط به الإحصائيات الاقتصادية، أضف إلى كونه كسائر أوجه النشاطات الاقتصادية الجوفية.

 

الفرع الثالث: مدى تجريم تبييض الأموال

من أجل كشف جريمة تبييض الأموال ما على المرء إلا أن يقتفي أثر هذه الأموال، وهناك نهج من ثلاثة محاور لمكافحة هذه الجريمة هو: محاكمة مرتكبي الجريمة الأساسية، إقتفاء أثر الأموال من خلال التحقيقات التي تتناول تبييض الأموال ومصادرة عائدات العمل الجرمي ووسائل ارتكابه. إنما لا يمكن إغفال جوانب هذه الإشكالية القانونية سواء في نطاق القوانين الجزائية الوطنية أم على صعيد القانون الجزائي الدولي، نظرًا إلى انفلاتها من دائرة الملاحقة والمعاقبة ولأسباب موضوعية وإجرائية عدّة منها ما يرجع إلى أصول التشريعات الجزائية المحلية، ومنها ما يُعزى إلى غياب آليات القانون الجنائي الدولي ولاسيما فرص تدوير الأموال المتحصّلة (Les produits) من الجرائم لإضفاء طابع الشرعية.

يتميّز غسيل الأموال بخصوصيات فنية بطبيعتها تحكمه قواعد العمل المصرفي وآلياته المعقّدة، مما يقصّر من وصف المساهمة الجنائية التقليدية وتعجز عن ملاحقة المستويات المختلفة لتبييض الأموال ولاسيما في حال تدويله.

يشكّل غسيل الأموال ظاهرة إقتصادية مصرفية وجريمة جزائية عمدية[17] وجريمة تبعية. تفترض بالضرورة وقوع جريمة أولية سابقة عليها، مما يستدعي تصويب واقعها ضمن القوانين الجزائية المحلية لمعرفة التكييف القانوني الذي يمكن إسباغه على هذا النشاط الإجرامي، وسائل مكافحته والحيلولة من دون وقوعه، لا بل معرفة فاعلية قواعد القانون الجزائي المحلي والدولي ( في الباب الثاني ) لملاحقتها كفعل أساسي من أفعال المساهمة الجنائية أو كصورة من صور جريمة إخفاء الأشياء لمعرفة ما إذا كانت مواجهتها تستوجب بنصوصٍ تشريعية جزائية خاصة، تتناسب وعصرنة هذه الجرائم، وتعكس جوانبها الفنية وتستوعب كل فروضها المختلفة وتقرير عقوبات أكثر تفرّدًا وخصوصية بهذه الظاهرة، ذلك كله بهدف التغلّب على العقبات الإجرامية المؤكّدة الحالية، المستقبلية والمحتملة على الصعيدين الوطني والدولي، والتي قد تحدّ من الحماية الجزائية المرجوّة من التعاون الدولي.

إنطلاقًا من هذا سنبحث في الجهود الدولية والإقليمية ثم نتناول موقف التشريع الداخلي.

 

الموقف الدولي والإقليمي

بدأت مكافحة غسل الأموال باستهداف غسل عائدات الجرائم ذات الصلة بالمخدّرات، بيد أنه اتضح، تدريجيًا، أنّ غسل الأموال يتعلّق بجرائم خطيرة أخرى ينبغي التصدّي لها بشكل مماثل، لذلك فإن الصكوك الدولية الحديثة تهيب بالدول الأطراف أن تعاقب غسل الأموال الناشئة عن جميع الجرائم.

 

1- موقف الأمم المتحدة

كانت "إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجارغير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية" لعام [18]1988 المؤشر الأوّل في الجهود المتواصلة التي بذلتها الأمم المتحدة لمكافحة تبييض الأموال. هذا وتميّزت الاتفاقية بتعريفها ماهية التبييض، ثم التجريم القانوني.

تنصّ الاتفاقية على أنّ غسيل الأموال يمثّل إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال، مصدرها، مكان وجودها، طريقة التصرّف بها، حركتها، الحقوق المتعلّقة بها، ملكيتها، تحويلها، نقلها مع العلم بأنها مستمدّة من جريمة أو جرائم أو فعل أو أفعال الاشتراك في مثل هذه الجريمة أو الجرائم والقيام بأعمال أخرى للتمويه كي يتمّ إضفاء الشرعية على الدخل الذي تحقّق. (م. 1 – ف.5).

تفرض على الدول الأطراف تطبيقها الذي ساهم في ما بعد بإسقاط نظام السرية المصرفية في عدّة بلدان إلا أن هذه الاتفاقية تتعلّق فقط بعائدات جرائم المخدرات (تمّ تفصيل التجريم لدى بحث الاتفاقية سابقًا).

في العام 1989 ووفق إتفاقية فيينا، إجتمع قادة مجموعة الدول السبع (G7) الثماني حاليًا، وقرّروا تشكيل فريق عمل معني بالعمليات المالية التي أطلق عليها إسم "مجموعة العمل المالي الدولي لمكافحة غسيل الأموال" (GAFI - FATF) أو اللجنة المالية الدولية لمكافحة غسيل الأموال[19]، كأوسع التنظيمات نطاقًا وأكثر الهيئات نجاحًا في تنسيق المبادرات العالميّة لمكافحة تبييض الأموال حاليًّا، إذ تتألّف عضويّة هذا الفريق من منظّمتين إقليميتَين ذات مركز مالي مؤثّر، هما اللجنة الأوروبيّة ومجلس التعاون الخليجي (بعد قمة هيوستن تموز /  يوليو 1990) فضلًا عن 31 بلدًا.

في العام 1999، بدأ  "فريق العمل المالي" المعني بالعمليات المالية مشروعًا رئيسًا، يُعرف بتحديد البلدان والمناطق غير المتعاونة (Non-Cooperative Countries or Territories" (NCCT" وكان من بينها لبنان، يرمي إلى تشجيع الدول غير الأعضاء التي ليس لديها تدابير إحترازيّة لمكافحة تبييض الأموال على تطبيق قوانين جديدة، سن تشريعات ملائمة، تحسين أنظمتها وممارستها بأسرع ما يمكن.

من أجل تشكيل إطار شامل لجهود مكافحة تبييض الأموال أرسى المعايير الدولية لمكافحة تبييض الأموال التوصيات الأربعين (Les Quarantes (Recommandations الصادرة العام 1990 (والمنقّحة العام 1996 ثم العام 2003)، على الرغم من كونها توصيات أو من دون وجود أي أثر قانوني، فإن الإنجازات الهامة في تحسين التعاون الدولي لمكافحة تبييض الأموال تتمثّل فيها حيث تعدّ مجموعة هذه التوصيات و"الملاحظات التفسيريّة" ذات معايير تقنية مفصّلة ومقياس يُتّبع في المكافحة العالميّة لتبييض الأموال.

في المقابل يتناول نظام العدل الجنائي من خلال النص على أجهزة تطبيق القوانين، النظام المالي والتعاون الدوليّ، كما أرست قواعد للعمل في ممارسة غسيل الأموال بشكلٍ مرن من دون أن تهدّد التنمية الاقتصادية أو حرية القرار للدولة.

