وجهة نظر

تجربة موظف
إعداد: د. نبيل سرور
أستاذ جامعي ورئيس مصلحة في وزارة الإقتصاد والتجارة


اللامركزية... وتطوير العمل الإداري

إكتشفت من خلال تجربتي الشخصية في العمل الإداري في المجالين التنفيذي والرقابي على السواء، أن المواطن الذي يراجع الدوائر الحكومية لإنجاز معاملة، هو على حق عندما يعتقد جازمًا أن من يراجعه يملك الحل والربط.
لا يصدق المواطن عندما يقول له الموظف المسؤول إن معاملته تحتاج إلى موافقات وتواقيع جهات أخرى، سواء كانت هذه الجهات عليا أم دنيا، وعندما يسمع مثل هذه العبارات يعتقد بينه وبين نفسه أن الموظف يسوّف ويماطل لأنه غير راغب بإنجاز معاملته.
المواطن، ومعه حق، يعتقد أن المسؤول الذي يراجعه يملك الحل والربط ويعود إليه القرار في إنهاء المعاملات، وهو بالتالي لا يعذرك مهما كانت الأسباب.
ويشعر المواطن بالخيبة، وأحيانًا بالألم أو اليأس، عندما تقول له إن معالجة موضوعه تتطلب العودة للإدارة المركزية في العاصمة مثلاً أو الوزارة، أو جهة أخرى.
فالمهم بالنسبة إليه عندما يقف أمامك أن تجمع صلاحيات جميع الجهات الحكومية لتبدأ حل المشكلة، أو إنجاز معاملته، المهم أن تجد له الحل لا أن تقذفه إلى جهة أخرى.
ولعل هذه التجربة الشخصية التي مررت بها خلال عملي في المجالين التنفيذي والرقابي، هي التي كشفت لي أهمية اللامركزية الإدارية، فقمنا بإعطاء الصلاحيات الواسعة للفروع في جميع المحافظات، ولم يعد أي مواطن مضطرًا لمراجعة الإدارة المركزية لإنجاز معاملة.
وكانت لهذه التجربة في اللامركزية نتائج إيجابية خلال السنوات الماضية، استطاع أن يلمسها أي متعامل مع المؤسسة العامة للتأمينات الإجتماعية وفروعها في المحافظات.
لم تطبق اللامركزية كاملة، وإنما طبقناها جزئية، مما أتاح للمواطنين إنجاز معاملاتهم في محافظاتهم من دون العودة إلى العاصمة.
وكان المواطن قبل تطبيق تجربة اللامركزية يراجع العاصمة لأبسط الأمور متحملاً عناء التنقل ونفقات كبيرة غير مبررة، إضافة إلى إلهاء الإدارة في أعمال وورقيات لم يعد لها مكان أمام ثورة التقنيات والحاسوب. وقد ساعدتنا اللامركزية في تسريع تنفيذ خططنا وقراراتنا، وتفرغت الإدارة العامة إلى المراقبة والمتابعة وتنفيذ الخطط الإستراتيجية.
المسألة كانت في منتهى البساطة، لأن تطبيق اللامركزية من أجل إنجاز معاملات المواطنين بالسرعة المطلوبة لم يكن يتطلب سوى تفويض صلاحيات المدير العام إلى مديري فروع الإدارات في المحافظات.
هذا ما فعلناه... وكانت النتائج إيجابية جدًا ولمصلحة المواطن والمؤسسات والإدارات العامة في الوقت نفسه. وأرى أن هذه التجربة هي ترجمة ميدانية للتطوير والإصلاح الإداري.
أنتقل إلى موضوع آخر سبق أن طرحته من قبل وهو السيارات الحكومية التي تكلّف خزينة الدولة ملايين الليرات سنويًا.
أرى أن تبيع الحكومة السيارات العامة للأشخاص المخصصة لهم بأسعار معقولة، أو تسمح لمن لم يخصص بسيارة باستيرادها على حسابه من دون رسوم جمركية.
إن هذا المقترح يوقف الهدر الكبير للأموال العامة التي تنفق على الإصلاح والصيانة وقطع التبديل والمحروقات، ويمكن تخصيص مبلغ شهري مقطوع لأصحاب السيارات الحكومية يغطي محروقاتها وتكاليف صيانتها الخ...
وفي ما يتعلق بسيارات الخدمة يمكن الإستغناء عنها كليًا وتوفير ما تستنزفه من مليارات سنويًا على الإصلاح والصيانة والمحروقات، وذلك من خلال منح تعويض انتقال، للعاملين في المؤسسات الحكومية يغطي نفقات الذهاب والإياب في مواقع العمل.
ولو قامت لجنة حكومية بدراسة مالية لتنفيذ هذين المقترحين لاكتشفت حجم المبالغ الكبيرة التي تستنزفها السيارات، والتي يجب أن تصرف في مجالات التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
هو مقترح قديم نأمل أن يستأثر باهتمام الجهات العليا خدمة للمصلحة العامة أولاً وأخيرًا.