كلمات ليست كالكلمات

تحرير أم احتلال؟
إعداد: العميد الركن الياس فرحات مدير التوجيه

الأسباب المعلنة للحرب على العراق متعددة, لكن الترويج المستمر لها, منذ نحو سنة أو اكثر, لم يقنع المجتمع الدولي, لذلك شهد العالم اضخم عملية إعلام وعلاقات عامة وضغط سياسي من قبل الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا تجري حتى الآن, شملت الصحافة المكتوبة والمحطات التلفزيونية والندوات السياسية ومراكز الأبحاث والسياسات, وترافقت مع ضغوطات سياسية واقتصادية على دول عديدة, من اجل الحصول على التأييد.
أول هذه الأسباب هو حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل, فبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 دخل المفتشون الدوليون اليه بناء لقرار مجلس الأمن, ودمروا ترسانته الصاروخية, وقوضوا إمكانية تطوير أي سلاح نووي أو كيماوي أو بيولوجي فيه, وتمّ فرض حصار شديد على البلاد منذ عام 1990, وتعذّر إدخال أي مادة اليها إلاّ بناءً لموافقة الأمم المتحدة, ووفقاً لبرنامج النفط مقابل الغذاء.
رغم ذلك وافق العراق على القرار 1441, وعاد المفتشون مرة ثانية يرافقهم خبراء وكالة الطاقة النووية الدولية, فبحثوا وفتشوا ولم يعثروا على شيء, وكانت الحجة غير مقنعة, والهدف كان واهياً, فها هي القوات الاميركية البريطانية لم تجد بعد احتلال العراق ­ أقلّه حتى كتابة هذه السطور ­ أثراً لسلاح دمار شامل, واذا اعلن عن شيء مستقبلاً, فإن السلطة الصالحة للإقرار بوجود مثل هذه الأسلحة هم المفتشون الدوليون وليس غيرهم.
إضافة الى ذلك, ها هي كوريا الشمالية تعلن جهاراً عن تطوير اسلحتها, وتنسحب من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية, وتطرد المفتشين, وتجري تجارب صاروخية, بينما لا يتركز الاهتمام إلاّ على اتهام العراق.
السبب الثاني هو إحلال الديموقراطية في العراق وتغيير نظامه السياسي, ففجأة وبعد 35 سنة من عمر هذا النظام تستيقظ الغيرة على الديموقراطية وحقوق الانسان. والكل يعرف انه خلال تلك الفترة شهد النظام العراقي تعاوناً كبيراً ووثيقاً مع من تحالفوا للهجوم عليه. والغريب ان العراق حين شنّ حرباً على ايران, كان حليفاً للديموقراطية وحقوق الانسان, اما اليوم فإن إعلام القوى المهاجمة يتحدث عن خرق حقوق الانسان وغياب الديموقراطية فيه. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يتمّ دعم الجماعات المعارضة من اجل تحقيق تلك الديموقراطية المزعومة, بدلاً من حشد الأساطيل, واستقدام القوى عبر آلاف الأميال, واللجوء الى قصف تدميري لم يشهد التاريخ مثيلاً له, وقتل المدنيين الأبرياء, واستباحة حرمات البلاد, واللجوء الى تعطيل المؤسسات وانتشار الفوضى فيها تحت انظار واسماع قوات الاحتلال الاميركي البريطاني؟ إن كان ذلك يحصل من اجل تحقيق الديموقراطية وحرية العراقيين, فيبدو ان التحرير سيكون من البشر بعد ان قتل من قتل منهم, ومن المؤسسات بعد ان دمّر ما دمّر منها, ومن البنى التحتية التي لم يعد لها اثر.
السبب الثالث هو ان العراق بلد يشكل خطراً على جيرانه, وها هم هؤلاء, ايران وتركيا وسوريا والاردن والسعودية, وحتى الكويت, يعلنون رفضهم للحرب.
اما السبب الرابع فهو اتهام العراق بالتعاون مع الإرهاب, وهذا هدف يحظى باهتمام الشعب الاميركي الذي عانى من العملية الارهابية في واشنطن ونيويورك في 11 ايلول سنة 2001, ومذ ذاك بدأت الأجهزة تنسج اخباراً عن اتصالات بين تنظيم القاعدة والعراق, لكنها لم تنجح لأن هناك خلافاً ايديولوجياً كبيراً وعميقاً ودامياً بين العراق وجميع التنظيمات الإسلامية, لا سيما القاعدة, وبالتالي لم تنجح حملة العلاقات العامة تلك إلا في استغباء الناس حول هذه القضية, والاستخفاف بعقولهم.
... هذه الاسباب لم تقنع شعوب العالم, فكانت نتائج استطلاعات الرأي معارضة بشكل شامل للحرب, كما ان القوى السياسية الناشطة قامت بتنظيم مظاهرات في معظم مدن العالم ضد الحل العسكري, كما ان هذه الاسباب لم تقنع المراجع الدينية في العالم, فكانت صيحات الاحتجاج من الكرسي الرسولي في الفاتيكان, والكنيسة الانغليكانية في بريطانيا, وقسم كبير من كنائس البروتستانت في الولايات المتحدة الاميركية والكنائس الشرقية بأكملها, اضافة الى المراجع الاسلامية كافة. الأمم المتحدة هي الاخرى لم تقتنع ايضاً, وهذه كانت حال مجلس الأمن, فقد فشلت الدولتان المهاجمتان في الحصول على تأييد اعضاء المجلس, فاتخذتا القرار المنفرد بالهجوم, ضاربتين عرض الحائط بكل المواثيق والقوانين الدولية.
كل الاسباب, لم تبرّر حشد هذا الجيش الجرار من اجل الهجوم على العراق واحتلاله, فهل يكون الهدف الحقيقي هو الاحتلال والسيطرة على الثروات, وخصوصاً النفطية, التي يقال ان المعلن منها كبير, والمخفي أكبر وأكبر ويستحق مثل هذه الحملة؟ فلنعلن اسماً للحملة: “حملة السيطرة على نفط العراق”, فذلك أصدق وأشرف من ان تغلّف بشعارات الحرية وحقوق الانسان والديموقراطية.
الشعب العراقي الذي عانى من استبداد النظام القائم لن يرضى بالاحتلال في الوقت عينه, والكلمة الأولى والأخيرة في هذا المجال هي له وحده.