كما تتيح للدول مرونة في تطبيق هذه القواعد بما يتوافق وظروفها الخاصّة وقوانينها، وقد حدّدت الإطار العام والقانوني ودور النظام المالي وكيفية الرصد والمتابعة والانضباط في المؤسسات المالية والإجراءات التي يتمّ اللجوء إليها في حال عدم وجود إطار قانوني لمحاربة غسيل الأموال، وكذلك وضع الإجراءات التي تحدّ من غسيل الأموال وتعزّز أواصر التعاون الدولي وأوجهه. كما وأقرّت اللجنة المالية لمحاربة غسيل الاموال معيارًا لتصنيف الدول غير المتعاونة في محاربة غسيل الاموال وتقوم بنشر ذلك من خلال قائمة تصدّرها سنويًا ( توصية 25).

والتزمت دول كثيرة مكافحة تبييض الأموال عبر تطبيق هذه التوصيات (منها لبنان) وعلى الرغم من أنها ليست إتّفاقيّات ملزمة، بحيث تتولّى كل دولة متابعة تطبيقها ومراقبتها من خلال تأمين أنظمة ملائمة لضبط المؤسّسات الماليّة ومراقبتها (التوصيات من 26 إلى 29). تبلّغ عن الصفقات الماليّة المشبوهة إلى السلطات المحلّية ذات الصلاحيّة (توصية رقم 15) وعقد معاهدات واتّفاقيّات دوليّة والمصادقة على تشريع وطني يتيح التعاون الدولي السريع والفاعل على المستويات كلّها (التوصيات من 32 إلى 40). وعليه يمكن القول إنّ هذه اللجنة، التي لم يكن يُقصد بها لدى إنشائها أن تستمر لفترة طويلة، لا تزال تعمل، وهذا يُشكّل برهانًا على فائدتها وحيويتها المتجددة.

كما شُكِّلت منظّمة تُدعى "اجمونت غروب" (EGMONT GROUP) في العام 1995، كملتقى دولي يضمّ ممثلين عن خلايا الاستخبارات المالية من 58 دولة في العالم يمثّل مجمعا لتبادل المعلومات والخبرات بين مختلف هذه الدول في المجالات المعنية بمكافحة تبييض الأموال للتنسيق في ما بينها.

كما حثّ فريق العمل المعني بالعمليات المالية (FATF) على إنشاء مجموعات إقليميّة وتعزيزها بهدف رعاية التطبيق الشامل لمعايير مكافحة تبييض الأموال الدوليّة. كان من بينها مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF) بحيث اتفقت الدول الأعضاء على اتخاذ ترتيبات فاعلة في جميع أنحاء المنطقة لمكافحة غسل الأموال، كما عملت على تبنّي التوصيات الأربعين وتنفيذها لمجموعة العمل المالي حول مكافحة غسل الأموال، وإبرام معاهدات الأمم المتحدة وإتفاقاتها ذات الصلة بالموضوع وقرارات مجلس الأمن، والتعاون معًا لتعزيز الإلتزام بهذه المعايير والإجراءات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعمل مع المؤسسات الدولية الأخرى ولتحديد المواضيع المرتبطة بعمليات غسل الأموال، وتبادل الخبرات حول هذه القضايا وتطوير الحلول الإقليمية لمعالجتها.

ثم عقدت اجتماعها الثاني في بيروت في العام 2005، حيث تمحورت القضايا حول المبادرات الدولية والإقليمية الجديدة والمتطلّبات الحديثة لمكافحة تسويد الأموال، وإجراءات المكافحة الفاعلة وأعمال التحقّق من تطبيقها، والعلاقة بين تهريب المخدرات وتمويل الإرهاب وتبييض الأموال، أضف إلى ذلك كيفية التوفيق بين السرية المصرفية ومقتضيات مكافحة التبييض، محاربة شبكات الجرائم المالية، أهمية تعاون القطاعين الخاص والعام في هذه المكافحة، غسل الأموال في القطاعات غير المصرفية وأهمية دور القطاع المالي والمصرفي في مكافحته.

بدورها، تنصّ إتفاقية باليرمو 2000 على وجوب تجريم غسيل العائدات الإجرامية، وإلزام كل دولة طرف إعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية لتجريم تحويل الممتلكات، ونقلها بغرض إخفاء المصدر الحقيقي غير المشروع أو تمويهه أو كيفية التصرّف فيها، حركتها، ملكيّتها، الحقوق المتعلّقة بها ووجوب شمول التجريم المساعدة، المشاركة، التواطؤ، التآمر على ارتكاب تلك الجرائم، أو محاولة ارتكابها، وتسهيلها او التحريض عليها(م. 6).

ثم ألزمت الاتفاقية إنشاء نظام داخلي شامل للرقابة والإشراف على المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية، الهيئات والأجهزة الإدارية والرقابية، أجهزة إنفاذ القوانين، وحدة إستخبارات مالية وسائر الأجهزة المكرّسة للتعاون وتبادل المعلومات وتنفيذ تدابير مجدية لكشف حركة النقد والصكوك ورصدها للتداول ذات الصلة عبر حدودها، من دون إعاقة حركة رأس المال المشروع بأي صورة من الصور (م. 7) وتطوير تعزيز التعاون الدولي، الإقليمي والثنائي بين الأجهزة القضائية وأجهزة إنفاذ القانون وأجهزة الرقابة المالية من أجل مكافحة غسيل الأموال.

كما كان قد أقرّ كل من مؤتمر الأمم المتحدة السابع العام 1985 والثامن العام 1990 والمؤتمر الوزاري الدولي في إيطاليا العام 1994 بعض المبادئ التوجيهية لسنّ تشريعات تُجرّم غسل الأموال والاحتيال عبر فتح الحسابات الوهمية والأسماء المزيّفة ولاسيما مصادرة عائداتها وآلياتها وفرض عقوبات مالية عبر تجميد هذه الحسابات وتجريم تحويلها، ونقلها أو استخدامها بأي طريقة. في العام 1998، أصدرت الأمم المتحدة تحذيرًا خطرًا بما معناه أن تبييض الأموال غدا تهديدًا "كونيًّا" ضد سلطة الأنظمة المالية التجارية واستقرارها.

وإثر أحداث 11 أيلول /  سبتمبر 2001، أنشأ مجلس الأمن "لجنة مكافحة الإرهاب" (Counterterrorism Committee CTC) (قرار 1373 /  2001) والتي عنيت بشكل خاص بمكافحة تمويل الإرهاب، ونبّه الدول للعلاقة الوثيقة بين الإرهاب الدولي والجريمة المنظّمة وسائر الجرائم الاقتصادية.

على صعيد آخر، فإن أبرز ما يميّز مكافحة هذه الجريمة، مشاركة القطاع الخاص في المكافحة[20]، لذلك أعدّ إثنا عشر مصرفًا خاصًا مبادئ "وولفسبرغ" لمكافحة غسيل الأموال (Wolfsberg Anti Money-Laundering Principles)، وهي مجموعة من خطوط عامة وإرشادات عالمية ضد تبييض الأموال، خلال شهر تشرين الأول /  أكتوبر 2000، وبمواكبة "لجنة الشفافية الدولية"، تمّت مراجعتها في أيار /  مايو 2002 أهم ما ترتكز عليه مبدأ "أعرف زبونك" (Know your Customer) آخذين في الاعتبار مكافحة الإرهاب[21].

 

ماذا أيضًا على الصعيد الأوروبي؟

تُعتبر إتفاقية المجلس الأوروبي الرقم 141 /  1990 الأكثر أهمية، وهي وثيقة متعدّدة الأطراف، مفتوحة لانضمام دول غير أعضاء في المجلس الأوروبي، كما أنها مثال متميّز للمنهج المتكامل لترسانة تشريعية مفصّلة للتعاون بين الدول في المسائل الجنائية وضرورة انتقال المعلومات لتسهيل الإجراءات والتحرّيات (م. 10).

إلى ذلك فإنها تضمّ نظُمًا للمساعدة القانونية المتبادلة في ما يختصّ بالمصادرة كإجراءٍ فاعل لحرمان المجرمين الإفادة، كما تنصّ على تدابير مؤقّتة من بينها مصادرة الأموال وتدعو، في الوقت نفسه، إلى العمل بالتضامن مع إتفاقيات أخرى صادرة عن المجلس الأوروبي للمساعدة القضائية. كما تنصّ على أن الدول الأعضاء لا تستطيع إبداء تحفّظات معيّنة على هذه الإتفاقية[22].

وقد بيّنت الاتفاقية الحاجة الماسة إلى انسجام التشريع الوطني مع الأعراف الدولية، إذ إنها أتت شاملة لجميع الأموال الجرمية المصدر وليس فقط المتحصّلة من المخدرات كما هو نطاق إتفاقية الأمم المتحدة العام 1988، وذلك بهدف إلزام كل المؤسّسات المالية بإبلاغ السلطات المختصّة عن أي عملية مشبوهة.

في ما يخصّ التنفيذ العملي لأوامر تجميد الممتلكات أو الأدلّة، أصدر الإتحاد الأوروبي قراراتٍ لاحقة تتضمّن قواعد تمكّن أي دولة عضو من التسليم أو التنفيذ على أرضها، أمرًا بالتجميد صادرًا عن سلطة قضائية لدول أخرى في إطار الإجراءات الجنائية[23].

كما لحظت إتفاقية (OCDE) العام 1999 لمكافحة الفساد ضرورة مكافحة تبييض الأموال المتأتية من عمليات فاسدة (م. 7) وتنشر المنظّمة قائمة تشمل 35 دولة وجزيرة (Paradis fiscaux) تقوم بغسيل الأموال وتمثّل ملجأً للتهرّب من دفع الضرائب.

في العام 1991، أصدرت المجموعة الأوروبية توجيهات حول دور المؤسسات المالية في مكافحة غسل الأموال[24]، ثمّ عدّلتها العام 2001 لمواكبة التطوّر الراهن.

بالنسبة إلى جهود الدول العربية لمكافحة غسيل الأموال، تهتمّ هذه الدول، بمحاربة غسيل الأموال والتي انضم معظمها إلى إتفاقية الأمم المتحدة (فيينا العام 1988)، وتشكّل دول مجلس التعاون الخليجي أعضاء في اللجنة المالية لمكافحة غسيل الأموال. بعض هذه الدول قد انتهى من صوغ تشريعات لمحاربة هذه الظاهرة والبعض الآخر يقوم بدرس مشاريع قوانين ومناقشتها تتعلّق بالموضوع ذاته. كما نُظّمت مؤتمرات عدة لمواجهة هذه الظاهرة الإجرامية بدءًا من المؤتمر الإقليمي السادس في تشرين الأول /  أكتوبر 1974 في الرياض، المؤتمر الدولي العربي الثاني 1976 في بغداد والمؤتمر الدولي الثالث في كانون الأول /  دسمبر 1977 لمكافحة الإدمان على الكحول والمخدّرات، المؤتمر العربي الثامن لرؤساء مكاتب مكافحة المخدرات وفروعها العام 1994، مؤتمر وزراء الداخلية العرب العام 1994، مؤتمر عمان (الأردن) العام 1994، مؤتمر التعاون الأمني العام 1996، وقد انتهت جميع هذه المؤتمرات إلى ضرورة التنسيق الدولي والإقليمي لمنع عمليات غسيل الأموال ومصادرة العوائد المحقّقة منها، تعقّب المجرمين، والحيلولة من دون استخدامهم الحسابات المصرفية السرية في إخفاء الدخول الناتجة من تجارة المخدرات.

كما عُقدت إتفاقيات إقليمية أهمها، "الاتفاقية الإقليمية للتعاون القانوني والقضائي بين دول مجلس التعاون الخليجي" العام 1989، و"الاتفاقية الصادرة عن مجلس وزراء الداخلية العرب" العام 1986.

بدورها تعمل جميع دول مجلس التعاون الخليجي جديًّا لوضع أنظمة وقوانين صارمة تمنع عمليات غسيل الأموال في المنطقة، وقد أنشأت الإمارات العربية إدارة لمكافحة الجرائم الاقتصادية تابعة لوزارة الداخلية. كما أصدر أمير دولة البحرين مطلع العام 2001 أمرًا يقضي بحظر غسيل الأموال ومكافحتها. وصدر التشريع المصري لمكافحة غسيل الأموال بموجب القانون الرقم 82 /  2002. كذلك أصدرت عُمان المرسوم السلطاني رقم 34 /  2002 لمكافحة غسيل الأموال. وبدوره أصدر التشريع السوري القانون رقم 59 /  [25]2004. بذلك تكون الدول العربية قد تنبّهت لخطورة هذه الظاهرة، إلا أن عليها أن تقوم بمضاعفة الجهود لأخذ الحيطة والحذر من مساوئ هذه الظاهرة وسلبياتها من خلال اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة والتعاون الكفيل لمكافحتها.

وبعد ان عرضنا للتعاون الدولي والاقليمي الأوروبي والعربي، نبحث في موقف التشريع الداخلي من خلال التطرّق إلى موقف المشرّع الفرنسي وأهم ما أتى في القانون البلجيكي ثم القانون اللبناني.

 

ثانيًا: موقف التشريع الداخلي

 

1- موقف المشرّع الفرنسي

لم يصبّ المشرّع الفرنسي اهتمامه على مكافحة ظاهرة غسيل الأموال كصورة جرمية في ذاتها، إنما في إطار مكافحة تعاطي المخدرات (La Toxicomanie) والاتجار بها، كأبرز الأخطار الاجتماعية والاقتصادية. ثم ما لبث أن وسّع دائرة التجريم لتشمل جرائم تبييض الأموال (art.324-1 - CPF) كلّها.

أما في البنيان القانوني، فاتسم موقف المشرّع الفرنسي بالتوسّع في تجريم غسيل الأموال إن لمدى العامل المادي أو المعنوي[26]، بهدف الإحاطة بمختلف صور غسيل الأموال، على الرغم من المخاطرة بمبادئ القانون وقواعده.

يتمثّل العامل المادي في جريمة غسيل الأموال في حيازة الأموال المودعة في فعل إخفاء أو المساعدة في عمليات الإخفاء (La dissimulation) (القانون الرقم 614 /  90 في 12 /  7 /  1990) مع العلم بجرمية مصدرها[27].

أما لناحية العامل المعنوي، فوصفت كل من إتفاقية فيينا والمشرّع الفرنسي 614 /  90، نشاط غسيل الأموال بالجريمة العمدية، مما ينفي قيامها إلا بإرادة النشاط المكوّن لركنها المادي والعلم بالعناصر الواقعية الجوهرية، العلم أو النية أو القصد، التي تهب هذه الجريمة خصوصيتها القانونية، ويتجوهر ذلك في ضرورة العلم بالمصدر غير المشروع للأموال غير النظيفة، حيازتها، تحويلها، إخفائها وتمويهها[28].

وسّع القانون 392 /  96 [29]، نطاق التبييض ليشمل النشاطات الجرميّة كلّها، وشدّد عقوبة غسيل الأموال وضاعف الغرامة إذا وقعت بطريق الاعتياد، واستخدام الوسائل التي تيسّرها مزاولة نشاط مهني أو إذا وقعت في صورة جرمية منظمة (م. 324 – ف. 2 ق.ع. ف.) أي يشدّد العقوبة العادية لجريمة غسيل الأموال، علمًا أن العقوبة العادية لتبييض الأموال الناتجة عن المخدّرات هي 5 سنوات (م. 234 – ف. 1 ق.ع.ف.).

في المقابل فإن عقوبة المحاولة في هذه الجرائم توازي عقوبة الجريمة التامة (م. 324 – ف.6)، كما ينصّ على عقوبات إضافية او فرعية تكمّل العقوبة الأصلية الموقّعة من الأشخاص الطبيعيين (م. 324 – ف. 7 وف.8 ق.ع.ف.).

تتساوى المسؤولية المعنويّة الجنائية لدى الأشخاص الطبيعيّين بالنسبة إلى جرائم غسيل الأموال (324 – ف. 9) (أيضًا م.131 /  39 من ق.ع.ف.) وينصّ على عقاب تسهيل التبرير الكاذب (م. 222 – ف.34)[30]. يجرّم المساعدة في عمليات الإيداع أو إخفاء أو تحويل العائد المباشر أو غير المباشر عن جناية أو جنحة (ولاسيما المتحصّلة عن الاتجار في المخدرات) أو التوظيف وغيرها مما يسهّل إمكان تنظيف الأموال وضخّها في النظام المالي المشروع[31].

الجديد في التشريع الفرنسي، إرتقاء صور المساعدة في الإخفاء إلى مرتبة الجريمة الأصلية وليس فقط فعلًا من أفعال المساهمة، مما يكسب فعل التدخّل ليس فقط جريمة مساهمة إنما جريمة أصلية[32]، وهذا يعني أن المحاولة في التدخّل معاقب عليها بينما يقضي المبدأ إمتناع العقاب على المحاولة في التدخّل. وما يترتّب على ذلك من نتائج هامة على صعيد الملاحقة والعقاب من حيث استقلال المسؤولية الجزائية للمساهم والمساهمين معه.

وبهدف التعاون الدولي ووفق تسميته[33]، يعاقب القانون 392 /  1996 تحويل العائدات والأموال المتحصلة مباشرةً أو غير مباشرة عن جناية أو جنحة، كالتحويل المصرفي من الآمر إلى المستفيد الذي يجمعهما أحيانًا الشخص نفسه، ولاسيما بفضل التحويل الإلكتروني الذي ينطوي على مزايا تقنيّة، نظرًا إلى ما يتسم به من السريّة والسرعة وتغطية المسافات البعيدة تدويلًا عبر الدول وسط الكم الهائل للتحويلات المصرفية التي تتمّ كل يوم[34].

من النواحي الإجرائية، يساهم المشرّع الفرنسي في السيطرة على كل حيل التمويه المصرفي وتعزيز التعاون الدولي لمكافحة نشاط غسيل الأموال عبر الحدود من خلال معاقبته "كل من قام بطريق التصدير أو الجلب أو النقل أو المقاصة بعملية مالية بين فرنسا والخارج أو شرّع في القيام بذلك إذا انصبّت هذه العملية على أصول يعلم الشخص بكونها متحصّلة مباشرة أو غير مباشرة عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون الجمارك (art. 415 C.d.) أو إحدى جرائم المخدرات.

ومما يضيّق الكثير من إمكان إفلات محترفي عمليات غسيل الاموال من الملاحقة الجنائية ويفعّل ملاحقة تدوير الأموال (Le recyclage des fonds) في صورها المختلفة، ويعقّب عمليات غسيل الاموال المصرفية بصرف النظر عن تغيير طبيعة هذه الأصول أو الأموال وهيئتها.

أي إن المشرّع الفرنسي قد جرّم هذا النشاط على الرغم من أن العملية المالية لم تقع على الاقليم الفرنسي، بل بين فرنسا ودولة أخرى، وهذا يعني أن التفسير الموسّع لمبدأ الإقليمية لديه حدود، مما يشجّع في أحسن الأحوال الصلاحية خارج الحدود (extraterritorialité) لقانون العقوبات. وهو ما يواجه أساسًا نشاط غسيل الأموال الواقع في صورة جريمة منظّمة. وفي ما يختص بهيئة المحاكمة أجاز قانون أصول المحاكمات الجزائية الفرنسية تشكيل المحكمة من قضاة مهنيين متخصصين بالقضايا الإقتصادية (م. 704) والإتجار بالمخدرات (27-706) والإرهاب (25-706).

كما أنشأت فرنسا هيئة "تراكفين" (Traitement du Renseignement et d’action Contre les Circuits Financiers Clandestins TRACFIN) كمديريّة تجميع المعلومات والعمل ضدّ الدوائر المالية السريّة، لمكافحة غسيل الأموال وتلقّي المعلومات وتجميعها وتحليلها واستخلاص النتائج منها. وما بين 1991 و1997 تلقّت Trafcin 4880 حالاتٍ مشتبهًا فيها. لكن لم يتحوّل منها إلا 213 دعوى إلى القضاء، وفي نهاية العام 1998 كان هناك فقط 34 حكمًا نهائيًّا لتبييض الأموال.

وأنشأت "مكتبًا مركزيًّا لمنع الجنوح المالي" (Office Centrale pour la Répression de la Grande Délinquance Financière (OCRGDF) 1990)لمكافحة الجرائم ذات الطابع الإقتصادي أو المالي المتأتية من تجارة الممنوعات والإنحراف المهني وتنسيق الجهود بين أجهزة الشرطة الفرنسية والأجنبية ضدّ مختلف أنواع الجريمة المنظّمة العابرة للحدود.

 

ماذا بالنسبة إلى القانون البلجيكي؟

يجّرم القانون البلجيكي تبييض الأموال منذ قانون 17 تموز /  يوليو 1990 ثم قانون 7 نيسان /  أبريل 1995 (الذي عدّل مادة 505 ق.ع.ب.) لإضافة التوجيهات الأوروبية لتبييض الأموال[35].

كما أنّ أول ما استعمل القانون البلجيكي مصطلح "الجريمة المنظّمة" كان في قانون تبييض الأموال العام [36]1993 الذي خضع لتعديلات عدّة بهدف تبنّي الإرشاد الأوروبي للعام 1991 وتطبيقه وبهدف توسيع التجريم ليطال بضعة أعمال ووسائل غير مشروعة[37]، كالمهن في القطاع المالي[38]، السماسرة العقارية، مراكز تحويل الأموال والممتلكات، كتّاب العدل وخبراء المحاسبة. كما لم يحصر تبييض الأموال بالإتجار بالمخدرات، كما فعل المشرّع الفرنسي من قبل.

على صعيد الإجراءات الوقائية، يؤلّف "المكتب المركزي لمكافحة الجنوح الإقتصادي والمالي المنظّم"[39] جهاز شرطة متخصّص في مكافحة الجرائم المالية، وهو مكلّف بمهمّات متعلّقة بتبييض الأموال والجرائم الضريبية الخطيرة وجرائم الإحتيال والغش في المصالح الأوروبية وبالجرائم المتعلّقة بالبورصة وتلك الواقعة على المؤسسات العامة للإقراض والإدخار. كما يمنح هذا الجهاز المساندة والنصائح لأجهزة الشرطة الأخرى في مسائل الجرائم المالية.

 

ماذا بالنسبة إلى التشريع اللبناني؟

إن أهم الركائز الرئيسة للاقتصاد اللبناني السّرية المصرفية، أي حماية الخصوصية التي تمنحها سرّية الحسابات في لبنان[40] بموجب قانون 3 أيلول /  سبتمبر 1956 والمعمول بها في أغلب البلدان ولاسيما سويسرا، كعامل أساسي لجذب الرساميل وحماية الإيداعات ذات المصادر المشروعة[41]، وليس بسط الحماية القانونية على الأموال الجرميّة المصدر التي لم تكن مطروحة على الصعيد الداخلي أو الدولي. إلا أنّ هذه السرّية تحتوي على ثغرات تسمح بحدوث تبييض الأموال، ومن جهة أخرى لم يكن هناك قانون خاص يكافح تبييض الأموال في لبنان، ولاسيما أنه كان قد أبرم العام 1995 "إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدّرات" مع إبداء تحفّظاته عن البنود المتعلّقة بالسرية المصرفية[42].

وربما لكل هذه الاسباب، أدرجت "GAFI" لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة لمكافحة تبييض الأموال العام 1999 (المذكورة أعلاه)، ثم أعيد إدراجه على اللائحة السوداء Black Liste الصادرة في باريس في 1 /  2 /  2001.

فأوقعت مسألة السرّية المصرفية المشروعة لبنان بين مأزقين: إما رفعها أو تحويل مصارفه إلى قناة وإعادة تصنيع لتبييض الأموال مع ما يستتبع ذلك من تشويه لسمعته المصرفية، فاختار أقلهما شرًّا، والتزامًا منه بالتعاون الدولي ودرءًا للضغوطات الدولية، واتخذ عددًا من الخطوات لمكافحة غسيل الأموال، بحيث أصدر بعض القوانين الجديدة وقام بعدد من المؤتمرات كعمليّة رقابيّة ذاتيّة حفاظًا على سمعة القطاع المصرفي اللبناني.

وفي السياق ذاته، كانت جمعية المصارف اللبنانية قد أقرّت أواخر العام 1996 "إتفاقية الحيطة والحذر" التي حدّدت وسائل دعم الوقاية من تبييض الأموال كوضع عملية للتعريف بهويّة العميل الاقتصادية وإنشاء أنظمة داخلية لمراقبة أعمال الزبائن فضلًا عن العمليات المثيرة للشبهات.

ثم أصدر المشرّع اللبناني سلسلة من القوانين بهدف المساهمة في ضبط هذه الظاهرة كان أهمها القانون الرقم 673 /  98 المتعلّق بالمخدّرات، القانون الرقم 54 /  99 (27 /  12 /  1999) المتعلّق بالإثراء غير المشروع[43]، القانون 253 /  2000 المتعلّق بإلغاء نشاطات شركات "الأوف شور" المصرفية والمالية[44].

في العام 2000، أصدر مصرف لبنان التعميم رقم 7737 إلى المصارف اللبنانية يقضي بإنشاء وحدة التدقيق الداخلي بالعمليات والبيانات المالية للتأكّد من صحّتها ومن كفاءة الإجراءات المتخذة وفاعليتها ولاسيما لجهة تبييض الأموال[45]. أيضًا أصدر القرار رقم 7739 المتعلّق بشروط تأسيس المصارف في لبنان. كما صادق لبنان على قرار مجلس الأمن 1373 /  2001 الذي يقضي بتجميد مصادر تمويل الإرهابيين المشتبه فيهم[46].

أما أهم هذه الخطوات وأبرزها فكان صدور قانون تبييض الأموال رقم 318 /  2001 والتعديلات التي أضيفت إليه في تشرين الأول /  أكتوبر [47]2003، وتتجلّى أبرز سماته في ما يلي: تعريفه الأموال غير المشروعة بتلك الناتجة عن زراعة المخدرات أو تصنيفها، الاتجار بها، الأفعال التي تُقدم عليها جمعيات الأشرار (الجرائم المنظمة) وجرائم الإرهاب، الاتجار غير المشروع بالأسلحة، جرائم السرقة أو اختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها، تزوير العملة والأسناد العامة (م. 1)، وتزوير بطاقات الائتمان والدفع والأسناد التجارية بما فيها الشيكات والإثراء غير المشروع (قانون 194 /  1999). كما يشمل تبييض الأموال وكل فعل يقصد به إخفاء المصدرالحقيقي لهذه الأموال، تحويلها، استبدالها، تملّكها أو توظيفها مع العلم بعدم مشروعيتها (م. 12).

أوجب القانون على المصارف مراقبة عملياتها المصرفية والتدقيق في هوية العميل (م. 5)، إنشاء "هيئة التحقيق الخاصة" وهي ذات طابع قضائي غير خاضعة لسلطة مصرف لبنان، تتألّف من حاكم مصرف لبنان رئيسًا، وعضوين: رئيس لجنة الرقابة على المصارف والقاضي المعيّن في الهيئة المصرفية العليا وعضو يعيّنه مجلس الوزراء (م. 6). تتمثّل مهمّتها في التدقيق في المعلومات وتجميد الحسابات المشبوهة حتى يتمّ إصدار قرارها النهائي بتحرير الحساب ورفع السرية المصرفية عنه وتجميده قبل أن تُرسل نسخة عن قرارها إلى النائب العام التمييزي وإلى الهيئة المصرفية العليا وإلى صاحب العلاقة والمصرف المعني (م. 8).

هكذا يحمّل قانون 318 القطاع المصرفي مراقبة حركة تبييض الأموال من خلال نظام المراقبة والتحقيق في العمليات المصرفية وضوابط دقيقة علمية وتطبيقية، مما يبقي المحافظة على السرية المصرفية لحماية الأموال النظيفة كركن أساسي في البنية الاقتصادية والمالية التي حماها المشرّع اللبناني لاستقطاب رؤوس الأموال الخارجية بـ"قانون السرية المصارف" في أيلول /  سبتمبر1956، من جهة ولتأكيد التزامه المعايير الدولية، من جهة أخرى، مما يزيد ثقة المؤسّسات الدولية والإقليمية بالنظام المالي اللبناني.

وعملًا بأحكام المادة 5 من قانون 318 /  2001 وفي تاريخ 18 آيار /  مايو2001، أصدر مصرف لبنان قرارًا رقم "7818" (كما هو معدّل بالقرار الوسيط رقم 8142 في 31 /  5 /  2002) يتعلّق بـ"نظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة تبييض الأموال" والتحقّق من هوية الزبون[48].

كما أصدرت وزارة الاقتصاد تعميمًا في 3 /  1 /  2003 تلزم بمقتضاه شركات ووسطاء التأمين الحقيقيين والمعنويين التقيّد بالشروط المحددة بالقانون الرقم 318.

أيضًا وبناءً على هذا القانون، وفي 5 /  6 /  2002، أصدر النائب العام التمييزي تعميمًا طلب بموجبه من قضاة النيابة العامة الاستئنافية والنيابة العامة المالية ومفوّضية الحكومة لدى المحكمة العسكريّة، كل حسب صلاحيته عند اشتباههم بعمليات تبييض أموال، إيداع هيئة التحقيق الخاصة المعلومات اللازمة.

ثم في 16 تشرين الأول /  أكتوبر2001، أصدر مصرف لبنان قرارًا رقم "3" للمصارف ولسائر المؤسّسات الملزمة بالإبلاغ عن عمليّات تبييض الأموال[49]، التي لديها تأكيدات أو شبهات أو شكوك بأنها تنطوي على تبييض وفق مفهوم القانون 318 /  2001.

على صعيدٍ آخر، يأتي الدور الذي يضطلع به مكتب انتربول - بيروت من خلال تبادل المعلومات المتعلّقة بهذا الشأن واستثمارها بين لبنان ومختلف البلدان. الأمر الذي عزّز دور مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال، بحيث يتم إحباط العديد من العمليات من هذا النوع وتجميد عدد من الأرصدة من قبل السلطات المالية المختصّة.

وكان من أثر هذه الخطوات القانونية والإجرائية أن حُذِف لبنان عن اللائحة السوداء في 21 حزيران /  يونيو 2002، أي بعد سنتين من إدراج إسمه على اللائحة. وبتاريخ 8 تموز /  يوليو 2002، تمّ إنهاء الرقابة المالية على لبنان من قبل شبكة Financial Crimes Enforcement Network) (FinCEN التابعة لوزارة الخزانة الأميركية بعدما كانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت قيودًا على لبنان.

في 23 تموز /   يوليو 2003، أصبح لبنان عضوًا في مجموعة (EGMONT)الدولية لمكافحة تبييض الأموال، فانتقل بذلك من قفص الاتهام إلى موقع المراقب الدولي لمدى احترام سائر الدول لموجباتها في هذا المجال[50]. في بداية تشرين الأول /  أكتوبر 2003 إنتهت فترة المراقبة المنفّذة من قبل (GAFI) على لبنان لتتأكّد بأنه التزم آلية تطبيق جيّدة للتشريعات التي صدرت بخصوص مكافحة تبييض الأموال.

 

الخاتمة

تتجلّى الخطوة الضرورية، في مكافحة الجرائم المالية الدولية، ولاسيما غسيل الأموال، من طريق تعطيل تحرّك عائدات الأعمال غير المشروعة، إقفال مراكز الاحتيال والتزوير التي تعمل بطريقة "الأوف شور" والنظر في استحداث تدابير لحماية النظام المالي العالمي من المراكز التي تطرح أخطر المشاكل أو التي لا تشارك في التعاون الدولي. ويبقى الأهم، التنسيق بين المؤسّسات المالية، المصرفية، التشريعية، الأجهزة الأمنية والموظّفين الرسميين على المستوى الدولي لتكثيف إجراءاتها المتشدّدة ضدّ مختلف أنواع الأنشطة غير المشروعة بهدف تجفيف مصادر تمويلها.

على الصعيد المحلي، يرجى من لبنان أخذ المبادرة لدعوة الدول العربية لإنشاء منظّمة إقليمية عربية لمكافحة تبييض الأموال على غرار (GAFI). أما داخليًّا، فعليه زيادة تطوير قوانينه وأنظمته واتخاذ بعض الخطوات لتأمين ردّ ثابت على تبييض الأموال من خلال بعض المقترحات:

- توسيع دائرة تجريم تبييض الأموال لشمولها كل صور الجرائم.

- إعتبار غسيل الأموال واستخدام عائدات الجريمة، بوصفهما تكييفًا قانونيًا مستقلًا بحسب طبيعتها، جريمة مستمرة

- ترتيب النتائج القانونية الخاصة بهذه الطائفة من الجرائم على وجه الخصوص.

- تجريم جميع الأنشطة التي تمهّد وتيسّر لوقوعها، وخصوصًا تقاعس المصارف عمدًا عن الإبلاغ عن العمليات المصرفية المشبوهة، أو عدم التحرّي عن مصدر الأموال المودعة إذا تجاوزت حدًا معيّنًا.

- عدم بدء تقادم الدعوى الجزائية عن هذه الجريمة إلا منذ اليوم التالي لانتهاء النشاط أو استخدام عائدات الجريمة، وهو ما يضمن فعالية إجرائية أكبر.

كما تتطلّب الوقاية من هذه الظاهرة اعتماد نظام رقابة وإشراف شامل على المصارف يقضي بالإبلاغ عن أي معاملة مشتبه بها، تطوير قوانين سرية الحسابات المصرفية لتنسجم مع مكافحة غسيل الأموال، تبادل المعلومات والخبرات والمساعدة القانونية، المالية، النقدية والتقنية، تقديم برامج تدريب على الأساليب الحديثة لكشف محاولات غسيل الأموال والإبلاغ عنها، إشتراك المؤسسات المالية والمصرفية في اتخاذ القرارات وفق المعايير والضوابط الدولية، المشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية والإقليمية، عقد إتفاقيات تعاونية، أهمية التأكّد من هوية العميل الاقتصادية ومصدر أمواله، أهمية وضع تشريع عربي موحّد يضع الخطوط العريضة للجوانب التي يمكن القيام بها كي يعمل نظام العولمة ضدّ مُبيّضي الأموال بدلًا من أن يكون حليفًا لهم.

ختامًا، ومهما كانت التعديلات أو التغييرات التي ستبرز، هناك حقيقة واحدة لن تتغيّر ألا وهي: ما من برنامج لمكافحة تبييض الأموال سيكون ناجحًا بنسبة 100 %، فمبيّضو الأموال يستخدمون أساليب متزايدة التعقيد لتجنّب برامج الكشف التي تعتمدها المصارف، إنما التعاون القانوني والتقني المحلي، الإقليمي والدولي المتواصل والفاعل هو وحده الذي يستطيع ضبط هذه الظاهرة الجرمية.

 


[1]-     عبد المنعم السيد، عبد الرحمن الحبيب، "العرب والأزمة الاقتصادية العالمية، نظام النقد الدولي والتجارة الخارجية للبلاد العربية"، طبعة أولى، 1986، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص.88

 

[2]-    Claude-Albert Colliard, Louis Dubouis, "Institutions internationales", 10e édition, 1995, Dalloz, Paris, p. 390 et suiv.

 

[3]-    Dominique Carreau, Patrick Juillard, "Droit international économique", 2e édition, 2005, Dalloz, Paris, p. 35 et suiv.

- فريدريك بولون، "الاقتصاد العام"، ترجمة عبد الامير شمس الدين، الطبعة الاولى، 1991، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ص.515

 

[4]-     د. عبد العزيز عجمية، د. محمد اسماعيل، "التطوّر الاقتصادي في أوروبا والعالم العربي"، 1988، الدار الجامعية، بيروت، ص. 259

 

[5]-     برنار بيللودو، "الاقتصاد الوصفي"، ترجمة عبد الامير شمس الدين، طبعة أولى 1991، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص. 362

 

[6]-     أحمد سفر ، "الحوالة في نظام المدفوعات العالمي وعلاقتها بتبييض الأموال"، 2003، إتحاد المصارف العربية، ص. 132

        - سعيد عبد الخالق، "فلسفة مكافحة غسيل الأموال"، مقال صادر عن "البوابة القانونية" وهي شركة خدمات المعلومات التشريعية ومعلومات التنمية (لادس) مصرية أسّست في العام 1996

[7]-     محمود بسيون، "غسل الأموال، الإستجابات الدولية وجهود المكافحة الإقليمية والوطنية "، الطبعة الأولى، 2005، دار الشروق، القاهرة، ص. 15

 

[8]-     أحمد عبد الخالق، "البنوك والتجارة الإلكترونية – الجديد في أعمال المصارف"، جزء ثانٍ، الجديد في التمويل المصرفي، 2002، الحلبي، ص. 469 وما يليها.

 

[9]-     نعيم مغبغب، "تهريب وتبييض الأموال"، دراسة مقارنة في القانون المقارن، طبعة أولى، 2005، ص. 11.

 

[10]-   Jacqueline Riffaut «Le blanchiment des capitaux, illicites, Le blanchiment de capitaux en droit comparé», Rev. sc. crim., 1999,  Doc., p. 232

 

[11]-    هدى قشقوش "جريمة تبييض الأموال في نطاق القانون الدولي– الجديد في أعمال المصارف"، جزء ثالث، الجرائم المتعلقة بأعمال المصارف، طبعة أولى، 2002 ، الحلبي، ص. 55 وما يليها، مغبغب "تهريب وتبييض الأموال"، مرجع سابق، ص. 23/ 24

 

[12]-   "Tous les groupes mafieux du monde se consacrent au blanchiment par absolue nécessité", Thierry Cretin, "Mafias du monde, Organisations criminelles transnationales, Actualités et perspectives", 4e édition, 2004, P.U.F., Paris, p. 223; Jean-François Couvrat, Nicolas Pless, "Cache cash, L’économie souterraine" in "La face cachée de l’économie mondiale", 1988, Hatier, p. 79.

 

[13]-   Ludovic Floret "Secret bancaire et fiscalité: deux obstacles à la coopération internationale dans la lutte anti- blanchiment", in "la criminalité organisée", Marcel Leclerc, 1996, Institut des Hautes Etudes de la sécurité Intérieure,  p. 181; Jean Lampert "Le secret bancaire, obstacle de taille dans la lutte contre la criminalité économique et plus particulièrement la fraude fiscale", in "La corruption, l’envers des droits de l’homme", Louis Joinet, Patrice Gillibert "Actes du IXe Colloque interdisciplinaire sur les droits", 1994, p. 65.

 

[14]-   Jean–François Thony, Jean–Paul Laborde, "Criminalité organisée et blanchiment", R.I.D.P., 1997, Chro.,  p. 412.

 

[15]-   ONU: A/ CONF. 203/ 13, op .cit.

 

[16]-   Thony, Laborde, Op. cit., p. 411 et suiv.

 

[17]-    سليمان عبد المنعم، "مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة - ظاهرة غسيل الأموال"، 1999¡ دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، ص. 17 يراجع ايضًا، مغبغب "تهريب وتبييض الأموال"، مرجع سابق، ص. 67 وما يليها، هيام الجرد "المد والجزر بين السرية المصرفية وتبييض الأموال – دراسة مقارنة للقوانين التي تحكم السرية المصرفية وتبييض الأموال"، طبعة أولى، 2004، الحلبي، بيروت، ص. 93 وما يليها.

        Cass.Crim., 7 avr. 1986, B.C., 1986, No.115; Robert Vouin, «Le recel et la détention de la chose», D., 1972, Chro., p. 281

[18]-    إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، الجمعية العامة قرار رقم 43/ 120، 8 كانون الأول/ ديسمبر 1988، الدورة 43، العادية، A/ RES/ 43/ 120

 

[19]-   Groupe d’Action Financière (GAFI) sur le blanchiment d’argent, Financial Action Task Force (FATF)

      http:/ / www.fatf-gafi.org/

[20]-   Najda Capus, "Le droit Pénal et la souveraineté partagée", Rev. sc. crim, Doc., 2005,  p. 251 et suiv.

 

[21]-    من هذه البنوك فروع في لبنان: HSBC, Société Générale, ABN Amro Bank

 

[22]-   Conseil de l’Europe, "Convention relative du blanchiment, au dépistage, à la saisie et à la confiscation des produits du crime", 8 nov. 1990, Strasbourg

 

[23]-   Conseil de l’Europe, "Action commune adoptée par le conseil sur la base de l’article K.3 du traité sur l’Union européenne", 98/ 299/ JAI, 3 déc.1998, Décision, cadre 2001/ 500/ JAL, "Concernant le blanchiment, l’identification, le dépistage, le gel ou la saisie et la confiscation des instruments et des produits du crime",  J.O.C.E., 5 juillet 2001, L.182, p. 1

      Conseil de l’Europe, Décision, cadre 2003/ 577/ JAI, "Exécution des décisions de gel de bien ou de preuves",  22 juillet 2003, J.O. C.E., 2 août 2003, L. 196,  p. 45

[24]-   Directive Européenne, 91/ 308/ CEE, du 10 juin 1991 relative à la prévention de l’utilisation du système financier aux fins de blanchiment des capitaux, J.O.C.E, 28 juin 1991, L. 166, modifiée par Directive 2001/ 97/ CE, 28 décembre 2001, J.O.C.E, 28 décembre 2001, L. 344

 

[25]-    هذه القوانين منشورة على الموقع الالكتروني لـ"مكتب الجرائم المالية التجارية" يضمّ هذا المكتب مجموعة من الخبراء العرب المتخصصين في مجال المال، المصارف، القانون والتقنية المعلوماتية: www.bcblebanon.com/ arabic/ rul_law.htm

 

[26]-   Loi No.90/ 614, du 12 juillet 1990, relative à la participation des organismes financiers à la lutte contre le blanchiment des capitaux provenant du trafic des stupéfiants, J.O., No.162, 14 juillet 1990, p. 8329

 

[27]-   Jean Cosson "Les délits en matière de banques et d’établissements financiers", Rev.sc.crim., 1973, Doc., p. 17; Jean Larguier, Philippe Conte "Droit pénal des affaires", 11e éd., 2004, Armand Colin, p. 241/ 242

 

[28]-    إعتبرت إتفاقية فيينا أن غسيل الأموال جريمة عمدية (م. 3 – البند الأول من الاتفاقية) من خلال النص على عنصر العلم كمضمون للركن المعنوي (أ- إخفاء أو تمويه حقيقة الأموال،... مع العلم أنها مستمدة، ب- تحويل أو نقل الأموال مع العلم.... ج- أو اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم.... مستمدة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية). اللافت في الاتفاقية جعلها جريمة استخدام عائدات الجرائم جريمة وقتية وليست مستمرة إذ تشترط توافر العلم بالمصدر غير المشروع للأموال وقت تسلمه. تقرر المادة 121-3 من ق.ع. الفرنسي الجديد "أن لا جناية ولا جنحة من دون أن تتوافر نية ارتكابها أي عمّم المشرّع الفرنسي من اشتراط ركن القصد في كل الجرائم بما فيها جريمة غسيل الأموال. لذلك لم يتعرّض في المادة 324-1 المضافة بقانون 13 أيار/ مايو 1996 لطبيعة الركن المعنوي، مما يغني عن ضرورة النص عليه خصوصًا بعدما جعله مبدأً عامًا. أما بالنسبة إلى عناصر العمد أو القصد، فيتمثّل هذا النشاط في فعل إيجابي أو في مجرد الامتناع وانصراف النية لفرض تحقيق النتيجة المحظورة قانونًا".  يراجع:

      Cass.crim., 7 déc. 1995, Rev.sc.crim., 1996, T:IV, Chro.,  p. 895; Cass.crim., 15 juin 1973, B.C., 1973, No 270

 

[29]-   Loi No.96-392 du 13 mai 1996 relative à la lutte contre le blanchiment et le trafic des stupéfiants et à la coopération internationale en matière de saisie et de confiscation des produits du crime, J.O., 14 mai 1996,

      http:/ / admi.net/ jo/ 19960514/ JUSX9400059L.html

[30]-   Cass. Crim., 7 déc. 1995, D., 1996, IR,  p. 84; J.C.P, 1996, IV,  p. 709

 

[31]-   Rapport du Groupe d’Action Financière International contre le blanchiment des capitaux (GAFI) issu du sommet de sept pays industrialisés tenu à Paris, 1989,  http:/ / www.fatf-gafi.org/ document

 

[32]-   Jean Larguier, "Droit pénal des affaires", 1986, Armand Colin, op. cit. p, 188; Cass.Crim. 12 avr. 1934, Gaz.Pal, 1934, I  p. 102; 12 mars 1923, B.C. 1923, No.137

 

[33]-   La loi relative à la lutte contre le blanchiment et le trafic des stupéfiants et à la coopération internationale en matière de saisie et de confiscation des produits du crime, op.cit.

 

[34]-   Cass. Crim: 7 déc. 1995, 23 oct.1997, 10 nov. 1999, Lamyline   www.lamylinereflex.fr

 

[35]-   Loi du 7 avril 1995 modifiant la loi du 11 janvier 1993 relative à la prévention de l'utilisation du système financier aux fins de blanchiment des capitaux, M.B. 10 mai 1995, No . 92, p. 12378

 

[36]-   Loi du 11 janv. 1993 relative à la prévention de l’utilisation du système financier aux fins de blanchiment des capitaux et de financement du terrorisme, M.B., 9 fév.1993

 

[37]-   Loi du 7 avr.1995, M.B. 10 mai 1995 p. 12378;  Loi du 3 mai 2002, M.B.  29 juin 2002, p. 9453;  Loi du 12 janv.2004, M.B. 23 janv. 2004 p. 4352; Loi 1 mai 2006, M.B. 10 mai 2006, disponibles sur les sites suivants: http:/ / www.ejustice.just.fgov.be/ tsv_pub/ index_f.htm

 

[38]-   Loi du 10 août 1998, M.B. 15 octobre 1993, p. 34267

      Loi du 4 mai 1999, M.B. 22 juin 1999.  p. 23411

[39]-   L’office Central de lutte contre la Délinquance Economique et Financière Organisée, crée par la directive ministérielle, No.93/ 1, 9 juin 1993

 

[40]-   Raymond Farhat "Le droit bancaire – Réglementation, Instruments, Etude de droit comparée", 1995, Collection Beryte, p. 159

 

[41]-    مالك عبلا، "قانون السرية المصرفية في لبنان وتبييض الأموال"، العدل، 2002، عدد 1، الدراسات، ص. 25

 

[42]-    قانون رقم 426/ 95 – إجازة إبرام إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية للعام 1998، 1995/ 5/ 15، ج. ر.، عدد 21، 1995/ 5/ 25، ص. 461

 

[43]-    قانون رقم 154/ 99، الاثراء غير المشروع،  1999/ 12/ 27،  مجلس النواب،  بيروت

 

[44]-    قانون رقم 253/ 2000 إلغاء الشركات الأوف شور المصرفية والمالية،  2000/ 12/ 30، ج. ر.، عدد 1، 2001/ 1/ 2، ص. 38114

 

[45]-    تعميم مصرف لبنان، رقم 7737، إنشاء وحدة التدقيق الداخلي بالعمليات والبيانات المالية، 2000/ 12/ 15، ج. ر.، عدد 59، 2000/ 12/ 21،  ص. 5166

 

[46]-    قرار مصرف لبنان رقم 7739 ، شروط تأسيس المصارف في لبنان، 2000/ 12/ 21، ج. ر.، عدد 14، 2001/ 3/ 29، ص. 943

 

[47]-    قانون رقم 547/ 2003، مكافحة تبييض الأموال، 10/ 20/ 2003، ج. ر.، عدد 48، 2003/ 10/ 22 ، ص. 157

 

[48]-    قرار مصرف لبنان رقم 7818، 18 أيار/ مايو 2001، ج. ر.، عدد 25، 2001/ 5/ 24، ص. 1955

 

[49]-    مصرف لبنان: اعلام رقم 3، ج. ر.، عدد 53، 2001/ 10/ 25، ص. 5122

 

[50]-    إعلان مصرف لبنان: تاريخ 2003/ 7/ 24، جريدة السفير اللبنانية، العدد 9555، 2003/ 7/ 25، ص.7

 

Money laundering as a banking penal crime


The financial sector constitutes one of the main pillars and the backbone of the local and international economic system. It plays a pivotal role in the field of offering financial services. Their relationship is integrated and is considered as a reflection of substantial relationships between countries. Therefore, one of the main objectives of the international economic system was to set the basics for a new world system on the financial and economic fields. Efforts were exerted to stabilize the currency and to provide money remittance services due to the huge importance of currency in the cycle of international and local economies. Furthermore, financial investment is considered as an important factor responsible for a prompt economic development, rather one of the most important growth factor and a prerequisite for a continuous economic activity on the local and international scale. However, in light of the globalization of the international economy, the growth of international financial stocks, the beginning of online stock market, electronic money transfer and executing transactions through the internet the transfer of capital became much easier. As usual, criminals benefited from this revolution in the world of communications and its products, especially the World Wide Web or the internet to transform the system of money transfer and using it to support illegal activities and to violate international and local monetary laws, taking advantage of the cover provided by this system since it is primarily based on getting rid of any documents or papers which might be used to track the money transfer movement to reveal any evidence of this movement when necessary  and this keeps them anonymous and behind the scenes.

Le blanchiment d’ argent comme crime pénal bancaire


Le secteur financier constitue l’un des principaux piliers et l’épine dorsale du système économique local et international. Il joue un rôle essentiel dans le domaine de l’offre de services financiers. Leur relation est intégré et reflète les relations importantes entre les pays. Par conséquent, l’un des principaux objectifs du système économique international consistait à élaborer les bases d’un nouveau système mondial au plan financier et économique. Des efforts ont été déployés pour stabiliser la monnaie et fournir des services de transfert de fonds en raison de l’énorme importance de la monnaie dans le cycle des économies locales et internationales. En outre, l’investissement financier est considéré comme un facteur  responsable d’un développement économique rapide, plutôt un facteur de croissance et une condition préalable à une activité économique continue à l’échelle locale et internationale.
Cependant, à la lumière de la mondialisation de l’économie internationale, la croissance des stocks financiers internationaux, le début de la bourse en ligne, le transfert d’argent électronique et l’exécution des transactions par Internet le transfert des capitaux est devenu beaucoup plus facile. Comme d’habitude, les criminels ont profité de cette révolution dans le monde de la communication et de ses produits, en particulier  l’Internet pour transformer le système de transfert d’argent et l’utiliser en vue de soutenir des activités illégales et de violer les lois monétaires internationales et locales, profitant de la couverture fournie par ce système car elle repose principalement sur le fait de se débarrasser de tout document ou des documents susceptibles d’être utilisés pour suivre le mouvement de transfert d’argent et révéler toute preuve de ce mouvement lorsque cela s’avère nécessaire. Ceci maintient leur anonymat.